المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٩

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس والستون باب عوامل الجزم

- ‌[الأدوات التي تجزم فعلين]

- ‌[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين]

- ‌[العامل في الجواب]

- ‌[الجزم بإذا حملا على غيرها وإهمال غيرها حملا عليها]

- ‌[حكم تقديم معمول الشرط أو الجواب عليهما]

- ‌[نيابة إذا الفجائية عن الفاء]

- ‌[أحكام في تقديم جواب الشرط على الأداة]

- ‌[حذف الشرط أو الجواب أو هما معا]

- ‌[حكم اجتماع الشرط والقسم وحديث طويل في ذلك]

- ‌[الأوجه الجائزة في المضارع المعطوف على الشرط]

- ‌[اتصال «ما» الزائدة ببعض أدوات الشرط]

- ‌[صور فعلي الشرط والجواب]

- ‌[حكم الشرط إذا حذف الجواب]

- ‌[اختصاص أدوات الشرط بالمستقبل]

- ‌[لو الشرطية معناها وما تختص به]

- ‌[أحوال جواب لو]

- ‌[لمّا ومعانيها]

- ‌[الباب السادس والستون باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك]

- ‌[قد ومعانيها وإعرابها]

- ‌[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين]

- ‌[حروف التحضيض وأحكامها وما تختص به]

- ‌[حديث عن ها ويا وألا وأما]

- ‌[حروف الجواب: سردها وأحكامها]

- ‌[كلّا وحديث عنها]

- ‌[أمّا وحديث عنها]

- ‌[أحكام أخرى لأما]

- ‌[أقل رجل يقول ذلك وأحكام هذه الجملة]

- ‌[قلّما وقليل وحديث عنهما]

- ‌[سرد لبعض الأفعال الجامدة]

- ‌[حديث عن بقية الأفعال الجامدة]

- ‌الباب السابع والستون باب الحكاية

- ‌[الحكاية بأي وبمن]

- ‌[العلم وأحكامه عند حكايته]

- ‌[مسائل خمس في باب الحكاية]

- ‌[حكاية التمييز]

- ‌[حكاية المفرد المنسوب إليه حكم للفظه]

- ‌[حكم حكاية السؤال بالهمزة]

- ‌[إلحاق حرف مد آخر المحكي]

- ‌الباب الثامن والستون باب الإخبار

- ‌[شروط الاسم المخبر عنه]

- ‌[الإخبار عن الاسم بالذي وفروعه وبالألف واللام]

- ‌[تقديم الموصول وذي الألف واللام مبتدأين]

- ‌[تقديم خبر كان مبتدا]

- ‌[حديث طويل عن الإخبار في الجملة المتنازع فيها]

- ‌الباب التاسع والستون باب التّذكير والتّأنيث

- ‌[علامة التأنيث - حكم ما لم تظهر فيها العلامة]

- ‌[مواضع تاء التأنيث]

- ‌[من أحكام تاء التأنيث]

- ‌[حكم الصفات المختصة بالإناث]

- ‌[الصفات التي لا تلحقها التاء]

- ‌[حكم فعيل بمعنى مفعول - تذكير المؤنث وعكسه]

- ‌الباب السبعون باب ألفي التّأنيث

- ‌[أوزان الألف المقصورة]

- ‌[أوزان الألف الممدودة]

- ‌[الأوزان المشتركة]

- ‌الباب الحادي والسبعون باب المقصور والممدود

- ‌[ما يعرف به المقصور والممدود القياس وغيره]

- ‌الباب الثاني والسبعون باب التقاء الساكنين

- ‌[تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض]

- ‌[أحوال نون من وعن ولكن]

- ‌[فك التضعيف في المجزوم والمبني]

- ‌الباب الثالث والسبعون باب النّسب

- ‌[حرف إعراب المنسوب إليه وما يحذف لياء النسب]

- ‌[النسب لما آخره ألفه أو ياء]

- ‌[ما يحذف قبل الآخر لأجل النسب]

- ‌[النسب إلى المركب]

- ‌[النسب إلى فعيلة وفعيلة وفعولة]

- ‌[النّسب إلى الثلاثي المكسور العين]

- ‌[النسب إلى الثنائي]

- ‌[النسب لما آخره ياء، أو واو قبلها ألف]

- ‌[النسب إلى أخت ونظائرها]

- ‌[النسب إلى فم وابنم]

- ‌[النسب إلى الجمع]

- ‌[فتح عين تمرات، وأرضين ونحوهما]

- ‌[شواذ النسب]

- ‌[استعمالات ياء النسب والنسب بدونها]

- ‌الباب الرابع والسبعون باب جمع التكسير

- ‌[الجمع واسم الجمع واسم الجنس

- ‌[اسم الجمع واسم الجنس]

- ‌[الفرق بين الجمع واسم الجمع]

- ‌[أوزان جمع القلة]

- ‌[الاستغناء ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة والعكس]

- ‌[ما يرد في التكسير وإغناء التصحيح عن التكسير]

- ‌[جمع أفعل]

- ‌[ما يجمع على أفعال]

- ‌[ما يجمع على أفعلة]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بضم شكوك]

- ‌[من جموع الكثرة: فعل بضمتين]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بضم فسكون]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بكسر ففتح]

- ‌[من جموع الكثرة فعال بكسر أوله]

- ‌[ما يحفظ فيه فعال بالكسر]

- ‌[ما يشارك فيه فعول بالضم فعالا بالفتح]

- ‌[ما ينفرد فيه فعول عن فعال]

- ‌[من جموع الكثرة فعّل بالضم والتشديد]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة بفتح الفاء والعين]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة بضم ففتح]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة كقردة]

- ‌[من جموع الكثرة فعلى كقتلى]

- ‌[من جموع الكثرة: فعلى]

- ‌[من جموع الكثرة فعلاء كشعراء]

- ‌[من جموع الكثرة فعلان كغلمان]

- ‌[ما يجمع على فعلان كقضبان]

- ‌[من جموع الكثرة فواعل كفوارس]

- ‌[من جموع الكثرة فعالى بالفتح وفعالى بالضم]

- ‌[من جموع الكثرة فعالي كأناسي]

- ‌[من جموع الكثرة فعائل كقبائل]

- ‌[ما بقي من أوزان الجمع]

- ‌[عدم فك المضعف اللّام في الجمع على مفاعل]

- ‌[عدم حذف الزائد إذا كان لينا زائدا في جمع الخماسي]

- ‌[ما يحذف من الزوائد في الجمع]

- ‌[ما يحذف من الخماسي عند الجمع]

- ‌[حذف الزائد عن الأربعة عند الجمع]

- ‌[التعويض عن المحذوف للجمع]

- ‌[جواز المماثلة بين بعض الأوزان]

- ‌[أسماء الجمع: تعريفا وأنواعا وأوزانا]

- ‌[كيفية جمع العلم المرتجل والمنقول]

- ‌[أحكام الجمع العلم]

- ‌[حكم تثنية المركب وجمعه]

- ‌[حكم تثنية المضاف وجمعه]

- ‌[حكم جمع المضاف والمضاف إليه]

- ‌[حكم تثنية وجمع اسم الجمع والتكسير]

الفصل: ‌[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين]

[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين]

قال ابن مالك: (وكلّها تقتضي جملتين تسمّى أولاهما: شرطيّة وتصدّر بفعل ظاهر أو مضمر مفسّر بعد معموله بفعل يشذّ كونه مضارعا دون «لم»، ولا يتقدّم فيها الاسم مع غير «إن» إلا اضطرارا، وكذا بعد استفهام بغير الهمزة، وتسمّى الجملة الثّانية: جزاء وجوابا، وتلزمه الفاء في غير الضّرورة إن لم يصحّ تقديره شرطا، وإن صدّر بمضارع صالح للشّرطية جزم في غير الضّرورة وجوبا إن كان الشّرط مضارعا، وجوازا إن كان ماضيا، وإن قرن بالفاء رفع مطلقا).

ــ

والمصنف يقول لولده كما قلت إنه لا مانع من أن يكنى بـ «ما» و «مهما» عن مصدر فعل الشرط، كما لا مانع من أن يكنى بهما عن المفعول به. أنا أقول: لا مانع من أن يكنى بـ «ما» و «مهما» عن زمان فعل الشرط كما لا مانع من أن يكنى بهما عن المفعول به.

قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (1): كل من الأدوات المذكورة تقتضي جملتين أولاهما ملزومة للثانية، فتسمى الأولى شرطا لأن وجود الملزوم علامة على وجود اللازم، والشرط في اللغة: العلامة (2)، وتسمى الثانية جزاء وجوابا، لأنه مدعى فيها أنها لازمة لما جعل شرطا كما يلزم في العرف الجواب للسؤال، والجزاء للإساءة أو الإحسان، فسميت بذلك على الاستعارة والتشبيه، ولا تكون جملة الشرط إلا مصدرة بفعل متصرف مجزوم بالأداة لفظا أو تقديرا وهو إما ماض مجرد من حرف النفي ومن حرف «قد» لفظا أو تقديرا، وإما مضارع مجرد أو منفي بـ «لا» أو «لم» وأكثر ما يكون ظاهرا، ويجوز أن يضمر إذا دل عليه دليل، كما في: إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ تقديره: إن كان عمله خيرا فجزاؤه خير، وإن كان عمله شرّا فجزاؤه شر، على ما تقدم ذكره في باب «كان» (3)، وأكثر ما يضمر إذا فسر -

(1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 73).

(2)

في اللسان (شرط): «والشرط: إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه والجمع: شروطه» وقال:

و «الشّرط بالتحريك: العلامة والجمع: أشراط» ، ومختار الصحاح (ص 334)(شرط)، ويظهر من ذلك أن بين اللفظين فرقا، فكيف ساغ للإمام بدر الدين أن يجعل معناهما واحدا مع ما بينهما من فرق؟

(3)

قال في التسهيل (ص 55): «وتختص كان أيضا بعد إن أو لو بجواز حذفها مع اسمها إن كان ضمير ما علم من غائب أو حاضر» .

ص: 4337

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بعد معموله بفعل مذكور والغالب كونه ماضيا أو مضارعا منفيّا بـ «لم» نحو قوله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ (1) ونحو: إن زيد لم يأتني آته، ومجيئه مضارعا بدون «لم» شاذ ومنه قول الشاعر:

3995 -

فإن أنت تفعل فللفاعلي

ن أنت المجيزين تلك الغمارا (2)

وقول الآخر:

3996 -

يثني عليك وأنت أهل ثنائه

ولديك إن هو يستزدك مزيد (3)

ولا يتقدم الاسم الفعل على الإضمار المذكور مع غير «إن» من أدوات الشرط إلا في الضرورة كقوله:

3997 -

فمن نحن نؤمنه بيت وهو آمن

ومن لا نجره يمس منّا مفزّعا (4)

وكقوله:

3998 -

صعدة نابتة في حائر

أينما الرّيح تميّلها تمل (5)

-

(1) سورة التوبة: 6.

(2)

هذا البيت من المتقارب قاله الكميت بن زيد من قصيدة يمدح فيها أبان بن الوليد بن عبد الملك، يقول: إن تفعل هذه المكارم فأنت منسوب للفاعلين الأجواد، والغمار جمع: غمرة وهي: الشدة، والمجيزين وصف من أجاز بمعنى جاز. والشاهد فيه: مجيء الفعل المفسر لفعل الشرط المضمر مضارعا بدون «لم» وهو ضرورة والبيت في معاني الفراء (1/ 297، 422).

(3)

هذا البيت من الكامل وهو لعبد الله بن عنمة كما في الخزانة (3/ 641).

واستشهد به على مجيء الفعل المفسر الفعل الشرط المضمر مضارعا بدون «لم» وهو ضرورة، والبيت في شرح الكافية للرضي (2/ 255)، والهمع (2/ 59)، والدرر (2/ 74)، والأشموني (4/ 30).

(4)

هذا البيت من الطويل قائله هشام المري كما في الكتاب (3/ 114) وقال البغدادي في الخزانة (3/ 642): «وهو منسوب إلى مرة بن كعب بن لؤي القرشي وهو شاعر جاهلي، والشاهد فيه تقدم الاسم الذي هو الضمير «نحن» على الفعل الذي هو «نؤمنه» مع «من» الشرطية وهو ضرورة لأنه لا يتقدم الاسم الفعل إلا مع «إن» من أدوات الشرط. وانظر البيت في المقتضب (2/ 73)، والإنصاف (619)، وشرح الكافية للرضي (2/ 255)، والمغني (ص 403) وشرح شواهده (ص 839).

(5)

هذا البيت من الرمل وهو لكعب بن جعيل كما في الكتاب (3/ 113) ونسبه الشنتمري بهامش الكتاب (1/ 458)(بولاق) لحسام بن ضرار، و «الحائر»: مجتمع الماء، يصف امرأة شبه قدها بالقناة أي: هي صعدة، وهي قناة مستوية لا تنبت إلا كذلك فلا تحتاج إلى تثقيف. والشاهد فيه: تقدم الاسم «الرّيح» على الفعل «تميلها» مع «أينما» وهو ضرورة مع غير «إن» وانظر البيت في المقتضب -

ص: 4338

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وكقول الآخر:

3999 -

فمتى واغل ينبهم يحيّو

هـ وتعطف عليه كأس السّاقي (1)

والاستفهام في هذا الاستعمال كأدوات الشرط مع كونه غير مختص، فإن كان بالهمزة جاز - لكونها أمّ الباب، وأصل أدوات الاستفهام - أن يتقدم على الفعل بعدها اسم مرفوع بالابتداء أو معمول لفعل مضمر يفسره ما بعد الاسم، وإن كان بـ «هل» أو غيرها من أسماء الاستفهام امتنع أن يتقدم الاسم على الفعل إلا في الضرورة كقوله:

4000 -

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبّة يوم البين مشكوم؟ (2)

وامتنع حينئذ كونه مبتدأ ووجب حمله على فعل مضمر عامل فيه عمل الفعل الظاهر في ما اشتغل به.

وأما الجزاء فيصلح له كل الجمل، فيكون جملة طلبية، وخبرية شرطية وغير شرطية، وجملة اسمية أو فعلية، والأصل كونه جملة يصح جعلها شرطا وهي المصدرة بفعل متصرف ماض مجرد من «قد» لفظا أو تقديرا ومن غيرها، أو مضارع مجرّد أو منفي بـ «لا» أو «لم» لأن الشرط بـ «إن» وأخواتها تعليق حصول ما ليس بحاصل على حصول غيره، فاستلزم في جملته امتناع الثبوت -

- (2/ 73) وأمالي الشجري (1/ 332، 347) والإنصاف (ص 618) وابن يعيش (9/ 10)، وشرح الكافية للرضي (2/ 255).

(1)

هذا البيت من الخفيف وهو لعدي بن زيد كما في الكتاب (3/ 113) وانظر ملحقات ديوانه (ص 156) والواغل الداخل على القوم وهم يشربون يكرّم ويحيّا ويسقى وإن كانوا لم يدعوه، والشاهد فيه: تقدم الاسم «واغل» على الفعل «ينبهم» ضرورة لأنه مع غير «إن» وانظره في النوادر (ص 188) والمقتضب (2/ 74)، وأمالي الشجري (2/ 332)، والإنصاف (ص 617) وابن يعيش (9/ 10) وشرح الكافية للرضي (2 /

255).

(2)

هذا البيت من البسيط، وقائله علقمة بن عبدة الفحل، انظر ديوانه (ص 129). والعبرة الدمعة لم يقضها أي هو دائم البكاء، والمشكوم: المجازى من الشكم: العطية عن مجازاة، يقول: أم هل تجازيك بيكائك على إثرها وأنت شيخ؟ والشاهد فيه: تقدم الاسم «كبير» على الفعل «بكى» بعد «هل» وهو ضرورة لأنه لا يتقدم الاسم على الفعل إلا مع الهمزة فقط. وانظر البيت في الكتاب (3/ 178) والمقتضب (3/ 290)، وابن يعيش (4/ 18)، (8/ 153).

ص: 4339

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإمكان الحصول؛ فلا تكون إحداهما اسمية ولا طلبية إلا بتأويل.

وإذا جاء الجزاء على غير ما هو الأصل فيه وجب اقترانه بالفاء ليعلم ارتباطه بالشرط وتعليق أداته به لما لم يكن على وفق ما يقتضيه الشرط وذلك إذا كان جملة طلبية كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي (1) وكقراءة ابن كثير (2) ومن يعمل من الصلحات وهو مؤمن فلا يخف ظلما ولا هضما (3)، أو شرطية نحو: إن تأتني فإن تحدثني أكرمك، أو اسمية نحو: إن تقم فزيد قائم، أو فعلية مصدرة بفعل غير متصرف نحو: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالًا وَوَلَداً (39) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ (4)، أو ماض مقرون بـ «قد» لفظا نحو قوله تعالى:

قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (5)، أو تقديرا وذلك إذا كان الفعل ماضي المعنى كقوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (6)، أو مقرون بحرف نفي نحو: إن قام زيد فما قام عمرو، أو مضارع مقرون بـ «قد» أو حرف تنفيس أو نفي بغير «لا» أو «لم» نحو: إن تقم فقد أقوم أو فسوف أقوم، أو فما أقوم [5/ 153] أو فلن أقوم، فـ «الفاء» في أمثال كل هذا واجبة الذكر لا يجوز أن تقوم «الواو» وغيرها مقامها، ولا يجوز حذفها إلا في الضرورة كقوله:

4001 -

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّر عند الله مثلان (7)

وقوله:

4002 -

ومن لا يزل ينقاد للغي والهوى

سيلفى على طول السّلامة نادما (8)

-

(1) سورة آل عمران: 31.

(2)

انظر الكشف (2/ 107)، والسبعة لابن مجاهد (ص 424).

(3)

سورة طه: 112.

(4)

سورة الكهف: 39، 40.

(5)

سورة يوسف: 77.

(6)

سورة يوسف: 26.

(7)

هذا البيت من البسيط وهو لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت. وقيل غير ذلك، واستشهد به على حذف «الفاء» من جملة جواب الشرط الله يشكرها ضرورة. والبيت في الكتاب (3/ 114)، والمقتضب (2/ 70) والخصائص (2/ 28)، (3/ 118)، وابن يعيش (9/ 2، 3).

(8)

هذا البيت من الطويل لقائل مجهول، والغي: الضلال، وسيلفى: سيوجد، وفيه الشاهد حيث وقعت الجملة جوابا للشرط، وقد حذفت منها الفاء للضرورة، والبيت في العيني (4/ 433)، وشرح التصريح (2/ 250)، والأشموني (3/ 21).

ص: 4340

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإذا جاء الجزاء على مقتضى الأصل صالحا للشرطية لم يحتج إلى «فاء» تربطه بالشرط؛ فالأولى خلوّه منها ويجوز اقترانه بها، فإن خلا منها وصدر بمضارع جزم سواء أكان الشرط مضارعا نحو قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (1) أو ماضيا كقوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها (2) وقال الفرزدق (3):

4003 -

دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير (4)

وقد يرفع بكثرة إن كان الشرط ماضيا أو منفيّا بـ «لم» ، وبقلة إن كان غير ذلك، فالأول كقول زهير:

4004 -

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (5)

وقول أبى صخر (6):

4005 -

وليس المعنّى بالّذي لا يهيجه

إلى الشّوق إلّا الهاتفات السّواجع

ولا بالّذي إن بان عنه حبيبه

يقول - ويخفي الصّبر - إني لجازع (7)

-

(1) سورة الطلاق: 2.

(2)

سورة هود: 15.

(3)

انظر ديوانه (1/ 213).

(4)

هذا البيت من البسيط. الشرح: التوغير الحمى في الصدر والغيظ، وقوله دست رسولا: يريد المرأة التي كان يهواها دست إليه رسولا بأن لا تأتينا، وأن أهلها إن رأوه قاصدا إليها قتلوه.

والشاهد فيه: جزم المضارع «يشفوا» لوقوعه جوابا للشرط مع خلوه من «الفاء» وكون فعل الشرط ماضيا.

وانظر البيت في الكتاب (3/ 69)، والهمع (2/ 60)، والدرر (2/ 77)، وابن السيرافي (2/ 99).

(5)

هذا البيت من البسيط وهو لزهير، انظر ديوانه (ص 54). والشاهد فيه: رفع المضارع «يقول» الواقع جوابا للشرط لأن الشرط ماض وهو كثير، وانظر البيت في الكتاب (3/ 66)، والمقتضب (2/ 70)، والإنصاف (ص 625)، وابن يعيش (8/ 157).

(6)

أبو صخر هو: عبد الله بن سالم السّهمي الهذلي، شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، كان متعصبا لبني مروان مواليا لهم. انظر ترجمته في الخزانة (1/ 555).

(7)

هذان البيتان من الطويل، والمعنى الذي يكابد الشوق، والهاتفات جمع: هاتفة وهي الحمامة:

هتفت الحمامة هتفا، ناحت، والسواجع: من سجع الحمام يسجع سجعا هدل على جهة واحدة، والمراد ب الهاتفات السواجع حمائم الشوق وبان: افترق، وجازع: الجزع نقيض الصبر وفعله: جزع - بالكسر - والشاهد في البيت الثاني: حيث رفع جواب الشرط «يقول» لأن فعل الشرط ماض. وانظر البيتين في التذييل (6/ 829)، والبيت الثاني في الأشموني (4/ 17).

ص: 4341

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقول الآخر:

4006 -

فإن كان لا يرضيك حتّى تردّني

إلى قطريّ لا إخالك راضيا (1)

وقول الآخر:

4007 -

وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه

تشوّف أهل الغائب المتنظّر (2)

والثاني كقول جرير بن عبد الله البجلي (3):

4008 -

يا أقرع بن حابس يا أقرع

إنّك إن يصرع أخوك تصرع (4)

ومثله قول الآخر:

4009 -

فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها

مطبّعة من يأتها لا يضيرها (5)

-

(1) هذا البيت من الطويل قاله سوار بن المضرب حين هرب من الحجاج خوفا على نفسه، وأراد بـ «قطري»: قطري بن الفجاءة الخارجي، ولا إخالك - بكسر الهمزة - لا أظنك.

والشاهد فيه: رفع جواب الشرط «لا إخالك» لأن فعل الشرط ماض وهو كثير، والبيت في الخصائص (2/ 433)، والمحسب (2/ 192)، وأمالي الشجري (1/ 185)، وابن يعيش (1/ 80).

(2)

هذا البيت من الطويل، وهو لعروة بن الورد أبو الصعاليك، انظر الديوان (ص 80). و «تشوف» من تشوف إلى الشيء أي تطلع، و «المتنظر» من تنظره: أي تأني عليه.

والشاهد فيه: رفع جواب الشرط لأن الشرط ماض وهو كثير. والبيت في التذييل (6/ 829) واللسان (نظر).

(3)

جرير بن عبد الله البجلي، صحابي وكان جميلا. قال سيدنا عمر: هو يوسف هذه الأمة، وقدمه في حروب العراق على جميع بجيله. انظر الخزانة (3/ 397).

(4)

هذان بيتان من الرجز المشطور، وقد أنشد البغدادي البيت الثاني ثالثا ضمن قصيدة مرجزة لعمرو بن خثارم البجلي أما البيت الثاني فهو:

إني أخوك فانظرن ما تصنع

و «الأقرع بن حابس» من الصحابة وكان عالم العرب في زمانه، والشاهد فيه: رفع جواب الشرط «تصرع» لأن الشرط مضارع وهذا قليل والرجز في الكتاب (3/ 67)، والمقتضب (2/ 72)، وأمالي الشجري (1/ 84)، والإنصاف (ص 623) وابن يعيش (8/ 157)، والمقرب (1/ 275).

(5)

هذا البيت من الطويل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي كما في ديوان الهذيليين (1/ 154) الشرح:

الطوق: الطاقة، والمطبعة: المملوءة، وأصله من الطبع بمعنى الختم بالخاتم لأن الختم إنما يكون غالبا بعد الملء وضاره يضيره: ألحق به الضرر، يصف قرية كثيرة الطعام من امتار منها وحمل فوق طاقته لم ينقصها شيئا. والشاهد فيه: رفع جواب الشرط «لا يضيرها» والشرط مضارع وهو قليل، والبيت في الكتاب (3/ 70)، والمقتضب (2/ 72) والشعر والشعراء (ص 59)، وابن يعيش (8/ 158).

ص: 4342

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنه قراءة طلحة بن سليمان (1): أينما تكونوا يدرككم الموت (2).

ورفعه عند سيبويه على وجهين: على تقدير تقديمه وكون الجواب محذوفا، وعلى حذف الفاء لأنه قال (3):

وقد يقولون: إن أتيتني آتيك [أي: آتيك] إن أتيتني، وأنشد بيت زهير (4) ثم قال (5): فإذا قلت آتي من أتاني فأنت بالخيار، إن شئت كانت أتاني صلة، وإن شئت كانت بمنزلها في إن، ويجوز في الشعر: آتي من يأتني قال:

4010 -

فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها

مطبّعة من يأتها لا يضيرها

كأنه قال: لا يضيرها من يأتها، ولو أريد به حذف الفاء جاز.

منع أبو العباس صحة تقدير التقديم فقال (6): وأما قوله:

4011 -

وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول

(7)

في القلب فهو محال، وذلك لأن الجواب حده أن يكون بعد إن وفعلها الأول، وإنما يعني بالشيء موضعه إذا كان في غير موضعه نحو: ضرب غلامه زيد، لأن حق الغلام أن يكون بعد زيد، وهذا قد وقع في موضعه من الجزاء، فلو جاز أن يعني به التقديم لجاز أن يقول: ضرب غلامه زيدا، يريد: ضرب زيدا غلامه.

وإن قرن المضارع الصالح للشرطية بالفاء وجب رفعه مطلقا سواء أكان الشرط مضارعا أم ماضيا كقوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ (8)، وقوله تعالى:

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (9)، وكقراءة حمزة (10): إن تضل -

(1) هو طلحة بن سليمان أخو إسحاق بن سليمان الرازي وكان مقرئا صاحب قرآن، ويعرف بطلحة السّمان. انظر ترجمته في الجرح والتعديل (4/ 483: 484)، وغاية النهاية (1/ 341).

(2)

سورة النساء: 78.

(3)

انظر الكتاب (3/ 66).

(4)

وهو: وإن أتاه خليل

البيت.

(5)

انظر الكتاب (3/ 70، 71).

(6)

انظر المقتضب (2/ 67 - 70، 4/ 102).

(7)

سبق شرحه والتعليق عليه.

(8)

سورة المائدة: 95.

(9)

سورة الجن: 13.

(10)

انظر الكشف (1/ 320) والسبعة لابن مجاهد (ص 193)، وقراءته بكسر الهمزة من «أن» ورفع «فتذكر» .

ص: 4343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى (1)، وينبغي أن يكون الفعل بعد هذه الفاء خبر مبتدأ محذوف، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء وجزم المضارع، لأنها حينئذ في تقدير الشرط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مظهر. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. وقال والده في شرح الكافية (2): «أصل جواب الشرط أن يكون فعلا ماضيا صالحا لجعله شرطا، فإذا جاء على الأصل لم يحتج إلى فاء يقترن بها، فإن اقترن بها فعلى خلاف الأصل، وينبغي أن يكون الفعل خبر مبتدإ، ولولا ذلك لحكم بزيادة الفاء

وجزم الفعل إن كان مضارعا لأن الفاء على ذلك التقدير زائدة في تقدير السقوط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مصرح، ومن ذلك قوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (3)، ومثله قراءة حمزة: إن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى، وإذا كان الجواب ماضيا لفظا لا معنى لم يجز اقترانه بالفاء إلا في وعد أو وعيد، لأنه إذا كان وعدا أو وعيدا حسن أن يقدر ماضي المعنى فعومل معاملة الماضي حقيقة، ومثال الماضي حقيقة قوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (4)، ومثال الماضي لفظا لا معنى مقرونا بالفاء قوله تعالى: وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ (5)، وإلى هذا أشرت بقولي.

ولا يلي [الفا] الماضي الآتي معنى

إلّا لوعد أو وعيد يعني

ويجوز أن تكون الفاء عاطفة ويكون التقدير: ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار فيقال لهم: هل تجزون؟ كما قال تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ (6) أي: فيقال لهم: أكفرتم؟

وإذا كان الجواب جملة اسمية [أو فعلية](7) لا تلي حرف الشرط وجب اقترانها بالفاء ليعلم ارتباطها بالأداة، فإن ما لا يصح للارتباط مع الاتصال أحق بأن -

(1) سورة البقرة: 282.

(2)

انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1594).

(3)

سورة الجن: 13.

(4)

سورة يوسف: 26.

(5)

سورة النمل: 90.

(6)

سورة آل عمران: 106.

(7)

انظر البيان للأنباري (1/ 214)، والتبيان للعكبري (284).

ص: 4344

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يصلح مع الانفصال، فإذا قرن بالفاء علم الأرتباط، والفعلية التي لا تلي حرف الشرط هي التي فعلها غير متصرف نحو قوله تعالى: فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ (1)، وماض لفظا ومعنى نحو قوله تعالى: فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (2) أو مطلوب به فعل أو ترك نحو قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (3) ونحو

قوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (4) في رواية (5) ابن كثير (6)، ومما يجب اقترانه بالفاء لأنه لا يلي حرف الشرط المقرون بالسين أو سوف، والمنفي بلن أو ما أو إن (7).

وبعد ذلك فالإشارة إلى أمور:

منها: أن شاهد [5/ 154] الفعل المفسر للفعل المحذوف بعد «إن» إذا كان مضارعا مقرونا بـ «لم» قول الشاعر:

4012 -

وإن هو لم يحمل على النّفس ضيمها

فليس إلى حسن الثّناء سبيل (8)

ومنها: أن المصنف في شرح الكافية أشار إلى ذكر سبب عدم جواز تقدم الاسم على الفعل مع أدوات الشرط غير «إن» فقال (9): «وكان حق أدوات الشرط أن لا يليها إلا معمولها كغيرها من عوامل الفعل السالمة من شذوذ، لكنها أشبهت الفعل في الدخول على معرب ومبنى، وأشبهت الفعل المتعدي بكونها لا تكتفي بمطلوب واحد فجاز أن يليها الاسم أي: معمول فعلها، وخصت إن لكونها في الشرط أصلا بكثرة ذلك فيها بشرط مضي الفعل» انتهى. -

(1) سورة الكهف: 40.

(2)

سورة يوسف: 77.

(3)

سورة آل عمران: 31.

(4)

سورة طه: 112.

(5)

لعله يقصد: في رواية قراءة ابن كثير.

(6)

انظر الكشف (2/ 107) والسبعة لابن مجاهد (ص 424) وانظر (ص 700) من هذا التحقيق.

(7)

انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1597).

(8)

هذا البيت من الطويل، وهو للسموأل بن عادياء الغساني. كما في ديوانه (ص 90). واستشهد به على مجيء الفعل المفسر للفعل المحذوف بعد «إن» مضارعا مقرونا بـ «لم» والبيت في التذييل (6/ 808)، والهمع (1/ 63، 2/ 59)، والدرر (1/ 39، 2/ 75).

(9)

انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1598).

ص: 4345

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وإنما اشترط (1) مضى الفعل لئلا يظهر القبح في كونها ظهر لها تأثير وفصل بينهما وبين معمولها بمعموله، أما الفصل بغير معمول فعلها فلا يجوز إلا بـ «لا» خاصة سواء أكان ذلك في «إن» أم في غيرها من الأدوات نحو قوله:

4013 -

ومن لا يصانع في أمور كثيرة

يضرّس بأنياب ويوطأ بميسم (2)

ومنها: أننا عرفنا من قول المصنف في جملة الشرط: «وتصدّر بفعل ظاهر أو مضمر مفسّر بعد معموله بفعل» أن الاسم بعد أداة الشرط لا يجوز رفعه على الابتداء (3)، لأن أداة الشرط مختصة بالأفعال، فإن كان الاسم الذي وليها منصوبا فهو منصوب بفعل مضمر، وإن كان مرفوعا فهو مرفوع بفعل مضمر يفسره الظاهر بعده إما من لفظه نحو:

وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ (4) وإما من المعنى نحو:

4014 -

لا تجزعي إن منفس أهلكته (5)

أي: إن هلك منفس، والمنقول عن الكسائي أنه يجوز رفع الاسم بعدها على الابتداء قال (6): وتكون الجملة الابتدائية في موضع جزم كما أن الجملة الجزائية إذا كانت اسمية تكون كذلك.

وكأنه حمل الشرط على الاستفهام فأجاز ذلك كما يجوز: أزيد قائم؟ والفرق:

أن العرب لم يسمع منهم نحو: إن زيد قائم قمت، وسمع منهم نحو: أزيد قائم؟ -

(1) هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل (6/ 809: 810) وقد نقله عنه المؤلف دون أن يشير إلى ذلك.

(2)

هذا البيت من الطويل وهو لزهير في ديوانه (ص 13) وشرح شعر زهير لثعلب (ص 35)، وقوله يضرس أي: يمضغ، والميسم هو للبعير مثل الظفر للإنسان. والشاهد فيه الفصل بين «من» ومعمولها «يصانع» بـ «لا» ولا يجوز بغيرها والبيت في التذييل (6/ 810).

(3)

هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل (6/ 811)، وقد نقله عنه المؤلف دون أن يشير إلى ذلك.

(4)

سورة التوبة: 6.

(5)

هذا صدر بيت من الكامل للنمر بن تولب وعجزه: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي والمنفس، المال النفيس. والشاهد فيه رفع الاسم بعد «إن» الشرطية بفعل مضمر يفسره الظاهر بعده، والتقدير: إن هلك منفس، والبيت في الكتاب (1/ 134)، (هارون)، والمقتضب (2/ 74)، وأمالي الشجري (1/ 332، 346)، وابن يعيش (1/ 22، 2/ 38)، والتذييل (6/ 811)، وديوان النمر بن تولب (ص 72).

(6)

انظر التذييل (6/ 811).

ص: 4346

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الشيخ (1):

«وما ذهب إليه الكسائي من جواز الابتداء بعد أداة الشرط قد ذكره سيبويه وجها رديئا، فذكر (2) أن الاسم قد

يرتفع بعد حرف الشرط بالابتداء إذا كان الخبر فعلا نحو: إن زيد قام أكرمتك، وسهّل ذلك عنده وجود الفعل في الجملة الشرطية فكأنه لم يعدم الفعل، قال (3): وعلى هذا ينبغي أن يحمل بيت لبيد:

4015 -

فإن أنت لم ينفعك علمك

..... (4)

فيكون «أنت» مرفوعا بالابتداء لأنه لو حمله على الفعل بعده للزمه أن يقول فإن إياك لم ينفعك علمك ولا يجوز حمل «أنت» على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره قوله: لم ينفعك لأنه يلزم من ذلك تعدي فعل الضمير المرفوع إلى ضميره المتصل المنصوب، إذ يصير التقدير: فإن لم ينفعك، أما من لا يجيز الابتداء بعد أداة الشرط فإنه يذهب إلى [أن] «أنت» مرفوع بفعل محذوف يفسره ما بعده من جهة المعنى لا من جهة اللفظ. التقدير: فإن ضللت، قال: وأجاز السهيلي (5) أن يكون «أنت» في موضع نصب، فيكون مما وضع فيه المرفوع موضع المنصوب كما فعل عكس ذلك حين قالوا: لم يضربني إلا إيّاه وفي الحديث الشريف: «من خرج إلى الصّلاة لا ينهزه إلّا إيّاها» (6)، فعلى هذا يكون في تخريج البيت - أعني بيت لبيد - ثلاثة أقوال (7). -

(1) انظر التذييل (6/ 811، 812).

(2)

في الكتاب (3/ 112): «واعلم أن حروف الجزاء يقبح أن تتقدم الأسماء فيها قبل الأفعال» وقال في (ص 113، 114): «واعلم أن قولهم في الشعر: إن زيد يأتك يكن كذا، وإنما ارتفع على فعل هذا تفسيره» .

(3)

أي أبو حيان.

(4)

هذا جزء بيت من الطويل وهو للبيد في ديوانه (ص 255) وتمامه:

فإن أنت لم ينفعك علمك فانتسب

لعلك تهديك القرون الأوائل

واستشهد به الشيخ أبو حيان على أن قوله «أنت» مرفوع بالابتداء، ولا يجوز حمله على الفعل بعده، كما لا يجوز حمله على أنه فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، والبيت في أمالي السهيلي (ص 43) والعيني (1/ 291) وشرح التصريح (1/ 105)، والهمع (1/ 63، 2/ 59، 114).

(5)

انظر أمالي السهيلي (ص 42، 43).

(6)

أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بلفظ لا ينهزه إلا الصلاة» انظر صحيح البخاري بحاشية السندي (1/ 199)، باب فضل صلاة الجماعة (2/ 14).

(7)

إحداها: أن يكون مبتدأ، والثاني: أن يكون فاعلا بفعل محذوف تقديره: فإن ضللت، والثالث:

أن يكون مفعولا لمحذوف تقديره: فإن إياك لم ينفعك علمك. انظر التذييل (6/ 812).

ص: 4347

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أن قول المصنف مشيرا إلى الجواب: «وتلزمه الفاء في غير الضّرورة إن لم يصحّ تقديره شرطا» .

حيث جعل عدم صحة تقدير الجواب شرطا قانونا كليا لدخول «الفاء» فيه أحسن وأقرب مما ذكره المغاربة وهو أنهم لم يذكروا ضابطا، بل عددوا الأماكن التي تدخلها «الفاء» مكانا مكانا، قال ابن عصفور في المقرب (1):«فإن كانت الثانية - يعني جملة الجزاء - أمرا أو نهيا أو دعاء أو استفهاما، أو فعلا قد دخلت عليه قد، أو السين أو سوف أو ما، أو لن، أو غير ذلك أدخلت عليها الفاء» .

ثم ذكر (2) أن الاسمية بالنسبة إلى دخول «الفاء» كذلك.

ولو قال ابن عصفور: فإن كانت الثانية طلبا لكان أولى، فإن العرض والتحضيض حكمهما في ذلك حكم الأمر والنهي.

يقال: إن الجملة الشرطية إذا وقعت جوابا وجبت «الفاء» فهي داخلة في ضابط المصنف ومسكوت عنها في كلام ابن عصفور.

ودخل تحت ضابط المصنف الجملة التعجبية (3) نحو: إن أقبل زيد فما أحسنه، والقسم (4) نحو: إن تكرمني والله لأكرمنّك، والجملة المصدرة بـ «ربّ» (5) نحو قول امرئ القيس:

4016 -

فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة

كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان (6)

والنداء نحو (7): إن أتاك راج فيا أخا الكرام لا تهنه. -

(1) انظر المقرب (1/ 274)، وقد نقله عنه بتصرف.

(2)

أي ابن عصفور. انظر المقرب (1/ 275، 276).

(3)

انظر التذييل (6/ 816).

(4)

،

(5)

المرجع السابق.

(6)

البيت من الطويل وهو في ديوان امرئ القيس (ص 86)، والبهمة: الأمر الذي لا يهتدي إليه، يقول: أن أصابني الدهر أمسيت مكروبا فكم من أمر لا يهتدي إليه كشف حقيقته وبينت صوابه، والشاهد فيه وقوع الجملة المصدرة بـ «رب» جوابا للشرط فوجب اقترانها بـ «الفاء» و «أيّا» حرف تنبيه. وانظر البيت في التذييل (6/ 816)، والهمع (2/ 28)، والدرر (2/ 22).

(7)

انظر التذييل (6/ 817).

ص: 4348

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومنها: أنك قد عرفت أن حذف هذه «الفاء» لا يجوز إلا في الضرورة والمنقول عن المبرد أنه يجيز ذلك في الكلام (1)، وعند سيبويه (2) أن ذلك لا يجوز إلا في الشعر قال ابن هشام (3):«وهو الصحيح» .

وقد أجاز (4) بعض النحويين حذفها في السعة إذا كان الشرط ماضيا حملا على:

إن أتيتني آتيك وجعل من ذلك قوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (5)، وردّ (6) عليه ذلك بأن «إنكم لمشركون» جواب قسم محذوف قبل الشرط التقدير:

والله إن أطعتموهم إنكم لمشركون كما حذف في قوله تعالى: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ (7)، وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (8).

وقد جاء (9) مع حذف «الفاء» حذف المبتدأ الذي دخلت «الفاء» عليه قال الشاعر:

4017 -

بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها

بني ثعل من ينكع العنز ظالم (10)

التقدير: فهو ظالم، قالوا (11) وحسّن حذف المبتدأ فيه أن «من» الشرطية هنا قريبة من الموصولة، فكأنه توهّم [5/ 155] أن «من» موصولة وإن كان قد -

(1) ما نقل عن المبرد في هذه المسألة غير صحيح فكلامه في المقتضب صريح في أن حذف «الفاء» لا يجوز إلا في ضرورة الشعر فهو موافق لما ذهب إليه سيبويه، فإذا كان سيبويه يرى أن حذف «الفاء» في قوله: الله يشكرها فالمبرد أيضا لم ير غير ذلك، وأكثر من هذا فإن المبرد يرى أن حذف «الفاء» في الشعر جائز على ضعف، فكيف يجيزه في كلام غير شعر. انظر المقتضب (2/ 70 / 71).

(2)

انظر الكتاب (3/ 64).

(3)

هو ابن هشام الخضراوي. انظر التذييل (6/ 817).

(4)

هذا كلام أبي حيان في التذييل (6/ 819)، وقد نقله المؤلف عنه دون أن يشير.

(5)

سورة الأنعام: 121.

(6)

للشيخ أبي حيان. انظر التذييل (6/ 819).

(7)

سورة المائدة: 73.

(8)

سورة الأعراف: 23.

(9)

هذا الكلام نقله الشيخ أبو حيان عن ابن هشام الخضراوي، انظر التذييل (6/ 817).

(10)

هذا البيت من الطويل وثعل قبيلة في طيئ وبني ثعل منادى حذف منه حرف النداء: أي يا بني ثعل ونكع من نكعت الناقة: جهدتها حلبا والشرب بكسر الشين: الحظ من الماء.

والشاهد في قوله «ظالم» حيث حذف منه المبتدأ مع «الفاء» التي هي جواب الشرط أي: فهو ظالم.

والبيت في الكتاب (3/ 65) والعيني (4/ 448)، والأشموني (4/ 21)، واللسان (نكع).

(11)

القائل هو أبو حيان. انظر التذييل (6/ 817، 818).

ص: 4349

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

استعملها شرطا، ونظير هذا تشبيههم «الذي» وهو موصول بـ «من» الشرطية فجزموا الفعل الواقع خبرا له تشبيها له بالجواب كما سيأتي ذكر ذلك حيث ذكره المصنف.

ومنها: أن النحاة اختلفوا في المضارع المرفوع الواقع في محل الجواب فقال سيبويه (1): إنه دليل الجواب، وعلى هذا فهو مؤخر عنده من تقديم، وجواب الشرط محذوف، وقال المبرد والكوفيون (2): إنه هو الجواب وإن «الفاء» حذفت منه، وقال آخرون (3): إن أداة الشرط لما لم يظهر لها تأثير في فعل الشرط لكونه ماضيا لم يجزم الجواب، فهو عند هؤلاء جواب لا دليل الجواب كما يقول سيبويه ولا على إضمار «الفاء» كما يقول المبرد، ولكن قد عرفت أن بدر الدين ذكر أن سيبويه يجيز الوجهين وهما: تقدير التقديم، وكون الجواب محذوفا وحذف «الفاء» ، وكلام الشيخ أيضا يقتضي ذلك فإنه قال (4) بعد إنشاده:

4018 -

إنّك إن يصرع أخوك تصرع (5)

وقول الآخر:

4019 -

..

من يأتها لا يضيرها (6)

والفعل المرفوع إذ ذاك إما أن يكون قبله ما يمكن أن يطلبه أولا، فإن كان نحو:

إنّك إن يصرع أخوك تصرع

وإن لم يكن نحو: إن تأتني آتيك إذا جاء في الشعر فذهب سيبويه إلى أن الأولى أن يكون في المسألة الأولى على نية التقديم والتأخير، وفي الثانية على إضمار «الفاء» ، وجوز العكس وهو أن يكون الأول على إضمار «الفاء» والثاني على التقديم انتهى.

واعلم أن الزمخشري قال (7) في قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ -

(1) انظر الكتاب (3/ 66 - 68).

(2)

انظر المقتضب (2/ 68)، والتذييل (6/ 830).

(3)

انظر التذييل (6/ 830).

(4)

انظر التذييل (6/ 820، 821)، والكتاب (3/ 66، 67، 70/ 71).

(5)

،

(6)

سبق شرحه والتعليق عليه.

(7)

انظر الكشاف (1/ 270).

ص: 4350

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً (1): إن «ما» من: وما عملت من سوء، ليست شرطية لارتفاع تود.

وقد أبى الجماعة قبول ذلك منه وقالوا (2): إن فعل الشرط إذا كان ماضيا واستفيد الجواب من مضارع بعده جاز رفع ذلك المضارع و [قد] تقدمت شواهد ذلك.

ولا شك أن كلام الزمخشري غير ظاهر، وقد منع الشيخ كون «ما» المذكورة شرطية من وجه آخر لا لكون «تود» مرفوعا وهو: أن النية بـ «تود» التقديم على مذهب سيبويه، فيكون دليلا على الجواب لا نفس الجواب قال (3): فنقول إذا كان تود منويا به التقديم أدى إلى تقديم المضمر على ظاهره في غير الأبواب المستثناه في العربية، ألا ترى أن الضمير في قوله:«وبينه» عائد على اسم الشرط الذي هو «ما» فيصير التقدير: تود كل نفس لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ما عملت من سوء، فيلزم من هذا التقدير تقديم المضمر على الظاهر وذلك لا يجوز، فإن قلت:

لم لا يجوز ذلك والضمير قد تأخر عن اسم الشرط وإن كان النية به التقديم فقد حصل عود الضمير على الاسم الظاهر قبله، وذلك نظير: ضرب زيد غلامه والفاعل رتبته التقديم ووجب تأخيره لصحة عود الضمير؟

الجواب أن اشتمال الدليل على ضمير اسم الشرط يوجب تأخيره عنه لعود الضمير، فيلزم من ذلك اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل، وجملة الشرط إنما تقتضي جملة الجزاء لا دليله إذ ليست بعاملة في جملة الدليل، [بل] إنما تعمل في جملة الجزاء، وجملة الدليل لا موضع لها، وحينئذ يتدافع الأمر لأنها من حيث هي دليل لا يقتضيها اسم الشرط ومن حيث عود الضمير على اسم الشرط يقتضيها فتدافعا، وهذا بخلاف: ضرب زيدا غلامه لأنها جملة

واحدة والفعل عامل في الفاعل والمفعول معا، ولذلك جاز عند بعضهم، ضرب غلامها هندا لاشتراك الفاعل المضاف للضمير والمفعول الذي عاد عليه الضمير في العامل، وامتنع: ضرب -

(1) سورة آل عمران: 30.

(2)

انظر التذييل (6/ 823).

(3)

انظر التذييل (6/ 823، 824) وقد نقله عنه بتصرف.

ص: 4351

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غلامها جار هند لعدم الاشتراك في العامل، قال: فهذا فرق ما بين المسألتين انتهى كلامه.

وفي مستند المنع الذي ذكره نظر، لأنا لا نسلم أنه يلزم من اشتمال دليل الجواب المتأخر عن جملة الشرط على ضمير عائد على اسم الشرط اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل، بل المعتبر في صحة تفسير الظاهر للمضمر في غير الأبواب المستثناه (1) تقدم ذلك الظاهر على ذلك المضمر لفظا ورتبة، أو لفظا لا رتبة كما تقرر في علم النحو.

وأما اشتراك الاسم الذي اتصل به الضمير وصاحب الضمير أي: مفسره في عامل واحد فغير لازم بدليل جواز: ضرب غلامها بعل هند على القول الأصح، فلم يشترك المفعول المضاف للضمير والاسم الذي عاد عليه الضمير في العامل، وإنما احتيج في [نحو] ضرب غلامها هندا إلى أن يكون الذي عاد عليه الضمير مشاركا للمضاف إلى الضمير في العامل لأن الضمير عاد فيه على متأخر لفظا ورتبة، فالتزموا في المفسر المشاركة لما قبله في العامل ليكون العامل منصبا عليهما معا فيخف الأمر في عود الضمير على ما هو متأخر من جهتين، فكأن اشتراكهما في العامل نزلهما منزلة واحدة، فلم يكن اشتراط المشاركة في العامل في المسألة المذكورة لأمر يرجع إلى جهة الاقتضاء الذي أشار إليه الشيخ، بل لما ذكرته، وإذا كان كذلك فلم يتحقق ما قرره من امتناع أن تكون «ما» من قوله تعالى: وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ (2) شرطية.

ومنها: أن المصنف ذكر في شرح الكافية مسألة وكأنه لم يذكرها في التسهيل وهي (3): ما إذا تقدم على الشرط استفهام نحو: أإن تقم أقم؟ قال (4):

«فسيبويه (5) يجعل الاعتماد على الشرط كأن الاستفهام لم يكن، ويونس (6) يجعل الاعتماد على الاستفهام ناويا تقديم الفعل الثاني، وإلى هذا أشرت بقولي:

ويونس التّقديم [ينوي] فرفع

وعند سيبويه ذلك [5/ 156] امتنع

-

(1) المعلوم أن عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة لا يجوز، ولكنهم استثنوا سبعة مواضع يجوز فيها عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وقد ذكرها ابن هشام في المغني (ص 489 - 493).

(2)

سورة آل عمران: 30.

(3)

انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1617).

(4)

المرجع السابق.

(5)

انظر الكتاب (3/ 83).

(6)

المرجع السابق.

ص: 4352

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومن حجة سيبويه (1) قوله تعالى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (2)» انتهى.

ومعنى قوله: «إن سيبويه يجعل الاعتماد على الشرط» أن الجواب الذي يذكر يكون للشرط ويكون الاستفهام داخلا على جملة الشرط والجزاء نحو قولك: هل إن قام زيد يقم عمرو؟

ويونس لما نوى التقديم جعل الجواب محذوفا، ولزم من ذلك كون فعل الشرط ماضيا لأنه محذوف الجواب فيقول: أإن أتيتني آتيك التقدير: آتيك إن أتيتني، ولا يجوز عنده أإن تأتني آتك بجزمها، ولا: أإن تأتني آتيك بجزم الأول ورفع الثاني إلا في الضرورة (3).

وأما وجه دليل سيبويه من الآية الشريفة فإنه لا يجوز أن يكون التقدير: أفهم الخالدون فإن مت؟ لأن الذي يقول: أنت ظالم إن فعلت، فيحذف الجواب لدلالة ما تقدم عليه لا يقول: أنت ظالم فإن فعلت، أن «الفاء» حرف استئناف يمنع ما قبلها أن يفسر ما بعدها (4).

قال الشيخ (5): «وليس في ما ذكره دليل على فساد مذهب يونس، لأن الكلام إنما كان في مسألة تقدمت همزة الاستفهام على أداة شرط بعدها مضارعان، وليست الآية الشريفة من هذا في شيء» انتهى.

وأقول: إن الشيخ بنى الأمر على أن المسألة التي يأتي فيها خلاف يونس لا بد أن تكون أداة الشرط يتقدمها الاستفهام داخلة على مضارعين، وأطال الكلام في ذلك بما توقف عليه كلامه.

والذي يقتضيه كلام المصنف وكلام ابن عصفور أن يونس يجعل الاعتماد على الاستفهام دون الشرط في كل مسألة باشر الاستفهام فيها أداة الشرط دون تقييد بمضارعين أو غيرهما.

وقد قال الشيخ (6): «إن سيبويه رد على يونس بالقياس والسماع» فذكر -

(1) الكتاب (3/ 83).

(2)

سورة الأنبياء: 34.

(3)

انظر التذييل (6/ 825).

(4)

انظر التذييل (6/ 825).

(5)

انظر التذييل (6/ 825).

(6)

انظر التذييل (6/ 826).

ص: 4353

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

القياس ثم قال (1): «وأما السماع» فذكر الآية الشريفة - أعني قوله تعالى:

أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ (2).

ومنها: أنه قد تقدم أن المضارع الصالح للشرطية إذا قرن بـ «الفاء» يجب رفعه كقوله تعالى: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (3)، وكقراءة حمزة أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (4) أنه ينبغي أن يكون الفعل بعد هذه «الفاء» خبر مبتدأ محذوف، وأنه لولا ذلك الحكم بزيادة «الفاء» .

وجزم المضارع لأنها حينئذ في تقدير الشرط، لكن العرب التزمت رفع المضارع بعدها فعلم أنها غير زائدة وأنها داخلة على مبتدأ مقدر كما تدخل على مبتدأ مظهر، فذكر الشيخ: ذلك (5) ثم قال (6): «وإذا كان على ما قالوا فيكون قوله تعالى:

أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ على قراءة حمزة (7) يكون المبتدأ ضمير الشأن أو القصة، إذ قد رفع الظاهر فليس ثمّ اسم متقدم يعود عليه الضمير فيكون إذ ذاك الضمير ضمير الأمر أو القصة، ولذلك إذا قلت: إن قام زيد فيقوم عمرو يكون التقدير: فهو يقوم عمرو، والضمير إذ ذاك ضمير الأمر والشأن، ثم قال: ويمكن أن يقال: إن ربط الجملة الشرطية المصدر جوابها بالمضارع يكون بأمرين: أحدهما:

بجزم المضارع، والآخر: بالفاء ورفعه، لأنه لو رفع ولم تدخل الفاء لتوهم فيه أنه على نية التقديم كما قال سيبويه (8) في قوله: إن قام زيد يقوم عمرو، فيكون إذ ذاك للربط طريقان ولا يحتاج إلى تكلف الإضمار في كل مكان وخصوصا تكلف إضمار القصة أو الشأن إذا لم يمكن أن يعود الضمير على سابق، وكما ربطت الفاء الجملة الاسمية كذلك ربطت الجملة الفعلية المصدرة بالمضارع إذا لم يؤثر فيه الشرط الجزم». انتهى.

ولا يخفى أن هذا الذي ذكره فيه هدم لقاعدة الباب، لأن الأداة طالبة للجواب كما هي طالبة للشرط، وإذا كانت طالبة كانت منصبة عليه عاملة فيه كما سيأتي أنه -

(1) أي: الشيخ أبو حيان.

(2)

سورة الأنبياء: 34.

(3)

سورة الجن: 13.

(4)

سورة البقرة: 282.

(5)

انظر التذييل (6/ 831، 832).

(6)

التذييل (6/ 832).

(7)

انظر القراءة المذكورة في السبعة لابن مجاهد (ص 193) والكشف (1/ 320).

(8)

انظر الكتاب (3/ 66).

ص: 4354