الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[العلم وأحكامه عند حكايته]
قال ابن مالك: (ولا يحكى غالبا معرفة إلّا العلم غير المتيقّن نفي الاشتراك فيه، فيحكيه الحجازيّون مقدّرا إعرابه بعد «من» غير مقرونة بعاطف، ولا يقاس عليه سائر المعارف، ولا يحكى في الوصل بـ «من»؛ خلافا ليونس في المسألتين، وفي حكاية العلم معطوفا أو معطوفا عليه خلاف [منعه يونس وجوّزه غيره واستحسنه سيبويه]).
ــ
فصرح بأن الحكاية تترك إذا قصد التركيب من مبتدأ وخبر، وأن ذلك يكون استئنافا للاستفهام بمعنى ليس معادا من كلام تقدم، لكن قد قال ابن عصفور في «المقرّب» (1): «ولا بد من إدخال حرف الجر على من وأيّ إذا استثبت بهما عن مخفوض، ويكون المجرور متعلقا بفعل مضمر وتقدره بعدهما، وإذا استثبت بهما عن مرفوع
كانا مبتدأين والخبر محذوف لفهم المعنى، وإذا استثبت بهما عن منصوب كانا منصوبين بفعل مضمر محذوف لفهم المعنى» انتهى.
وأقول: هذا الكلام منه يناقض قوله في أول الفصل: إنك تحكي بمن وبأيّ لأن حركة الحكاية غير حركة الإعراب، ثم إذا كان الأمر كما ذكره ثانيا لم يكن ثمّ حكاية أصلا، وهذا الكلام مما أشكل عليّ.
قال ناظر الجيش: اعلم أن المسؤول عنه في هذا الباب إما نكرة وإما معرفة، فالنكرة نفسها لا تحكى وإنما يحكي ما لها من إعراب وتذكير وإفراد وأضدادهما، وإما بـ «أيّ» وقفا ووصلا، إما بـ «من» في الوقف خاصة، وقد انتهى الكلام على ذلك.
وأما المعرفة فتحكى هي نفسها، لكن إنما يحكى منها العلم خاصة دون بقية المعارف، وإنما يحكيه الحجازيون بالشرط الذي ذكره كما سيشرح.
قال المصنف في شرح الكافية (2) - تلو كلام في المتقدم -: «وإن سئل بمن عن علم جيء بمن وبعدها العلم المسؤول عنه محركا بضمة إن كان الأول مرفوعا، -
(1) انظر المقرب (1/ 300، 301).
(2)
انظر شرح الكافية الشافية (4/ 1718، 1719).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وبفتحة إن كان منصوبا، وبكسرة إن كان مجرورا بشرط أن لا يتقدم على «من» حرف عطف، هذا هو مذهب أهل الحجاز (1)، وأما غيرهم (2) فيجيء بالعلم بعد «من» مرفوعا سبقت «من» بعاطف أو لم تسبق، فإن سبقت من بعاطف فالرفع متعين عند الجميع، وهو مقدر على لغة من يحكي وهم الحجازيون، وذلك قولك:
من زيدا، لمن قال: رأيت زيدا، ومن زيد، لمن قال: مررت بزيد، فالفتحة والكسرة للحكاية، والرفع في موضعهما مقدر؛ لأن الواقع بعد «من» مبتدأ خبره «من» أو خبر مبتدؤه «من» ، فإن كان المحكي مرفوعا رفع ما بعد «من» في اللغتين، وأجاز يونس (3) حكاية كل معرفة قياسا على العلم، فيجوز عنده أن يقال لمن قال: رأيت غلام زيد، ومررت بصاحب عمرو: من غلام زيد، ومن صاحب عمرو، وأجاز (4) أيضا حكاية النكرة بـ «من» في الوصل، ولا أعلم له في المسألتين موافقا.
واختلف في حكاية العلم معطوفا على غير علم أو معطوفا عليه غير علم، فبعضهم أجاز وبعضهم منع (5)، نحو
قولك: من سعيدا وابنه؟ لمن قال: رأيت سعيدا وابنه، ومن غلام زيد وعمرا؟ لمن قال: رأيت غلام زيد وعمرا» انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وانحل به ما ذكره في «التسهيل» غير قوله غالبا، وقوله:
غير المتيقّن نفي الاشتراك فيه.
فأما غالبا - فاحترز به من حكاية غير العلم من المعارف، من ذلك قول -
(1) انظر الكتاب (2/ 413)(هارون) والمفصل (ص 148) والأشموني (4/ 91) وقال الصبان:
«إنهم يجوزون الحكاية والإعراب، بل يرجحون الإعراب» حاشية الصبان (4/ 91).
(2)
وهم بنو تميم، انظر الكتاب (2/ 413)(هارون) وقال سيبويه «وهو أقيس القولين» وانظر المفصل (ص 148).
(3)
انظر المقتضب (2/ 308)، وقال المبرد:«وقد يجوز ما قال وليس بالوجه» وقال الأشموني (4/ 92): «والصحيح المنع» .
(4)
قال في الكتاب (2/ 411)(هارون): «وزعم يونس أنه سمع أعرابيّا يقول: ضرب من منا، وهذا بعيد لا تكلم به العرب ولا يستعمله منهم ناس كثير» .
(5)
منعه يونس وجوزه غيره واستحسنه سيبويه. انظر الكتاب (2/ 413، 414)(هارون).
والأشموني (4/ 92).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعضهم (1): ذهب مع منين، لمن قال: ذهب معهم، وستأتي إشارة المصنف إلى هذه المسألة، وذلك في غاية الندور، قال الزجاجي: لو قال: رأيته أو مررت به، لقلت: من هو، ولم يجز غير ذلك وقال سيبويه (2): حكاية مثل هذا من الأسماء المضمرة جائز على مذهب من قال: دعنا من تمرتان، وهو قبيح شاذ جدّا ليس مما يعوّل عليه.
وأما قوله: غير المتيقّن نفي الاشتراك فيه، فاحترز به من العلم الذي يتيقن نفي الاشتراك فيه فإنه لا يحكى، فلا يقال: من الفرزدق لمن قال: رأيت الفرزدق، لأنه اسم يتيقّن نفي الاشتراك [5/ 210] فيه (3).
وشمل قول المصنف: العلم - أقسامه الثلاثة التي هي: الاسم واللقب والكنية، والسبب في أن العرب قصروا حكاية المعرفة على العلم، وأنه لا يحكى إلا بـ «من» خاصة - ثلاثة أمور:
أحدها: أن «من» اسم مبني فلا يظهر فيه قبح الحكاية لعدم ظهور الرفع، ولا يصح أن يجيء الخبر على صورة المنصوب والمجرور.
ثانيها: أن الأعلام بابها التغيير؛ لأنها كلها منقولة إلا اليسير منها، فلذلك كثرت الشذوذات فيها إذ التغيير يأنس
بالتغيير.
ثالثها: خوف اللبس، لأنه إذا قال القائل: رأيت زيدا ولم تحك لفظه في الاستثبات وقلت: من زيد يتوهم السامع أنك لا تسأله عن زيد الذي ذكره، ومن ثمّ كان شرط الحكاية أن لا يدخل على «من» حرف عطف لزوال اللبس بدخول حرف العطف، لأنه قد علم أن المسؤول عنه إنما هو الأول، ولولا ذلك لم يسغ عطف كلامك على الكلام المتقدم. ذكر ذلك أبو الحسن بن عصفور (4) ثم قال (5): «فلما اجتمعت هذه الأشياء لم يكن بدّ من الحكاية عند أهل -
(1) انظر الكتاب (2/ 412)(هارون).
(2)
انظر الكتاب (2/ 412)(هارون) وهو مفهوم عبارة سيبويه.
(3)
انظر الأشموني (4/ 92).
(4)
انظر شرح الجمل (2/ 465) وقد نقله عنه بتصرف.
(5)
المرجع السابق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحجاز» انتهى.
وقوله عن الحجازيين: إنه لا بد من الحكاية عندهم في ما اجتمعت فيه هذه الأشياء، موافق لكلام المصنف؛ إلا أن الشيخ قال (1):«والمنقول أن الحجازيين قد يرفعون العلم على كل حال كلغة غيرهم، وقد يحكون إعرابه في كلام المتكلم، وبنو تميم يعربون ولا يحكون» . وهذا النقل يخالف ما قاله المصنف وابن عصفور، ثم نقل الشيخ (2) عن صاحب «البسيط» أنه قال: «إذا أردت أن تحكي أكثر من اثنين، وكان كلّ مما يحكى على حدته، وكانا علمين، وفصلت بمن وكررتها مع الثاني، أدخلت حرف العطف على من وحكيت، فقلت لمن قال:
ضربت زيدا وعمرا: من زيدا ومن عمرا، ولا يبطل دخول حرف العطف على الثاني، الحكاية؛ لأنه إنما يبطلها في الأول، وإن لم تعد من لم تكن الحكاية، لأن العطف يقرب من التثنية، والتثنية لا تحكى فكذلك العطف، وقد يجوز لأنه ليس كالتثنية من كل الوجوه، لأن التثنية إنما كانت مانعة لزوال العلمية والعطف لا يزيل ذلك» انتهى.
وما قاله صاحب «البسيط» ليس ببعيد، لأن الامتناع من الحكاية مع حرف العطف المذكور أولا إنما كان للعلة التي عرفتها (3)، وتلك العلة مفقودة في المسألة التي ذكرها، وأما قوله:«إن العطف يقرب من التثنية» فهو أمر لا اعتبار له في ما الكلام فيه، ولا محقق لذلك في هذه المسألة.
واعلم أن قول المصنف: فيحكيه الحجازيّون مقدّرا إعرابه بعد من - أن الإعراب يقدر في الأحوال الثلاثة (4)، أما في حالتي النصب والجر فظاهر، وأما في حالة الرفع فلأن الحركة الموجودة في نحو قولنا: من زيد، حكاية قول القائل: جاء زيد، إنما أتي بها للحكاية كما أتي بحركة النصب والجر، في قولنا: من زيدا، ومن زيد، وإذا كانت للحكاية وجب تقدير الحركة الإعرابية، وقد ذكر الشيخ (5) عن -
(1) انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209.
(2)
المرجع السابق ورقة 210.
(3)
وهي خوف اللبس. وانظر حاشية الصبان (4/ 91).
(4)
لأن حرفه مشغول بحركة الحكاية. انظر الهمع (2/ 153).
(5)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بعضهم (1) أنه يقول: «إن الحركة حال حكاية المرفوع حركة إعراب، قال: لأنه لا حاجة إلى تكلف تقدير رفعه مع وجود أخرى» ولا يخفى ضعف هذا القول وبعده عن القواعد وعن الذوق أيضا.
وذكر الشيخ (2) أيضا عن الفارسي (3) أنه يجعل الخبر بمن في قولنا: من زيدا ومن زيد - يعني إذا حكيت النصب أو الجر - جملة حذف أحد جزأيها وبقي الآخر وهو «زيد» المحكي.
وهو كلام في غاية السقوط، والاشتغال بمثله يذهب لطائف أسرار الصناعة النحوية.
وكذلك نقل (4) عن الكوفيين (5) ما يطول ذكره وهو لا يجدي شيئا، بل فيه خرم للقواعد وتشويش على الأذهان مع ضياع الزمان في تسويد الأوراق.
ثم إن الشيخ عند كلامه على قول المصنف: ولا يقاس عليه سائر المعارف، ولا يحكى في الوصل بمن؛ خلافا ليونس في المسألتين - قال (6):«إذا كان الاسم المستثبت عنه معرفة غير علم، ففيه تفصيل لم يتعرض له المصنف، وهو إما أن يكون وصفا منسوبا أو غير ذلك. إن كان وصفا منسوبا فإنك تدخل على «من» الألف واللام و «ياء» النسب (7) فتقول: المنيّ، لمن قال: قام زيد القرشيّ إذا لم تفهم القرشي فاستثبت عنه، ويعرب إذ ذاك ويؤنث ويثنى ويجمع بالواو والنون، وبالألف والتاء، وتثبت هذه الزيادات في الوصل والوقف، فإن فهمت الصفة ولم تفهم الموصوف، لم تحك، بل تقول: من زيد القرشيّ؛ إلا على لغة من يحكي العلم المتبع وذلك قليل. -
(1) هو أبو الحكم الحسن بن عبد الرحمن بن عذرة الخضراوي كما ذكره الشيخ في التذييل. وانظر الهمع (2/ 153)، وقد ترجم له السيوطي في بغية الوعاة (1/ 510).
(2)
التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209.
(3)
انظر الهمع (2/ 153).
(4)
أي الشيخ، انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 209.
(5)
انظر الهمع (2/ 153).
(6)
انظر التذييل (خ) جـ 5 ورقة 210، 211 وقد نقله عنه بتصرف.
(7)
انظر الكتاب (2/ 415)(هارون).