الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثامن والستون باب الإخبار
[شروط الاسم المخبر عنه]
قال ابن مالك: (شرط الاسم المخبر عنه في هذا الباب إمكان الاستفادة والاستغناء عنه بأجنبيّ، وجواز استعماله مرفوعا مؤخّرا هو أو خلفه المنفصل مثبتا منوبا عنه بضمير، وأن يكون بعض ما يوصف به من جملة أو جملتين في حكم واحدة، وإن كان معطوفا أو معطوفا عليه فيشترط اتّحاد العامل حقيقة أو حكما).
قال ناظر الجيش: أطلق المصنف الترجمة هنا، ومراده الإخبار بـ «الذي» وفروعه وب «الألف واللام» ، وليعلم أولا أن الإخبار في هذا الباب إنما هو عن الذي؛ حتى قال ابن أبي الربيع رحمه الله تعالى: «جواب النحويين في هذا الباب مخالف لسؤالهم، فإنهم قالوا في جواب: أخبر عن زيد بالذي، من: قام زيد:
الذي قام زيد، فجعلوا «الذي» مبتدأ و «زيدا» خبره. وهو عكس السؤال، قال:
وقد تكلم المتأخرون في ذلك فقال بعضهم: هو على القلب، والقلب إذا فهم المعنى صحيح في كلامهم، حكى سيبويه: أدخلت القلنسوة في رأسي، وإنما الكلام:
أدخلت رأسي في القلنسوة، وعلى هذا أخذ المبرد قوله تعالى: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ (1) التقدير: ما
إن العصبة لتنوء بمفاتحه، والنّوء:
النهوض بثقل، والعصبة الجماعة من الإبل، وكذا قول امرئ القيس:
4182 -
كما زلّت الصّفواء بالمتنزّل (2)
وقول الآخر: -
(1) سورة القصص: 76.
(2)
هذا عجز بيت من الطويل وصدره:
كميت يزلّ اللّبد عن حال متنه
وهو في ديوانه (ص 20).
واستشهد به: على أن قوله «كما زلت الصفواء بالمتنزل» على القلب أي: كما زل المتنزل بالصفواء، والبيت في حاشية الدمنهوري (ص 91)، واللسان (صفا) و «الصفواء»: العريض من الحجارة الأملس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4183 -
ديار الّتي كانت ونحن على منى
…
تحلّ بنا لولا نجاء الرّكائب (1)
أي كما زل المتنزل بالصفواء، ويحل بها، ثم قلت: لفهم المعنى، وسيبويه والأكثرون يذهبون إلى أن الباء بمنزلة الهمزة والتقدير: ما إن مفاتحه لتنيء العصبة أي: تجعلها تنهض بثقل، وكذلك كما أزلت الصفواء المتنزل وتحلنا، وجعلوا هذا كله بمنزلة: تكلم فلان فما سقط بحرف، المعنى: فما أسقط حرفا.
وعلى الجملة قد اتفق النحويون على صحة القلب واستقراره في كلام العرب، وإنما وقع اختلافهم في حزبيات: يذهب واحد إلى القلب، ويذهب آخر إلى غيره لما يترجح عنده، فجاء كلام النحويين في هذا على القلب الثابت من كلامهم، فيكون مرادهم بقولهم: أخبر عن زيد بالذي: أخبر عن الذي بزيد، ومنهم من قال: هذا على وضع حرف مكان حرف، التقدير: أخبر عن الذي بزيد، فوضع «عن» موضع «الباء» ووضع «الباء» موضع «عن» ، وقد جاء قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (2) أي: عنه، وقالوا: رميت عن القوس أي: بالقوس، والتأويل الأول عندي أقرب، لأن البصريين لا يرون هذا الثاني (3)، وقيل: لما كان المعنى واحدا تسامحوا في الجواب والسؤال، ألا ترى أنك إذا قلت: الذي قام زيد، وزيد الذي قام - لم يكن بينهما فرق في المعنى.
وكان الأستاذ أبو علي (4) يذهب إلى أن معنى: أخبر عن زيد بالذي: أخبر عن زيد معبرا عنه بالذي، لأنك حين قلت: الذي قام زيد كأنك قلت: زيد قام ويقع على زيد «الذي» ، فقد عبّرت عن الشخص المسمى بزيد بالذي قام، وجعل هذا -
(1) البيت من الطويل وهو لقيس بن الخطيم في ديوانه (ص 77)، ومنى موضع بمكة، وتحل بنا أي:
تجعلنا نحل، والركائب: جماعة العير التي تأتي أهلها بالطعام.
واستشهد به على أن قوله: «تحل بنا» على القلب أي: يحل بها، والبيت في اللسان (حلل).
وفي اللسان (حلل): «وأحلّه المكان وأحلّه به وحلله به وحل به: جعله يحل، عاقبت الباء الهمزة» .
(2)
سورة الفرقان: 59.
(3)
مذهب البصريين أن أحرف الجر لا ينوب بعضها عن بعض بقياس كما أن أحرف الجزم وأحرف النصب كذلك، ومذهب الكوفيين وبعض المتأخرين جواز ذلك.
انظر المغني (ص 111)، وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (رسالة)(ص 288).
(4)
أي الشلوبين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمنزلة: خرج زيد بثوبه أي معه ثوبه، وكذلك أخبر عن زيد بالذي أي ومعك الذي» انتهى ما ذكره ابن أبي الربيع رحمه الله تعالى.
والذي يظهر أن الذي قاله الأستاذ أبو علي، هو الحق، وهو أن معنى: أخبر عن زيد بالذي: أخبر عن زيد معبرا عنه [5/ 216] وبالذي، أي عن مسمّى زيد معبرا عن ذلك المسمّى بالذي، وذكر أهل هذه الصناعة أن المقصود من وضع هذا الباب إنما هو التدريب في الامتحان في استحضار الأحكام (1).
ثم إن الكلام في هذا الباب يتعلق بأمرين: أحدهما: يرجع إلى كيفية الإخبار، وثانيهما: يرجع إلى شروط الاسم المخبر عنه، وأنا أذكر أولا كلامه في شرح الكافية ثم أعود إلى لفظ الكتاب.
قال (2) رحمه الله تعالى: المخبر عنه في هذا الباب هو المجعول في آخر الجملة خبرا لموصول مبتدأ تصدر به الجملة، فإذا عين لك اسم من جملة وقيل لك: كيف تخبر عنه؟ فصدّر ما يطابقه من «الذي» وفروعه مجعولا مبتدأ، وأخّر المسؤول عنه مجعولا خبرا، واجعل في موضعه ضميرا يخلفه فيما كان له من الإعراب عائدا إلى الموصول
مطابقا له، وما بين الخبر والموصول صلة له.
قال ابن السراج (3): وإنما قال النحويون: أخبر عنه وهو في اللفظ خبر؛ لأنه في المعنى مخبر عنه، فإن أخبرت عن «التاء» من قولك: بلّغت من الزّيدين إلى العمرين رسالة قلت: الذي بلّغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا، فإن أخبرت عن «الزيدين» قلت: اللذان بلّغت منهما إلى العمرين رسالة الزيدان، فإن أخبرت عن العمرين، قلت: الذين بلّغت من الزيدين إليهم رسالة العمرون، فإن أخبرت عن «الرسالة» قلت: التي بلّغتها من الزيدين إلى العمرين رسالة.
وأما شروط الاسم الذي يخبر عنه:
فبدأ (4) منها بذكر جواز تأخيره منبها بذلك على أن الواجب التقديم لا يخبر عنه كـ «ضمير الشأن» . -
(1) انظر الأشموني (4/ 53).
(2)
انظر: شرح الكافية الشافية (4/ 1772).
(3)
انظر أصول النحو (رسالة)(2/ 282).
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1772) وقد نقله عنه بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وثنّى بذكر جواز رفعه منبها به على أن ما لا يرفع لا يخبر عنه كغير المتصرف من الظروف والمصادر.
وثلّث بذكر جواز الاستغناء عنه بأجنبي منبها به على امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة كالهاء من قولك: زيد ضربته، قال (1):«فإنها عائدة قبل ذكر الموصول على بعض الجملة، فلو أخبرت عنها لخلفها مثلها في العود إلى ما كانت تعود إليه، ولطلب الموصول عوده إليه، فيلزم من ذلك عود ضمير واحد إلى شيئين في الحال، وذلك محال، فلو كان الضمير عائدا إلى الاسم من جملة أخرى جاز الإخبار عنه نحو أن يذكر إنسان فتقول: لقيته، فيجوز الإخبار عن «الهاء» فيقال: الذي لقيته هو، نبه على ذلك الشلوبين (2) مستدركا على الجزولي (3) في قوله: وأن لا يكون قبل الإخبار عائدا على شيء».
وربّع بذكر جواز الاستغناء عنه بمضمر منبها بذلك على أنه لا يخبر عن مصدر عامل، ولا عن موصوف دون وصفه، ولا عن مضاف دون المضاف إليه.
وخمّس بذكر جواز الاستغناء عنه بمثبت منبها به على أنه لا يخبر عن «أحد» ولا «عريب» ولا «ديّار» ونحوها من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي.
وسدّس بذكر جواز الاستغناء عنه بعادم التنكير منبها به على أنه لا يخبر عن تمييز ولا حال، قال (4):«وكان في اشتراط جواز الاستغناء عنه بمضمر ما يغني عن هذا الشرط؛ لكن ذكرته زيادة في البيان، وإذا كان المخبر عنه ضميرا متصلا جيء بدله بمنفصل يوافقه معنى كـ «أنا» في مسألة: الذي بلّغ من الزيدين إلى العمرين رسالة أنا»، هذا كلامه.
وقد بقي شرط سابع لم يذكره وهو: أن تكون الجملة المشتملة على الاسم الذي يقصد الإخبار عنه صالحة لوقوعها صفة، وذلك بأن تكون خبرية؛ لأن الجملة التي هو فيها لا بد أن تصير صلة الموصول الذي يجعل مبتدأ، والجملة الطلبية لا يوصل بها.
وإذ قد عرف هذا فلنرجع إلى شرح ما في الكتاب، وقد بدأ المصنف بالكلام -
(1) أي المصنف في شرح الكافية الشافية (4/ 1774).
(2)
ليس في التوطئة، وانظر الهمع (2/ 147).
(3)
انظر الهمع (2/ 147).
(4)
أي المصنف في شرح الكافية الشافية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على الشروط المعتبرة في الاسم المخبر عنه، وعقّب ذلك بالكلام على كيفية الإخبار.
أما قوله: إمكان الاستفادة - فقال الشيخ (1): «إنه احتراز من أن يكون الاسم ليس تحته معنى، فلا يمكن أن يصير خبرا عن شيء، قال: وذلك نحو الأسماء المضافة في الكنى وفي غيرها من الأعلام المضافة نحو: بكر من قولهم: أبو بكر، وقزح من قولهم: قوس قزح، وثواني المركبات تركيب مزج إذا أعربت إعراب المتطابقين، فلو أخبرنا عن ذلك لم يمكن استفادة؛ لأن ذلك يكون كذبا» انتهى.
وأقول: إذا كان الاسم ليس تحته معنى فكيف يصح الإخبار به أو الإخبار عنه؟
وكيف يتصور حصول فائدة إذ ذاك؟ والحق أن ذكر هذا لا فائدة فيه؛ إذ شرط الاستفادة قد تبين أنه لا حاجة إليه، بل ينبغي أن يذكر.
وهذه الكلمة التي هي «الاستفادة» لم تكن في أصل النسخة التي قرأتها على الشيخ، ولكنها في الهامش معلّم عليها أنها في بعض النسخ.
وأما الاستغناء عنه بأجنبيّ فقد عرفت معناه بما ذكره في شرح الكافية، وأنه أراد به امتناع الإخبار عن ضمير عائد على بعض الجملة كـ «الهاء» من قولك: زيد ضربته، قال الشيخ (2): «ومثال ذلك: زيدا في: ضربت زيدا؛ فإنك تقول:
ضربت عمرا، وكذلك في: زيد قائم، لك أن تقول: عمرو قائم؛ بخلاف الهاء في نحو: زيد ضربته، فلا يجوز فيه: زيد ضربت عمرا».
وأما جواز استعماله مرفوعا - فقد عرفت مراده به، وأن الاحتراز بذلك عن غير المتصرف من الظروف والمصادر. وقال الشيخ (3):«إنه احتراز من الأسماء التي لزمت حالا واحدة ولم يتصرف فيها؛ فمنها ما وجب رفعه وذلك: ايمن في القسم و «ما» التعجبية، أو نصبه نحو: سبحان الله وبابه و «سحر» معينا وأخواته».
وأما جواز استعماله مؤخّرا - فقد عرفت أن الاحتراز بذلك عن واجب التقديم كـ «ضمير الشأن» وكذا كل ما لازم الصدر كـ «أسماء الشرط» [5/ 217] و «أسماء الاستفهام» و «كم» الخبرية.
وأشار بقوله: أو خلفه - إلى ما ذكره في شرح الكافية من أن المخبر عنه إذا كان -
(1) انظر التذييل.
(2)
،
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 217.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ضميرا متصلا جيء بدله بمنفصل يوافقه معنى كما إذا أخبرت عن «التاء» من:
بلّغت، قلت: الذي بلّغ أنا.
وأما جواز استعماله مثبتا - فقد عرفت أنه احترز به عما لا يستعمل إلا في النفي كـ «أحد» و «عريب» و «ديّار» كما تقدم ذكر ذلك.
وأما جواز استعماله منوبا عنه بضمير - فقد عرفت أن المصنف نبّه بذلك على أنه لا يخبر عن مصدر عامل ولا عن موصوف دون وصفه، ولا عن مضاف دون المضاف إليه، وكذا لا يخبر عن الاسم المجرور بـ «حتى» ولا المجرور بـ «مذ» أو «منذ» لما علم من أن مجرورهن لا يكون إلا ظاهرا (1).
ودلّ كلام المصنف على أنه إذا أخبر عن الموصوف وصفته معا، أو عن المضاف والمضاف إليه معا - جاز، وكذا إذا أخبرت عن المصدر العامل ومعموله معا جاز أيضا. ومثال ذلك أن يقال: سرّ أبا زيد قرب من عمرو الكريم، فلا
يجوز الإخبار عن «أب» ؛ لأن الضمير لا يضاف، ولا عن «قرب» لأن الضمير لا يتعلق به جار ومجرور، وأما «عمرو» و «الكريم» فلأن الضمير لا يوصف ولا يوصف به (2)، وإنما يجوز الإخبار من هذا التركيب عن «زيد» وحده، فيقال: الذي سرّ أباه قرب من عمرو الكريم زيد، نعم إذا أخبرت عن المضاف والمضاف إليه معا، أو عن المصدر ومعموله معا، أو عن الموصوف والصفة معا - جاز، فيقال: الذي سرّه قرب من عمرو الكريم أبو زيد، والذي سرّ أبا زيد هو قرب من عمرو الكريم، والذي سرّ أبا زيد قرب منه عمرو الكريم (3).
وليعلم أن هذا الشرط وهو جواز استعمال المخبر عنه منوبا عنه بضمير، يعرف منه أن الحال والتمييز لا يخبر عنهما؛ فإنهما لا يكون شيء منهما ضميرا؛ ومن ثمّ قال الشيخ فيه (4):«إنه احتراز من الحال والتمييز» ولم يذكر أنه احتراز عن المصدر العامل، ولا عن الموصوف دون صفته، ولا عن المضاف دون المضاف إليه. وقد كان ينبغي له التعرض إلى ذكر ذلك، لكنك قد عرفت أن المصنف في شرح الكافية جعل من الشروط جواز الاستغناء عن الاسم المخبر عنه بعادم التنكير منبها بذلك على أنه لا يخبر -
(1) انظر الأشموني (4/ 56).
(2)
،
(3)
المرجع السابق.
(4)
انظر التذييل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن تمييز ولا حال، لكنه قال بعد ذلك:«وكان في جواز الاستغناء عنه بمضمر ما يغني عن هذا الشرط» قلت: ولذلك لم يعد ذلك شرطا في «التسهيل» أعني جواز الاستغناء عن المخبر عنه بعادم التنكير اكتفاء بقوله: وجواز استعماله منوبا عنه بمضمر.
وأما كون المخبر عنه يكون بعض ما يوصف به - فهو إشارة إلى الشرط الذي أهمل ذكره في شرح الكافية، وهو كون الجملة التي الاسم المخبر عنه بعضها تكون خبرية، فعبّر عن الخبرية بكونها يوصف: بها، إذ لا يوصف إلا بالجمل الخبرية، وإنما اشترط في الجمل ذلك لأنها تصير صلة للموصول، ومعلوم بأن الصلة لا تكون جملة طلبية ولا إنشائية (1).
ولما ذكر الشيخ أنها تكون خبرية قال (2): «وأن تكون عارية من معنى التعجب، غير مستدعية كلاما قبلها» .
وأشار المصنف بقوله: أو جملتين في حكم واحدة - إلى أن الإخبار عن «زيد» من قولنا: إن تضرب زيدا أضربه
جائز، فتقول: الذي إن يضربه أضربه زيد، وكذا الإخبار عن «زيد» أو «عمرو» من قولنا: إن قام زيد قعد عمرو، فتقول: الذي إن قام قعد عمرو زيد، وكذا تقول: الذي إن قام زيد قعد عمرو، وعرف من هذا أن الاسم إذا كان بعض جملتين مستقلّتين لا يجوز الإخبار عنه، فلا يخبر لا عن «زيد» ولا عن «عمرو» من قولنا: قام زيد وقعد عمرو (3).
وقد تبيّن أن الشروط الذي اشتمل عليها لفظ الكتاب ستة وهي: إمكان الاستغناء عنه بأجنبي، وجواز استعماله مرفوعا، وجواز استعماله هو أو خلفه مؤخرا، وجواز استعماله مثبتا، وجواز استعماله منوبا عنه ضمير، وأن يكون من جملة يصح الوصف بها أي: أن تكون خبرية.
ثم أشار إلى أنه يشترط أمر سابع إذا كان المخبر عنه معطوفا أو معطوفا عليه، وهو اتحاد العامل حقيقة أو حكما، فمثال اتحاد العامل حقيقة: قام زيد وعمرو. فإذا أخبرت عن «زيد» قلت: الذي قام هو وعمرو زيد، وإذا أخبرت عن «عمرو» -
(1) انظر الأشموني (4/ 56، 57).
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218.
(3)
انظر الأشموني (4/ 57).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلت: الذي قام زيد وهو عمرو، ومثال اتحاد العامل حكما قولك: ما هذا بزيد ولا عمرا، فإذا أخبرت عن «زيد» المجرور بـ «الباء» قلت: الذي ما هذا به ولا عمرا زيد، وإذا أخبرت عن «عمرو» قلت: الذي ما هذا بزيد ولا إيّاه عمرو، وكذلك تقول: كفى بزيد وعمرو رفيقين. فإذا أخبرت عن زيد قلت: الذي كفى به وعمرو رفيقين زيد، وإذا أخبرت عن عمرو قلت: الذي كفى بزيد وهو رفيقين عمرو.
قال الشيخ (1): «فما اتحد العامل في هاتين المسألتين حقيقة؛ لأن أحد الاسمين مجرور بحرف الجر الزائد، والآخر عطف على موضعه؛ لكنه اتحد من حيث الحكم، قال: واحترز - يعني المصنف - بقوله: فيشترط اتّحاد العامل، من أن يختلف، وذلك لا يتصور إلا في العطف على التّوهّم، لأن قولك: زيد لم يقم ولا بصديقك تريد به: زيد ليس بقائم ولا بصديقك، فلا يجوز الإخبار عن قولك:
بصديقك، فتقول: الذي زيد لم يقم ولأنه صديقك؛ لأن عامل الجر ليس موجودا في المتوهم العطف عليه، فما اتحد العامل في المتعاطفين، فإن عامل المتوهم مفقود، وإنما هو شيء توهم النطق به».
هكذا قرر الشيخ هذا الموضع، وفي النفس منه شيء.
ثم قد بقي الكلام في أمر [5/ 218] وهو أنك قد عرفت قول المصنف في شرح الكافية: «فلو كان الضمير عائدا إلى اسم من جملة أخرى جاز الإخبار عنه نحو أن يذكر إنسان فتقول: لقيته؛ فيجوز الإخبار عن الهاء فيقال: الذي لقيته هو، وقوله: إن الشلوبين نبّه على ذلك مستدركا على الجزولي في قوله: وأن لا يكون قبل الإخبار عائدا على شيء» .
فأقول: إن الشيخ تعرّض إلى ذكر هذه المسألة، فقال (2): «وزعم الشلوبين أن من شرط الضمير أن لا يكون قبل الإخبار رابطا لا مستغنى عنه نحو: زيد ضربته؛ إذ هو رابط للجملة الابتدائية، قال (3): وإنما قلت ذلك؛ لأنه قد يكون الضمير عائدا على اسم قد ذكر في جملة متقدمة وهو في جملة أخرى، وذلك كأن يذكر -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218.
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 217.
(3)
أي الأستاذ أبو علي الشلوبين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إنسان فتقول: لقيته؛ فيجوز الإخبار هنا عن هذا الضمير فتقول: الذي لقيته هو، فقد صح الإخبار عن الضمير في: لقيته وإن كان عائدا على شيء، قال الشلوبين الصغير (1): هذا الذي ذكره الأستاذ غير صحيح ولا مقول في كلام العرب؛ إذ لا يفهم المعنى المراد منه في الجملة، وإنما هو عائد امتنع ذلك فيه، ورأى الأستاذ أن ذلك لم يكن فيه إلا لأجل كونه رابطا بحيث إن صوّر أن يكون غير رابط، وإذا وقفت على: الذي لقيته هو، علمت أنه لا يفهم منه معنى إخبار عن الضمير في:
لقيته حافظا لمعنى عودته على الرجل المذكور في جملة أخرى لذهاب معنى ذلك تفصيل الإخبار، وإلا فما كان يمنعنا من الإخبار عن الضمير من: زيد ضربته، أليس ينافي أن يقول: الذي زيد ضربته هو؟ فإذا كان يتأتى هنا عرض شرط الباب عليه كما يتأتى في قولك: الذي لقيته هو، فينبغي أن يجوز بجوازه، وأن يمتنع بامتناعه، وذلك ممتنع بإجماع، فيكون هذا ممتنعا مثله وفرق الربط غير معتبر.
انتهى كلامهما، وكلام ابن عصفور موافق لكلام الأستاذ أبي علي».
ثم أورد الشيخ كلام ابن عصفور إلى آخره، وهو موافق لكلام المصنف وقال بعد ذلك (2): وتلخّص من هذا كله
أن المخبر عنه إذا كان ضميرا هل من شرطه أن لا يكون عائدا على شيء قبله أو هل من شرطه أن لا يكون رابطا؟ والذي نذهب إليه هو الأول، وهو اختيار الجزولي». انتهى.
فلم يوافق الشيخ المصنف ولا ابن عصفور ولا الشلوبين الكبير، ثم قال (3):
وهذا الذي ذكره ظاهر، وإنما ذكرته للزيادة في الإيضاح لا غير.
(1) هو محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الأنصاري المالقي أبو عبد الله، يعرف بالشلوبين الصغير، قال ابن البركاني: من النبهاء الفضلاء، أخذ العربية والقراءات عن عبد الله بن أبي صالح، ولازم ابن عصفور مدة إقامته بمالقة، وأقرأ ببلده القرآن والعربية، شرح أبيات سيبويه شرحا مفيدا، وكمل شرح شيخه ابن عصفور على الجزولية، مات في حدود سنة 660 هـ عن نحو أربعين سنة. انظر بغية الوعاة (1/ 187).
(2)
،
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 218.