الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حكم حكاية السؤال بالهمزة]
قال ابن مالك: (فصل: إن سأل بالهمزة عن مذكور منكر اعتقاد كونه على ما ذكر، أو بخلافه، حكاه غالبا ووصل منتهاه، ولو كان صفة أو معطوفا في الوقف جوازا، بمدّة تجانس حركته إن كان متحرّكا، أو بياء ساكنة بعد كسرة، إن كان تنوينا، أو نون «إن» تلي المحكيّ توكيدا للبيان، وربّما وليت دون حكاية ما يصحّ به المعنى كقول من قيل له: أتفعل: أأنا إنيه؟ وقد يقال: أذهبتوه لمن قال: ذهبت، وأ أنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل، فإن فصل بين الهمزة
والمذكور «تقول» أو نحوه، أو كان السّائل واصلا، أو غير منكر ولا متعجب لم تلحق هذه الزّوائد).
ــ
ضرب فعل ماض، ومن حرف جر؛ لأن «ضرب» إنما يكون فعلا ماضيا إذا كان آخره مفتوحا، لا إذا كان آخره مضموما، وحرف الجر إنما هو «من» بالسكون لا «من» بالحركة وإذا كان كذلك، وجب بقاء كل من الكلمتين على بنائه الذي هو موضوع عليه.
أما لو ذكرت الكلمة مخبرا عنها بأمر ليس ذلك الأمر موضوعها، كما في قول الشاعر:
4181 -
إن لوّا وإنّ ليتا عناء (1)
أو كان القصد بذكرها مجرد اللفظ بها كما في الحديث الشريف: «وأنهاكم عن قيل وقال» - فإن الإعراب جائز كما أن الحكاية جائزة (2).
قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (3): «حرف الإنكار مدّة زائدة تلحق المحكيّ بعد همزة الاستفهام، متصلة بآخره، مجانسة لحركته، أو بعد كسرة تنوينه إن كان منونا، أو بعد كسرة نون «إن» مزيدة بعد الآخر، كقولك في: هذا -
(1) سبق شرحه والتعليق عليه في باب أسماء الأفعال والأصوات.
(2)
انظر الكتاب (3/ 268).
(3)
انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1725، 1726).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عمر: أعمروه؟ وفي رأيت عثمان: أعثماناه؟ وفي لقيت حذام: أحذاميه (1)؟
وفي قدم زيد: أزيدنيه؟ أو أزيد أنيه؟ وله معنيان:
أحدهما: إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب.
والثاني: إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر.
ومن الثاني قول رجل من العرب إذ قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟: أأنا إنيه؟ منكرا لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج (2)، وهذا إنكار بلا حكاية، وكذا قولك: أأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل، وإن فصلت هذه الهمزة بقول لم يجز لحاق مدة الإنكار، كقولك لمن قال: هذا عمر: أتقول عمر؟ وكذلك إذا لم يكن المنكر واقفا كقولك لمن قال: رأيت عثمان: أعثمان يا فتى؟ وكذا إذا لم يكن المستفهم منكرا.
وإن كان الواقع بعد هذه الهمزة منعوتا، أو معطوفا أو معطوفا عليه، فموضع حرف الإنكار آخر النعت وآخر المعطوف، كقولك لمن قال: لقيت زيدا وعمرا: أزيدا وعمرنيه؟ ولمن قال: ضربت زيدا الطويل: أزيدا الطويلاه؟» انتهى.
واعلم أن مدة الإنكار لما كانت تتصل غالبا بما يحكى أورد المصنف ذكر أحكامها في باب «الحكاية» فعقد لها هذا الفصل، ثم من المعلوم أن المراد بالاستفهام هنا إنما هو الإنكار؛ إذ الإنكار أحد المعاني التي تتولد منه، وإذا كان الأمر كذلك فلا يناسب قوله: إن سأل بالهمزة عن مذكور منكر - لأن المنكر ليس بسائل، وقوله في شرح الكافية:«حرف الإنكار مدة زائدة تلحق المحكي بعد همزة الاستفهام» أحسن من قوله هنا: إن سأل بالهمزة، وقد عرف من كلامه - أعني في التسهيل - ثلاثة أمور:
الأول: أن مدة الإنكار لا بد أن تتقدمها همزة، وإنما كان كذلك لأن المراد الإنكار، والمدة لا دلالة لها عليه، وإنما الدال عليه الهمزة. -
(1) انظر الكتاب (2/ 421)(هارون).
(2)
انظر الكتاب (2/ 420)(هارون).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثاني: أن لحاقها الكلمة جائز لا واجب، فلك مع قصد الإنكار أن لا تلحق وهذا يحقق لك أن الإنكار إنما يستفاد من الهمزة.
الثالث: أنها إذا لحقت فإنما تلحق المحكي في الغالب، فأفاد ذلك أنها قد تلحق غير المحكي؛ لكن ذلك قليل.
وإذ قد علم هذا فلنرجع إلى شرح ألفاظ الكتاب.
فقوله: إن سأل بالهمزة - قد عرف اشتراط ذلك، أعني تقدم الهمزة.
وقوله: عن مذكور - إعلام بأنه لا بد أن يسبق في كلام المتكلم الكلمة التي تلحقها المدّة المذكورة، فلو لم يتقدم ذكر لم تلحق العلامة، كما لو أنكرت ابتداء ضرب عمرو مثلا لقلت: أضربت عمرا؟ دون إلحاق.
وقوله: منكر اعتقاد كونه على ما ذكر أو بخلافه - قد تقدم بيانه بما ذكره في شرح الكافية حيث قال: إن له معنيين أحدهما: إنكار أن يكون الأمر على ما ذكر المخاطب، والثاني: إنكار أن يكون على خلاف ما ذكر. ومثّل للثاني بقول بعض العرب، وقد قيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟: أأنا إنيه؟ منكرا لرأيه أن يكون على خلاف أن يخرج،
المعنى: كيف لا أخرج إن أخصبت البادية؟
والذي فهمته أنه منكر على نفسه أن لا يخرج؛ حيث اقتضى استفهام المتكلم أن المخاطب بالاستفهام يستوي عنده الأمران، أو أنه قد لا يخرج، فلما اقتضى كلام المتكلم ذلك أنكر المخاطب ذلك على نفسه، كأنه يقصد بذلك الرد على ما توهمه المستفهم، والشيخ جعله منكرا لرأي المتكلم أن يكون على خلاف الخروج.
وما قاله الشيخ ليس ببعيد، والأمر في ذلك قريب؛ إذ المراد حصول الإنكار في الجملة كائنا على من يكون. -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 214.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم قال الشيخ (1): «وأنا في قوله: أأنا إنيه؟ مرفوع بأخرج لأن «أنا» هو المضمر في: أتخرج؟ فأدخل الهمزة على ذلك الكلام» انتهى.
ولم أتحقق قوله: «لأن أنا هو المضمر في أتخرج؟» لأن المضمر في «أتخرج» إنما هو «أنت» إلا أن يريد الشيخ بهذا الذي قاله [5/ 214] أن «أنت» المضمر في «أتخرج» المراد به إنما هو المخاطب الذي عبّر عن نفسه بـ «أنا» فذاك شيء آخر، ثم إذا كان «أنا» مرفوعا بـ «أخرج» كما قال، لزم أن يكون منكرا أن يخرج، والغرض أنه منكر أن لا يخرج.
والذي يظهر أن «أنا» مبتدأ خبره محذوف، التقدير: أأنا لا أخرج؟ يدل على ذلك سياق الكلام المتلوّ بالإنكار.
وقوله: حكاه غالبا - إشارة إلى أن مدة الإنكار قد يؤتى بها دون حكاية، وسيذكر ذلك.
وأما قوله: ووصل منتهاه، إلى قوله: إن كان تنوينا - ظاهر، وقد تضمن نقلنا عنه من شرح الكافية شرح ذلك.
ولما تكلم الشيخ على قوله: أو بياء ساكنة بعد كسرة إن كان تنوينا؛ ومثّل لذلك بقولك لمن قال: قام زيد: أزيدنيه؟ قال (2): «فإن كان قد حذف آخر الاسم لأجل التنوين نحو: رام وعصا، فالقياس أن يكسر كتنوين زيد لأنه حال وصل فيرجع المحذوف حينئذ فتقول: أعصانيه؟ وأرامينيه؟ وإنما رجع لأن سبب حذفه كان سكون التنوين وقد زال العارض بتحريكه. وقد يقال: حكمه حكم الأول إبقاء للحكاية، فتقول: أرامنيه؟ وأعصنيه؟ فلا يرد المحذوف.
فإن كان الآخر ساكنا لا يقبل الحركة نحو: موسى والقاضي، وتغزو وترمي، فتقول في الإنكار: أموساه؟
وأألقاضيه؟ فتأتي بمدة الإنكار مناسبة للحرف الساكن، ويحذف ذلك الحرف لالتقاء الساكنين كما تحذفه في نحو: موسى الكتاب، ويرمي الرجل، وقيل: لا يكون هذا لأنه يقدح الحكاية، وإنما الوجه أن يفصل بين الاسم وبين حرف الإنكار بـ «إن» ، فتليه النون مع المد فيرجع حرف المد -
(1) المرجع السابق.
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 214.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ياء فتقول: أموسى إنيه؟ وكذلك في كلها وهو الصحيح، وقد قالوا: أأنا إنيه؟ ولو كان الأول لقالوا: أأنا؟
فإن كان الحرف ياء إضافة في لغة من سكّن، فلك أن تحذف كما حذفت في النّدبة حين قلت: واغلاماه على قول من لا يلحق «إن» ولا يجوز ذلك على قول من يلحقها لزوال الحكاية، بل يأتي بـ «إن» والفرق بينها وبين النّدبة قصد الحكاية».
ثم لما تكلّم على نون «إن» قال (1): فإذا أكدت بـ «إن» لزم إذ ذاك أن يكون حرف الإنكار ياء لأن قبلها ساكنا يقبل الحركة، فتقول مثلا لمن قال: قام أحمد:
أحمد إنيه؟ فإن كان آخر الاسم منوّنا وألحقت «إن» جاز فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: إقرار التنوين ساكنا وتحقيق همزة «إن» فتقول: أزيد إنيه؟
والثاني: نقل كسرة الهمزة إلى التنوين وتحريكه بحركتها وتحذفها، فتقول:
أزيدننيه؟
والثالث: أن تدغم نون التنوين في نون «إن» المكسورة بعد النقل المذكور فتقول: أزيدنّيه؟
وذكر بعد ذلك عن ابن هشام وابن أبي الربيع كلاما يتضمن أن الهمزة حذفت وأدغمت التنوين في النون المكسورة للحاق مدة الإنكار، قال (2): وقال ابن أبي الربيع:
ولا يقال إن الهمزة نقلت كسرتها فالتقت النونان فوقع الإدغام. وأطال الكلام في تقرير كلام ابن أبي الربيع فتركت إيراده لك خشية الإطالة.
وأما قوله - أعني المصنف -: وربّما وليت دون حكاية ما يصحّ به المعنى كقول من قيل له: أتفعل: أأنا إنيه؟ - فقد عرفت قوله في شرح الكافية: «وهذا إنكار بلا حكاية» مشيرا بذلك إلى قول القائل: أأنا إنيه؟ جوابا لمن قال له:
أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقد وليت «إن» دون حكاية الضمير الذي هو «أنا» وهو يصح به المعنى. -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 214، 215.
(2)
المرجع السابق (خ) جـ 5 ورقة 215.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الشيخ (1): «لأنه قال: أتخرج؟ فخاطبه وفي «تخرج» ضمير الخطاب مستكنّا فلا يبرز فتلحقه «إن» فأدخله على «أنا» ولم يحك كلام القائل وصح به المعنى والإنكار الذي أراده، قال: وقال سيبويه (2): ومن قال: أذهبتوه؟ قال:
أأناه؟ يريد أنه يدخل المدّة على «أنا» فيقول: أأناه؟ وتأويل القائل أنه حذف الألف الأولى خطأ بيّن؛ لأنه لا ألف؛ لأن الألف في الوقف وكتبها «أنا» بالألف إنما ذلك على حالة الوقف كما يكتبون: رأيت زيدا بالألف لتبيين حالة الوقف» انتهى.
وهو كلام حسن إلا أني لم أتحقق قوله: «فأدخله على أنا» لأن «إن» لم تدخل على «أنا» في قول القائل: أأنا إنيه؟
وأما قوله: وقد يقال أذهبتوه؟ لمن قال: ذهبت، وأأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل فأشار به إلى مسألتين:
الأولى:
حكى فيها كلام المتكلم، ووصلت علامة الإنكار بآخر الجملة، وكانت «واوا» لأجل ضمة التاء، ودلت كلمة «قد» على أن إلحاق العلامة في نحو هذا قليل، وكان قياسه أن لا يحكى، بل يقال: أأنت إنيه؟ لأن الضمير في «ذهبت» لا ينفصل، فتلحقه علامة الإنكار، فكان يكون نظير: أأنا إنيه؟ حيث لم يمكن انفصال الضمير في «أتخرج؟» هذا كلام للشيخ (3) وعليك أن تتأمله.
المسألة الثانية:
هي أن يقال: أأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل.
قال الشيخ (4): «أمكن إدخال الهمزة وإلحاق العلامة في أنا؛ لأنه ضمير منفصل» انتهى. -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 215.
(2)
عبارة الكتاب (2/ 422)(هارون): «وقد يقول الرجل: إني قد ذهبت، فتقول:
أذهبتوه؟ ويقول: أنا خارج، فتقول: أنا إنيه؟ تلحق الزيادة ما لفظ به، وتحكيه مبادرة له وتبيينا أنه ينكر عليه ما تكلّم به».
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 215.
(4)
المرجع السابق.