الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حديث عن ها ويا وألا وأما]
قال ابن مالك: (فصل؛ «ها» و «يا» حرفا تنبيه، وأكثر استعمال لـ «ها» مع ضمير رفع منفصل أو اسم إشارة، وأكثر ما يلي يا نداء أو أمر أو تمنّ أو تقليل، وقد يعزى التّنبيه إلى «ألا» و «أما» وهما للاستفتاح مطلقا، وكثر «ألا» قبل النداء، و «أما» قبل القسم، وتبدل همزتها هاء أو عينا، وقد تحذف ألفها في الأحوال الثّلاث).
ــ
4140 -
لولا الأمير ولولا حقّ طاعته
…
لقد شربت دما أحلى من العسل (1)
ولا أحفظ في لو، ذلك، وليس ببعيد أن يسمع ذلك فيها».
قال ناظر الجيش: أما كون «ها» للتنبيه فمعلوم، وقد ذكر أنها تستعمل مع ضمير رفع منفصل أو مع اسم إشارة، أما ضمير الرفع فشرطه أن يكون مخبرا عنه باسم إشارة، كقوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ (2)، لا يقال: إنها هي الداخلة على اسم الإشارة ولكنها قدمت لأن قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ (3) يدفع ذلك ودخولها على ضمير مخبر عنه بغير اسم الإشارة، وقد ورد ولكن عدّوه شاذّا، أنشد أحمد بن يحيى (4) وذكر أن الفراء أنشده (5):
4141 -
أبا حكم ها أنت عمّ مجالد
…
وسيّد هذا الأبطح المتناحر (6)
قال الشيخ (7): «ومن شروط دخولها على المضمر أن يكون مبتدأ، فلو كان غير مبتدأ لكونه فاعلا أو مفعولا لم يسمّ فاعله لم يجز أن تدخل عليه نحو: ما قام إلا أنا، وما ضرب إلا أنا» . انتهى. -
(1) هذا البيت من البسيط، واستشهد به الشيخ أبو حيان على أن جواب «لولا» قد يقرن بـ «قد» كما في قوله:«لقد شربت» في البيت، وواضح من عبارته أنه قليل.
(2)
سورة آل عمران: 119.
(3)
سورة النساء: 109.
(4)
أي ثعلب. (خ) جـ 5 ورقة 194.
(5)
انظر معاني الفراء (3/ 296).
(6)
البيت من الطويل أنشده الفراء، وقال:«وأنشدني بعض بني أسد» ، وقوله:«وسيد هذا الأبطح» رواية معاني الفراء، واللسان (نحر):«وسيد أهل الأبطح» والمتناحر أي المتقابل، قال الفراء قبل إنشاده هذا البيت: «وسمعت بعض العرب يقول: منازلنا تتناحر هذا بنحر هذا أي: قبالته.
والشاهد فيه قوله: «ها أنت عم مجالد» حيث دخلت «ها» على ضمير مخبر عنه بغير اسم الإشارة.
(7)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 194.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولك أن تقول: استغنى المصنف عن ذكر هذا الشرط بذكر التنبيه، فإن التنبيه إنما يؤتى به أول الكلام ولا يؤتى به عجزه.
وأما استعمالها مع اسم الإشارة فظاهر. ولا يحتاج اسم الإشارة إلى التقييد بأن لا يكون بعيدا كما ادّعى الشيخ؛ لأن عدم مباشرتها للبعيد قد علم من باب «اسم الإشارة» .
قال الشيخ (1) مستدركا على المصنف: «ولنا صورة يجب فيها ذكر «ها» للتنبيه مع اسم الإشارة. وذلك إذا كان اسم الإشارة صفة لـ «أيّ» في النداء نحو:
يا أيّهذا الرجل» انتهى.
واقتصار الشيخ على ما ذكره ليس بجيد، فإنه كما وجب دخولها في: يا أيّهذا الرجل يجب دخولها في: يا أيّها الرجل، وحاصل الأمر: أنه يجب دخولها بين «أيّ» ونعتها كائنا ما كان إذا كانت «أيّ» مناداة.
وأقول: إن المصنف لا استدراك عليه في هذه المسألة؛ لأنه قد ذكر ذلك في أبواب «النداء» فاستغنى بما ذكره ثمّ عن ذكره هنا.
وقد دلّ قول المصنف: وأكثر استعمالها مع كذا أو كذا - على أنه نقل استعمالها مع غير ما ذكر. ومن ذلك قول زهير:
4142 -
تعلّمن ها لعمر الله ذا قسما
…
فاقدر بذرعك وانظر أين تنسلك (2)
هكذا أنشد الشيخ (3) هذا البيت شاهدا على دخولها على غير ضمير واسم إشارة، ولقائل أن يقول: إنها داخلة على اسم الإشارة، وفصل بينها وبينه بالقسم الذي هو «لعمر الله» (4).
وأما قول المصنف: وأكثر ما يلي يا نداء أو أمر أو تمنّ أو تقليل - فمثال النداء:
يا زيد، ومثال الأمر قوله تعالى: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ (5) ومنه قول الشاعر: -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195.
(2)
سبق شرحه والتعليق عليه في باب نون التوكيد من هذا التحقيق.
والشاهد فيه هنا دخول «ها» على غير ضمير واسم إشارة.
(3)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195.
(4)
انظر شرح ديوان زهير للأعلم الشنتمري (ص 48).
(5)
سورة النمل: 25. «ألا» بالتخفيف قراءة الكسائي وقرأ الباقون بالتشديد. انظر الكشف (2/ 156)، وفي معاني الفراء (2/ 290) «وقرأها أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وحميد الأعرج مخففة على معنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فيضمر هؤلاء، ويكتفي منها بقوله: يا» - بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4143 -
ألا يا اسقياني قبل غارة سنجال (1)
وقول الآخر:
4144 -
ألا يا اسقياني قبل ضلّ أبي بكر
…
لعلّ منايانا أتين ولا ندري (2)
وقول الآخر:
4145 -
ألا يا اسلمي ذات الدّماليج والعقد
…
وذات اللّثات الحمّ والفاحم الجعد (3)
وقول الآخر:
4146 -
ألا يا اسلمي يا دارميّ على البلى
…
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (4)
وقول الآخر:
4147 -
ألا يا اسلمي ثمّ اسلمي ثمّت اسلمي
…
ثلاث تحيّات وإن لم تكلّم (5)
ومثال التمني قوله تعالى: يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (6) ومنه قول القائل:
4148 -
يا ليت زوجك قد غدا
…
متقلّدا سيفا ورمحا (7)
-
(1) هذا صدر بيت من الطويل وعجزه:
وقبل منايا قد حضرن وآجال
وهو للشماخ.
وقوله: ألا يا اسقياني يروى «ألا يا اصبحاني» وسنجال: قرية بأرمينية وقيل بأذربيجان وقيل: اسم رجل من بني عبد مناة أصيب بأذربيجان، ومنايا جمع منية، وآجال جمع أجل.
والشاهد فيه: دخول «يا» على الأمر. والبيت في الكتاب (4/ 224)، والمفصل (ص 308) والمغنى (ص 373) وشرح شواهده (ص 796) واللسان (سنجل).
(2)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول. واستشهد به على دخول «يا» على الأمر. وانظره في التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195.
(3)
هذا البيت من الطويل لقائل مجهول والدماليج: جمع دملج ودملوج وهو المعضد من الحلي واللثاث الحم أي السوداء، والحم: الأسود من كل شيء، والفاحم الأسود الشديد السواد، والجعد» هو الشعر القصير.
والشاهد فيه: دخول «يا» على الأمر. والبيت في شرح الإيضاح للعكبري والرواية فيه: (والثنايا الغر) بدل (واللثات الحم).
(4)
سبق شرحه والتعليق عليه في باب إعراب الفعل وعوامله. والشاهد فيه هنا: دخول «يا» على الأمر.
(5)
البيت من الطويل لقائل مجهول. والشاهد فيه: دخول «يا» على الأمر. والبيت في ابن يعيش (3/ 39).
(6)
سورة الزخرف: 38.
(7)
البيت من مجزوء الكامل، وهو لعبد الله بن الزبعرى. والشاهد فيه: دخول «يا» على التمني. -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الشيخ (1): «وينبغي أن يقيد ذلك بلفظ ليت وإلا فـ «لو» تستعمل للتمني، وكذا «ألا» ، و «ودّ» ولا يجوز في شيء من هذا إدخال يا عليها» انتهى.
ولك أن تقول: إذا أطلق التمني أو غيره، فإنما يتوجه إلى الأداة التي هي لذلك المعنى بالوضع، ولا شك أن الدال على التمني من الحروف بالوضع إنما هو «ليت» ، فلا يكون لغيرها مدخل معها.
ومثال التقليل قول امرئ القيس:
4149 -
ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة
…
بآنسة كأنّها خطّ تمثال (2)
وقوله أيضا:
4150 -
فإن أمس مكروبا فيا ربّ بهمة
…
كشفت إذا ما اسودّ وجه الجبان (3)
ولم يتضح لي قول المصنف: وأكثر ما يلي يا نداء؛ لأن المراد بالنداء:
المنادى، وإذا كان الذي ولي «يا» منادى، كانت حرف نداء لا حرف تنبيه.
وقال الشيخ (4): «ويعني في اللفظ وإلا ففي التقدير الذي ولي يا إنما هو فعل النداء» هكذا قال، ولم يظهر لي هذا
الذي قاله، فإن «يا» في قولنا: يا زيد تتعين أن تكون للنداء ولا يجوز كونها للتنبيه، وإذا كانت للنداء فإنما يليها المنادى وهي قائمة مقام الفعل العامل فيه، فكيف يكون الذي ولي «يا» إنما هو فعل النداء؟
وأما قول المصنف وقد يعزى التّنبيه إلى ألا وأما إلى آخره، فقال الشيخ (5):
«في قوله: وقد يعزى، إشعار بالقلة» يعني أن الأكثر أن يكونا للاستفتاح مطلقا سواء أقصد مع ذلك تنبيه أم لم يقصد. -
- والبيت في معاني الفراء (3/ 123، 208) والكامل (1/ 196، 403) والمقتضب (2/ 50) والخصائص (2/ 431) وأمالي الشجري (2/ 321).
(1)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195.
(2)
البيت من الطويل وهو في ديوان امرئ القيس (ص 140)، والشاهد فيه: دخول «يا» على «رب» وهي للتقليل، وانظر البيت في المقرب (1/ 199)، والمغني (ص 135) وشرح شواهده (ص 393) وشرح التصريح (2/ 18).
(3)
سبق شرحه والتعليق عليه، والشاهد فيه هنا: دخول «يا» على «رب» وهي للتقليل.
(4)
،
(5)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 195.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال مجيء «ألا» قبل النداء قول الشاعر:
4151 -
ألا يا قيس والضّحّاك سيرا
…
فقد جاوزتما خمر الطّريق (1)
وقول الآخر:
4152 -
ألا يا عباد الله قلبي متيّم
…
بأحسن من صلّى وأقبحهم فعلا
يدبّ على أحشائها كلّ ليلة
…
دبيب القرنبى بات يعلو ندى سهلا (2)
ويجوز إبدال همزة «ألا» هاء فتقول: هلا وقد قرأ بعضهم (3) ألا يسجدوا لله (4) ذكره الزمخشري (5).
ومثال مجيء «أما» قبل القسم قول الشاعر:
4153 -
أما ودماء لا تزال مراقة
…
على قنّة العزّى وبالنّسر عند ما (6)
ومثال إبدال [5/ 196] همزتها هاء أو عينا: هما والله لقد كان كذا، وعما والله لقد كان كذا ومراده بالأحوال الثلاث في قوله: وقد تحذف ألفها: حال إقرار الهمزة، وحال إبدالها هاء، وحال إبدالها عينا، فيقال: أم وهم وعم.
(1) البيت من الوافر، والخمر: وهدة يختفي فيها الذئب، والشاهد فيه: مجيء «ألا» قبل النداء، والبيت في ابن يعيش (1/ 129)، والهمع (2/ 142)، والدرر (2/ 196).
(2)
البيتان من الطويل، والقرنبى قال في اللسان (قرنب):«حكى الأصمعي أنه دويبة شبه الخنفساء أو أعظم منها شيئا طويلة الرجل» والشاعر يصف جارية وبعلها.
والشاهد في قوله: «ألا يا عباد الله» حيث جاءت «ألا» قبل النداء، والبيت الثاني في اللسان (قرنب) والشطر الأول في الهمع (2/ 70) والبيت الأول في الدرر (2/ 86).
(3)
في معاني الفراء (2/ 290): «وهي في قراءة عبد الله هلا تسجدون لله بالتاء فهذه حجة لمن خفف» .
(4)
سورة النمل: 25.
(5)
لم يشر الزمخشري في الكشاف إلى هذه القراءة - أعني هلا - بإبدال الهمزة هاء وإنما أشار إلى قراءة «ألّا» بالتشديد و «ألا» بالتخفيف. انظر الكشاف (3/ 284، 285).
(6)
البيت من الطويل، ويروى شطره الأول هكذا:
أما ودماء مائرات تخالها
وهو لعمرو بن عبد الجن، وقيل: لمجهول، ودماء مائرات مائجات، والقنّة: أعلى الجبل، والعزى اسم صنم، وكذا النسر اسم صنم أيضا وأصله: نسر فأدخل عليه الشاعر الألف واللام. والشاهد فيه قوله: أما ودماء حيث جاءت «أما» قبل القسم. والبيت في المنصف (3/ 134)، وأمالي الشجري (1/ 154)، (2/ 341) والإنصاف (ص 318).