الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[لمّا ومعانيها]
قال ابن مالك: (إذا ولي لمّا فعل ماض لفظا ومعنى فهي ظرف بمعنى إذ فيه معنى الشّرط، أو حرف يقتضي فيما مضى وجوبا لوجوب، وجوابها فعل ماض لفظا ومعنى، أو جملة اسميّة مع إذا المفاجأة أو الفاء، وربّما كان
ماضيا مقرونا بالفاء، وقد يكون مضارعا).
ــ
القرآن، ومنه قول امرئ القيس:
4105 -
وجدّك لو شيء أتانا رسوله
…
سواك ولكن لم نجد لك مدفعا (1)
أي: لو شيء أتانا رسوله سواك لما آتيناه (2).
قال: قال المصنف في شرح الكافية (3): «لمّا في كلام العرب على ثلاثة أقسام:
الأول: أن تكون نافية جازمة، وقد تقدم ذكرها، وأن الذي يليها من الأفعال مضارع اللفظ ماضي المعنى.
والثاني: أن تكون حرفا يدل على وجوب شيء لوجوب غيره، ولا يليها إلا فعل خالص المضى أي ماض لفظا ومعنى كقوله تعالى: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا (4)، وهي حرف عند سيبويه (5)، وظرف بمعنى حين عند أبي علي (6)، والصحيح قول سيبويه، لأن المراد أنهم أهلكوا بسبب ظلمهم، لا أنهم أهلكوا حين -
(1) هذا البيت من الطويل وهو لامرئ القيس (ص 130) وقوله وجدك يروى بدله «وأقسم» ويروى «فأقسم» . والاستشهاد فيه على أن «لو» حرف شرط وأن جوابه محذوف وتقدير الكلام: لو أتانا رسول سواك لدفعناه. وفي الخزانة: «استشهد به على أن الجواب فيه محذوف وهو جواب القسم لا جواب لو علما بمقتضى الضابط في اجتماع قسم وشرط» وهو الصواب، والبيت في معاني الفراء (2/ 7، 63، 417) وابن يعيش (9/ 7) والتذييل (6/ 952) والخزانة (4/ 227).
(2)
انظر التذييل (6/ 952).
(3)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1643).
(4)
سورة الكهف: 59.
(5)
انظر الكتاب (1/ 98)، (4/ 234)(هارون).
(6)
نسب في المغني (ص 280) لابن السراج وتبعه الفارسي وتبعهما ابن جني وتبعهم جماعة، وانظر الأشموني (4/ 7).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ظلمهم لأن ظلمهم متقدم على إنذارهم، وإنذارهم متقدم على إهلاكهم، ولأنها تقابل «لو» لأن «لو» في الغالب تدل على امتناع لامتناع و «لما» تدل على وجوب لوجوب، ويحقق تقابلهما أنك تقول: لو قام زيد قام عمرو ولكنه لما لم يقم لم يقم، ويقوى قول أبي علي أنها قد جاءت لمجرد الوقت في قول الراجز:
4106 -
إنّي لأرجو محرزا أن ينفعا
…
إيّاي لمّا صرت شيخا قلّعا (1)
والثالث: أن تكون بمعنى «إلا» بعد قسم كقوله: عزمت عليك لما ضربت كاتبك سوطا، وكقول الراجز:
4107 -
قالت له بالله يا ذا البردين
…
لمّا غنثت نفسا أو اثنين (2)
وقد تكون بمعنى «إلا» بعد نفي دون قسم، ومنه قراءة عاصم وحمزة (3) وإن كل لما جميع لدينا محضرون (4)، وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (5) أي: وما كل إلا جميع، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا.
ومثال وقوع جواب لما جملة ابتدائية قوله تعالى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ (6).
ومثال وقوع جوابها مقرونا بإذا المفاجأة قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ -
(1) هذا رجز والمحرز من أحرزت الشيء أحرزه: إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ ومحرز:
اسم، وقوله قلعا شيخ قلع: يتقلع إذا قام. والشاهد فيه قوله «لما صرت» حيث جاء «لما» لمجرد الوقت، وهذا يقوى مذهب أبي علي أنها ظرف بمعنى حين، وانظر الرجز في شرح العمدة (75) والتذييل (6/ 964) واللسان (قلع).
(2)
هذا رجز، وغنث كفرح: شرب ثم تنفس، وفي اللسان:«وقال الشيباني: الغنث هنا كناية عن الجماع» . والشاهد فيه كون «لما» بمعنى «إلا» بعد القسم. والرجز في المغني (1/ 2) والهمع (1/ 236) والدرر (1/ 200) واللسان (غنث).
(3)
في شرح الكافية الشافية «ومنه قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة» والزيادة من المحقق، وانظر القراءة في الكشف (2/ 215)، والحجة (ص 368).
(4)
سورة يس: 32.
(5)
سورة الزخرف: 35.
(6)
سورة لقمان: 32.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنْها يَرْكُضُونَ (1) انتهى.
وأورد ذلك بدر الدين برمّته دون زيادة (2)، وأنشد شاهدا لقول المصنف «وربّما كان ماضيا مقرونا بالفاء» قول الشاعر:
4108 -
فلمّا رأى الرّحمن أن ليس فيهم
…
رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر
فصبّ عليهم تغلب ابنة وائل
…
فكانوا عليهم مثل راغية البكر (3)
وأما قول المصنف «وقد يكون مضارعا» أي: جواب «لما» فشاهده قوله تعالى:
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (4) قالوا: التقدير: جادلنا (5).
وبعد فلنذكر أمورا:
منها: أن الشيخ عند الاستشهاد بقوله تعالى: وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا (6)، وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (7). في قراءة من شدد الميم (8).
قال (9): «فأما قوله تعالى: وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ (10) - في قراءة من خفف إن أو ثقّلها وثقّل ميم لما (11) - فقال صاحب كتاب «اللامات» (12): قال محمد -
(1) سورة الأنبياء: 12.
(2)
انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 101، 102).
(3)
هذا البيتان من الطويل وهما للأخطل في ديوانه (ص 221) والضمير في «عليهم» لبني عامر، والبكر بفتح الموحدة: الصغير من الإبل، والراغية مصدر بمعنى: الرغاء وهو صوت البعير، ويريد بالبكر.
ولد ناقة صالح عليه السلام وذلك أنه لما قتلت الناقة رغا ولدها فصاح برغائه كل شيء له صوت فهلكت ثمود عند ذلك فضربته العرب مثلا، والشاهد في قوله نصب على أنه وقع جوابا لـ «لما» وهو ماض مقرون بالفاء، والبيتان في شرح الكافية للرضي (2/ 368)، والتذييل (6/ 965، 966)، (2/ 368)، والخزانة (4/ 418).
(4)
سورة هود: 74.
(5)
انظر البيان للأنباري (2/ 23) والتبيان للعكبري (ص 708)، والمغني (ص 281).
(6)
سورة الزخرف: 35.
(7)
سورة يس: 32.
(8)
هي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة.
(9)
انظر التذييل (6/ 957 - 959).
(10)
سورة هود: 111.
(11)
في الكشف (1/ 536، 537): «وإن كلا: قرأ الحرميان وأبو بكر: وإن كلا بتخفيف إن، وشدد الباقون، وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر لما بالتشديد، وخفف الباقون» وانظر الحجة لابن خالويه (ص 191).
(12)
لعله يقصد أبا الحسن الهروي صاحب الأزهية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابن يزيد - يعني المبرد (1) -: هذا لحن لا تقول العرب: إن زيدا لما خارج، ولا إن زيدا لا خارج، وقال المازني (2): لا أدرى ما وجه هذه القراءة؟، وقال الفراء (3):
التقدير: لمن ما فلما كثر الميمات حذف منهن واحدة، فعلى هذا القول هي لام توكيد، ونعني بكثرة الميمات أن نون «من» حين أدغمت في ميم «ما» انقلبت ميما بالإدغام فصارت ثلاث ميمات، وقال المازني أيضا: إن بمعنى ما ثم ثقّلت (4)، قال صاحب كتاب «اللامات»: فذهب المازني إلى أن «إن» إذا كانت خفيفة كانت بمعنى ما ثم تثقّل، كما أن «إن» المؤكدة تخفف ومعناها الثقيلة. انتهى كلامه.
قال الشيخ (5): وارتباك النحويين في هذه القراءة، وتلحين بعضهم لقارئها يدل على صعوبة المدرك فيها وتخريجها على القواعد النحوية، فأما التلحين فلا سبيل إليه ألبتة لأنها منقولة نقل التواتر في السبعة، وأما من قال: لا أدري ما وجهها؟ فمعذور لخفاء إدراك ذلك عليه، وأما تأويل «إنّ» المثقّلة بأنها المخففة التي هي نافية ففي غاية من الخطأ، لأنها لو كانت نافية لم ينتصب بعدها «كل» إنما كان يرتفع، وأيضا فإنه لا يحفظ من كلامهم أن تكون المثقلة نافية.
وأما تأويل الفراء المثقلة بأنها المخففة فالآخر في غاية [5/ 185] من الضعف، إذ لا يحفظ من كلامهم «لما» في معنى: لمن ما.
قال (6): وقد كنت من قديم فكّرت في تخريج هذه الآية الشريفة فظهر لي تخريجها على القواعد النحوية من غير شذوذ، وهو أن «لمّا» في قراءة من نصب «كلا» وخففت «إن» أو ثقلها هي الجازمة وحذف الفعل المعمول لها لدلالة معنى الكلام عليه، فيكون نظير قولهم: قاربت المدينة ولمّا، ويريد: ولمّا أدخلها، فيكون معنى الآية: وإن كلّا لمّا يبخس أو ينقص عمله، أو ما كان من هذا المعنى، فحذف -
(1) بحثت في كتابي «المقتضب» و «الكامل» للمبرد فلم أعثر على النص المذكور.
(2)
في التذييل «وقال الكسائي» والصواب أنه المازني بدليل قوله «بعد» : وقال المازني أيضا.
(3)
انظر معاني القرآن (2/ 29).
(4)
انظر الأشباه والنظائر (1/ 137).
(5)
أي في التذييل (6/ 958).
(6)
أي الشيخ في التذييل (6/ 959).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الفعل لدلالة قوله تعالى: لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ عليه، لأنه تعالى لما أخبر أن كل إنسان لا يبخس شيئا من عمله أكد ذلك بالقسم عليه فقال: ليوفينهم ربك أعمالهم.
قال (1): ولم يهتد أحد من النحويين الذين وقفنا على كلامهم في هذه الآية إليه على وضوحه واتجاهه في علم العربية، والعلوم كنوز تحت مفاتيح الفهوم، ثم إني حين وصلت في تفسير القرآن العزيز في كتابي المسمى بـ «البحر المحيط» وجدت شيخنا أبا عبد الله بن النقيب (2)[قد حكى عن أبي عمرو بن الحاجب أن لمّا هنا هي الجازمة وحذف الفعل بعدها (3)، ذكر ذلك] ابن النقيب في تفسيره الذي سمّاه بـ «التجريد» والتحبير لأقوال أهل التفسير» انتهى.
وأقول: أما الشيخ فقدره جليل، ولا يشك أحد في علو طبقته وارتفاع شأنه في علم العربية، وكم له من مشكل حلّه، وعسر خرّجه، وخفىّ أوضحه، وغامض أبرزه، وما أنشأه من المصنفات المختصرات والمطولات لا سيما التفسير يشهد له بأكثر مما ذكرته، ومن هو بهذه الصفات كيف لا يدرك مثل ذلك؟ فأنا واحد من أقل الطلبة الذين أخذوا عنه ولقد يسّر الله تعالى لي الجواب عن هذه الآية الشريفة، وهي وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ (4) بأن قلت: إن «لمّا» هي النافية، وأن الفعل المنفي بها محذوف يدل عليه قوله تعالى:
لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ وكان السائل عن ذلك بعض الفضلاء فبعد أيام قال لي: إن الجواب الذي ذكرته ذكره أبو شامة (5) في (شرح الشاطبية) نقلا عن -
(1) المرجع السابق.
(2)
هو جمال الدين محمد بن سليمان بن حسن المقدسي مفسر من فقهاء الحنفية، وأصله من بلخ ومولده في المقدس، انتقل الى القاهره وأقرأ في بعض مدارسها وعاد إلى المقدس فتوفي بها سنة (698 هـ).
انظر الأعلام (7/ 21).
(3)
انظر البحر المحيط (5/ 267، 268).
(4)
سورة هود: 111.
(5)
أبو شامة: عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي الدمشقي أبو القاسم شهاب الدين أبو شامة، مؤرخ، محدث، باحث، أصله من القدس ومولده في دمشق، وبها منشأه ووفاته ولقب أبي شامة لشامة كبيرة كانت فوق حاجبه الأيسر. له مصنفات كثيرة منها: «إبراز
المعاني» في شرح -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشيخ أبي عمرو بن الحاجب (1) - رحمه الله تعالى - فحصل لي بذلك ابتهاج وشكرت الله تعالى أن هداني إلى ما هدى إليه هذا الرجل العالم العامل.
ومنها: أن الشيخ ذكر مسألة وهي: أقسمت لمّا لم تفعلنّ وقال (2): «قال أبو عمرو بن تقي (3): وقعت لمّا في الكتاب مشددة ومخففة وهو الوجه، ولذلك يقول النحويون في جواب القسم: لما أو لمّا على الشك، فوجه المخففة أنها لام التوكيد دخلت على «ما» وهي للنفي [و] لما كان أصلها أن تنفي الماضي أو الحال وكان هذا الفعل مستقبلا بدليل وجود «النون» معه أدخلوا «لم» في الموضع تحسينا لـ «ما» لأن «لم» تنفي الماضي بلفظ المستقبل ولما اجتمع نفيان انقلبا إيجابا فصلح دخول «النون» لأنها لا تدخل على المنفي، فكأنه قال: أقسمت عليك لتفعلنّ وهو المعني» انتهى.
ولم أتحقق ما ذكره عن هذا الرجل في هذه المسألة.
ومنها: أن الشيخ قال (4): «إن المصنف تسامح في أمرين:
أحدهما: قوله: فهي ظرف بمعنى إذ، أو حرف، لأنه أخرج الكلام في «لما» مخرج الترديد، - يعني كأن المصنف خيّر [بين] الأمرين - قال (5): وهذا قول ثالث لم يقل به، لأن سيبويه يحكم بالحرفية والفارسي يحكم بالظرفية، قال: وهذا لا يجيز قول هذا فيها، وهذا لا يجيز قول هذا.
والثاني: قوله إنه حرف يقتضي فيما مضى وجوبا لوجوب، قال (6): لأن القائل بهذا لا يقتصر على هذا، بل يقول ذلك إذا كانا مثبتين، أما إذا كانا منفيين فإنه يقتضي امتناعا لامتناع، وأما إذا كان الأول مثبتا والثاني منفيا فيقتضي امتناعا لوجوب، وأما عكسه فبالعكس». -
= الشاطبية، ونظم المفصل للزمخشري ومقدمة في النحو، وتوفى سنة (665 هـ). انظر ترجمته في طبقات المفسرين (1/ 263 - 265)، وغاية النهاية (1/ 365).
(1)
انظر المغني (ص 282).
(2)
انظر التذييل (6/ 960).
(3)
لم أعثر له على ترجمة.
(4)
انظر التذييل (6/ 960، 961) وقد نقله عنه بتصرف.
(5)
،
(6)
أي الشيخ أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأقول: إن قول المصنف «فهي ظرف أو حرف» معناه: فهي ظرف عند من يرى ظرفيتها، وهي حرف عند من يرى حرفيتها، ومراده أنها لا تخرج عند النحاة عن القسمين، وكيف يتصور لقائل باسمية كلمة أن يجيز القول بحرفيتها؟ أو لمن يقول بالحرفية كيف يجيز الاسمية؟ وإذا كان كذلك انتفى الترديد وأما قوله: إنها تقتضي وجوبا لوجوب، فليس المراد بالوجوب ما يقابل الامتناع فيتوجه عليه ما قاله الشيخ بل المراد به: وجود شيء لشيء أو وقوع شيء لشيء، فـ «لمّا» تدل على أن المذكور ثانيا حصل بحصول المذكور أولا، وهذا أعم من أن يتفق الأول والثاني في الإثبات أو النفي أو يختلفا.
ولك أن تقول: لا بد أن يتقدم الظلم منهم على إهلاكهم لأن الله سبحانه لا يؤاخذ بغير ذنب، فلا بد من تقدم وجود الظلم، ثم إذا أهلكوا وهم مستمرون في الظلم فلا بد أن يكون الإهلاك بسبب ظلم متقدم وإن انضم إليه ظلم آخر، ومقتضى ما قرره الشيخ أن الإهلاك إنما بسبب الظلم المتلبّسين هم به وقت إهلاكهم، وهو غير مسلّم.
ثم قال (3): «وقد ذكرت الاستدلال على صحة مذهب سيبويه في كتابنا المسمى [5/ 186] بـ «النكت الحسان في شرح غاية الإحسان» بوجهين (4) -
(1) انظر التذييل (6/ 962) وقد نقله عنه بتصرف.
(2)
سورة الكهف: 59.
(3)
انظر التذييل (6/ 963).
(4)
الحق أنه استدل على ذلك بثلاثة أوجه لا بوجهين. انظر النكت الحسان (ص 298) تحقيق:
د/ عبد الحسين الفتلي (بغداد).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأزيدهما ها هنا بيانا:
أحدهما: أنا وجدنا الفعل الذي يكون جوابا لها قد يأتي منفيّا بـ «ما» متأخرا عن الفعل الذي بعدها قال تعالى: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ (1) فلو كانت ظرفا لما صح لمعمول الفعل المنفي بـ «ما» أن يتقدم عليه، لا يجوز: حين جئت ما جئت، وقد تقدم، فدل على أنه ليس بظرف.
والثاني: أنا وجدنا جوابها يكون بـ «إذا» الفجائية قال تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (2)، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (3) وهو كثير في القرآن العزيز وفي أشعار العرب ولا يصح لما بعد «إذا» الفجائية أن يعمل فيما قبلها، فلو كان ظرفا لما صلح أن يتقدم على «إذا» المذكورة قال (4): ومما يستدل به على بطلان [مذهب] أبي على إجماع النحويين على جواز زيادة «أن» بعد «لمّا» ولو كانت ظرفا والجملة بعدها في موضع خفض بالإضافة لما جاز الفصل بـ «أن» الزائدة بين المضاف والمضاف إليه، كما لا يجوز ذلك في الظروف المضافة إلى الجمل.
ثم ذكر (5) قول المصنف (6): ويقوّي قول أبي علي أنها قد جاءت لمجرد الوقت في قول الراجز:
4109 -
إنّي لأرجو محرزا أن ينفعا
…
إيّاي لمّا صرت شيخا قلّعا (7)
قال (8): ولا حجة في ذلك إذ يحتمل أن يكون جواب «لمّا» محذوفا لفهم المعنى أي: لمّا صرت شيخا قلعا حصل لي هذا الرجاء، فتكون إذ ذاك حرفا.
ومنها: أن المصنف قد قال (9): إن جواب [لمّا] قد يكون جملة اسمية مع الفاء -
(1) سورة سبأ: 14.
(2)
سورة الأنبياء: 12.
(3)
سورة العنكبوت: 65.
(4)
أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 963، 964) وقد نقله عنه بتصرف.
(5)
أي الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 964).
(6)
أي في شرح الكافية الشافية (3/ 1644).
(7)
سبق شرحه والتعليق عليه.
(8)
انظر التذييل (6/ 964).
(9)
انظر شرح الكافية الشافية (2/ 669).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وإنه ربما كان ماضيا مقرونا بالفاء، وأنه قد يكون مضارعا، واستدل على المسألة الأولى بقوله تعالى: فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ (1)، وعلى الثانية بقول الشاعر:
4110 -
فلما رأي الرحمن .....
…
فصبّ عليهم ..... (2)
على أنه جواب لقوله:
وعلى المسألة الثالثة بقوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (3) كما عرفت، وقد نوزع في المسائل الثلاث:
أما الأولى (4): فقيل: لا دليل له عليها لأنا ندّعي أن الجواب في الآية الشريفة محذوف، والتقدير: فلما نجاهم إلى البر انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير مقتصد [فحذف الجواب وحذف المعطوف الذي هو: ومنهم غير مقتصد] لدلالة قوله تعالى: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (5) عليه.
وأما الثانية: فقيل: إن الذي استدل به عليها لا دليل فيه، لأنا ندّعي حذف الجواب أيضا لدلالة المعنى عليه التقدير: انتقم منهم فصب عليهم، كما حذف في قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (6) وفي قول امرئ القيس:
4111 -
فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى
…
بنا بطن خبت ذي ركام عقنقل (7)
-
(1) سورة لقمان: 32.
(2)
سبق شرح هذين البيتين.
(3)
سورة هود: 74.
(4)
نازعه في ذلك الشيخ أبو حيان. انظر التذييل (6/ 965، 966).
(5)
سورة لقمان: 32.
(6)
سورة يوسف: 15.
(7)
هذا البيت من الطويل وهو لامرئ القيس (ديوانه ص 19).
الشرح: انتحى: اعترض، والخبث: المتسع من بطون الأرض، وقوله ذي ركام يروى بدله ذي قفاف والركام والقفاف: ما ارتفع من الأرض، والعقنقل: الوادي العظيم المتسع.
والشاهد فيه: حذف جواب «لما» . والتقدير: فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى بطن خبت أمنا أو نلت مأمولي، وهذا مذهب البصريين، ومذهب الكوفيين أن «انتحى» هو الجواب و «الواو» زائدة.
والبيت في معاني الفراء (2/ 50، 211)، والمنصف (3/ 75) وشرح الكافية للرضي (2/ 368)، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما الثالثة: فقيل: إن الجواب من قوله تعالى: فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَجاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا (1) محذوف، التقدير: أقبل يجادلنا (2).
والظاهر أن الحقّ في هذه المسائل الثلاث خلاف ما ذكره المصنف، وأن الجواب محذوف في الآيتين الشريفتين اللتين استدل بهما، وكذا في البيت الذي ذكره.
* * *
- والخزانة (4/ 413).
(1)
سورة هود: 74.
(2)
انظر المغني (ص 281).