المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٩

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس والستون باب عوامل الجزم

- ‌[الأدوات التي تجزم فعلين]

- ‌[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين]

- ‌[العامل في الجواب]

- ‌[الجزم بإذا حملا على غيرها وإهمال غيرها حملا عليها]

- ‌[حكم تقديم معمول الشرط أو الجواب عليهما]

- ‌[نيابة إذا الفجائية عن الفاء]

- ‌[أحكام في تقديم جواب الشرط على الأداة]

- ‌[حذف الشرط أو الجواب أو هما معا]

- ‌[حكم اجتماع الشرط والقسم وحديث طويل في ذلك]

- ‌[الأوجه الجائزة في المضارع المعطوف على الشرط]

- ‌[اتصال «ما» الزائدة ببعض أدوات الشرط]

- ‌[صور فعلي الشرط والجواب]

- ‌[حكم الشرط إذا حذف الجواب]

- ‌[اختصاص أدوات الشرط بالمستقبل]

- ‌[لو الشرطية معناها وما تختص به]

- ‌[أحوال جواب لو]

- ‌[لمّا ومعانيها]

- ‌[الباب السادس والستون باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك]

- ‌[قد ومعانيها وإعرابها]

- ‌[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين]

- ‌[حروف التحضيض وأحكامها وما تختص به]

- ‌[حديث عن ها ويا وألا وأما]

- ‌[حروف الجواب: سردها وأحكامها]

- ‌[كلّا وحديث عنها]

- ‌[أمّا وحديث عنها]

- ‌[أحكام أخرى لأما]

- ‌[أقل رجل يقول ذلك وأحكام هذه الجملة]

- ‌[قلّما وقليل وحديث عنهما]

- ‌[سرد لبعض الأفعال الجامدة]

- ‌[حديث عن بقية الأفعال الجامدة]

- ‌الباب السابع والستون باب الحكاية

- ‌[الحكاية بأي وبمن]

- ‌[العلم وأحكامه عند حكايته]

- ‌[مسائل خمس في باب الحكاية]

- ‌[حكاية التمييز]

- ‌[حكاية المفرد المنسوب إليه حكم للفظه]

- ‌[حكم حكاية السؤال بالهمزة]

- ‌[إلحاق حرف مد آخر المحكي]

- ‌الباب الثامن والستون باب الإخبار

- ‌[شروط الاسم المخبر عنه]

- ‌[الإخبار عن الاسم بالذي وفروعه وبالألف واللام]

- ‌[تقديم الموصول وذي الألف واللام مبتدأين]

- ‌[تقديم خبر كان مبتدا]

- ‌[حديث طويل عن الإخبار في الجملة المتنازع فيها]

- ‌الباب التاسع والستون باب التّذكير والتّأنيث

- ‌[علامة التأنيث - حكم ما لم تظهر فيها العلامة]

- ‌[مواضع تاء التأنيث]

- ‌[من أحكام تاء التأنيث]

- ‌[حكم الصفات المختصة بالإناث]

- ‌[الصفات التي لا تلحقها التاء]

- ‌[حكم فعيل بمعنى مفعول - تذكير المؤنث وعكسه]

- ‌الباب السبعون باب ألفي التّأنيث

- ‌[أوزان الألف المقصورة]

- ‌[أوزان الألف الممدودة]

- ‌[الأوزان المشتركة]

- ‌الباب الحادي والسبعون باب المقصور والممدود

- ‌[ما يعرف به المقصور والممدود القياس وغيره]

- ‌الباب الثاني والسبعون باب التقاء الساكنين

- ‌[تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض]

- ‌[أحوال نون من وعن ولكن]

- ‌[فك التضعيف في المجزوم والمبني]

- ‌الباب الثالث والسبعون باب النّسب

- ‌[حرف إعراب المنسوب إليه وما يحذف لياء النسب]

- ‌[النسب لما آخره ألفه أو ياء]

- ‌[ما يحذف قبل الآخر لأجل النسب]

- ‌[النسب إلى المركب]

- ‌[النسب إلى فعيلة وفعيلة وفعولة]

- ‌[النّسب إلى الثلاثي المكسور العين]

- ‌[النسب إلى الثنائي]

- ‌[النسب لما آخره ياء، أو واو قبلها ألف]

- ‌[النسب إلى أخت ونظائرها]

- ‌[النسب إلى فم وابنم]

- ‌[النسب إلى الجمع]

- ‌[فتح عين تمرات، وأرضين ونحوهما]

- ‌[شواذ النسب]

- ‌[استعمالات ياء النسب والنسب بدونها]

- ‌الباب الرابع والسبعون باب جمع التكسير

- ‌[الجمع واسم الجمع واسم الجنس

- ‌[اسم الجمع واسم الجنس]

- ‌[الفرق بين الجمع واسم الجمع]

- ‌[أوزان جمع القلة]

- ‌[الاستغناء ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة والعكس]

- ‌[ما يرد في التكسير وإغناء التصحيح عن التكسير]

- ‌[جمع أفعل]

- ‌[ما يجمع على أفعال]

- ‌[ما يجمع على أفعلة]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بضم شكوك]

- ‌[من جموع الكثرة: فعل بضمتين]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بضم فسكون]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بكسر ففتح]

- ‌[من جموع الكثرة فعال بكسر أوله]

- ‌[ما يحفظ فيه فعال بالكسر]

- ‌[ما يشارك فيه فعول بالضم فعالا بالفتح]

- ‌[ما ينفرد فيه فعول عن فعال]

- ‌[من جموع الكثرة فعّل بالضم والتشديد]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة بفتح الفاء والعين]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة بضم ففتح]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة كقردة]

- ‌[من جموع الكثرة فعلى كقتلى]

- ‌[من جموع الكثرة: فعلى]

- ‌[من جموع الكثرة فعلاء كشعراء]

- ‌[من جموع الكثرة فعلان كغلمان]

- ‌[ما يجمع على فعلان كقضبان]

- ‌[من جموع الكثرة فواعل كفوارس]

- ‌[من جموع الكثرة فعالى بالفتح وفعالى بالضم]

- ‌[من جموع الكثرة فعالي كأناسي]

- ‌[من جموع الكثرة فعائل كقبائل]

- ‌[ما بقي من أوزان الجمع]

- ‌[عدم فك المضعف اللّام في الجمع على مفاعل]

- ‌[عدم حذف الزائد إذا كان لينا زائدا في جمع الخماسي]

- ‌[ما يحذف من الزوائد في الجمع]

- ‌[ما يحذف من الخماسي عند الجمع]

- ‌[حذف الزائد عن الأربعة عند الجمع]

- ‌[التعويض عن المحذوف للجمع]

- ‌[جواز المماثلة بين بعض الأوزان]

- ‌[أسماء الجمع: تعريفا وأنواعا وأوزانا]

- ‌[كيفية جمع العلم المرتجل والمنقول]

- ‌[أحكام الجمع العلم]

- ‌[حكم تثنية المركب وجمعه]

- ‌[حكم تثنية المضاف وجمعه]

- ‌[حكم جمع المضاف والمضاف إليه]

- ‌[حكم تثنية وجمع اسم الجمع والتكسير]

الفصل: ‌[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين]

[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين]

قال ابن مالك: (وتساوي همزة الاستفهام فيما لم يصحب نافيا، ولم يطلب به تعيين ويكثر قيام «من» مقرونة بالواو مقام النّافي، فيجاء غالبا بـ «إلّا» قصدا للإيجاب، وقد يقصد بـ «أيّ» نفي فيعطف على ما في حيّزها بـ «ولا» ولأصالة الهمزة استأثرت بتمام التّصدير فدخلت على «الواو» و «الفاء» و «ثمّ» ولم يدخلن عليها، ولم تعد بعد «أم» بخلاف «هل» وسائر أخواتها، ويجوز أن لا تعاد «هل» لشبهها بالهمزة في الحرفيّة، وأن تعاد لشبهها بأخواتها [الاسميّة] في عدم الأصالة، وقد تدخل عليها الهمزة فتتعيّن مرادفة «قد» وربّما أبدلت «هاؤها» همزة)(1).

- المستقيم في المعنى القبيح في التركيب، لأنك وضعت اللفظ في غير موضعه، قالوا:

وإنما جاز الفصل بالقسم لأن «قد» قد تفرد من الفعل إذا حذف ويوقف عليها في فصيح الكلام بخلاف «أل» مثلا، ولأن «أل» أقوى تعلقا بما دخلت عليه لأنها نقلته من الشياع إلى التخصيص و «قد» ليست كذلك.

ومنها: أن قول المصنف «ويسوّغ [اقترانها] بالمضارع تأوّله بالماضي كثيرا» أراد به قول الله تعالى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ (2)، قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ (3)، (قد يعلم ما أنتم عليه) ولا شك أن المضي من هذه الآيات الشريفة معلوم، ولم يتعرض بدر الدين إلى ذكر هذه المسألة، وقد قال الشيخ (4):

«إن في نسخة ضرب المصنف على قوله: (ويسوّغ) إلى قوله: (كثيرا).

وأقول: إنه يستغنى عن ذكر ذلك هنا بقوله في أول الكتاب مشيرا إلى المضارع: «وينصرف إلى المضيّ بكذا وكذا إلى أن قال: وبإذ وربّما وقد في بعض المواضع» .

قال ناظر الجيش: أي: وتساوى «هل» همزة الاستفهام، ولما ذكر أن «هل» ترادف «قد» ومن المعلوم أنها حرف استفهام، وكانت الهمزة حرف استفهام -

(1) في التسهيل 243 «بأخواتها الاسمية» .

(2)

سورة البقرة: 144.

(3)

سورة الأنعام: 33.

(4)

انظر التذييل (خ)(5/ 189).

ص: 4471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أيضا، وبين الحرفين المذكورين اشتراك في شيء وافتراق في شيء أردف ذلك بذكر «الهمزة» مشيرا إلى ما بينهما من الاتفاق والاختلاف، قال الإمام بدر الدين (1):

«للاستفهام حرفان: الهمزة وهل، فالهمزة يستفهم بها عن التصديق كقولك:

أزيد قائم؟ وأقام عمرو؟ وعن التصور لطلب التعيين كقولك: أزيد قام؟ وأعمرا كلمت؟ وتدخل على النفي لتقرير أو توبيخ أو تمنّ أو نحو ذلك كما سبق التنبيه عليه في باب «لا لنفي الجنس» .

وأما هل فيستفهم بها من التصديق الموجب لا غير، ولذلك قبح: هل زيد قام؟

وهل عمرا ضربت؟ وامتنع هل زيد قائم أم عمرو؟ وإلى كون هل للاستفهام عن التصديق الموجب الإشارة بقوله: وتساوي همزة الاستفهام في ما لم يصحب نافيا ولم يطلب به تعيين، وكثيرا ما يعدّى الاستفهام عن أصله فيؤتى به في مقام الإنكار والجحد فيجري مجرى النفي، ومما جاء من ذلك بالهمزة قوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ (2) وبهل قوله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (3) وبمتى كقولهم في مقام الجحد: متى قلت هذا؟ وبأين نحو ما حكى الكسائي (4): أين كنت لتنجو منّي؟ أي: ما كنت لتنجو مني أي: ما كنت لتنجو مني، وبكيف كقراءة عبد الله (5): كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله (6)، وقد جاء ذلك بمن مقرونة بالواو، وبعدها «إلا» في الغالب لقصد الإيجاب كقوله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (7) المعنى: وما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه، ومثله قوله تعالى: قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (8) وقد يجيء بأيّ فيعطف على ما في حيزها بـ «ولا» كقول الشاعر: -

(1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 109 - 1112).

(2)

سورة الزخرف: 32.

(3)

سورة سبأ: 17.

(4)

انظر معاني الفراء (1/ 164، 424).

(5)

انظر معاني الفراء (1/ 423) ومختصر ابن خالويه (ص 52).

(6)

سورة التوبة: 7.

(7)

سورة البقرة: 130.

(8)

سورة الحجر: 56.

ص: 4472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

4122 -

فاذهب فأيّ فتى في النّاس أحرزه

عن حتفه ظلم دعج ولا جبل (1)

واعلم أن أصل أدوات الاستفهام الهمزة لأنها تأتي في الإيجاب والنفي، ويستفهم بهم عن التصور وعن التصديق [وغيرها يستفهم به إما عن التصور وإما عن التصديق] ولكونها أصل أدوات الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام استأثرت على أخواتها بتمام التصدير فدخلت على العواطف من «الواو» و «الفاء» و «ثم» [5/ 190] ولم يدخلن عليها، فلا يقال: قد قام زيد فأقام أخوه؟ كما يقال: فهل قام أخوه؟

وإنما يقال: قد قام زيد أفقام أخوه؟ كما قال تعالى: أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ (2)، أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ (3)، أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا (4)، أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ (5) وهو عند سيبويه (6) على التقديم والتأخير إيثارا لهمزة الاستفهام بتمام التصدير، وفي امتناع دخول العواطف عليها مع مساواتها «هل» في عطف ما هي فيه على ما قبله شاهد صدق على قول سيبويه، وقد حمل الزمخشريّ بعض ما جاء من ذلك في القرآن العزيز على إضمار المعطوف عليه فقال (7) في قوله تعالى: أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً (8) وقوله تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ (9): «تقديره: أكفروا وكلما عاهدوا، وأكفرتم فكلما جاءكم رسول» وهو إضمار لا دليل عليه ولا يفتقر تصحيح الكلام إليه.

ولاستئثار الهمزة بتمام التصدير لم تعد بعد «أم» المتصلة ولا المنقطعة تقول: -

(1) هذا البيت من البسيط قاله المنتخل الهذلي من قصيدة رثاء ابنه أثيله، يقول: لا تقيه من موته الظّلم الدّعج يستتر بها من الهلاك، ولا الجبال متحصن بها.

والشاهد فيه: خروج الاستفهام عن أصله فأتى به في مقام الإنكار والجحد وجرى مجرى النفي، قال ابن الشجري:«ذهب بقوله: أي فتى مذهب النفي أي: ليس في الناس فتى أحرزه من حتفه ظلم فلذلك عطف عليه بالنفي فقال: ولا جبل» ، والبيت في معاني الفراء (1/ 164، 423) وأمالي الشجري (2/ 32) وديوان الهذليين (2/ 35) واللسان (قلا).

(2)

سورة طه: 128.

(3)

سورة الأعراف: 100.

(4)

سورة الرعد: 31.

(5)

سورة يونس: 51.

(6)

انظر الكتاب (3/ 187 - 189).

(7)

انظر الكشاف (1/ 121 - 127) والمفصل (ص 319).

(8)

سورة البقرة: 100.

(9)

سورة البقرة: 87.

ص: 4473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أدنس في الآثام أم عسل؟ وأزيد خارج أم عمرو مقيم؟ وليس لك أن تعيد الهمزة بعد «أم» كما تعيد الجارّ في التوكيد في نحو: أبزيد مررت أم بعمرو؟ لأنها [لما] لم تقع للتأسيس بعد العاطف كانت عن وقوعها للتوكيد بعده أبعد. وأما [هل] فيجوز فيها مع «أم» المنقطعة أن لا تعاد استغناء بدلالة العاطف على التشريك نحو:

هل قام زيد أم خرج عمرو؟ ويجوز أن تعاد توكيدا لأنه لا يمتنع دخول العاطف عليها نحو: هل قام زيد أم هل خرج عمرو؟ وقال الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ (1) فجمع بين الاستعمالين.

فإن قلت: كيف يصح الجمع بين «هل» و «أم» المنقطعة والنحويون يقولون:

إنها تفيد الاستفهام والإضراب معا؟

قلت: يتجه ذلك على أن تكون «أم» دالة على الإضراب بالوضع وعلى الاستفهام إذا لم يذكر بعدها بالالتزام العرفي، فإنها لا تدخل إلا على جملة استفهامية فصار لفظها مشعرا بالاستفهام فيجوز إظهاره بعدها على الأصل، ويجوز إضماره استغناء بدلالة «أم» .

فأما قوله: ويجوز في «هل» أن لا تعاد لشبهها بالهمزة في الحرفيّة وأن تعاد لشبهها بأخواتها في عدم الأصالة، فكلام غير محقق فإن عدم إعادة «هل» بعد «أم» مثل عدم إعادة الهمزة في كونه على وفق الدليل فلا فائدة في قياس جواز أحدهما على جواز الآخر، وإعادة «هل» بعد «أم» ليست مثل إعادة أخواتها من أسماء الاستفهام، فإن «هل» تعاد توكيدا كما سبق، وغيرها يعاد تأسيسا إذا قصد معناه وإذا لم يقصد معناه لم يذكر تقول: متى قام زيد أم متى خرج عمرو؟ إذا أضربت عن الاستفهام عن وقت قيام زيد إلى الاستفهام عن وقت خروج عمرو، وإن أضربت عن ذلك إلى الاستفهام عن نفس الخروج أو عن أمر آخر متعلق به قلت: متى قام زيد أم متى خرج عمرو؟ ومتى قام زيد أم أين خرج عمرو؟ أو نحو ذلك.

وقد تدخل الهمزة على «هل» فتتعين أن تكون المرادفة لـ «قد» كقول الشاعر: -

(1) سورة الرعد: 16.

ص: 4474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

4123 -

سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل رأونا بقلع القفّ ذي الأكم (1)

وقد تبدل «هاؤها» همزة فيقال: أل قام زيد؟ يعني: هل قام زيد؟ انتهى (2) كلام الامام بدر الدين رحمه الله تعالى.

ومما يستدل به على إعادة «هل» بعد «أم» وعدم إعادتها قول علقمة (3):

4124 -

هل ما علمت وما استودعت مكتوم

أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

أم هل كبير بكى لم يقض عبرته

إثر الأحبّة يوم البين مشكوم (4)

فلم يعد «هل» بعد «أم» الأولى وأعادها بعد «أم» الثانية، وهو عكس ما في الآية الشريفة (5).

وبعد فأنا أورد الآن الكلام على أدوات الاستفهام من رأس ذاكرا ما يميز بعضها عن بعض، وربما ينطوي ذلك على إيضاح بعض ما ذكره بدر الدين فأقول:

الكلمات الموضوعة للاستفهام اثنتا عشرة كلمة، منها ما هو حرف وهو ثلاثة:

الهمزة وهل وأم، ومنها ما هو اسم وهو تسعة: من وما وأيّ وكم وكيف وأين وأنّى ومتى وأيّان، ثم هذه الأدوات أعني الاثنتي عشرة على ثلاثة أنواع: الأول: لطلب -

(1) هذا البيت من البسيط وقائله زيد الخيل.

الشرح: يربوع أبو حي من تميم، والقف ما ارتفع من الأرض وغلظ ولم يبلغ أن يكون جبلا، والأكم:

جمع أكمة وهي التل، ويقول: سائل هذه القبيلة عن حال شدتنا أكانت قوية جلبت لنا العز والفخار أم كانت دون ذلك فجلبت علينا الذي والهوان.

والشاهد فيه: دخول همزة الاستفهام على «هل» فتعين أن تكون المرادفة لـ «قد» ، والبيت في المقتضب (1/ 182)، (3/ 291) والخصائص (2/ 463) وأمالي الشجري (1/ 108)، (2/ 334) وابن يعيش (8/ 152، 153).

(2)

انظر شرح التسهيل (4/ 112).

(3)

شاعر جاهلي معاصر لامرئ القيس، الخزانة (1/ 565).

(4)

هذان البيتان من البسيط هما ديوانه (ص 129) وقد سبق شرح البيت الثاني، ومعنى البيت الأول:

هل تبوح بما استودعتك من سرها يأسا منها أو تصرم حبلها أي تقطعه لنأيها وبعدها عنك وانقطاعها.

والشاهد هنا: عدم إعادة «هل» بعد «أم» في «أم حبلها» وإعادتها في قوله «أم هل كبير» فدل ذلك على جواز الأمرين. والبيتان من شواهد الكتاب (3/ 178).

(5)

وهي قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ [سورة الرعد: 6].

ص: 4475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التصديق أو التصور. والثاني: لطلب التصديق وحده. والثالث: لطلب التصور وحده، والنحاة يعبرون عن طلب التصور بالسؤال عن التعيين، وعن طلب التصديق بالسؤال عن الوقوع فينبغي الاقتداء بهم في ذلك، فجميع أدوات الاستفهام ما عدا «هل» و «الهمزة» و «أم» المنقطعة لا تكون إلا للسؤال عن التعيين ولا يكون ذلك إلا مع العلم بالوقوع، ويختلف السؤال بحسب الأداة، فـ «من» عن تعيين من يعقل، و «ما» عن تعيين ما لا يعقل، و «أيّ» عن تعيين أحد الشيئين أو الأشياء مما أضيف إليه «أيّ» ، و «كم» عن تعيين العدد، و «كيف» عن تعيين الصفة أي: الحال لأنها وصف في المعنى، و «أين» عن تعيين المكان، و «متى» عن تعيين الزمان، و «أيّان» مثلها لكنها تختص بالمستقبل، و «أنّى» عن تعيين المكان وعن تعيين الحال، و «أم» المتصلة حكمها حكم «الهمزة» التي تتقدمها.

وأما «الهمزة» فتكون سؤالا عن التعيين، وتكون سؤالا عن الوقوع، وأما «هل» فلا تكون سؤالا إلا عن الوقوع فلا تستعمل حيث يقطع بوجود الفعل، وأما «أم» المنقطعة فحكمها حكم «هل» ، ولما كانت «هل» للسؤال عن الوقوع امتنع هذان التركيبان الأول: هل زيد قائم أم عمرو؟ لأن «أم» المتصلة هنا إنما هي للسؤال عن التعيين، والسؤال عن التعيين إنما يكون مع العلم بالوقوع، ومع العلم بالوقوع يمتنع السؤال بـ «هل» ، نعم لو كانت «أم» منقطعة صحّ وذلك نحو أن يقال: هل عندك عمرو أم عندك بشر؟ لأن المتكلم سأل عن الوقوع ثم أعرض عن ذلك السؤال لقصد سؤال آخر.

والثاني: هل زيدا ضربت؟ لأن التقديم يستدعي حصول العلم [5/ 191] بوقوع الفعل، لأن التقديم يفيد التخصيص، وإذا أفاد التخصيص وجب أن يكون العلم بنفس الفعل الذي هو «الضرب» حاصلا، وأن يكون الاستفهام لطلب تعيين المضروب، فيلزم أن تكون «هل» مستعملا لطلب التعيين وهو باطل، ثم إن «هل» مع موافقتها «الهمزة» في الاستفهام تفارقها بحسب الاستعمال في أمور:

منها: ما تقدمت الإشارة اليه وهو أن «هل» للسؤال عن الوقوع خاصة، و «الهمزة» يجوز فيها أن تكون للسؤال عن

الوقوع وللسؤال عن التعيين.

ومنها: أن «هل» لا يجوز في المستفهم عنه بها أن يصحب نافيا، فلا يقال في -

ص: 4476

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هل قام زيد: هل لم يقم زيد؟ وحاصله أن «هل» لا يستفهم بها عن النفي ويعبر عن ذلك بأنها إنها تستعمل في التصديق الموجب، وأما «الهمزة» فيجوز في المستفهم عنه بها أن يصحبه النافي وحينئذ قد يكون الاستفهام عن النفي (1) كقول الشاعر:

4125 -

ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد (2)

وقد لا يراد الاستفهام بل معنى من المعاني المتولدة من الاستفهام كقوله تعالى:

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (3) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ (4) وهذان الأمران هما اللذان أشار إليهما المصنف بقوله: «وتساوي همزة الاستفهام في ما لم يصحب نافيا ولم يطلب به تعيين» .

ومنها: أنه إذا عطف كلاما يتضمن استفهاما بالهمزة وكان العطف بأحد الأحرف الثلاثة: الواو والفاء وثم وجب تقديم الهمزة على العاطف المذكور وإلى ذلك أشار ذلك المصنف بقوله «ولأصالة الهمزة استأثرت بتمام التّصدير فدخلت على الواو والفاء وثمّ» .

ومنها: أن الهمزة لا تعاد بعد «أم» متصلة كانت أم منقطعة فلا يقال: أزيد قام أم عمرو؟ ولا: ألك عين تبصر بها أم ألك رجل تمشي بها؟ بخلاف «هل» فإنها يجوز فيها أن تعاد وأن لا تعاد وإلى ذلك أشار المصنف بقوله «ولم تعد بعد أم بخلاف هل وسائر أخواتها» .

ولا شك أن «أم» التي يعاد بعدها «هل» وبقية أدوات الاستفهام هي المنقطعة، لكن ذكر الأدوات غير «هل» إذا قصد معناها واجب لأن لها معاني زائدة على -

(1) انظر المغني (ص 15).

(2)

هذا صدر بيت من البسيط وعجزه: إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي، وهو لقيس بن الملوح في ديوانه (ص 228).

والمعني: ليت شعري إذا لاقيت ما لاقاه أمثالي من الموت، أينتفي الصبر عن هذه المرأة أم يثبت لها جلد؟

وكنى عن الموت بما ذكر تسلية لها. والاستشهاد فيه: في قوله «ألا اصطبار» حيث أريد مجرد الاستفهام عن النفي والحرفان باقيان على معنييهما وهو قليل. والبيت في المغني (ص 15، 69) وشرح شواهده: (ص 42)، (ص 213)، والعيني (2/ 358) والهمع (1/ 147).

(3)

سورة الشرح: 1.

(4)

سورة الزمر: 36.

ص: 4477

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الاستفهام فوجب ذكرها عند قصد تلك المعاني الزائدة، وقد أشار بدر الدين إلى ذلك بقوله «إن هل تعاد توكيدا وأن غيرها يعاد تأسيسا إذا قصد معناه وإذا لم يقصد معناه لم يذكر» .

وأما جواز الأمرين في «هل» فقد علل (1) ترك ذكرها بشبهها للهمزة في الحرفية، وعلل ذكرها بشبهها بأخواتها الاسمية في عدم الأصالة، وقد عرفت طعن بدر الدين في هذا التعليل وأنه علل ذلك بأن قال:«وأما هل فيجوز فيها مع أم المنقطعة أن لا تعاد استغناء بدلالة العاطف على التشريك، ويجوز أن تعاد توكيدا لأنه لا يمتنع دخول العاطف عليها» .

ومنها: أن «هل» لا تباشر أدوات الشرط والهمزة تباشرها كقوله تعالى: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ (2) وكذا لا تباشر «هل» «إنّ» بخلاف الهمزة قال الله تعالى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ (3)، والظاهر أن العلة في ذلك إنما هو أصالة الهمزة في الاستفهام، وانضم إلى ذلك كونها على حرف واحد، فكان [في] النطق بها سهولة إذا انضمت إلى غيرها.

ومنها: أنه إذا اجتمع في الجملة الواقعة بعدها اسم وفعل وجب أن يليها الفعل ولا يليها الاسم إذ ذاك إلا في الشعر، وقد تقدم التنبيه على العلة الموجبة لذلك (4).

وإذ [قد] تقرر هذا فلنذكر أمورا:

ومنها: أن الشيخ قال (5): «مفهوم كلام المصنف يدل على أن الكلام إذا صحب نافيا انفردت به الهمزة، وقد وجدنا ما يصحب نافيا ولا تدخل عليه «هل» ولا «الهمزة» وذلك «إن» النافية لا يحفظ من لسان العرب: أإن زيد تاجر؟

ولا: إن زيد قائم؟ قال (6): وكذلك وجدنا ما صدق عليه أنه صحب نافيا ويدخل عليه الهمزة وهل وذلك نحو: زيد غير قائم فهذا قد صحب نافيا ويجوز -

(1) أي المصنف.

(2)

سورة يس: 19.

(3)

سورة فصلت: 9.

(4)

لم يسبق للمؤلف أن نبه على شيء من هذا.

(5)

انظر التذييل (خ)(5/ 189).

(6)

أي الشيخ أبو حيان. المرجع السابق.

ص: 4478

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

دخولها عليه فتقول: أزيد غير قائم؟ وهل زيد غير قائم؟» انتهى.

وهو كلام عجيب فإن الذي ذكره شيء غير الذي ذكره المصنف، لأن الذي أعطاه كلامه أن همزة الاستفهام يصحبها النافي ولا يصحب «هل» ولم يقل إن الهمزة يصحبها كلّ ناف، ولا إن ما صحب نافيا لا يدخل عليه الهمزة ولا هل، ولا يقتضي ذلك كلامه أيضا، وإذا كان كذلك فكيف يورد عليه ما لا قاله ولا اقتضاه كلامه.

ومنها: أن الشيخ أيضا قال: (1) «وكان ينبغي للمصنف أن يذكر أيضا مما لا تساوي هل الهمزة فيه أن يتضمن الاستفهام التوبيخ والإنكار والتعجب، قال:

وتنفرد «هل» بأن يراد بالاستفهام بها الجحد؛ قال الله تعالى: وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (2) ولا يكون ذلك في الهمزة، لا يجوز:«أزيد إلا قائم» انتهى.

وأقول: أما الجواب عن الأول فهو أن المعاني التي أشار إليها كالتوبيخ والإنكار والتعجب وغيرها إنما هي متولدة عن الاستفهام، فليست دلالة الهمزة عليها بالوضع، والمصنف إنما يتوجه كلامه إلى الكلمة باعتبار ما وضعت له، أما باعتبار ما يعرض في الاستعمال فلا.

وأما الجواب عن الثاني فهو أن «هل» إذا أريد بها الجحد خرجت عن أن تكون استفهاما إلى معنى آخر، والكلام الآن إنما هو في كلمتين معناهما واحد واختصت إحداهما باستعمال دون الأخرى، فلما ذكرتا باعتبار ما اشتركا فيه ذكر ما ينفرد به أحد اللفظين عن الآخر، على أن «الهمزة» قد استعملت للجحد كـ «هل» وتقدم التنبيه على ذلك في كلام بدر الدين والاستشهاد له بقوله تعالى: أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ (3) وقد كان يجب على الشيخ على ما قاله هنا أن يقول: إن المنصف كان يتعين [عليه] لما ذكر «إن» التي هي أداة شرط أن يميز بينها وبين «إن» التي هي حرف نفي مثلا.

ومنها: أن الشيخ أيضا [5/ 192] قال (4) في قول المصنف «ويكثر قيام من مقرونة بالواو مقام النّافي» «ظاهر قوله: مقرونة بالواو أنه شرط في المسألة ولا أرى -

(1) انظر التذييل (خ)(5/ 189).

(2)

سورة سبأ: 17.

(3)

سورة الزخرف: 32.

(4)

انظر التذييل (خ)(5/ 190).

ص: 4479

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك لأن الواو لا تأثير لها في إرادة هذا المعنى» انتهى.

والذي قاله الشيخ حقّ ويدل على ذلك قول الله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (1).

ثم قال (2): «وظاهر قول المصنف الاختصاص بها، وليس عندي كذلك، بل لو أتيت بـ «غير» مكان «إلا» صح نحو: ومن يضرب زيدا غير عمرو، وأيّ ما يضرب زيدا غير عمرو؟ وارتفاع «غير» على البدل من الضمير المستكن في الفعل العائد على «من» وهو أصح من النصب على الاستثناء والرفع على الصفة» انتهى.

ولم يكن المصنف محتاجا إلى أن ينبه على مثل هذا لأن من المعلوم أن «غيرا» تقوم مقام «إلا» وأن لها من الإعراب ما للاسم الواقع بعد «إلا» فلو ذكرها لكان عيّا.

ومنها: أن المصنف قال في «هل» : «وتدخل عليها الهمزة فتتعين مرادفة قد» وتقدم الاستشهاد على ذلك بقول الشاعر:

4126 -

سائل فوارس يربوع

.... البيت

فقال الشيخ (3): «ليس الأمر كما قال لأن ذلك لم يكثر كثرة توجب القياس، إنما جاء منه هذا البيت أو بيت آخر إن كان جاء، وإذا كان الأمر كذلك احتمل أن يكون مما دخل فيه أداة استفهام على مثلها على سبيل التوكيد، وإذا كان ذلك يوجد في المتحد اللفظ العامل كقوله:

4127 -

ولا للما بهم أبدا دواء (4)

وفي المختلف اللفظ العامل كقوله:

4128 -

فأصبحن لا يسألنه عن بما به (5)

-

(1) سورة البقرة: 255.

(2)

انظر التذييل (خ)(5/ 190).

(3)

انظر التذييل (خ)(5/ 191).

(4)

سبق شرحه والتعليق عليه في باب النواصب.

(5)

هذا صدر من بيت من الطويل وعجزه:

أصعّد في علو الهوى أم تصوّبا

واستشهد به على أن دخول همزة الاستفهام على «هل» في قوله: -

ص: 4480

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فلأن يوجد في المختلف اللفظ غير العامل أحرى وأولى، وإذا احتمل ما ذكرناه من التوكيد لم تتعين مرادفة «قد» ، قال (1): وما ذكر هذا المصنف وغيره من أن «هل» ترادف «قد» لم يقم على ذلك دليل واضح إنما هو شيء قاله المفسرون في قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ إن معناه: قد أتى (2)، وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب، ولا يرجع إليهم في مثل هذا، إنما يرجع في ذلك إلى أئمة النحو واللغة لا إلى المفسرين، قال (3): وثبت في نسخة عليها خط المصنف، فتترجح بدل قوله: فتتعين، وكأن المصنف أحسّ بهذا التأويل الذي ذكرناه فأتى بقوله فتترجح بدل قوله: فتتعين، وليس ذلك بمترجح أيضا لأن الرجحان إنما يكون إذا كان ثمّ دليل واضح يدل على أن هل ترادف قد. انتهى.

ثم نقل عن صاحب الإفصاح (4) أنه قال: «قد ذكر جماعة من النحويين وأهل اللغة أن هل تكون بمعنى قد مجردة من الاستفهام وبها فسروا قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (5) وأرى هذا القول مأخوذا من قول سيبويه (6): وتقول أم هل فإنما هي بمنزلة قد، فقيل: أراد أنها بمنزلة قد في الأصل، فإن كان قد [أخذ] من تأويل كلام سيبويه فيها هنا فلا حجة له إذ قد يرد أنها بمنزلة قد بعد أم، أو يريد في الأصل دون أن تستعمل ولا يصح ذلك التأويل، وإن كان قد سمع فحجة قوية لسيبويه، وبمعنى قد قال الكسائي والفراء (7) في الآية الشريفة وأبو العباس (8) والزجاج إلا أنه قال: المعنى ألم يأت» هذا كلام صاحب «الإفصاح» والعجب من الشيخ هو الناقل لهذا عن الرجل الكبير - أعني صاحب الإفصاح - وهو قبل ذلك -

-

سائل فوارس يربوع بشدتنا

أهل .... البيت

إنما هو للتأكيد كدخول حرف الجر على مثله يعني في قوله «عن بما به» مع اختلاف لفظ العامل، والبيت في معاني الفراء (3/ 321) وشرح الكافية للرضي (2/ 328) والخزانة (4/ 162).

(1)

انظر التذييل (خ)(5/ 191).

(2)

انظر الكشاف (4/ 532).

(3)

انظر التذييل (خ)(5/ 191).

(4)

صاحب «الإفصاح» هو ابن هشام الخضراوي.

(5)

سورة الإنسان: 1.

(6)

انظر الكتاب (1/ 100)(هارون).

(7)

انظر معاني القرآن (3/ 213).

(8)

انظر المقتضب (1/ 181)، (3/ 289).

ص: 4481

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قد نفاه عن النحويين حيث قال: «إنما هو شيء قاله المفسرون، وإنه إنما يرجع في ذلك إلى أئمة النحو واللغة» .

والحقّ أن كون «هل» ترد بمعنى «قد» قول جماعة من رؤوس النحاة كالكسائي والفراء (1) والمبرد (2)، وأغرب الزمخشري (3) حيث زعم أن «هل» تكون أبدا بمعنى «قد» وأن الاستفهام إنما هو مستفاد من همزة مقدّرة معها، ثم إنه نسب القول بذلك إلى سيبويه، ولكن يبطل قول الزمخشري أنها لو كانت بمعنى «قد» لامتنع فيها أن تباشر الجمل الاسمية كما أن «قد» كذلك، ولما نقل عن ابن عباس (4) رضي الله [تعالى] عنهما وهو إمام المفسرين أن «هل» في قوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ (5) بمعنى «قد» قال بعض العلماء: إن الاستفهام في الآية الشريفة للتقرير وليس باستفهام حقيقي، فلما كانت للتقرير فسّرت بـ «قد» لأنها للتحقيق فهي تلاقيها في المعنى، لكن قال الشيخ في شرحه (6):«والهمزة أقوى في جميع التصرفات ولذلك استعملت في التقرير دون هل على ما ذكر سيبويه (7)، وتنقل النفي إلى الإثبات [مع] ثلاث أدوات وهي: لم وما وليس، وتفيد ما تفيد من المعاني كالإنكار والتعجب والتوبيخ وغيرها» .

(1) انظر معاني القرآن (3/ 213).

(2)

انظر المقتضب (1/ 181)، (3/ 289).

(3)

قال في المفصل (ص 319): «وعند سيبويه أن هل بمعنى قد إلا أنهم تركوا الألف قبلها لأنها لا تقع إلا في الاستفهام» وقال ابن يعيش في شرح هذا (8/ 152): «هذا هو الظاهر من كلام سيبويه وذلك أنه قال عقيب الكلام على من وما: وكذلك هل إنما هي بمنزلة قد ولكنهم تركوا الألف إذ كانت هل إنما تقع في الاستفهام، كأنه يريد: أن أصل هل أن تكون بمعنى قد والاستفهام فيها بتقدير ألف الاستفهام كما كان كذلك في من ومتى وما الأصل: أمن وأمتى وأما، ولما كثر استعمالها في الاستفهام حذفت الألف للعلم بمكانها» ا. هـ كلام ابن يعيش، وانظر الكتاب لسيبويه (3/ 189).

(4)

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو العباس، حبر الأمة الصحابي الجليل. توفي سنة 68 هـ. انظر ترجمته في طبقات القراء (1/ 425).

(5)

سورة الإنسان: 1.

(6)

انظر التذييل (خ)(5/ 191).

(7)

قال في الكتاب (3/ 176): «ومما يدلك على أن ألف الاستفهام ليست بمنزلة هل أنك تقول للرجل: أطربا؟ وأنت تعلم أنه قد طرب، لتوبخه وتقرره، ولا تقول هذا بعد هل» .

ص: 4482