الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث طويل عن الإخبار في الجملة المتنازع فيها]
قال ابن مالك: (وإن كانت الجملة ذات تنازع في العمل، لم يغيّر التّرتيب ما لم يكن الموصول الألف واللّام والمخبر عنه غير المتنازع، فإن كان ذانك قدّم المتنازع فيه معمولا لأوّل المتنازعين وإن كان قبل معمولا للثّاني، وهذا أولى من مراعاة التّرتيب بجعل خبر أوّل الموصولين غير خبر الثّاني).
ــ
وتقول في الإخبار بـ «أل» عن «أخيك» من قولك: مررت برجل أخيك: المارّ أنا برجل به أخيك، تدخل «الباء» على الضمير الذي حلّ محلّ البدل.
قال ناظر الجيش: قال الشيخ (1): «مثال كون الجملة كما ذكر: ضربني وضربت زيدا، فإذا أخبرت عن زيد قلت: الذي ضربني وضربته زيد، وقوله: فإن كان ذانك، أي: فإن كان الموصول ذا أل، والمخبر عنه غير المتنازع فيه إلى آخر كلامه، مثال ذلك:
ضربت وضربني زيد، إذا أخبرت عن ضمير المتكلم وهو غير المتنازع فيه قلت:
الضارب زيدا، والضاربه هو أنا، وقوله: وهذا أولى من مراعاة التّرتيب، إلى آخره، فتقول في ضربت وضربني زيد - وهو المثال السابق - إذا أخبرت عن ضمير المتكلم - إذ هو غير المتنازع فيه: الضاربه أنا هو والضاربه زيد أنا، فيصير الكلام جملتين اسميتين كما كان جملتين فعليتين، وبقي المتنازع فيه في مكانه فروعي ترتيبه.
وهذه المسألة مختلف فيها بين النحويين وهي: إذا كان المعطوف والمعطوف عليه من جملتين فعليتين بينهما ارتباط وأردت الإخبار بـ «أل» عن بعض أسماء الجملتين فمنع [5/ 221] ذلك قوم وأجازه آخرون، واختلف المجيزون لها فذهب الأخفش (2) إلى أنه يسبك من الفعلين اسمي فاعل وتدخل «أل» عليهما، ويوفيا عوائدهما وتجعلهما كشيء واحد، ويعطف مفرد على مفرد، كما قلنا في اختيار المصنف في تصوير المسألة أولا، وذهب قوم
من البغداديين إلى نحو مما ذهب إليه الأخفش، إلا أنهم يحذفون العوائد فيقولون في: ظننت وظنني زيد عاقلا، إذا أخبرت عن «التاء» من ظننت: الظّانّ والظّانّ عاقلا زيد أنا، وقياس قول الأخفش: الظّانّه إيّاه والظّانّ عاقلا زيد أنا، وذهب المازني إلى مراعاة الترتيب، وهو كأصحاب الحذف إلا أنه يجعل الكلام جملتين اسميتين كما كان فعليتين. -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 220.
(2)
انظر الهمع (2/ 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وذهب الفارسي والجرجاني إلى أنهما يدخلان «أل» على الأول خاصة فيقولان:
الظّانّه أنا إيّاه وظنني عاقلا زيد. فهذه خمسة مذاهب ذكرها ابن إصبغ (1).
قال (2): وسيأتي خلاف عن المازني في هذه المسألة غير ما ذكر ابن إصبغ».
انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
واعلم أن كلام المصنف في هذا الباب مفيد جامع مرشد إلى المقاصد مع اختصاره وإيجازه، وهذه طريقته في كل باب، فرحمه الله تعالى وجعل جزاءه الجنة بمنّه وكرمه إنه كريم وهاب.
وقد عرفت أن الشروط التي ذكرها بغير «الألف واللام» ستة، وأنها تنتهي إلى سبعة في بعض الصور، لكن ابن أبي الربيع زاد على ما ذكره المصنف فقال: «اعلم أن الاسم لا يخبر عنه حتى يجتمع فيه اثنا عشر شرطا (3):
الأول: أن لا يكون قد تضمن حرف صدر كأسماء الاستفهام والشرط وكم الخبرية، وكل ما ألزمته العرب التقديم ولم يجز أن يكون مقدما ومؤخّرا، لأنك لا بد أن تؤخره حين الإخبار، ولا يصح؛ لأن فيه إخراجا له عن وضعه.
الثاني: أن يكون اسما متصرفا لا يلزم طريقة واحدة نحو: الظروف التي لا تتصرف، والمصادر التي لا تتصرف، فلا يخبر عن: عندك من: جلست عندك مثلا لأنه لم يستعمل إلا منصوبا ولم يستعمل مرفوعا ولا مخفوضا إلا بمن خاصة، وأنت لو أخبرت عنه لجعلته خبرا عن الذي وهو ليس بمكان له، فلا بد من رفعه فيخرج عن وضعه.
الثالث: أن لا يكون من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي العام كأحد -
(1) انظر الهمع (2/ 148) وابن إصبغ: إبراهيم بن عيسى بن إصبغ الأزدي أبو إسحاق، قاض من الشعراء، أندلسي من أهل قرطبة، أملى على
قول سيبويه «هذا باب علم ما الكلم من العربية» عشرين كراسا، وله كتاب «رؤوس المسائل في الخلاف» . ذكره السيوطي في الهمع (2/ 148) توفي ابن إصبغ سنة 627 هـ، انظر البغية (1/ 421) والأعلام (1/ 56).
(2)
أي الشيخ أبو حيان.
(3)
انظر بعض هذه الشروط في كتاب البسيط، في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع (1/ 535) تحقيق د/ عياد الثبيتي، طبعة دار الغرب الإسلامي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعريب وأخواتها، لأنك إن أخبرت عنها قلت: الذي ما في الدار هو عريب، فيأتي خبرا عن الذي وليس بمنفي.
الرابع: أن يكون من الأسماء التي يصح تعريفها، فالحال لا يخبر عنها وكذا التمييز، لأنك تجعل مكان الاسم ضميرا تعربه بإعرابه، والمعرفة لا تكون حالا ولا تمييزا، وفي أحد وأخواته بهذا الرابع فيمتنع الإخبار عنها من الوجهين الثالث والرابع.
الخامس: أن يكون الاسم قد دخل عليه ما لا يدخل على المضمرات، وذلك كل اسم دخل عليه: كاف التشبيه أو حتى، فلا يجوز الإخبار عن زيد من قولك:
عمرو كزيد؛ لأنه يلزمك أن تقول: الذي عمرو كه زيد، وكاف التشبيه لا تدخل على المضمرات إلا في الشعر (1)، وكذلك قام القوم حتى زيد لا يجوز الإخبار عن زيد لأنك لو أخبرت عنه لوجب أن تقول: الذي قام القوم حتاه زيد، و «حتى» لا تدخل على المضمرات (2)، ومن هذا: ما في الدار من أحد، لا يجوز الإخبار عن أحد؛ لأن «من» هذه وهي الزائدة لا تدخل إلا على نكرة يراد بها الاستغراق، وتكون بعد غير الواجب (3)، فقد صح من هذا كله أن أحدا من قولك: ما جاءني من أحد، لا يخبر عنه لثلاثة أوجه وهي ما ذكرته في الثالث والرابع والخامس.
السادس: أن يكون الاسم في جملة خبرية، فإذا أخبرت عن زيد من: هل قام زيد؟ احتجت إلى جعل الجملة صلة للذي ولا يصح أن تكون جملة الصلة غير خبرية.
السابع: أن لا يكون صفة، لأنك إن أخبرت عنه جعلت مكانه ضميرا يجري مجراه، والضمير لا يوصف به، وكذلك عندي البدل وعطف البيان لا يخبر -
(1) وذلك مثل قول الراجز:
نحى الذنابات شمالا كثبا
…
وأمّ أوعال كها أو أقربا
(2)
هذا على مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون والمبرد جرّها الضمير قياسا، واستدلوا على ذلك بقول الشاعر:
فلا والله لا يلفى أناس
…
فتى حتّاك يا ابن أبي يزيد
انظر الارتشاف (2/ 469) وشبه الجملة واستعمالاتها في القرآن الكريم (ص 207).
(3)
هذا على مذهب البصريين، وغيرهم يجيز زيادتها في الواجب وغير الواجب، داخلة على نكرة أو معرفة، وهو مذهب الأخفش والكسائي وهشام، وأجاز الكوفيون زيادتها في الواجب وغير الواجب بشرط تنكير ما دخلت عليه. انظر الارتشاف (ص 727) وشبه الجملة (ص 196).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنهما، وأما المعطوف بالحرف (1) فيخبر عنه، فإذا قيل: أخبر عن زيد من قولك:
قام زيد وعمرو قلت: الذي قام هو وعمرو زيد، ويقبح: الذي قام وعمرو زيد؛ لأن الضمير المرفوع لا يعطف عليه إلا بعد توكيده في الأكثر، فإن أخبرت عن عمرو في هذه المسألة قلت: الذي قام زيد وهو عمرو، ومن الناس من قال: لا بد إذا أخبرت عنه من أن تجعله فاعلا فتقدمه وتجعل المعطوف عليه معطوفا فتقول: الذي قام هو وزيد عمرو، لأن الواو لا تقتضي الترتيب، فتطلب أخصر اللفظين وأقربهما وأليقهما بفصيح كلام العرب ومنزعه، وإن هذا حسن؛ فعلى هذا إذا عطف بثم أو بالفاء أو ببل أو بلا أو بحتى أو بلكن، تركت كل اسم في موضعه لما يؤدي من انقلاب المعنى، فتقول في مثل: قام زيد فعمرو إذا أخبرت عن عمرو: الذي قام زيد فهو عمرو. وكذا البواقي، فلو قصدت الإخبار عن عمرو من قولك: قام زيد أو عمرو، جرى فيه الخلاف الذي في الواو، وأما المعطوف بأم فلا يخبر عن المعطوف ولا عن المعطوف عليه؛ لأن أم لا يعطف بها إلا بعد همزة الاستفهام، وقد تقدّم أن كل اسم في جملة غير خبرية لا يخبر عنه.
الثامن: أن لا يكون الاسم ضميرا أضمر على أن يفسره ما بعده، كضمير الشأن والضمير الذي في «نعم» ؛ لأنه وضع على أن يبين ويفسر بعد ذلك، وأنت إذا أخبرت عنه أخّرته وجعلت [5/ 222] مكانه ضميرا يعود إلى الذي، فالذي يعود على الذي تفسيره الذي وهو قبله، فيكون ذلك نقضا لما وضع.
التاسع: أن لا يكون ضميرا رابطا؛ لأنك إن أخبرت عنه جعلت مكانه ضميرا يعود إلى الذي فيبقى الذي سيق من أجله غير مرتبط، وإن بقيته على حاله أولا بقي الموصول بلا ضمير يعود إليه من صلته، ومثال ذلك: إذا قيل لك: أخبر عن الضمير المنصوب من: زيد ضربته؛ فلا يخبر عنه لما تقدم.
العاشر: أن لا يكون الاسم مضافا إلى ضمير رابط، نحو: زيد أبوه منطلق، فالأب لا يخبر عنه؛ لأنه يلزم أن تجعل
مكانه ضميرا؛ فإن بقيت الضمير الأول لزم إضافة الضمير العائد إلى الضمير الرابط والضمير لا يضاف، وإن لم تبقه بقي المبتدأ بلا ضمير يعود إليه من خبره. -
(1) يقصد بذلك عطف النسق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحادي عشر: أن يكون الاسم ليس من صميم الجملة، وإنما جيء به لأمر خارج عن طريق الإفادة وهي حاصلة دونه؛ نحو الضمير في: منطلق، من: زيد منطلق؛ لأنه إنما احتاج إلى الضمير لكونه مشتقّا لا لكونه خبرا عن المبتدأ بدليل صحة: زيد أخوك فإنما يحمل الضمير ليجري مجرى ما أشبهه وهو الفعل، لا لأن الكلام يحتاج إليه في الارتباط، فمثل هذا لا يخبر عنه لأنه لا يقع العهد إليه، ولأن الخبر لا يفيد ومن شرطه الإفادة، ألا ترى أنك لو قلت: الذي زيد منطلق هو لم يحصل من هذا فائدة، فكيف يكون خبرا؟
الثاني عشر: أن لا يكون الاسم مصدرا وخبره محذوف، وقد سدت الحال مسدّ الخبر وذلك نحو: ضربي زيدا قائما، فلا يخبر عن: ضربي؛ لأنك إن جعلت مكانه ضميرا فقلت: الذي هو زيدا قائما ضربي، جاء الضمير عاملا في زيد والضمير لا يعمل في شيء، واختلف في تعلق المجرور بضمير المصدر نحو: علمي بزيد حسن وهو بعمرو قبيح؛ فمنهم من أجاز ومنهم من منع. فإن قلت: الذي هو قائما ضربي زيدا، كان الضمير الذي في قائم ليس ثمّ ما يعود إليه». انتهى كلامه (1) رحمه الله تعالى. وربما يكون بعض الشروط التي ذكرها مستغنى عنه؛ لدخوله تحت بعض آخر منها، ويظهر ذلك بالتأمل، ومنهم من قال: إن الشروط كلها تنحصر في شرطين:
أحدهما: أن يكون الاسم يصح في مكانه مضمر.
والثاني: أن يكون يصح جعله خبرا للموصول.
وبعد، فمن النحاة من اكتفى بذكر الشروط كما فعل المصنف، ومنهم من ذكر ما لا يخبر عنه، وفصّل القول فيما يخبر عنه من المرفوعات والمنصوبات والمجرورات، ووسّع ابن عصفور الكلام في ذلك، وأنا أشير أولا إلى تعداد ما لا يصح الإخبار عنه سردا حسبما ذكروه، ثم أذكر ما قاله ابن عصفور.
أما ما لا يصح الإخبار عنه: فقالوا: الفعل، والحرف، والجملة، والحال، والتمييز، والظرف غير المتمكن، والعامل دون معموله، والمضاف دون المضاف إليه، والموصوف دون صفته، والموصول دون صلته، واسم الشرط دون شرطه، -
(1) أي كلام ابن أبي الربيع القرشي الإشبيلي المتوفى سنة 688 هـ، وانظر البسيط (1/ 536).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصفة، والبدل، وعطف البيان، والتأكيد، وضمير الشأن، والعائد إذا لم يكن غيره، والمسند إليه الفعل غير الخبري ومفعوله، والمضاف إلى المائة، والمجرور بـ «ربّ» وب «كم» وأيّما رجل، وكيف، وكم، وكأي، والمصدر الواقع موقع الحال، وفاعل نعم وبئس، وفاعل فعل التعجب، وما للتعجب، والمجرور بـ «كاف التشبيه» وب «حتى» وب «مذ» وب «منذ» واسم الفعل، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر، اللواتي تعمل عمل الفعل، والمجرور بـ «كل» المضاف إلى مفرد، وأقلّ رجل وشبهه، واسم «لا» وخبرها، والاسم الذي ليس تحته معنى، والمصدر والظرف اللازمان للنصب، والاسم الذي إظهاره ثان عن إضماره، والاسم الذي لا فائدة في الإخبار عنه، والاسم المختص بالنفي والمجرور في نحو: كلّ شاة وسخلتها، ولا عن «وسخلتها» ، ولا المعطوف في باب «ربّ» على مجرورها، ولو كان مضافا للضمير نحو: ربّ رجل وأخيه.
والذي ذكره ابن عصفور أن قال (1): اعلم أن كل اسم يجوز الإخبار عنه إلا ما يستثنى من ذلك، وهو: أسماء الشرط، وأسماء الاستفهام ما لم تتقدم صدر الكلام، فإن قدمت جاز الإخبار عنها كما سيبين، والأسماء التي لزمت حالة واحدة ولم تتصرف كسحر، وبعيدات بين، وسبحان الله، ومعاذ الله وأشباهها وكم الخبرية، وما التعجبية، وضمير الأمر والشأن، وفاعل نعم وبئس ظاهرا كان أو مضمرا، وكل ضمير رابط كالهاء من: زيد ضربته، وكل اسم ليس تحته معنى كـ «بكر» من:
أبي بكر و «عبد الله» من: أبي عبد الله، وكل اسم عامل، والمنعوت دون النعت، والنعت دون المنعوت، والمضاف دون المضاف إليه، والتمييز، والحال، والاسم المخفوض بـ «ربّ» ، والأسماء المختصة بالنفي كأحد وعريب وكتيع وديّار وشبهها.
ثم شرع في تعليل امتناع الإخبار عن هذا الذي ذكره قسما قسما:
فأما أسماء الشرط فالعلّة في امتناع الإخبار عنها معلومة (2)، وكذا أسماء -
(1) انظر شرح الجمل (2/ 494 - 498) بتحقيق أبو جناح، وقد لخص المؤلف كل ما ذكره ابن عصفور في هذا الموضع.
(2)
قال في شرح الجمل (2/ 495): «فأما امتناع الإخبار عن أسماء الشرط فلأشياء، منها: أن ذلك يؤدي إلى استعمالها غير ما استعملتها
العرب في جعلها آخر الكلام ومحلها أبدا في كلام العرب الصدر، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الاستفهام (1)، وهذا إذا لم تتقدم على الموصول، فإن قدمت على الذي أو الألف واللام، جاز الإخبار عنها، قال: لأن ذلك لا يخرجها عن الصّدريّة، فإذا أخبرت عن أيّ من: أيّهم قائم، قلت: أيّهم الذي هو قائم، وكذا الأسماء غير المتمكنة كسحر وشبهه، العلة فيها معروفة أيضا، وأما كم الخبرية فلأنها تلزم الصّدر، وكذا ما التعجبية للزومها الصّدر، ولأنها لا بد أن توصل بشيء وإذا أخّرت وإذا زال ذلك الشيء، ولأن التعجب جار مجرى [5/ 223] المثل والأمثال لا تغير، وكذا ضمير الأمر والشأن لأنه لازم للابتدائية، ولأنه يعود على ما بعده لا على ما قبله، وكذا امتنع الإخبار عن فاعل نعم، فإن وضعه أن يفسره ما بعده لا ما قبله، وكذا الضمير المخفوض بـ «ربّ» العلة في امتناع الإخبار عنه ما ذكر (2)، وكذا العلة في امتناع الإخبار عن الضمير الرابط قد علمت (3)، وأما امتناع الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى كبكر من أبي بكر فلأن ذلك يكون كذبا؛ إذ ليس «بكر» موجودا فيخبر عنه، قال (4): ومنهم من أجاز ذلك (5) مستدلّا بقول الشاعر:
4184 -
أو حيث علّق قوسه قزح (6)
-
- ومنها: أن ذلك يؤدي إلى استعمالها مفردة بغير صلة بفعل، وأسماء الشرط موصولة بفعل الشرط، ومنها: أن ذلك يؤدي إلى أن يكون الضمير الذي يجعل موضعه عاملا برب وذلك لم يثبت للضمائر».
(1)
لأن العرب قد ألزمتها الصدر، فلو أخبر عنها لأخرجت عما وضعت له العرب. شرح الجمل (2/ 399).
(2)
أي في فاعل «نعم» .
(3)
وهي: أنك لو أخبرت عنه لم يخل من أن تجعله عائدا على الذي إن كان الإخبار عنه، أو على الألف واللام إن كان الإخبار عنها، أو على المبتدأ الذي كان يعود عليه، فإن جعلته عائدا على الذي أو على الألف واللام، فالمبتدأ الذي كان يعود عليه ليس له ما يربطه بالخبر، وذلك لا يجوز، فإن جعلته عائدا على المبتدأ بقى الذي أو الألف واللام ليس معها ما يعود عليها وذلك لا يجوز. انظر شرح الجمل (2/ 496).
(4)
أي ابن عصفور.
(5)
هو المازني. انظر شرح الألفية للأبناسي (2/ 355).
(6)
هذا عجز بيت من الكامل وصدره:
فكأنّما نظروا إلى قمر
وهو للحكم بن عيدل الأسدي وقيل لغيره، واستشهد به على صحة الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى، فأخبر عن «قزح» من «قوس قزح» ورد بأن «قزح» اسم للشيطان فلا يكون فيه دليل على صحة ما ذكر. والبيت في العيني (4/ 479) والهمع (2/ 146) والدرر (2/ 204).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأخبر عن «قزح» من قولك: قوس قزح، وقد قيل: إن «قزحا» اسم الشيطان، وكأن العرب وضعت قوسا للشيطان، ويكون هذا من أكاذيبها (1)، و «قزح» طريق في السماء ذو ألوان (2)؛ فعلى هذا ليس لمن أجاز الإخبار عن الاسم الذي ليس تحته معنى دليل في قوله:
4185 -
أو حيث علّق قوسه قزح
لأن «قزح» اسم للشيطان كما قيل (3)، وأما امتناع الإخبار عن الاسم العامل كالمصدر وشبهه فظاهر مما تقدم؛ لأن جواز ذلك يؤدي إلى أن يكون الضمير عاملا وهو لا يجوز خلافا للكوفيين، وأما امتناع الإخبار عن المضاف دون المضاف إليه، فلأن جواز ذلك يؤدي إلى إضافة الضمير وهو لا يجوز، وكذا امتناع الإخبار عن النعت دون المنعوت فلأن جوازه يؤدي إلى أن المضمر ينعت به، وأما امتناع الإخبار عن المنعوت دون النعت فلأن جوازه يؤدي إلى نعت المضمر وهو لا يجوز، وأما امتناع الإخبار عن الأسماء المختصة بالنفي فظاهر مما تقدم، وكذا امتناع الإخبار عن الحال والتمييز فقد تقدمت الإشارة إلى علته. هذا ملخص كلام ابن عصفور.
ثم إنه (4) شرع في ذكر ما يقصد الإخبار عنه من المرفوعات اسما اسما إلى أن أنهاها، وكذا من المنصوبات وكذا من المجرورات، ولكن كلامه تضمن تقسيما منتشرا، وكان الشيخ أورده ملخصا (5) لكنه لم ينسبه إلى ابن عصفور ولا إلى غيره، وأنا أورد ذلك بتقسيم يقرب إلى الضبط حسبما يتيسر من كلام الرجلين مع الاختصار.
المرفوعات (6): مبتدأ أو خبر مبتدأ، أو فاعل أو مشبه بالفاعل، والمشبه بالفاعل هو خبر «إنّ» واسم «كان» وأخواتها، واسم «ما» ، والمفعول الذي لم يسم فاعله، والتابع من عطف أو بدل خاصة، وأما النعت فلا يخبر عنه للعلة التي -
(1) انظر الهمع (2/ 146).
(2)
انظر اللسان (قزح) وفي شرح الجمل لابن الضائع: «وفي نوادر أبي علي: قوس قزح لقب من ألقاب السماء» (خ) جـ 3 ورقة 8.
(3)
رد ابن الضائع على ابن عصفور فقال: «وهذا ضعيف جدّا وشاذ فلا ينبغي أن يقاس عليه بوجه» انظر المرجع السابق.
(4)
أي ابن عصفور.
(5)
انظر التذييل (خ) جـ 3 ورقة 217.
(6)
هذا كلام ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 499) وما بعدها بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تقدمت، وأما التأكيد فامتناع الإخبار عنه لما يؤدي إلى التأكيد بالمضمر والتأكيد إنما هو بألفاظ محصورة لا تتعدّى.
المبتدأ: يخبر عنه مظهرا كان أو مضمرا، لمتكلم أو مخاطب أو غائب، فيقال في الإخبار عن «هو» من قولك: هو قائم: الذي هو قائم هو، وفي الإخبار عنه إذا كان لمتكلم أو مخاطب خلاف والأصح الجواز، والضمير الذي يؤتى به خلفا يكون ضمير غيبة، وأجاز الكسائي: الذي أنا قائم أنا، والذي أنت قائم أنت، في الإخبار عن ضمير المتكلم من: أنا قائم، وعن ضمير المخاطب من: أنت قائم، وغير الكسائي يقول: الذي هو قائم أنا، والذي هو قائم أنت، والكسائي نظر إلى المعنى، ولا شك أن هذه المسألة تلتفت إلى مسألة: أنت الذي قام، وأنا الذي قام؛ حيث يجوز فيها:
أنت الذي قمت، وأنا الذي قمت، ولكن شرط مراعاة المعنى في هذه المسألة تقدّم الضمير على الاسم الموصول، فلو تقدم الموصول على الضمير لم يجز مراعاة المعنى إلا عند الكسائي، وتقدم الكلام على ذلك في باب «الموصول» ، فمن ثمّ أجاز الكسائي في باب «الإخبار»: الذي أنا قائم أنا، والذي أنت قائم أنت.
الخبر: يجوز الإخبار عنه إن كان جامدا، وإن كان مشتقّا ففي الإخبار عنه خلاف، حجة المانع أنه بالإخبار تتغيّر حالة المبتدأ الذي كان أخبر عنه بالخبر المذكور عما كانت عليه قبل، قال: لأنه كان يخبر عنه بفعل إذا قلت: زيد قائم؛ لأن قولك: قائم في معنى: يقوم، وفي الإخبار تقول: الذي زيد هو قائم، فتخبر بغير فعل، وحجة المجيز أن الخبر المشتق الذي كان عن «زيد» قبل الإخبار موجود في الجملة بعد الإخبار.
قال ابن عصفور (1): «والصحيح أن الإخبار عنه لا يجوز» انتهى.
وقال الشيخ أيضا (2): «الصحيح أنه لا يجوز» .
وأقول: الظاهر أن المنع لا وجه له؛ لأن المفهوم من قولنا قبل الإخبار: زيد قائم، وقولنا بعد الإخبار: الذي زيد هو قائم مفهوم واحد.
الفاعل: حكمه في الإخبار عنه حكم المبتدأ في حالتي الإظهار والإضمار، -
(1) انظر شرح الجمل (2/ 501).
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 217.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والخلاف فيه إذا كان ضميرا لمتكلم أو لمخاطب كالخلاف في المبتدأ. وقد عرفت أن الأصح فيه ثمّ الجواز فكذلك هنا أيضا.
ثم إن ابن عصفور قال هنا ما ملخصه (1): وإن عطفت عليه - يعني على الفاعل - فإما أن تعطف جملة أو مفردا: أما إذا كان جملة: فإما أن يكون الفاعل الأول هو الثاني أو خلافه، وإذا كان خلافه فالعطف إما بالواو أو بالفاء أو بثم أو بغير الثلاثة، وإن كان بالواو فإما أن تقدّر - يعني الواو - بمعنى مع أو تجعلها مشتركة، قال: فإن قدرتها بمعنى مع وكان الإخبار بالذي جاز الإخبار عن كلا الفاعلين من الجملتين المعطوف إحداهما على الأخرى، فتقول مخبرا عن الذباب من: يطير الذباب ويغضب زيد: الذي يطير ويغضب زيد الذباب، ولما كانت الجملتان كالجملة الواحدة من جهة أن الواو بمعنى مع صح عطف «يغضب» - وإن لم يكن فيه ضمير يعود على ما عاد عليه ضمير ما قبله وهو «يطير» - على «يطير» قال:
وكذلك إن أخبرت عن زيد وكان العطف بالواو التي بمعنى مع قلت: الذي يطير الذباب ويغضب زيد، ففي «يغضب» ضمير يعود على «الذي» ولم تحتج [5/ 224] الجملة الأولى إلى أن يعود منها ضمير على «الذي» أيضا لما عرفت من أن الجملتين كالجملة الواحدة.
وإن كان العطف في المسألة المذكورة بالفاء، كان الحكم كذلك؛ لأن الفاء للسببية وجملتا المسبب والسبب كالجملة الواحدة.
وإن كان العطف بغير الواو والفاء، أو كانت الواو ليست بمعنى مع؛ فإن الإخبار في المسألة الأولى لا يجوز لما يؤدي إليه من خلو إحدى الجملتين من ضمير يعود على «الذي» .
قال: وإن كان الإخبار بالألف واللام فالحكم كالحكم مع «الذي» في ما تقدم؛ فتقول مخبرا عن «الذباب» : الطائر فيغضب زيد الذباب، وصح خلوّ «فيغضب» عن ضمير يعود إلى الألف واللام لما تقدم، وصح أيضا عطف الفعل على الاسم لكون الاسم في معنى الفعل، وتقول مخبرا عن «زيد»: يطير الذباب -
(1) انظر شرح الجمل (2/ 501 - 512) ملخصا من المؤلف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالغاضب زيد، ففي «الغاضب» ضمير يعود على «الألف واللام» واكتفي بضمير واحد في الجملتين لما تقدم.
قال: وإن عطفت على الفاعل الأول من: يطير الذباب فيغضب زيد اسم فاعل وكان الإخبار بالذي كان اسم الفاعل مذكّرا ولا يجوز غيره فتقول: الذي يطير الذباب فغاضب زيد إذا أخبرت عن «زيد» ، وإن أخبرت عن «الذباب» قلت:
الذي يطير فغاضب زيد الذباب، ولا يجوز إدخال «الألف واللام» على اسم الفاعل المعطوف؛ لأن ذلك يؤدي إلى بقاء اسم موصول وهو «الألف واللام» ليس له ما يربطه بصلته، قال: إلا أن هشاما (1) قد يجوّز ذلك لأنه يرى زيادة «الألف واللام» ولكن زيادة «الألف واللام» ليست مقيسة، وإن كان الإخبار بـ «الألف واللام» كان اسم الفاعل أيضا نكرة فتقول: الطائر فغاضب زيد الذباب، إن أخبرت عن «الذباب» ، وإن أخبرت عن «زيد» قلت: الطائر الذباب فغاضب زيد، ولا سبيل إلى إدخال «الألف واللام» لما يلزم من خلو الموصول من عائد.
قال: ويجوز في هذه المسائل من حروف العطف ما جاز في المسائل المتقدمة، ويمتنع معها ما امتنع معها. وإن كان الفاعل الثاني هو الأول نحو: قام زيد وخرج جاز لك الإخبار عن «زيد» وعن الضمير الكائن في «خرج» بالذي وبالألف واللام، وجاز لك أن تعطف بما شئت من حروف العطف، فإن أخبرت بالذي عن الضمير في «خرج» قلت: الذي قام زيد وخرج هو، وإن أخبرت بالألف واللام قلت: القائم زيد والخارج هو، ويكفيك في الجملتين ضمير واحد؛ لأنهما مفعوله لفاعل واحد وهو «زيد» .
وأما إذا كان مفردا نحو: قام زيد وعمرو جاز لك الإخبار عن الأول وعن الثاني، فإن أخبرت عن الأول لم تستعمل من حروف العطف إلا الواو خاصة؛ لأنها لا تغير معنى الكلام؛ لكونها لا يتبين معها المتقدم في إحداث الفعل من المتأخر، وغيرها من حروف العطف ينقل معنى الكلام عما كان عليه إلى معنى آخر؛ لأنه إذا كان معنى: قام زيد وعمرو، وأردنا الإخبار عن «زيد» وعطفت بالواو، كان الكلام بعد الإخبار على معناه قبل الإخبار، إذ كنا قبل الإخبار لا نعلم من -
(1) هو هشام بن معاوية الضرير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القائم أوّلا، وكذلك بعد الإخبار، وغيرها من حروف العطف ليس كذلك، وأما الفاء وثم فمفهوم الكلام معهما أن الثاني بعد الأول بلا مهلة مع الفاء، وبمهلة مع ثم، ولم يكن مفهوم الكلام قبل الإخبار هذا لكونه كان العطف فيه بالواو، وكذلك سائر حروف العطف مغير لمعنى الكلام، فتقول مخبرا عن «زيد» من قام زيد وعمرو: الذي قام هو وعمرو زيد، ولا بد من تأكيد الضمير في «قام» للقاعدة المعروفة، وإن أخبرت عن «عمرو» قلت: الذي قام زيد وهو عمرو، ولا يستعمل في المسائل التي ذكرت في عطف المفرد على الفاعل من حروف العطف سوى الواو للعلة التي تقدم ذكرها، والإخبار بالألف واللام في هذا الفصل كالإخبار بالذي على حد سواء.
المفعول الذي لم يسمّ فاعله: حكم المفعول الذي لم يسم فاعله حكم الفاعل أيضا، إلا أنه إذا أخبر عنه غيّرت الصيغة من فعل الفاعل ومن اسمه إلى صيغة فعل المفعول واسمه، فيقال في: ضرب زيد: الذي ضرب زيد، والمضروب زيد، وفي:
ضربت وضربت: المضروب أنا، والمضروب أنت، والذي ضرب أنا، والذي ضرب أنت، ولا خفاء في وضوح ذلك وأنه غير محتاج إلى التنبيه عليه، ولا يخبر عن المجرور الذي قام مقام الفاعل ما دام مجرورا نحو: مرّ بزيد، وما ضرب من رجل، لأنه لا يكون مبتدأ.
المشبه بالفاعل: حكمه في الإخبار عنه حكم الفاعل من اتفاق واختلاف.
ولنورد ذلك مفصلا كما ذكره الشيخ، قال (1): «اسم كان وأخواتها يخبر عنه بالذي وبأل إلا ليس وما دخل عليه حرف النفي لزوما، أو حالة إرادة نفيه فلا يخبر عنه بأل؛ إذ لا يصح من ذلك صوغ اسم فاعل ولا اسم مفعول، وإلا اسم ما دام فلا يخبر عنه بالذي ولا بأل فتقول في: كان زيد قائما: الذي كان قائما زيد، والكائن قائما زيد، وفي: كنت قائما: الذي كان قائما أنت، والكائن قائما أنت، وفي: كنت قائما: الذي كان قائما أنا، والكائن قائما أنا، وإذا ثنّيت أو جمعت - والإخبار بأل في ضمير المخاطب والمتكلم - ثنّي اسم الفاعل أو جمع واستتر الضمير على كل حال إلا على [5/ 225] مذهب الكسائي فيهما فيبرز الضمير. -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 222.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المرفوع بأفعال المقاربة: إن كان الفعل متصرفا نحو: كاد وأوشك جاز الإخبار عنه فتقول في: كاد زيد يضرب
عمرا: الذي كاد يضرب عمرا زيد، وكذلك أوشك، وأما باقيها فما عرض له عدم التصرف لاستعماله في باب «المقاربة» وكان أصله أن يتصرف فالظاهر جواز الإخبار عنه فتقول في: جعل زيد يقرأ: الذي جعل يقرأ زيد، وإن كان جامد الوضع وهو عسى فأجاز ابن أبي الربيع (1) الإخبار فيه فتقول في: عسى زيد أن يقوم: الذي عسى أن يقوم زيد، قال الشيخ (2):
والجمهور لا يجيزون ذلك؛ لأن الجملة المصدرة بعسى جملة غير خبرية، والصلة لا بد أن تكون خبرية» انتهى.
ولقائل أن يقول: إنما اشترط في الجملة الواقعة صلة أن تكون خبرية، حيث يقصد الإخبار عن اسم موصول بحكم مقصود؛ لتحصل الفائدة بتعريف الموصول بالعهد الذي في الصلة، وإنما يكون ذلك حيث تكون الجملة خبرية، وأما في باب «الإخبار» فليس المقصود منه إلا الاهتداء إلى الإتيان بالتركيب بعد الإخبار على الوجه الذي تقتضيه الصناعة النحوية، وليست الإفادة فيه بمقصودة؛ لأن الناطق به لم يقصد به الإخبار عن شيء وقع ولا عن شيء سيقع.
اسم ما ولات (3): تقول في: ما زيد قائما: الذي ما هو قائما زيد، وأجاز ابن عصفور (4) حذف الضمير العائد على الموصول، ومنع ذلك ابن الضائع (5)، وتقول في لاتَ حِينَ مَناصٍ (6) في قراءة من نصب (7): الذي لات هو حين مناص الحين، فيظهر ذلك الذي كان محذوفا، ويبقى مكانه ضمير ويجوز أن يحذف، وتقول في قراءة من رفع (8): الذي لات هو حين مناص، ولا يحذف «هو» ؛ إذ -
(1) انظر الهمع (2/ 148).
(2)
التذييل (خ) جـ 5 ورقة 222.
(3)
هذا كلام الشيخ أبي حيان في التذييل.
(4)
وذلك بأن يكون في صلة «أي» أو كان في الصلة طول.
(5)
انظر شرح الجمل لابن الضائع (خ) جـ 3 ورقة 10.
(6)
سورة ص: 3.
(7)
قراءة النصب هي قراءة الجمهور. انظر البحر المحيط (8/ 384).
(8)
هي قراءة عيسى بن عمر وأبي السمال. انظر مختصر ابن خالويه (ص 129) والبحر المحيط (7/ 384).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يقبح حذفه وحده دون طول فكيف هنا؟ إذ يكون إجحافا بحذف الصلة برأسها وهي المبتدأ والخبر، قاله ابن عصفور (1)، قال (2): وقوله:
4186 -
نحن الألى فاجمع جمو
…
عك ثمّ وجّهّم إلينا (3)
شاذ لا يقاس عليه؛ لأنه يريد: نحن الذين نطلب فحذف الصلة رأسا، قال (4):
وجاز إعمال لات في الضمير؛ لأنها قد تعمل في غير الحين من أسماء الزمان كقوله:
4187 -
لات هنّا ذكرى جبيرة أو من
…
جاء منها بطائف الأهوال (5)
وقال ابن الضائع (6): هذا كله لا يجوز، قال سيبويه (7): لا يكون ذلك إلا في الحين - يعني عمل لات. انتهى.
وأقول: إن قول ابن عصفور: «وجاز إعمال لات في الضمير لأنها قد تعمل في غير الحين» غير ظاهر؛ لأن الضمير إنما هو ضمير الحين فهي لم تعمل في غير الحين، وعلى هذا لا يتم قول ابن الضائع: إن هذا لا يجوز معتلّا لذلك بقول سيبويه: «لا يكون ذلك إلا في الحين» .
ثم إن المقصود في باب «الإخبار» إنما هو الامتحان والاستخبار عن كيفية النطق بتركيب تقتضيه القواعد إذا أخبر في ذلك التركيب بالذي أو بالألف واللام. -
(1) انظر شرح الجمل (1/ 187).
(2)
أي ابن عصفور. انظر المرجع السابق.
(3)
البيت من مجزوء الكامل وهو لعبيد بن الأبرص في ديوانه (ص 28). واستشهد به على أن حذف صلة «الأولى» - وهو بمعنى «الذين» - محذوفة وهو شاذ، وقيل: الذين ها هنا لا صلة له. والبيت في أمالي الشجري (1/ 29، 2/ 179، 308)، والمغني (ص 86)، والعيني (1/ 490)، وشرح التصريح (1/ 42).
(4)
أي ابن عصفور وقد نقله عنه ابن الضائع في شرح الجمل (خ) جـ 5 ورقة 10.
(5)
البيت من الخفيف، وهو للأعشى في ديوانه (ص 164)، الشرح: هنّا بفتح الهاء وتشديد النون إشارة إلى الزمان وجبيرة بضم الجيم وفتح الباء وفتح الراء، وضبطه بعضهم بفتح الجيم وهي جبيرة بنت عمرو من بني حزم بن بكر بن وائل، ويقال: هي امرأة الأعشى، و «الطائف» الذي يطوف بالليل والأهوال جمع هول وهو الخوف وأراد به ها هنا الخيال. والشاهد فيه: قوله «لات هنا» حيث دخلت «لات» على غير الحين من الزمان. والبيت في الخصائص (2/ 474) والعيني (2/ 106)، (4/ 198) وشرح التصريح (1/ 200).
(6)
انظر شرح الجمل (خ) جـ 3 ورقة 10.
(7)
انظر الكتاب (1/ 58)(هارون).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خبر إنّ وكأنّ: تقول في: إن زيدا أخوك: الذي إن زيدا هو أخوك وفي: كأنّ زيدا أسد: الذي كأن زيدا هو أسد، وإن كان الخبر مشتقّا ففيه الخلاف الذي في خبر المبتدأ.
المنصوبات (1): مفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول من أجله، ومفعول به، ومفعول مطلق، ومشبه بها، وهو خبر «كان» وأخواتها، وخبر «ما» الحجازية، واسم «إنّ» وأخواتها.
المفعول فيه: إن لم يتسع فيه قلت مخبرا عن «اليوم» من قولك: صمت يوم الجمعة: الذي صمت فيه يوم الجمعة، وتقول في الإخبار بالألف واللام: الصائم أنا فيه يوم الجمعة، وإنما برز الضمير لجريان الصفة على غير من هي له، وإن اتسعت فيه قلت: الذي صمته يوم الجمعة، ويجوز حذف العائد حينئذ؛ لأنه منصوب متصل، وإن أخبرت بالألف واللام قلت: الصائمه أنا يوم الجمعة، ولا يجوز حذف العائد؛ لأن عائد الألف واللام لا يحذف إلا نادرا (2).
المفعول معه: في الإخبار عنه خلاف، فالأخفش يمنعه معتلّا لذلك بأن الإخبار عنه يغيره عن حاله قبل الإخبار، لأنك تقول في الإخبار عن «الطيالسة» من: جاء البرد والطّيالسة: التي جاء البرد وإيّاها الطيالسة، فقد أدخلت الواو على الضمير وأخرت «الطيالسة» دون الواو، واختار ابن عصفور (3) مذهب الأخفش، وأجاز غير الأخفش ذلك، واختاره ابن الضائع (4)، وهو الحق لأن التغيير موجود في كل اسم أردت الإخبار عنه (5).
المفعول من أجله: في الإخبار عنه خلاف أيضا، فالمانع يقول: الإخبار عنه يغيّره عن حاله التي كان عليها قبل الإخبار؛ لأن المفعول من أجله إنما يكون اسما ظاهرا، وكان منصوبا؛ لأنه فعل الفاعل الفعل المعلل، فإذا أخبر عنه انتقل عن ذلك، والمجيز يقول: لم ينتقل؛ لأن اللام تثبت مع الضمير، فتقول إذا أخبرت عن «إجلال» من -
(1) هذا كلام ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 507 - 512) نقله عنه المؤلف بتصرف.
(2)
ولعدم الطول.
(3)
انظر شرح الجمل (2/ 508).
(4)
انظر شرح الجمل لابن الضائع (خ) جـ 3 ورقة 9.
(5)
انظر الهمع (2/ 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قولك: قمت إجلالا لك: الذي قمت له إجلال لك، وصحح ابن عصفور عدم الجواز (1)، وصحح ابن الضائع الجواز (2) وقال: ليس مفعولا معه (3) وهو مرفوع، بل هو اسم يثبت أنه السبب كما تقول: إجلال زيد حملني على القيام له، وإنما امتنع أن ينتصب لإضماره.
المفعول المطلق: في الإخبار عنه خلاف، فالمانع يقول: الإخبار عنه لا يفيد؛ إذ الفعل يعطي ما يعطيه هو، والمجيز يجيز ذلك إذا كان في الإخبار عنه فائدة، نحو أن تخبر عن «ضرب» من قولك [5/ 226]: ضربت زيدا ضربا شديدا، فتقول:
الذي ضربته زيدا ضرب شديد، قال ابن عصفور (4): والأصح جواز الإخبار عنه إذا كان فيه فائدة، فالحاصل: أنه إذا كان مؤكدا لا يجوز الإخبار عنه، وإن كان غير مؤكّد جاز ولا فرق بين الموصوف والمضاف كشرب الإبل من قولك: شربت شرب الإبل، لأن التخصيص يحصل بالإضافة كما يحصل بالوصف.
المفعول به: إما مفعول واحد، وإما مفعولان، وإما ثلاثة مفاعيل، بحسب الفعل الناصب له، فإن كان واحدا وذلك نحو: ضربت زيدا، قلت في الإخبار عنه:
الذي ضربته زيد، ولك أن تحذف العائد، وإن كان الإخبار عنه بالألف واللام، قلت: الضاربه أنا زيد، ولا يجوز حذف العائد لما عرفت (5).
وإن كان مفعولين وهما معمولان لباب «أعطيت» قلت في: أعطيت زيدا درهما: الذي أعطيته درهما زيد، والمعطيه أنا درهما زيد، ويجوز حذف العائد على الذي دون العائد على الألف واللام لما عرفت. هذا إن أخبرت عن الأول، وإن أخبرت عن الثاني قلت: الذي أعطيته زيدا درهم، والمعطيه أنا زيد درهم، وإنما قدم الضمير على «زيد» لأنه مهما أمكن أن يؤتى بالضمير متصلا لا يؤتى به منفصلا، وإنما يجوز تقديم الضمير ووصله بالفعل كما مثل لعدم اللبس، أما إذا كان لبس فإنه يمتنع التقديم حينئذ، ويجب أن يذكر الضمير في رتبة الاسم الذي أتي بالضمير -
(1) قال في شرح الجمل (2/ 509): «والصحيح أن الإخبار عن المفعول من أجله لا يجوز» .
(2)
انظر شرح الجمل لابن الضائع (خ) جـ 3 ورقة 9.
(3)
هكذا بالأصل.
(4)
انظر شرح الجمل (2/ 509).
(5)
لقلة طول الصلة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عوضا عنه، نحو أن تخبر عن «عمرو» من: أعطيت زيدا عمرا، فتقول: الذي أعطيت زيدا إيّاه عمرو، ولا يجوز حذف هذا العائد.
قال ابن عصفور (1): لأنه جرى مجرى الظاهر في عدم الاتصال، وقد جرى مجراه في عدم الحذف إذا تقدم على الفعل فقلت: إياك أكرمت، فإنه لا يحذف أبدا، فلذلك عومل في باب «الإخبار» هذه المعاملة.
وإن كان المفعولان معمولين لباب «ظننت» قلت: الذي ظننته منطلقا زيد إن أخبرت عن الأول من: ظننت زيدا منطلقا، وحذف العائد ينبني على أنه حذف اختصارا واقتصارا، إن كان الأول جاز، وإن كان الثاني لم يجز، وإن أخبرت بالألف واللام، قلت: الظّانّه أنا منطلقا زيد، وحذف العائد حينئذ لا يجوز، وقد أجازه ابن عصفور (2) معللا الجواز بالطول ووافقه الشيخ (3) وفيه نظر، وإن أخبرت عن الثاني: فإن كان مشتقّا ففيه الخلاف الذي في خبر المبتدأ إذا كان مشتقّا، وإن كان جامدا فلا خلاف في الإخبار عنه، فتقول إذا أخبرت عنه بالذي: الذي ظننته زيدا منطلق.
قال ابن عصفور (4): ويجوز حذف العائد لأن في الكلام ما يدل عليه، ولا يجوز لك أن تقدم ضمير الثاني إذا أخبرت عنه على المفعول الأول وتصله بالفعل إلا إذا عدم اللبس وعلم ما الخبر وما المخبر عنه كالمثال المذكور؛ فإن كان لبس لم يجز، نحو أن تخبر عن «عمرو» من قولك: ظننت زيدا عمرا؛ لأنك إذا أخبرت عن الثاني وقدمت ضميره على الأول ووصلته بالفعل انقلب المعنى وصار «عمرو» المظنون، وقد كان قبل التقديم: زيد الذي ظنّ عمرا.
وإن كان ثلاثة مفاعيل نحو: أعلمت زيدا عمرا منطلقا، قلت في الإخبار عن الأول: الذي أعلمته عمرا منطلقا زيد.
قال ابن عصفور (5): ولا يجوز حذف هذا الضمير؛ لأن الذي أحل هو محله لا يجوز حذفه لأنه بمنزلة الفاعل، والفاعل لا يحذف. وابن عصفور منازع في -
(1) انظر شرح الجمل (2/ 510).
(2)
المرجع السابق.
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 223.
(4)
انظر شرح الجمل (2/ 511).
(5)
انظر شرح الجمل (2/ 511).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، والحقّ أن حذفه جائز؛ لأنه الآن فضلة من الفضلات الجائز حذفها، وكذلك إن أخبرت عنه بالألف واللام الحكم كالحكم مع الذي، وإن أخبرت عن الثاني قلت: الذي أعلمت زيدا إيّاه منطلقا عمرو، ولا يجوز أن تقدم «إيّاه» على «زيد» وتصله بالفعل على أن «زيدا» (1) هو الذي أعلم بانطلاق «زيد» و «زيد» هو الذي أعلم بانطلاق «عمرو» ؛ لأنه إذا حذف لم يعلم هل كان قبل المفعول الأول أو بعده؛ فإن قدّر قبله كان مفهوم الكلام أن عمرا علم بانطلاق زيد، وإن كان بعده كان المفهوم أيضا أن زيدا هو المعلم بانطلاق عمرو، فإن عدم اللبس جاز اتصاله بالفعل نحو أن تخبر عن «هند» من قولك: أعلمت زيدا هندا ضاحكة فتقول: التي أعلمتها عمرا (2) ضاحكة هند. ولا يجوز حذف الضمير المتصل؛ لأنه قد أجري مجرى الظاهر، وقد يجوز حذفه في قليل من الكلام، قال تعالى:
أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (3) والأصل: تزعمونهم إيّاهم فحذف العائد على الذين وهو الضمير المتصل بـ «يزعمون» ثم ناب منابه المنفصل، فحذف لنيابته مناب المتصل المحذوف، قاله ابن عصفور (4)، والظاهر أن مفعول «يزعمون» المحذوف هو «أنّ» ومعمولها حذف حذف اختصار لدلالة الكلام عليه، التقدير: يزعمون أنّهم شركائي، وإن أخبرت عن المفعول الثالث قلت: الذي أعلمت زيدا عمرا إيّاه منطلق، ولا يجوز اتصال هذا الضمير إلا إذا عدم اللبس كما تقدم، وكذلك لا يجوز حذفه للعلة التي تقدم ذكرها، وإذا كان هذا المفعول الثالث مشتقّا فإن فيه الخلاف كما تقدم.
وذكر الشيخ المنصوب على الاستثناء، فقال (5): «تقول في الإخبار عن المستثنى من نحو: قام القوم إلا زيدا: الذي قام القوم إلا إيّاه زيد، وعنه من نحو: قام القوم ليس زيدا: الذي قام القوم ليس إيّاه زيد، ولا تصل الضمير في الأجود، فتقول:
ليسه زيد لأنها [5/ 227] هنا أجريت مجرى «إلّا» فانفصل الضمير بعدها كما -
(1) كذا بالأصل، ولعل الصواب «عمرا» .
(2)
كذا بالأصل.
(3)
سورة القصص: 74.
(4)
انظر شرح الجمل (2/ 512)، وهذا النقل الطويل معناه، وكثير من لفظه في شرح الجمل الكبير، أما نصه فهو في شرح الإيضاح المفقود.
(5)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 224.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ينفصل بعد «إلا» ، وكذلك «لا يكون» وأما «خلا» و «عدا» و «حاشى» إذا نصبت، فإذا أخبرت عن منصوبها من مثل: قام القوم خلا زيدا، قلت: الذي قام القوم خلاه زيد» انتهى.
ويقال: إن «خلا» وأختيها قامت في الاستثناء مقام «إلّا» أيضا فكان الواجب أن يؤتى بالضمير بعدها منفصلا كما يؤتى به بعد «ليس» و «لا يكون» .
المجرورات: إن كان الجرّ بحرف لا يجر إلا المضمر جاز الإخبار عن ذلك المضمر، فتقول في: لولاك لقمت: الذي لولاه لقمت أنت، وإن كان بحرف يجر المضمر ضرورة لم يجز الإخبار عن ذلك المضمر، وإن كان لا يجر إلا المظهر لم يجز الإخبار عن ذلك المظهر نحو «ربّ» و «واوها» ، وإن كان يجرهما جاز الإخبار عن مجروره فتقول في الإخبار عن «زيد» من قولك: مررت بزيد: الذي مررت به زيد، وحذف «به» ضعيف جدّا.
وإن كان المجرور بإضافة جاز الإخبار عن المجرور، فتقول في الإخبار عن «زيد» من: قام غلام زيد: الذي قام غلامه زيد، والقائم غلامه زيد، قالوا: ولا يجوز حذف المضمر إلا أن يكون الاسم قد يقطع عن الإضافة لفظا إذا فهم المعنى كـ «كل» فتقول في: مررت بكلّ القوم: الذين مررت بكلّ القوم، وكذلك بعض. ويجوز التصريح بالضمير وهو الأولى، فتقول: الذين مررت بكلهم القوم، واختلفوا في المضمر المجرور من قولك: ويحه رجلا فمن إجاز الإخبار عنه قال:
الذي ويحه رجلا هو، وحجة المانع: أن ذلك يؤدي إلى وصل الموصول بالدعاء.
وإن كان المجرور بالإضافة «ياء المتكلم» نحو: هذا غلامي فنقول: الذي هذا غلامه أنا، وقد استضعف أبو عثمان (1) الإخبار عن «الياء» ، وإن أخبرت في هذه المسألة عن اسم الإشارة، قلت: الذي ها هو غلامي ذا؛ لأن حرف التنبيه يدخل على الهمزة، وإن كان من العدد الذي أضيف إليه مميزه نحو قولك: هذه ثلاثة أبواب، فتقول: التي هذه ثلاثتها أبواب، قالوا: وهذا فيه ضعف، لأن اسم العدد حقّه أن يضاف إلى الجنس ليبينه، والإضافة إلى المضمر الغائب غير مبينة، وأقول:
لا يخفى ضعف هذا التعليل لأن الضمير عائد على الموصول الذي هو «التي» فهو -
(1) أي المازني. انظر الهمع (2/ 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو، والموصول مخبر عنه بـ «الأبواب» ، ولا شك أن هذا يعلم أن الضمير لـ «الأبواب» فقد تبين اسم العدد بضمير الجنس كما يتبين بالجنس نفسه.
المتبوعات وتوابعها: أما المنعوت: فقد عرفت أنه يجوز الإخبار به مع نعته فتقول في: مررت برجل عاقل: الذي مررت به رجل عاقل، والمارّ به أنا رجل عاقل.
وأما المؤكد: فيخبر عنه مع توكيده، فيقال في: قام زيد نفسه: الذي قام زيد نفسه، والقائم زيد نفسه، قالوا: ويقال في: ضربت زيدا نفسه: الذي ضربته نفسه زيد، ولا يجوز حذف الضمير من «ضربته» ، نص عليه الأخفش ناقلا عن العرب أنهم لا يقولون: الذي ضربت نفسه زيد يريدون: ضربته، وفي كتاب سيبويه تمثيله وتمثيل الخليل بجواز حذف المؤكد المعطوف عليه يجوّز الإخبار بالمعطوف عليه والمعطوف، فتقول في: قام زيد وعمرو: الذي قام هو وعمرو زيد، والذي قام زيد وهو عمرو، تضع الضمير مكان الذي أخبرت عنه، وذهب بعضهم إلى أنه لا بد أن تجعله فاعلا فتقدمه وتجعل المعطوف عليه قبل الإخبار معطوفا فتقول: الذي قام هو وزيد عمرو؛ لأن «الواو» لا تقتضي الترتيب، والأمر واحد في المعطوف والمعطوف عليه إذا كان العطف [بالواو](1) فتقدم أيّهما شئت، واستحسن ابن أبي الربيع هذا المذهب.
فإن كان العطف بـ «أو» ففيه الخلاف الذي في «الواو» ، وإن كان بـ «أم» لم يجز الإخبار عن شيء منهما (2) - يعني المعطوف والمعطوف عليه -، وإن كان بـ «الفاء» أو بـ «ثم» أو بـ «حتى» أو بـ «بل» أو بـ «لا» أو بـ «لكن» كان الضمير في مكان الذي تريد أن تخبر عنه؛ لئلا ينقلب المعنى فتقول في الإخبار عن «عمرو» من: قام زيد فعمرو: الذي قام زيد فهو عمرو، وعنه من قولك: قام زيد لا عمرو: الذي قام زيد لا هو عمرو، وعنه من قولك: ما قام زيد لكن عمرو:
الذي ما قام زيد لكن هو عمرو، وكذلك بل وحتى، وتقول: زيد وعمرو قائمان، فإذا أخبرت عن «زيد» قلت: الذي هو وعمرو قائمان زيد، أو عن «عمرو» قلت: الذي زيد وهو قائمان عمرو، أو عنهما معا قلت: اللذان هما قائمان زيد وعمرو، ويجوز ذلك في العطف بـ «ثم» و «الفاء» و «أو» .
وإذا أخبرت عن المبدل منه وهو «زيد» من قولك: قام زيد أخوك، ففيه -
(1) زيادة يقتضيها السياق
(2)
انظر الهمع (2/ 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خلاف، فمنهم من يبدل من «زيد» ضميرا ويؤخره إلى آخر الكلام ويجعل الآخر بدلا منه، كما كان على الإخبار فتقول: الذي قام زيد أخوك، ففي «قام» ضمير يعود على «الذي» و «أخوك» بدل منه و «زيد» خبر «الذي» وبقي التابع تابعا والمتبوع متبوعا، ومنهم من يخبر عن كل منهما على انفراده، فيقول إذا أخبر عن المبدل منه: الذي قام أخوك زيد، ففي «قام» ضمير يعود على «الذي» و «أخوك» بدل منه و «زيد» خبر «الذي» ، وإذا أخبر عن البدل، قال: الذي قام زيد هو أخوك، فـ «هو» بدل من «زيد» وهو عائد على «الذي» .
قال ابن عصفور (1): والصحيح في هذا المذهب الأخير أن تخبر عن الأول الذي هو مبدل منه فتقول: الذي قام هو أخوك زيد، وتقدر «هو» مطروحا كأنه ليس في الكلام ويحل محلّه «أخوك» بعد أن تقدر: أخوك هو؛ لئلّا يبقى «الذي» بلا عائد يعود عليه، فتكون المسألة جائزة؛ لكونها لم تخل من ضمير يعود على الموصول، وإن أخبرت عن الثاني الذي هو بدل لم يجز لخلوّ الجملة الأولى من ضمير يعود على الموصول، ألا ترى أنك لو قلت: الذي قام [5/ 228] زيد أخوك، بقيت جملة الصلة بلا عائد على الموصول، وذلك لا يجوز.
وفي «الغرة» (2): «وأما البدل إذا أخبرت عنه في قولك: مررت بأخيك زيد، فإنك إذا أخبرت عن أخيك، ففيه قولان:
أحدهما: أن تؤخر البدل والمبدل منه إلى آخر الكلام، وتقول: الذي مررت به أخوك زيد.
والثاني: أن تؤخر الأخ وحده، وتجعل زيدا بدلا من ضميره، فتقول: الذي مررت به زيد أخوك، وإن أخبرت عن زيد فمن الناس من لا يجيزه لعدم العائد من الأول ومنهم من يجيزه فيقول: الذي مررت بأخيك به زيد، فإن أخبرت عن الأول باللام قلت على القول الأول: المارّ به أنا أخوك زيد، وعلى القول الثاني: المارّ به أنا زيد أخوك، وإن أخبرت عن زيد فالكلام فيه كالكلام في الأول» هذا كلام -
(1) انظر شرح الجمل (2/ 506) تحقيق أبو جناح.
(2)
الغرة لابن الدهان، وقد بحثنا في الجزء الموجود من هذا الكتاب بدار الكتب مخطوطا، وهو الجزء الثاني، فلم نعثر على هذا الكلام، وقد نقله عنه الشيخ أبو حيان في التذييل (خ) جـ 5 ورقة 225.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صاحب «الغرة» وهو كلام مختصر واف بالمقصود.
وقد ختم الشيخ الكلام على هذا الباب بمسائل منثورة:
منها (1):
«إذا أخبرت عن «الياء» من: ضربي زيدا قائما قلت: الذي ضربه زيدا قائما أنا، وعن «زيد» قلت: الذي ضربته أو ضربي إيّاه قائما زيد، ولا يجوز أن تخبر عن ضربي ولا عن قائم» انتهى.
وعلة ذلك معلومة وهي أن ضمير المصدر لا يعمل والحال لا يكون معرفة.
ومنها:
ومنها:
«أن اسم الاستفهام مختلف في جواز الإخبار عنه: فمنهم من منع ذلك، وهو القياس - وقد عرفت أن المصنف من المانعين له وذلك لما يؤدي إليه من تأخير ما له الصدر - ومنهم من أجاز ذلك إلا أنه يلزم اسم الاستفهام الصدر فيقول في: أيّهم قائم: أيّهم الذي هو قائم، وفي: أيّهم ضربت: أيّهم الذي إيّاه ضربت - وقد عرفت أن ابن عصفور يجيز ذلك - قالوا (2): وإذا أخبرت عن اسم من جملة الاستفهام صيرت اسم الاستفهام أولا مبتدأ ثم تأتي بالموصول، ثم بضمير مكانه من الجملة، ثم بضمير المخبر عنه خبرا عن الموصول فتقول في: أيّهم زيد: أيّهم الذي هو زيد، الضمير الثاني ضمير زيد خبر للأول، وزيد خبر الذي، والجملة خبر أيّهم، وتقول في الإخبار عن أخيك من قولهم: أيّ رجل كان أخاك: أيّهم الذي هو كأنه أخوك أو إيّاه كان أخوك، فاسم كان مضمر يعود إلى هو: وهو مضمر أيّ، فأيّ قيل: مبتدأ أول والذي مبتدأ ثان، وأخوك خبره، وهو ضمير أي ضمير أيّ راجع إليه المضمر الفاعل في كان، والذي وخبره خبر أيّهم. هكذا ذكروا.
وقد يقال: إذا قدّم اسم الاستفهام على «الذي» خرج ذلك عن أن يكون إخبارا -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 227.
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 226.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بـ «الذي» لأن الإخبار بـ «الذي» عبارة عن أن تجعل «الذي» نفسه مبتدأ وتخبر عنه، لكن ذكر الشيخ أنهم اختلفوا في
إعراب «أيّهم» إذا أخبر عنها فقيل: أيّهم الذي هو زيد، قال: فذهب ابن عصفور إلى أنه خبر مقدم، والموصول مبتدأ صلته: هو زيد، وذهب ابن الضائع إلى أنه مبتدأ، قال (1): والذي يقتضيه القياس ما قاله ابن عصفور، ألا ترى أنه لو كان اسما غير اسم الاستفهام لم يكن إلا خبرا، ويكون الموصول هو المبتدأ لا الخبر، لكن منع من تأخيره كونه صدرا، فقدّم لذلك، وبقي على حاله من كونه خبرا على أصل باب الإخبار» انتهى.
ولا شك أن الأمر كما قاله ابن عصفور، غير أن المقصود من باب «الإخبار» أن الموصول يؤتى به متقدما وأن يؤخر ما يقصد الإخبار عنه بالموصول، فإذا أتي بذلك الخبر مقدما كان فيه إحالة لصورة المسألة، والذي يظهر أن الإخبار عن اسم الاستفهام ممتنع كما قال المصنف.
ومنها (2):
«أنه قد علم أن «الذي» في باب الإخبار أعم من أل؛ لأن «الذي» يخبر به عن اسم من جملة اسمية وجملة فعلية، وأل لا يخبر بها عن اسم إلا من جملة فعلية بالشروط المعروفة، لكن ذكر الأخفش موضعا يصلح لأل ولا يصلح للذي، قال:
تقول: مررت بالقائم أبواه لا القاعدين، ولو قلت: مررت بالذي قام أبواه لا الذي قعدا، لم يجز لخلوّ صلة الذي الثانية من عائد، وكذا مررت بالقائم أبواها لا القاعدين جاز، ولو قلت: مررت بالتي قعد أبواها لا التي قاما لم يصح، فإذا أخبرت عن زيد من قولك: قامت جاريتا زيد لا قعدتا، قلت: القائم جاريتاه لا القاعدتان زيد، ولو قلت: الذي قامت جاريتاه لا التي قعدتا زيد، لم يجز؛ لأنه لا ضمير يعود على الذي من الجملة المعطوفة.
قال الشيخ (3): فعلى هذا قد صار لكل من الذي ومن أل عموم تصرف ودخول فيما لم يدخل فيه الآخر، لكن ما اختص به الذي أكثر، قال (4): وقال ابن السراج -
(1) أي الشيخ أبو حيان.
(2)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 226.
(3)
المرجع السابق.
(4)
أي الشيخ أبو حيان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في مسألة: مررت برجل قائم أبواه لا قاعدين: إنه شاذ خارج عن القياس، وقد كان ينبغي أن لا يجوز، قال: ولكنه
حكي عن العرب وكثر في كلامهم حتّى صار قياسا فيما هو مثله؛ فلهذا لا يقاس عليه الفعل، وقال ابن الضائع: هذا شيء يحدث مع أل ولم يكن كلام قبل أل فيه اسم يجوز الإخبار عنه بأل، ولا يجوز بالذي، فلا يدخل هذا على من قال: إن كل ما يخبر عنه بأل يخبر عنه بالذي، ولكن إذا نظرت لما وقعت فيه أل ولا يقع في موضعها الذي كان كذلك» انتهى.
وهذا الذي قاله ابن الضائع هو الحق.
ومنها (1):
أحدها: مذهب الأخفش: وهو أن تدخل الموصول على الأول والثاني وتستوفي كل جملة عائدها، وتستوفي إحدى الجملتين خبرها، وتترك الأخرى لا خبر لها، فتقول في الذي - يعني في الإخبار بالذي -: الذي ضربته والذي ضربني زيد، وتقول في أل على إعمال الثاني: الضاربه أنا والضاربي زيد، والضمير في الجملة الأولى لأنه اسم فاعل جرى على غير من هو له، لأن الفعل لك والخبر عن زيد، وأل على هذا المذهب لزيد في الاسمين، وجاءوا بالضمير لأن الصلة لا تتم إلا بعائد على الموصول. -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 226، 227.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهب الثاني: كالأول إلا أنه يحذف الضمير للطول، فتقول: الذي ضربت والذي ضربني زيد، والضارب أنا والضاربي زيد، وأل لزيد، وحذف الضمير من اسم الفاعل حملا على الفعل، والجملتان عندهم كجملة واحدة.
المذهب الثالث: أن تدخل الذي أو أل على الجملة الأولى، وتترك الثانية على حالها فتقول: الذي ضربت وضربني زيد، والضارب أنا وضربني زيد.
واتفقت هذه المذاهب الثلاثة على حذف الخبر من إحدى الجملتين، وتوفية الأخرى حقّها من المبتدأ والخبر.
المذهب الرابع: مذهب المازني، وهو أن تدخل الموصول على الأول والثاني وتأتي بكل جملة على انفرادها، وتوفّى حقّها من الخبر والضمير، وكل جملة منهما قائمة بنفسها فتقول: الذي ضربته زيد، والذي ضربني زيد، والضاربه أنا زيد والضاربي زيد، وردّ ابن السراج هذا، قال (1): لأنه قبل الإخبار جملتان كواحدة بدليل: ضربني وضربته زيد». انتهى.
ولم أتحقق قوله (2): «واتفقت هذه المذاهب الثلاثة على حذف الخبر من إحدى الجملتين» ؛ لأنه ليس في قولنا: الذي ضربت وضربني زيد، والضارب أنا وضربني زيد إلا مبتدأ واحد، وقد ذكر خبره وهو زيد، فلا شك أن «زيدا» خبر عن الموصولين المبتدأين المعطوف أحدهما على الآخر وكذا في قولنا: الضارب أنا والضاربي زيد، «زيد» خبر عن المبتدأين المعطوف أحدهما على الآخر، كما تقول: الذي أكل والذي شرب زيد، والآكل والشارب زيد، ثم إن قولنا:
الضارب أنا من هذا التركيب المذكور ليس جملة، وكذا الضاربي زيد أيضا، فكيف يقول: على حذف الخبر من إحدى الجملتين؟
ومنها (3):
«إذا أخبرت عن التاء من: ضربت وضربني زيد - قلت على مذهب الأخفش:
الضارب والضاربه زيد أنا، وعلى مذهب المازني: الضارب أنا والضاربي زيد، -
(1) انظر أصول النحو (2/ 315) تحقيق د/ عبد الحسين الفتلي.
(2)
أي قول الشيخ أبي حيان.
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 227.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى مذهب الرّمانيّ: الضارب وضربه زيد أنا.
وإن أخبرت عن الياء قلت في مذهب المازني: الضارب أنا والضاربه زيد أنا.
وإذا أخبرت عن الضمير المستكن في ضربني من قولك: ضربني وضربت زيدا على مذهب الأخفش أو عن زيدا من: ضربت وضربني زيدا، فلا يجوز لامتناع وجود العائد من إحدى الجملتين».
ثم إن الشيخ أتبع ذلك (1) بذكر بعض مسائل من هذا النوع - أعني ما فيه تنازع - تتعلق باب «أعطيت» وباب «ظننت» لا يتحصل منها طائل، فأضربت عن إيرادها خشية الإطالة، على أن منى أحكم قواعد باب «الإخبار» لا يكاد يخفى عليه تقرير ذلك.
* * *
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 227، 228.