الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[العامل في الجواب]
قال ابن مالك: (وجزم الجواب بفعل الشّرط [لا] بالأداة وحدها، ولا بهما، ولا على الجوار خلافا لزاعمي ذلك).
ــ
المذهب الصحيح، فإذا كان الجواب صالحا لمباشرة الأداة بان يكون صالحا لكونه شرطا جزم لفظا، وكان جزمه دليلا على ارتباطه بما قبله، وإذا لم يكن صالحا للشرطية أتى بـ «الفاء» لتدل على الارتباط، إذ شأنها أن تصل ما بعدها بما قبلها، وحكم على محله بالجزم، فقد ثبت لنا أن «الفاء» إنما يحتاج إليها عند عدم صلاحية ما تباشره لأن يكون شرطا، ولزم من ذلك أنها إذا باشرت ما هو صالح للشرطية أن يقدر قبله مبتدأ فتصير الجملة اسمية لتكون «الفاء» واقعة موقعا تستحقه، ولو لم يكن الأمر كذلك لقال النحاة ابتداء: إن ربط الجملة الشرطية المصدرة بالمضارع يكون بأمرين أحدهما: بجزم المضارع، والآخر: بالفاء ورفعه، وهم لم يقولوا ذلك.
قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (1): «اختلف في الجازم لجواب الشرط إذا حذفت منه الفاء، فعند الكوفيين (2) هو مجزوم على الجوار كخفض «خرب» من قولهم: هذا جحر ضبّ خرب (3)، ويبطله أمور ثلاثة:
أحدها: أن الخفض على الجوار لا يكون واجبا وجزم الجواب واجب.
الثاني: أن الخفض على الجوار لا يجوز إلا بعد مخفوض خفضا لتحصل المشاكلة، وجزم الجواب يكون بعد جزم ظاهر وغير ظاهر.
الثالث: أن الخفض على الجوار لا يكون مع الاتصال، وجزم الجواب يكون مع الاتصال والانفصال فعلم أنه ليس مجزوما على الجوار، فجزمه إما بفعل الشرط، وإما بأداته، وإما بهما، لا جائز أن يكون جزمه بالأداة وحدها، لأن الجزم في الفعل نظير [5/ 157] الجر في الاسم وليس في عوامل الجر ما يعمل في شيئين دون إتباع، فوجب أن تكون عوامل الجزم كذلك تسوية بين النظيرين، ولئلا يلزم ترجيح الأضعف على الأقوى، وأيضا فإن العوامل على ضربين أحدهما: ما يعمل عملا -
(1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 79).
(2)
انظر المسألة (ص 84) من مسائل الإنصاف (ص 602 - 615)، وانظر التذييل (6/ 835).
(3)
انظر الكتاب (1/ 436)(هارون) والإنصاف (ص 607).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متعددا، والثاني: ما يعمل عملا غير متعدد، والعامل عملا متعددا لا بد في عمله من اختلاف، أن يغاير معنى معموليه ليمتاز أحدهما من الآخر، والشرط والجواب متغايران فلو كان عاملهما واحدا لوجب اختلاف عمليهما وجوب ذلك في الفاعل والمفعول، فالحكم على أداة الشرط بأنها جازمة للجواب مع أنها جزمت الشرط حكم بما لا نظير له، فوجب منعه.
ولا جائز أن يكون جزم الجواب بالأداة والشرط معا لأن كل عامل مركب من شيئين لا يجوز انفصال جزئيه ولا حذف أحدهما كـ «إذما» و «حيثما» بخلاف أداة الشرط وفعله فإن انفصالهما جائز نحو: إن زيدا تكرم يكرمك، وقد يحذف فعل الشرط دون الأداة كقوله:
4020 -
فطلّقها فلست [لها] بكفء
…
وإلّا يعل مفرقك الحسام (1)
فلو كان العمل لهما معا وجب لهما ما وجب لـ «إذ ما» و «حيثما» من عدم الإفراد والانفصال، وإذا بطل جزم الجواب بما سوى فعل الشرط تعيّن كونه مجزوما بفعله لاقتضائه إياه بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام، وعلى
هذا يؤول قول سيبويه: واعلم أن حروف الجزاء تجزم الأفعال ويجزم الجواب بما قبله (2)، لأن ترك تأويله يقتضي أن يكون للفاعل والمفعول حظ في جزم الجواب وذلك لا يصح اتفاقا وقد دل الدليل على أن جزم الجواب ليس بالأداة والشرط معا، ولا بالأداة وحدها فلم يبق ما يحمل عليه قول سيبويه إلا فعل الشرط وحده، وبهذا الجواب يسلم من ترجيح الاسم على الفعل في العمل مع أصالته وفرعية الاسم، وذلك أن الاسم قد عمل في جنسه نحو: هذا ضارب زيدا، وفي غير جنسه نحو: من يكرمني أكرمه، فلو لم يكن جزم الجواب بفعل الشرط لزم كون الفعل مقصور العمل على غير جنسه وذلك انحطاط أصل عن رتبة فرع، فإذا كان جزم الجواب بفعل الشرط -
(1) هذا البيت من الوافر وهو للأحوص في ديوانه (ص 184).
الشرح: الخطاب في قوله فطلقها لمطر في البيت قبله والضمير لامرأته وكانت جميلة وكان مطر دميم الخلقة فأمره بطلاقها لأنه ليس كفأ لها، والمفرق وسط الرأس، والحسام السيف، والشاهد فيه حذف فعل الشرط وبقاء الأداة والتقدير وإن لا تطلقها يعل
…
، والبيت في الإنصاف (1/ 72) والتذييل (6/ 834)، والمغني (ص 647) وشرح شذور الذهب (ص 343)، والعيني (4/ 435).
(2)
انظر الكتاب (3/ 62).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أمن ذلك فوجب القول به انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
وهذه الأقوال في جازم الجواب أربعة:
أحدها: أنه الجوار وقد عرفت أنه مذهب الكوفيين، وقد ردّ ذلك عليهم بما تقدم ذكره.
ثانيها: أنه فعل الشرط وهو مذهب الأخفش (1) قال: «لأنه مستدع للجواب بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام» وقد عرفت أنه مختار المصنف (2).
ثالثها: أنه الأداة وفعل الشرط (3).
رابعها: أنه الأداة وحدها قال الشيخ (4): «وهو مذهب المحقيين من البصريين (5)، وعزاه السيرافي (6) إلى سيبويه، وهو مختار الحذاق من المتأخرين كالجزولي (7)، والأبّذيّ (8)، وابن عصفور (9)» انتهى.
والذي يظهر أنه هو الحق، لأن الأداة هي الطالبة للجواب كما هي طالبة للشرط.
وأما قول بدر الدين: إنه ليس في عوامل الجر ما يعمل في شيئين فوجب أن تكون عوامل الجزم كذلك «فيقال» في
جوابه: إن العمل إنما يكون بحسب الاقتضاء، وعامل الجر إنما اقتضى شيئا واحدا فكيف يعمل في شيئين؟
وأما قوله: إن العامل عملا متعددا لا بد في عمله من اختلاف، أن يغاير معنى معموليه ليمتاز أحدهما من الآخر والشرط وجوابه متغايران، فلو كان عاملهما واحدا -
(1) انظر شرح الكافية للرضي (2/ 254) والتذييل (6/ 833)، ومنهج الأخفش الأوسط (ص 79).
(2)
كما يفهم ذلك من نص التسهيل في الصفحة السابقة.
(3)
انظر الإنصاف (2/ 602) وهو مذهب بعض البصريين، ونسب للخليل وسيبويه، انظر التذييل (6/ 834).
(4)
انظر التذييل (6/ 834).
(5)
انظر الإنصاف (2/ 602).
(6)
ليس في كلام السيرافي ما يشير إلى أنه نسب ذلك لسيبويه قال في شرحه للكتاب (خ) جـ 3 ورقة 229 / بـ «وقوله: وبنجزم الجواب بما قبله، ويجوز أن يكون بجملة ما قبله وهو: إن والشرط، ويحتمل أن يكون بإن وحدها، والاختيار عندي أن يكون بإن وحدها» .
(7)
انظر المقدمة الجزولية (ص 42، 43) بتحقيق د/ شعبان عبد الوهاب محمد.
(8)
في بغية الوعاة (2/ 367)، (باب الكني والألقاب):«والأبّذيّ جماعة أشهرهم من المتقدمين أبو الحسن على بن محمد بن على الكتامي شيخ أبي حيان» فلعله المقصود هنا.
(9)
انظر شرح الجمل (2/ 204) تحقيق صاحب أبو جناح.