الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع والستون باب الحكاية
[الحكاية بأي وبمن]
قال ابن مالك: (إن سئل بـ «أيّ» عن مذكور منكّر عاقل أو غيره حكي فيها مطلقا ما يستحقّه من إعراب وتأنيث وتثنية أو جمع تصحيح موجود فيه أو صالح لوصفه، وإن سئل عنه في الوقف بـ «من» فكذلك ولكن تشبع الحركات في نونها حال الإفراد، وتسكّن قبل «تاء التّأنيث» حال التّثنية، وربّما سكّنت في الإفراد وحرّكت في التّثنية، وقد يستعملان مع غير المفرد المذكّر استعمالهما معه).
قال ناظر الجيش: حقيقة الحكاية أن تورد ما نطق به المتكلم على حسب ما نطق به، ثم المحكي إما جملة وإما
مفرد، أما الجملة فتحكى بعد القول، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب «الأفعال الناصبة المبتدأ والخبر مفعولين» .
وأما المفرد: فلا يحكى في غير الاستفهام وشذّ قول من قال: دعنا من تمرتان، وليس بقرشيّا، ردّا على من قال: إن في الدار قرشيّا، وقول الشاعر:
4172 -
وأجبت قائل كيف أنت [5/ 207] بصالح
…
حتّى مللت وملّني عوّادي (1)
وقول الآخر:
4173 -
كريم إلى جنب الخوان وزورا
…
يحيّي بأهلا مرحبا ثمّ يحبس (2)
وأما في الاستفهام فيحكى إذا كان السؤال بـ «أيّ» أو بـ «من» خاصة، وهذا -
(1) البيت من الكامل وهو لقائل مجهول.
الشرح: مللت من الملالة وهي السآمة، والعواد جمع عائد المريض، وهو الزائر الذي يزوره ويسأل عن حاله.
والشاهد فيه: قوله «بصالح» بالجر على قضية حكاية الاسم المفرد كأنه قال: وأجبت قائل كيف أنت، بهذه اللفظة وهو شاذ؛ لأن المفرد لا يحكى في غير الاستفهام. والبيت في المغني (ص 422)، وشرح شواهده (ص 837)، والعيني (4/ 503)، والهمع (1/ 157).
(2)
البيت من الطويل لقائل مجهول، والخوان - بكسر الخاء وضمها - الذي يؤكل عليه، معرّب.
والجمع: أخونة في القليل، وفي الكثير: خون. والشاهد فيه: قوله «بأهلا» على حكاية الاسم المفرد، كأنه قال: يحيي بهذه اللفظة وهو شاذ؛ لأنه في غير استفهام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الباب معقود لذلك، وهاتان الكلمتان سئل بهما عن النكرة فيحكى إعرابهما في لفظهما دون أن يذكر الاسم الذي يحكى إعرابه، ويسأل عن العلم أيضا فيؤتى به بعدها محكيّا إعرابه دون تغيير.
وبعد، فأنا أورد كلام المصنف في شرح الكافية ثم أعود إلى لفظ الكتاب.
قال رحمه الله تعالى (1):
«إن سئل بـ «أي» عن مذكور منكر حكي فيها وصلا ووقفا ما للمسئول عنه من إعراب، وتذكير وتأنيث، وإفراد وتثنية وجمع تصحيح موجود فيه أو صالح لوصفه، كقولك لمن قال: رأيت رجلا وامرأة وغلامين وجاريتين وبنتين وبنات: أيّا وأيّة وأيّين وأيّتين وأيّين وأيّات وإن سئل عنه بـ «من» حكي في لفظها في الوقف خاصة ما له من الحركات بإشباع كقولك لمن قال: لقيني رجل: منو، ولمن قال: رأيت رجلا: منا، ولمن قال: مررت برجل: مني،
وتقول لمن قال: رأيت امرأة: منه أو منت، ولمن قال: رأيت رجلين: منين، ولمن قال: رأيت رجالا: منين، ولمن قال: رأيت امرأتين: منتين أو منتين، ولمن قال: رأيت نساء: منات، فإن وصلت قلت: من يا فتى في الإفراد والتثنية والجمع، والتذكير والتأنيث. وفي قول الشاعر (2):
4174 -
أتوا ناري فقلت: منون أنتم
…
فقالوا: الجنّ قلت: عموا ظلاما (3)
شذوذ من وجهين (4):
أحدهما: أنه حكى مقدرا غير مذكور. -
(1) انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1717).
(2)
هو سمير بن الحارث الضّبّي، وفي العيني والخزانة: شمير - بالشين - لا بالسين.
(3)
البيت من الوافر، زعم الشاعر أنه أتاه الجن وهو عند ناره فسألهم من هم؟ فلما ذكروا أنهم الجن حيّاهم وقال لهم: عموا ظلاما؛ لأنهم جن كما يقول بعض بني آدم إذا أصبحوا: عموا صباحا، وإنما انتشارهم بالليل، واستشهد به ابن مالك على أن فيه شذوذا من وجهين أحدهما: أنه حكى مقدرا غير مذكور والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل وحقها أن لا تثبت إلا في الوقف.
والبيت في الكتاب (2/ 411)(هارون). والخصائص (1/ 129)، وابن يعيش (4/ 16) وشرح شواهد الشافية (ص 295).
(4)
ذكرهما الأشموني (4/ 90) وزاد ثالثا وهو تحريك النون، وزاد الصبان رابعا وهو أن المقدر المحكي ضميره، انظر حاشية الصبان (4/ 90).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثاني: أنه أثبت العلامة في الوصل وحقها أن لا تثبت إلا في الوقف». انتهى.
وحاصل الأمر: أن المسؤول عنه الذي هو نكرة يحكى بـ «أيّ» وب «من» وإذا حكي بواحدة من الكلمتين جيء فيها بما يستحقه المحكي من إعراب وتأنيث وتثنية وجمع، كما مثل، وقد لا يطابق في تثنية ولا جمع، كما سيذكر، ولكن الأكثر والأفصح المطابقة.
وليعلم أن «أيّا» إذا لم تكن للاستثبات، فإن الأفصح فيها أن تكون مفردة بغير «تاء» للمذكر والمؤنث في جميع الأحوال، ومن العرب من يثني ويجمع ويؤنث، وهو قليل لا يكاد يوجد إلا في الشعر ومنه:
4175 -
وأيّة بلدة إلّا أتينا
…
من البلدان تعلمها نزار (1)
وقول الآخر:
4176 -
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة
…
ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب (2)
ثم اعلم أن إحدى الكلمتين تفارق الأخرى في ثلاثة أحكام (3):
الأول: أن «أيّا» يحكى بها ما للعاقل وما لغير العاقل، ولهذا قال المصنف بعد ذكره «أيّا»: عاقل أو غيره، و «من» لا يحكى بها إلا ما للعاقل.
الثاني: أن «أيّا» يحكى بها في الوصل والوقف. وهذا مراد المصنف بقوله:
مطلقا، و «من» لا يحكى بها إلا في الوقف خاصة، وقد نبه المصنف على ذلك بقوله: في الوقف.
الثالث: أن «أيّا» تحكى فيها حركات الإعراب دون إشباع، وأما «من» فيجب في الحكاية بها الإشباع، ولهذا قال المصنف بعد ذكر «من»: ولكن تشبع -
(1) البيت من الوافر ولم أهتد إلى قائله، والشاهد فيه قوله:«وأية بلدة» فإنه أتى بالتاء في «أي» والأفصح فيها إذا لم تكن للاستثبات أن تكون مفردة بغير «تاء» وهذا قليل خاص بالشعر.
(2)
البيت من الطويل وهو للكميت بن زيد. والشاهد فيه قوله: «بأية سنة» فإنه أتى بالتاء في «أي» وهذا قليل خاص بالشعر؛ لأن «أيّا» الأفصح فيها إذا لم تكن للاستثبات أن تكون مفردة بغير «تاء» .
والبيت في المحتسب (1/ 173)، والخزانة (4/ 5).
(3)
زاد الأشموني حكمين آخرين أحدهما: أن «من» يحكى بها النكرة ويحكى بعدها العلم و «أي» تختص بالنكرة. والثاني: أن ما قبل «تاء التأنيث» في «أي» واجب الفتح، تقول: أية وأيتان وفي «من» يجوز الفتح والإسكان. انظر الأشموني (4/ 92، 93).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحركات في نونها حال الإفراد، فأفهم كلامه بقوله:«ولكن» أن الحكم المذكور مخصوص بـ «من» .
وأفهم قول المصنف: وتسكّن قبل تاء التّأنيث حال التّثنية - أنها قبل «تاء» التأنيث في الإفراد لا تسكن بل تفتح كما أن كل حرف واقع قبل «تاء» التأنيث يستحق الفتح، فيقال: منة في الإفراد ومنتان في التثنية.
وأشار بقوله: وربّما سكّنت في الإفراد وحركت في التّثنية - إلى أنه قد يعكس الأمر فيهما فيقال: منت، ومنتان.
وأفهم قوله «وربّما» أن الأكثر والأفصح التحريك في الإفراد، والتسكين في التثنية.
ولما كان المجموع الذي يحكى بـ «أيّ» وب «من» قد يكون جمع تكسير، وكانت الحكاية إنما يؤتى فيها بصيغة جمع
التصحيح، كقولك: أيّون، ومنون - احتاج المصنف بعد قوله: أو جمع تصحيح - إلى أن يردف ذلك بقوله: موجود فيه أو صالح لوصفه.
فمثال الأول: بنون وبنات، ومثال الثاني: رجال ونساء.
فإن جمع التصحيح وإن لم يكن موجودا فيهما لكنهما صالحان لوصف يجمع جمع التصحيح، كقولك: قام رجال مسلمون ونساء مسلمات.
وأما قوله: وقد يستعملان مع غير المفرد المذكّر استعمالهما معه -، فأشار به إلى أن «أيّا» يحكى فيها إعراب المحكي خاصة كائنا ما كان، فإذا قيل: قام رجل أو رجلان أو رجال قلت: أيّ، وإذا قيل: ضربت رجلا، أو رجلين أو رجالا قلت: أيّا، وإذا قيل: مررت برجل أو رجلين أو رجال، قلت: أيّ، وكذا إذا قيل: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء، قلت: أيّة يا هذا، وتنصب في نصب ذلك وتجر في جره، وكذا تفعل في «من» فتلحقها «واوا» رفعا و «ألفا» نصبا و «ياء» جرّا، فيقال في: قام رجل أو رجلان: منو، وفي نصب ذلك: منا، وفي جره:
مني، وكذلك في المؤنث إفرادا وتثنية وجمعا، نقل ذلك يونس عن قوم من العرب وهو لا (1)، قصدوا قصر الأمر على حكاية الإعراب خاصة. -
(1) يعني أن يونس نقل ذلك عنهم ومع ذلك فقد خالفهم، قال في الكتاب (2/ 410)(هارون) -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واعلم أن الذي تعطيه عبارة الكتاب أنه يقال في السؤال عن قول القائل: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء: أيّ، فالتذكير لقوله: وقد يستعملان مع غير المفرد المذكّر استعمالهما معه. ولا شك أن غير المفرد المذكر من جملته المؤنث، وإذا كان كذلك أشكل قولهم: إنك تقول لمن قال: قامت امرأة أو امرأتان أو نساء: أيّة يا هذا، ثم لازم ذلك أن يقال لمن قال: قامت امرأة
…
إلى آخره: منة دون منو، والظاهر أن الأمر بخلاف ذلك؛ لكن قال الشيخ (1):«إنك لا تقول إلا أيّة وإن النقل عنهم كذلك» .
والذي ذكره ابن عصفور في «المقرّب» موافق لكلام المصنف فإنه قال (2):
واعلم أن الشيخ عند ما تكلّم على إشباع حركات نون «من» ، قال (3):
ولقائل أن يقول: إن الإعراب في «منه» أو «منت» وفي «منات» محكي تقديرا؛ لأن «من» لا يحكى بها إلا في الوقف، ولكن لا يوقف على متحرك، والسكون إنما هو عارض من أجل الوقف، ولا يلزم من عدم النطق بشيء عدم تقدير ذلك الشيء، ولو قال القائل: قام زيد: وقف وسكّن «دال» زيد - لا يمتنع أن -
- «وحدثنا يونس أن ناسا يقولون أبدا: منا ومني ومنو، عنيت واحدا أو اثنين أو جميعا في الوقف، فمن قال هذا قال: أيّا وأيّ وأيّ إذا عنى واحدا أو جميعا أو اثنين، وإنما فعلوا ذلك بمن لأنهم يقولون: من قال ذاك؟ فيعنون ما شاءوا من العدد، وكذلك أي، تقول: أيّ يقول ذاك؟ فتعني بها جميعا وإن شاء عنى اثنين، وأما يونس فإنه كان يقيس «منه» على أيّة فيقول: منة ومنة ومنة، إذا قال: يا فتى، وكذلك ينبغي له أن يقول إذا آثر أن لا يغيرها في الصلة، قال سيبويه: وهذا بعيد، وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يسمع بعد».
(1)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 207.
(2)
انظر المقرب (1/ 299).
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 207، 208.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقال: زيد مرفوع وإن لم ينطق برفعه، لأنه إنما سكّن آخره لكونه موقوفا عليه، وهكذا يقال في المحكي.
والذي قاله السيرافي هو الحق الذي لا يجوز العدول عنه، ولا يفهم الذهن الصحيح غيره، وأما القولان المنسوب أحدهما للمبرد، فلم أفهم معناهما.
ثم ذكر الشيخ (5) أن من فروع هذه المسألة - يعني الحكاية بـ «من» - أنه إذا اجتمع مؤنث ومذكر ألحقت في الآخر، تقول لمن قال: رأيت رجلا وامرأة: من ومنه فتسكن الأول؛ لأنه وصل، وكذلك لو عكست، تقول لمن قال: رأيت
امرأة ورجلا: من ومنا، وسواء اتفق الإعراب كما مثل أم اختلف، تقول لمن قال:
ضرب رجل امرأة: من منه، والعكس من منا، وكذلك أيضا لو اتفقنا في الوحدة كما مثل، أو اختلفا فتقول لمن قال: رأيت رجلا وامرأتين: من ومنتين، ورجلا ونساء: من ومنات، وكذلك في العكس، فتقول لمن قال: رأيت امرأة ورجلين:
من ومنين، ونساء ورجلا: من ومنا، وعلى هذا يقاس.
قال (6): وهل يجوز أن يغلب المذكر على المؤنث فيبنى بصيغة المذكر، فتقول لمن قال: رأيت رجلا وامرأة: منين، كما تقول: ضربت أحمرين في رجل أحمر وامرأة حمراء، فيمكن أن يلحق بهذا، فيقال: منين ويمكن أن لا يلحق به؟
فلا يجوز؛ لأن القصد الحكاية في الاستثبات، فتقول على هذا: من ومنه كما ذكر أولا، وكذلك إذا سئل بأيّ يجري على هذا القياس، فتقول لمن قال: رأيت رجلا -
(1) المرجع السابق ورقة 208، وقد نقله عنه بتصرف.
(2)
انظر المقتضب (2/ 305).
(3)
انظر الهمع: (2/ 153).
(4)
المرجع السابق.
(5)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 208، 209.
(6)
أي الشيخ أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وامرأة: أيّا وأيّة، وكذلك العكس فتقول لمن قال: رأيت امرأة ورجلا: أيّة وأيّا، يجري كل واحد منهما على ما يقتضيه قياسه وإعرابه، قال (1): ولو خلطت سؤال من مع سؤال أيّ وذلك في العاقل وغيره في قول من قال: رأيت رجلا وحمارا، فتقول: من وأيّا، فتأتي بكل واحد منهما على قياسه.
قال الشيخ (2): «ولم يتعرض المصنف لإعراب أيّ في الحكاية ولا علام يكون رفعها ونصبها وجرّها؟ قال: ونحن نتكلم الآن على ذلك
…
فذكر: أنهم اختلفوا في الحركات اللاحقة لأيّ، فقيل: حركات إعراب نشأت عن عوامله، وقيل:
ليست للإعراب، وإنما هي إتباع للفظ المتكلم على الحكاية، لأنه يلزم من كونها إعرابا إضمار حرف الجر إذا
جررت أيّا، وعلى هذا تكون أيّ بمنزلة من في موضع رفع بالابتداء أو الخبر، ولا يبعد أن تكون مفعولة محلّا، وقد التزم بعضهم إدخال حرف الجر، فيقول: بأيّ.
وقياس مذهب البصريين (3) أن أيّا إذا كانت مرفوعة أن يكون رفعها على الابتداء، فإذا قيل: أيّ سؤالا لمن قال: قام رجل فالتقدير عندهم: أيّ قام، ولا يقدر الفعل قبلها، فتكون فاعلة؛ لأن الاستفهام لا يتقدم عامله عليه إلا إذا كان جارّا بشرط أن يتأخر عنه الذي يتعلق به الجار.
والكوفيون (4) يجيزون في باب الحكاية رفعها بفعل مضمر قبلها، لأن اسم الاستفهام عندهم في الحكاية يجوز تقديم العامل فيه حتى يكون طبق المحكي في ذلك، ولو أظهر الفعل عندهم لجاز، وإظهاره هو المختار عندهم في مثل: اشترى أيّ أيّا، حكاية لمن قال: اشترى رجل فرسا؛ ليتبين أن الاسمين محمولان على فعل واحد مضمر يرفع أحدهما وينصب الآخر، كما أن المحكي كذلك.
وأما إذا كانت أيّ منصوبة أو مخفوضة فإنها إذ ذاك محمولة على فعل مضمر، ويجوز الإتيان به تأكيدا فتذكره متأخرا فتقول: أيّا ضربت، وبأيّ مررت؟ ويجوز أن تأتي به قبل أيّ فتقول: ضربت أيّا، ومررت بأيّ، لأنه قد جرى الفعل في كلام -
(1) أي الشيخ أبو حيان.
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 207.
(3)
انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 386)(رسالة).
(4)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المتكلم، فكان ذكرك إياه كالتكرار، فكأنك لم تذكر قبل أداة الاستفهام فعلا، ولذلك لم يفعلوه إلا في الاستثبات ولم يفعلوا ذلك مع جميع أسماء الاستفهام، إنما يفعلون ذلك مع أيّ وما ومن لا يجوزونه في غيرهن، يقول القائل: أكلت خبزا فتقول: أكلت ما، ويقول: لقيت زيدا فتقول: لقيت من، ويقول: ضربت رجلا فتقول: ضربت أيّا، ولو قال: خرجت يوم الجمعة فاستثبته، لقلت: متى خرجت؟
ولا يقول: خرجت متى؟ وتقول: سرت ضاحكا فتقول له: كيف سرت؟ ولا يجوز:
سرت كيف؟ وكذلك سائر أسماء الاستفهام إلا «أين» فقد حكي في الاستثبات [5/ 209] بها تقدم العامل، حكي من
كلامهم: إنّ أين الماء والعشب، استثباتا لمن قال: إنّ في موضع كذا الماء والعشب، وقد جاء أيضا في «كم» معطوفة على غيرها، تقديم العامل لأنه يجوز في المعطوف ما لا يجوز في المعطوف عليه، حكي من كلامهم: قبضت عشرين وكم استثباتا لمن قال: قبضت عشرين وكذا» انتهى.
ولم أتحقق قولهم: إن الحركات اللاحقة لـ «أيّ» في هذا الباب تكون حركات إعراب نشأت عن عوامله؛ لأن الأمر إذا كان كذلك فلا حكاية حينئذ، ولا شك أن الحكاية هي المقصودة، ثم كيف يتجه في حركات «أيّ» أن تكون حركات إعراب مع أن حركة الحكاية قسيمة لحركة الإعراب بالنسبة إلى أصل الحركات؟ ثم إن حركة الإعراب يجاء بها لبيان مقتضى العامل، وحركة الحكاية لا يؤتى بها لذلك فبينهما تناف، نعم إذا قيل: إن الحركة إعراب وإن التقدير: أيّ قام، كان ذلك غير ممتنع، لكن تخرج المسألة من باب «الحكاية» ويكون المتكلم بذلك حينئذ قاصدا الاستفهام لا قاصدا لحكاية إعراب اسم في كلام الغير، والقول بأن الكوفيين يجيزون في باب «الحكاية» رفع «أيّ» بفعل مضمر يمكن حمله على ما قلته.
والحق أنه لا يتصور في حركات «أيّ» و «من» في باب «الحكاية» أن تكون حركات إعراب؛ لأن ذلك مؤدّ إلى نقض القواعد وهدم ما تقرر، وقد أمكن حمل كلام من يقول بتقدير عامل على غير قصد الحكاية، وأنه إنما يقصد إذ ذاك الاستفهام خاصة دون حكاية لشيء سبق، ويعضد هذا قول صاحب «الإفصاح» (1):«من النحويين من أجاز ترك الحكاية في باب «أي» وأجاز الاستئناف على الابتداء والخبر». -
(1) هو ابن هشام الخضراوي.