الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[حذف الشرط أو الجواب أو هما معا]
قال ابن مالك: (ويحذف الجواب كثيرا لقرينة، وكذا الشّرط، ويحذفان بعد إن في الضّرورة، وقد يسدّ مسدّ الجواب خبر ما قبل الشّرط).
ــ
وإن قمت، واضرب زيدا وإن أحسن إليك، إنما هي للعطف لكنها لعطف حال على حال محذوف يتضمنها الكلام السابق تقديره: أقوم على كل حال وإن قمت، واضرب زيدا على كل حال وإن أحسن إليك أي: وفي هذه الحال» انتهى.
وهذا الذي قاله الشيخ هو الظاهر، بل هو الحق ولا يجوز العدول عنه، ولك أن تقدر الحال المحذوفة في نحو: اضرب زيدا وإن أحسن إليك غير ذلك فيكون التقدير:
اضرب زيدا إن أساء إليك وإن أحسن إليك، ولا شك أن الضرب لزيد مع إحسانه فيه منافاة بخلاف الضرب له مع إساءته، فإذا أثبت حكم مع ما ينافيه كان إثباته مع ما يناسبه أولى وأحرى، والمعنى يرجع إلى: اضرب زيدا على كل حال، لكن في التقدير الذي ذكرنا من المبالغة في طلب الضرب مثلا ما ليس في هذا التقدير.
وإنما ساغ وقوع الجملة المصدرة بأداة الشرط حالا في الأمثلة التي ذكرناها لما تقدم ذكره في باب «الحال» .
لم يشرح الإمام بدر الدين من هذا الموضع إلى قوله «خلافا لبعضهم» قال الشيخ (1): «وذلك نحو سبعة سطور من أصل كتابي، بل وجد بياض معدّ لأن يشرح» انتهى.
قال ناظر الجيش: وأنا أذكر كلام المصنف في شرح الكافية أولا، ثم أذكر كلام الشيخ ثانيا. قال المصنف (2) رحمه الله تعالى: والاستغناء عن جواب الشرط للعلم به كثير ومنه قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (3) وقوله تعالى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ -
(1) انظر التذييل (6/ 869).
(2)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1609).
(3)
سورة يس: 19، وتقدير الجواب: أئن ذكرتم تلقيتم التذكير والإنذار بالكفر والإنكار. انظر البيان للأنباري (2/ 292) وقال العكبري في التبيان (ص 1079): «تقديره: إن ذكرتم كفرتم ونحوه» ، وقال أبو حيان في التذييل (6/ 869):«تقديره - والله أعلم - تطيرتم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بِآيَةٍ (1)، والاستغناء عن الشرط وحده أقل من الاستغناء عن الجواب، ومنه قول الشاعر:
4042 -
فطلّقها فلست لها بكفء
…
وإن لّا يعل مفرقك الحسام (2)
أراد: وإن لا تطلقها يعل مفرقك الحسام، ومنه قول الآخر:
4043 -
متى تؤخذ واقسرا بظنة عامر
…
ولا ينج إلّا في الصّفاد يزيد (3)
أراد: متى تثقفوا تؤخذوا، ومثال حذف الشرط والجزاء معا قول الراجز:
4044 -
قالت بنات العمّ يا سلمى وإن
…
كان فقيرا معدما قالت وإن (4)
أي: قالت: وإن كان فقيرا معدما هويته ورضيته، وقال السيرافي: يقول القائل:
لا آتي الأمير لأنه جائر فيقال: ائته وإن، ويراد بذلك: وإن كان جائرا فأته.
وهذا - أعني حذف الجزأين معا - لا يجوز مع غير «إن» وهو مما يدل على أصالتها في باب المجازاة.
ثم قال: وقد يغني عن جواب الشرط خبر ذي خبر متقدم على أداة الشرط، أو خبر مبتدأ مقدر بعد الشرط؛ فالأول كقول الله تعالى: وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (5) قال الشاعر:
4045 -
وإنّي متى أشرف من الجانب الّذي
…
به أنت من بين الجوانب ناظر (6)
وكقول الآخر: -
(1) سورة الأنعام: 35، وتقدير الجواب المحذوف:«فافعل» انظر البيان (1/ 320) والتبيان (492) والتذييل (6/ 869).
(2)
سبق شرحه والتعليق عليه.
(3)
هذا البيت من الطويل وهو لقائل مجهول. الشرح: قسرا قهرا وغصبا والظنة - بكسر الظاء - التهمة، والصّفاد» بكسر الصاد: وهو ما يوثق به الأسير من قدّ وقيد وغل، يقول: متى أخذتم لا ينج أحد منكم غير يزيد فإنه أيضا يقيد في الصفاد. والشاهد فيه: حذف فعل الشرط، والتقدير: متى تثقفوا تؤخذوا. والبيت في التذييل (6/ 872) والعيني (4/ 436) وشرح التصريح (2/ 252) والهمع (2/ 263).
(4)
هذا رجز لرؤبة في ملحقات ديوانه (ص 186) والشاهد فيه حذف الشرط والجزاء جميعا، والتقدير: وإن كان فقيرا معدما هويته ورضيته. وانظر الرجز في المقرب (1/ 277) والتذييل (6/ 872) والمغني (ص 649) وشرح شواهده (ص 936) والعيني (1/ 104)، (4/ 436).
(5)
سورة البقرة: 70.
(6)
هذا البيت من الطويل، وهو لذي الرمة في ديوانه (ص 41) ومعناه: هل يجزي نظري إليك في كل جهة كنت فيها؟ أي هل تنظرين إليّ كذلك أو هل تجزينني على هذه المحبة. والشاهد فيه على أن -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4046 -
هذا سراقه للقرآن يدرسه
…
والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب (1)
والثاني: مثل قول الشاعر:
4047 -
بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها
…
بني ثعل من ينكع العنز ظالم (2)
انتهى.
وذكر الشيخ الآيتين الشريفتين (3) وقال (4): «تقدير الجواب في الآية الأولى - والله أعلم - تطيرتم، وتقديره في الآية الثانية: فافعل، قال: وجعل من ذلك بعض أصحابنا قول الشاعر:
4048 -
أقيموا بني النّعمان عنّا صدوركم
…
وإن لّا تقيموا صاغرين الرّؤسا (5)
وقدره: وإن لا تقيموا مختارين تقيموا صاغرين الرؤوس [قال] فقوله: لا تقيموا هو فعل الشرط وحذف «مختارين» لدلالة «صاغرين» عليه، وحذف «تقيموا» الذي هو جواب «إن لا تقيموا» لدلالة «إن لا تقيموا» عليه، فحذف من الأول الحال ومن الثاني فعل الجواب، قال الشيخ (6): ولا يتعين هذا التخريج إذ يحتمل أن يكون فعل الشرط محذوفا بعد الأداة وحرف النفي، وكون «تقيموا» الثانية هي -
- قوله «ناظر» خبر «وإني» في أول البيت وقد أغني عن جواب الشرط. والبيت في الكتاب (3/ 68)، والمقتضب (2/ 69) وشرح الكافية للرضي (2/ 257) والتذييل (6/ 875).
(1)
هذا البيت من البسيط مجهول القائل، وسراقة رجل من القراء نسب إليه الرياء وقبول الرّشا وحرصه عليها حرص الذئب على فريسته.
والشاهد فيه على أن قوله «ذئب» خبر «والمرء» المتقدم على أداة الشرط وقد أغنى عن جواب الشرط.
وانظر البيت في الكتاب (3/ 67)، وأمالي الشجري (1/ 339) والأصول لابن السراج (2/ 163)، والمقرب (1/ 115) وشرح الكافية للرضى (2/ 256، 257).
(2)
سبق شرحه والتعليق عليه.
(3)
وهما قوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ ووَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ
…
الآية.
(4)
انظر التذييل (6/ 869، 870).
(5)
هذا البيت من الطويل وهو ليزيد بن الخذاق الشنى. واستشهد به من أورده له أبو حيان على أنه حذف جواب الشرط، وجعله ابن الشجري في الأمالي (1/ 341) على أنه من حذف جملة الشرط التقدير:
وإن لا تقيموا صدوركم تقيموا الرؤوس. وهو الأظهر والأوضح. والبيت في أمالي الشجري (1/ 283)، وابن يعيش (6/ 115) وشرح الجمل لابن عصفور (2/ 200).
(6)
أي في التذييل (6/ 870).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
جواب الشرط، فيكون حذف منه فعل الشرط (1)» انتهى.
والذي قاله هو الظاهر وما كنت أفهم من هذا البيت قبل غير ذلك، ومن حذف الشرط قول الآخر:
4049 -
فإمّا أن تكون أخي بحقّ
…
فأعرف منك غثّي من سميني
وإلّا فاطّرحني واتّخذني
…
عدوّا أتّقيك وتتّقيني (2)
التقدير: وإن لا تكن كذلك فاطرحني (3).
وزعم ابن عصفور (4) والأبّذيّ (5) أنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام إلا بشرط تعويض «لا» من الفعل المحذوف تقول: اضرب زيدا إن أساء وإلا فلا تضربه، قال الشيخ (6): وليس ذلك بشئ لأن «لا» هي نافية وليست عوضا من الفعل، ولو كانت عوضا لما جاز الجمع بينهما، وأنت يجوز لك أن تقول: وإن لا يسئ فلا تضربه. انتهى.
والعجب من هذين الرجلين الكبيرين، كيف يزعمان أن «لا» عوض مع أن الشرط ليس الفعل المثبت، بل الشرط إنما هو الفعل المنفى، فأداة الشرط إنما هي طالبة في مثل هذا التركيب للفعل المنفي لا للفعل المثبت، ثم إن الفعل حذف وبقيت «لا» لتدل على أن المشروط إنما هو النفي لا الإثبات، وإذا كان كذلك فكيف يقال: إن «لا» عوض من الفعل؟ لأن لازم هذه الدعوى أن «لا» إنما أتي بها بعد أن حذف الفعل، ويلزم منه أن أداة الشرط مباشرة للفعل دون «لا»
وليس الأمر كذلك. -
(1) انظر أمالي ابن الشجري (1/ 341).
(2)
هذا البيتان من الوافر وهما للمثقب العبدى في ديوانه (ص 42) و «الغث» من غثّ اللحم يغثّ غثّا: إذا كان مهزولا والمعنى: أعرف منك ما يفسد مما يصلح فهو على المجاز. والشاهد في قوله «وإلا فاطرحني» حيث حذف فعل الشرط لدلالة المقام والتقدير: وإن لا تكن كذلك فاطرحني، والبيتان في أمالي الشجري (2/ 344)، والمقرب (1/ 232) والتذييل (6/ 871) والمغني (ص 16).
(3)
انظر التذييل (6/ 871).
(4)
ظاهر عبارة ابن عصفور في شرح الجمل (2/ 200) لا تشعر بشيء من ذلك فإنه قال: «ويجوز حذف فعل الشرط والجواب وذلك إذا فهم المعنى، فمثال حذف فعل الشرط وإبقاء الجواب قوله:
فطلقها فلست لها بكفء
…
البيت».
(5)
انظر التذييل (6/ 871).
(6)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم إنك عرفت من البيت الذي أنشده المصنف في شرح [5/ 164] والكافية وهو قول القائل:
4050 -
متى تؤخذوا قسرا بظنّة عامر
أن حذف أحد الجزأين ليس مختصّا بكون أداة الشرط «إن» لورود حذف فعل الشرط مع «متى» ولكن قال الشيخ (1): «ولا أحفظ لفعل الشرط ولا الجزاء جاء بعد غير إن، إلا أن المصنف أنشد بيتا في شرح الكافية زعم أنه حذف فيه فعل الشرط بعد متى وهو قوله:
متى تؤخذوا قسرا
…
البيت» انتهى.
وأما حذف فعلي الشرط والجزاء معا فقد عرفت من كلام المصنف في شرح الكافية أن حذفهما معا لا يجوز مع غير «إن» وقيّد ذلك في التسهيل «بالضّرورة» أيضا، وفي شرح الشيخ (2) أن بعضهم يجيز ذلك في الكلام دون ضرورة.
وأما قول المصنف «وقد يسدّ مسدّ الجواب خبر ما قبل الشّرط» فقد تقدم من كلام المصنف في شرح الكافية ما
يغني عن ذكر ذلك هنا، غير أن في قوله «وقد يسدّ مسدّ الجواب خبر ما قبل الشّرط» وذلك كقوله وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (3) فيه بحث وهو أن يقال: مقتضى كلامه أن لَمُهْتَدُونَ الذي هو الخبر هو الذي سد مسدّ الجواب، ولا شك أن الذي سد مسدّ الجواب إنما هو الجملة بتمامها لأن الفائدة إنما تتم بذكرها، والحق أن الذي سد مسدّ الجواب إنما هو وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ والجملة السادة متقدمة على الشرط، ثم بعد تقديمها اعترض بجملة الشرط بين المبتدأ والخبر. ونظير الحذف في قول القائل:
4051 -
وإنّي متى أشرف من الجانب الّذي
…
به أنت من بين الجوانب ناظر (4)
قول القطامي (5): -
(1) انظر التذييل (6/ 871، 872).
(2)
انظر التذييل (6/ 872).
(3)
سورة البقرة: 70.
(4)
سبق شرحه والتعليق عليه.
(5)
في ديوانه (ص 25). والقطامي: عمير بن شبيم بن عمرو بن عباد، من بني جشم بن بكر أبو سعيد التغلبي الملقب بالقطامي، شاعر غزل فحل، كان من نصارى تغلب في العراق وأسلم، و «القطامي» بضم القاف وفتحها انظر ترجمته في الشعر والشعراء (ص 727 - 730) والمؤتلف والمختلف للآمدي (ص 166) والأعلام (5/ 88، 89).