الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[استعمالات ياء النسب والنسب بدونها]
قال ابن مالك: (فصل: قد تلحق ياء النّسب أسماء أبعاض الجسد مبنيّة على فعال، أو مزيدا فى آخرها ألف ونون للدّلالة على عظمها، وتلحق - أيضا - فارقة بين الواحد وجنسه، وعلامة للمبالغة وزائدة لازمة وغير لازمة، ويستغنى عنها غالبا بـ «فعّال» من لفظ المنسوب إليه إن قصد الاحتراف وبصوغ «فاعل» إن قصد صاحب الشّيء، وقد يقام أحدهما مقام الآخر وغيرهما مقامهما، وقد يعوّض من إحدى ياءي النّسب ألف قبل اللّام، وشذّ اجتماعهما وفتحوا تاء تهام؛ لخفاء العوض).
قال ناظر الجيش: اشتمل هذا الفصل على مسائل:
الأولى: أن ياء النسب قد تلحق أسماء أبعاض الجسد مبنيّة على فعال قولهم (1):
أنافيّ في العظيم الأنف، ورآسيّ في العظيم الرأس، وعضاديّ في العظيم العضد، وفخاذيّ في العظيم الفخذ، وقد ذكر المصنف هذا في شرح الكافية كما نقلناه عنه آنفا، قال الشيخ: ويقال ذلك في الشيء الذي يكون في طوله أو عرضه شبر أو شبران أو ثلاثة، أحادي وثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي إلى السبعة، ومثال ما زيدت فيه ألف ونون، قولهم: رقباني في العظيم الرقبة و: جماني في العظيم الجمة، ولحياني في العظيم اللحية، وشعراني في العظيم الشعر، قال: وقالوا:
روحاني لمن له روح ولا يدرك بالبصر دائما، كالملك والجن، ويقال لهم: روح.
المسألة الثانية: أن الياء المشددة التي؛ كياء النسب قد تلحق الكلمة لغير قصد النسب، فإما أن تكون فارقة بين الواحد وجنسه، وإما أن تكون علامة للمبالغة، وإما أن تكون زائدة، فمثال الفارقة: زنجي، وزني، وحبشي وحبش وتركي وترك ويهوديّ ويهود وروميّ وروم، فالياء فارقة بين الواحد وجنسه، كما فرقت التاء بينهما، كتمرة وتمر ونخلة ونخل وبسرة وبسر، ومثال ما هي فيه للمبالغة أعجميّ وأسفريّ وأحمريّ ودوّاريّ، كما قالوا: رجل راوية، فزادها التاء للمبالغة، إلّا أن زيادة التاء للمبالغة أكثر من زيادة الياء لها (2) وأما الزائدة فقد -
(1) ينظر: الكتاب (3/ 379) والرضى (2/ 84)، وشرح الكافية (4/ 1966). والمساعد (3/ 382).
(2)
التذييل (5/ 265)(أ).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تكون لازمة، وقد تكون غير [6/ 74] لازمة، فمثال اللازمة: كرسى وحواري وبردي وكلب زيني قول الشاعر:
4227 -
مثل الفراتيّ إذا ما طما
…
يقذف بالبوصيّ والماهر (1)
ومثله قول الصلتان:
4228 -
أنا الصّلتاني الذي قد علمتم
…
إذا ما يحكّم فهو بالحكم صادع (2)
أشار إلى ذلك كله المصنف في شرح الكافية (3)، ولا شك أن الفرات علم، وكذا الصّلتان أيضا، ولا يقال: إن الياء في: دوّاريّ للمبالغة (4)؛ لأن المبالغة قد استفيدت من بنائه على فعّال.
والمسألة الثالثة: أنهم يستغنون عن ياء النسب بلفظ فعّال مبنيّا من لفظ المنسوب إليه فيما يقصد به الاحتراز وبلفظ فاعل إن قصد به صاحب الشيء، قال في شرح الكافية: ويستغنون ببناء فعال في الحرف عن إلحاق ياء النسب، كقولهم: بقّال وبزّار وحدّاد وخياط وحمّال وكلاب، وكذلك يستغنون بناء فاعل بمعنى صاحب، كذا،
نحو: تامر ولابن وكاسي بمعنى تمر ولبن وكسوة (5)، واحترز المصنف، بقوله: غالبا من نحو: عطريّ لبائع العطر، وبتّي لبائع البتوت، وهي الأكسية، وقد قالوا: عطّار وبتّات أيضا. -
(1) من السريع من قصيدة للأعشى ميمون يفضل عامرا على علقمة بن علاثة، الفراتي: المنسوب إلى الفرات، وهو نهر في العراق، أو الماء الشديد العذوبة، طما: ارتفع، والبوصي: الملاح، الماهر:
السابح. ينظر في شرح الكافية (4/ 1961) ديوانه (ص 106).
(2)
من الطويل من قصيدة قالها الصلتان العبدي عند ما ادعى أن الفرزدق وجريرا تحاكما إليه فقضى بينهما بتفضيل الفرزدق على جرير. صادع: صدع الأمر وبه بينه ومهر به قال تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ، والصادع القاضي بين القوم. انظر: أمالي القالي (2/ 142، 143)، والمحتسب (1/ 113)، والأشموني (4/ 203)، والتذييل (5/ 265)(ب).
(3)
شرح الكافية (4/ 1961).
(4)
من قول العجاج:
أطربا وأنت قنّسري
…
والدّهر بالإنسان دوّاريّ
قال الصبان (4/ 203): (قوله: دوّاريّ قال الدماميني: يحتمل كون الياء فيه لتوكيد المبالغة كالتاء في علّامة) وانظر: الخصائص (3/ 104، 105) والمحتسب (1/ 310)، وأمالى الشجري (1/ 29)، وابن يعيش (3/ 139)، ومغني اللبيب (ص 18)، والهمع (2/ 230)، وديوان العجاج (ص 66).
(5)
شرح الكافية (4/ 1962).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأشار بقوله: وقد يقام أحدهما مقام الآخر وغيرهما مقامهما، إلى أن المعاوضة قد تحصل بين فعّال وفاعل، وإلى أن غيرهما يقوم مقامها، فمثال قيام فعال مقام فاعل، أي: يراد بفعّال صاحب كذا كما يراد بفاعل، قول امرئ القيس:
4229 -
وليس بذي رمح فيطعنني به
…
وليس بذي سيف وليس بنبّال (1)
أي: وليس بذي نبل، قال المصنف: وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى:
وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (2) أي: بذي ظلم (3). انتهى. ومن ذلك قولهم:
سيّاف لصاحب السيف، وتراس لصاحب الترس، وبغال لصاحب البغل، ولا ينقاس شيء من هذين البناءين،
ومثال قيام فاعل مقام فعّال: قولهم حائك في معنى حوّاك؛ لأن الحياكة من الحرف والصنائع، ومثال قيام غيرهما مقامهما، قولهم: رجل طعم ولبس وعمل، بمعنى ذي طعام، وذي لباس، وذي عمل، ومنه قول الراجز:
4230 -
لست بليليّ ولكنّي نهر
…
لا أدلج اللّيل ولكن أبتكر (4)
قال المصنف: أراد ولكني نهاري أي عامل في النهار (5). انتهى. وكذا ما أنشده سيبويه وهو:
4231 -
حتّى شآها كليل موهنا عمل
…
باتت طرابا وبات اللّيل لم ينم (6)
ومن ذلك قولهم امرأة معطار: أي ذات عطر، وناقة محضير، فمعطار قام مقام -
(1) البيت من شواهد سيبويه (2/ 383) وهو من الطويل، والشاهد فيه قوله:(نبّال) لذي النبل والبيت من قصيدة مشهورة لامرئ القيس، وانظره في: المقتضب (3/ 162)، وابن يعيش (6/ 14)، والتصريح (2/ 337)، والأشموني (2/ 200) وديوانه (ص 23).
(2)
سورة فصلت من الآية: (46).
(3)
شرح الكافية (4/ 1963).
(4)
رجز قائله مجهول، وهو من شواهد سيبويه (2/ 91) والإدلاج: سير الليل كله، والشاهد في قوله:
(نهر) بزنة فعل مرادا به النسب لا المبالغة. وانظره في: النوادر لأبي زيد (ص 249)، والمخصص (9/ 51)، والمقرب (2/ 55)، والتصريح (2/ 337) والأشموني (4/ 201) واللسان (ليل) و (نهر).
(5)
شرح الكافية (4/ 1963).
(6)
من البسيط قائله ساعدة بن جؤية، والبيت من شواهد سيبويه (1/ 58) وقد استشهد به على أن (فاعلا) قد يعدل به إلى (فعيل) و (فعل) على سبيل المبالغة، والاستشهاد به هنا على أنه قد يستغنى عن ياء النسب بصيغة (فعل) كما في قوله
…
موهنا عمل. شآها: ساقها والضمير يعود إلى بقر الوحش، كليل: برق أضعفه بعد المسافة، الموهن: منتصف الليل، عمل: ذي عمل أو دائب العمل.
ديوان الهذليين (1/ 198). وشرح الكافية (2/ 1036) واللسان (عمل شأي) والخزانة (3/ 450).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عطّار، وهذا كثير في الكلام مع أنه ليس بقياس. قال سيبويه: وليس في كل شيء من هذا قيل: ذا ألا ترى أنك لا تقول لصاحب الدقيق: (دقّاق، ولا لصاحب الفاكهة: فكّاه ولا لصاحب الشعير: شعار (1).
المسألة الرابعة: أن إحدى يائي النسب قد تحذف ويعوض عنها ألف قبل لام الكلمة، قال في شرح الكافية: وقالوا في المنسوب إلى اليمن والشام) (2) يمان وشام معوّضين الألف من إحدى الياءين، ومن العرب من يقول: يمانيّ
وشآميّ كأنه جمع بين العوض والمعوّض منه، والأجود أن يكون قائل هذا نسب إلى المنسوب، ومن ذلك قول الشاعر.
4232 -
ترهب السّوط في اليمين وتنجو
…
كاليمانيّ طار عنه العفاء (3)
انتهى. (4).
ولا يخفى أن الاسم المنسوب إذا حذفت إحدى الياءين منه وعوض ألفا أنه يصير حكمه في الإعراب حكم المنقوص، فيقال: جاء اليماني، ومررت باليماني، ورأيت اليماني وهذا ظاهر، وأما قوله: وفتحوا تاء تهام لخفاء العوض، فقال الشيخ فيه: إن الألف في يمان وشآم تعويضها من إحدى ياءي النسب ظاهر؛ لأن الأصل يمن وشآم على زنه فعل وفعل، وأما في تهام، فإن أصله تهامة على فعالة فكأنهم بنوه على فعل، نحو: تهم ثم نسبوا فعوضوا من إحدى الياءين ألفا، فقالوا: تهام فلحقا العوض فتحوا التاء حيث بنوه على فعال، وقالوا: تهاميّ بكسر التاء وإلحاق ياءي النسب، كما قالوا: شآميّ ويمني (5).
* * *
(1) هناك خلاف في قياسية ظلك فسيبويه يرى أنه غير مقيس، كما نقل الشارح والمبرد بقول، وأنه ليس محتجّا بكثرته في كلامهم. ورده ابن ولاد. انظر: الكتاب (3/ 381)، والمقتضب (3/ 161)، وابن يعيش (6/ 15)، والهمع (2/ 198)، والأشموني (4/ 201).
(2)
كذا في شرح الكافية وفي نسختي المخطوط (الشام واليمين).
(3)
من الخفيف مجهول القائل. والشاهد فيه قوله: يماني منسوب إلى يمان. والعفاء: التراب.
(4)
التذييل (5/ 266)(ب).
(5)
شرح الكافية (1959).