الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أقل رجل يقول ذلك وأحكام هذه الجملة]
قال ابن مالك: (فصل؛ قد يقوم مقام ما يفعل «أقلّ» ملازما للابتداء والإضافة إلى نكرة موصوفة بصفة مغنية عن الخبر لازم كونها فعلا أو ظرفا، وقد تجعل خبرا، ولا بدّ من مطابقة فاعلها للنّكرة المضاف إليها).
قال ناظر الجيش: قال الشيخ (1): «أجرت العرب «أقلّ» مجرى «قلّ رجل» فلذلك لا تدخل عليه العوامل، ووضعته العرب في أحد محمليه موضع النفي، لأن القليل أقرب شيء إلى النفي كما أن الكثير أبعد شيء منه، ولزمت الابتداء فوقعت صدرا إذ جعلت نائبة عن النفي، والنفي له صدر الكلام، ولو قلت: كان أقل رجل يقول ذلك لم يجز إلا على
إضمار الشأن في «كان» ولإجرائها مجرى النفي قالوا:
أقلّ رجل يقول ذلك إلا زيد.
قال سيبويه (2): لأنه صار في معنى: ما أحد فيها إلا زيد.
وإنما لزم إضافته إلى نكرة لأنه في سياق النفي يعمّ، والمعنى على النفي؛ فإذا قلت: أقلّ رجل يقول ذلك فمعناه: ما أحد يقول ذلك.
وقوله نكرة أعم من أن يكون مما يجوز أن تدخل عليه «أل» نحو: رجل، أو لا تدخل عليه نحو: أقل من يقول ذلك.
قال سيبويه (3): حدثنا بذلك يونس عن العرب يجعلونه نكرة كما قال:
4161 -
ربّما تكره النّفوس من الأم
…
ر له فرجة كحلّ العقال (4)
-
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 201، 202.
(2)
انظر الكتاب (2/ 314)(هارون).
(3)
انظر الكتاب (2/ 315)(هارون).
(4)
البيت من الخفيف وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه (ص 50).
الشرح: الفرجة بالفتح: الانفراج وقيل: الفرجة بالفتح في الأمر، وبالضم فيما يرى من الحائط ونحوه، والعقال هو القيد، وقيل: هو الحبل الذي يعقل به البعير.
والمعنى: رب شيء تكرهه النفوس من الأمر له انفراج سهل سريع كحل عقال الدابة.
والشاهد فيه: أن دخول «رب» على «ما» دليل على قابليتها للتنكير؛ لأن «رب» لا تدخل إلا على نكرة. والبيت في المقتضب (1/ 180)، وابن يعيش (8/ 30) والعيني (1/ 484).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يريد: أن «ربّ» دخلت على «ما» وهي لا تدخل إلا على نكرة، فتنكيرها كتنكير «من» وقد دخلت «ربّ» أيضا على «من» ، قال:
4162 -
ربّ من أنضجت غيظا صدره (1)
وقوله: موصوفة بصفة مغنية عن الخبر: إذا قلت: أقلّ رجل يقول ذلك فـ «أقل» مبتدأ كما تقدم، واختلف في الجملة
الواقعة بعده: هل هي في موضع الخبر أو في موضع صفة تغني عن الخبر [5/ 203] ويكون الخبر محذوفا؟
فمنهم من قال: هي في موضع الخبر؛ لأن المبتدأ لا بد له من خبر وليس هنا شيء يصلح للخبر غير هذه الجملة، وكأنه قال: ما رجل يفعل ذلك، وأنت لو قلت: ما رجل يفعل ذلك، لكان «يفعل ذلك» في موضع الخبر، فكذلك هذا.
فموضعه على هذا رفع على أصل وضع الكلام؛ إذ المبتدأ لا بد له من خبر وإلى هذا ذهب الأخفش.
وقال بعضهم: الجملة صفة وهي في موضع جر، والدليل على ذلك جريان هذا الفعل مطابقا للمجرور، فتقول: أقل امرأة تقول ذلك، وأقل امرأتين تقولان ذلك، أقل نساء يقلن ذلك، وأقل رجل يقول ذلك، وأقل رجلين يقولان ذلك، وأقل رجال يقولون ذلك، فتطابق الجملة المجرور، ولو كانت خبرا لطابقت المبتدأ الذي هو «أقل» فكنت تقول: أقل رجال يقول ذلك، وعزي هذا المذهب إلى الأخفش أيضا.
فإن قلت: قد زعمت أن «أقل» يجب أن يكون مبتدأ ولا تدخل عليه -
(1) هذا صدر بيت من الرمل وعجزه:
قد تمنّى لي موتا لم يطع
وهو لسويد بن كاهل البشكري.
الشرح قوله أنضجت هو من إنضاج اللحم: جعله بالطبخ مستويا يمكن أكله ويحسن، وهو هنا كناية عن نهاية الكمد الحاصل للقلي.
والشاهد فيه: أن «رب» دخلت على «من» وهو دليل على قابليتها للتنكير؛ لأن «رب» لا تدخل إلا على نكرة.
والبيت في أمالي الشجري (2/ 169)، والمغني (ص 328) وشرح شواهده (ص 740) والدرر (1/ 69)، (2/ 19).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
النواسخ فكيف أورده سيبويه في باب «الاشتغال» في قوله (1): «هذا باب ما يجري مما يكون ظرفا هذا المجرى وذلك: يوم الجمعة ألقاك فيه، وأقلّ يوم لا أصوم فيه، وخطيئة يوم لا أصيبه، ومكانكم قمت فيه، فصارت هذه الأحرف ترتفع بالابتداء كارتفاع عبد الله وصار ما بعدها مبنيّا عليها كبناء الفعل على الاسم الأول» .
ثم قال بعد ذلك (2): «ويدخل النصب كما دخل في الاسم، ويجوز في ذلك: يوم الجمعة ألقاك فيه وأصوم فيه كما جاز في قولك: عبد الله مررت به» .
فدل كلام سيبويه هذا على أمرين:
أحدهما: أنه لا يلتزم فيه الابتداء. والثاني: أن الجملة في موضع الخبر لا في موضع الصفة، لأن الصفة لا تفسر
عاملا!!
فالجواب: أن الذي يتكلم فيه غير الذي ذهب إليه سيبويه، لأن الذي ذكره سيبويه لم يرد به النفي المحض إنما أريد به الأقل المقابل للأكثر فعرض الإلباس والإشكال من حيث الاشتراك.
ألا ترى أن القائل: أقلّ يوم لا أصوم فيه لا يمكن حمله على النفي المحض؛ لأنه إذ ذاك يصير المعنى: ما يوم من الأيام ينتفي عنه فيه الصوم، وقد علم ضرورة أنه لا يصوم أيام الأعياد، وإنما مراد المتكلم أنه قليل من الأيام ينتفي عنه فيها الصوم، يريد أنه يكثر الصوم ولا يعني أنه يديمه سرمدا من غير تخلل إفطار. انتهى.
وقد عرف من قول المصنف: قد يقوم مقام ما يفعل أقلّ، أن «أقل» قد لا يراد به النفي وإنما يراد به الأقلية المقابلة للأكثرية، وإتيان المصنف بكلمة «قد» يدل على أن إرادة النفي به أقل من أن يراد به غير ذلك.
وحاصل الأمر: أن «أقل» لها محملان: أحدهما: أن تكون «أفعل» تفضيل فلا نفي، ثانيهما: أن يراد به النفي المحض.
(1) انظر الكتاب (1/ 84)(هارون).
(2)
انظر الكتاب (1/ 85)(هارون) وقد نقله عنه بتصرف.