الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اسم الجمع واسم الجنس]
قال ابن مالك: (فإن كان كذلك فهو اسم جمع، أو اسم جنس لا جمع، خلافا للأخفش في «ركب»، ونحوه، وللفرّاء في كلّ ما له واحد موافق في أصل اللّفظ).
ــ
الأصل. قال الله تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (1) وقال تعالى: جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (2) انتهى.
القيد الثالث: ألا يمتاز ذلك الاسم من واحده بنزع ياء النسب أو تاء التأنيث، فعلى هذا لا يحكم على نحو: روم وترك بالجمعية لقولهم في واحده: روميّ وتركيّ؛ وكذا لا يحكم بالجمعية أيضا على نحو: بسر وتمر؛ لأن واحده بسرة وتمرة؛ لأن امتياز الأول من واحده إنما حصل بنزع ياء النسب منه، وامتياز الثاني إنما حصل بنزع تاء التأنيث:(وقوله: مع غلبة التذكير قيد في الثاني فقط، وهو الممتاز من واحده بنزع تاء التأنيث)، ومراده بذلك أن الذي يمتاز من واحده بنزع التاء إنما يحكم عليه بأنه اسم جنس إذا جاز فيه التذكير والتأنيث. ومقتضى كلام المصنف أن يكون التذكير غالبا، قال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (3) وقال تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (4)؛ فإن التزم تأنيثه حكم عليه بالجمعية؛ وذلك نحو: تخم وتهم؛ فإن مفرديهما: تخمة وتهمة، وهما جمعان؛ لأن العرب لم تقل إلّا: هذه تخم، وهي التهم؛ فالتزمت التأنيث، بخلاف الرّطب فإنه يذكر ويؤنث؛ ولذلك حكم سيبويه على هاتين الكلمتين بالجمعية أعني التخم والتهم (5).
قال ناظر الجيش: قد تقدمت الإشارة إلى ما هو الفارق بين الثلاثة - أعني الجمع واسم الجمع واسم الجنس - ولما كان بين الجمع عليهم واسم الجمع الذي له واحد من لفظه واسم الجنس اشتراك وافتراق، وذكر ما به الاشتراك، وهو دلالة كل منهما على أكثر من اثنين، ثم أشار إلى ما به الافتراق بأن ميز قسم الجمع عن القسمين -
(1) سورة القمر: 45.
(2)
سورة يس: 32. وانظر: التذييل (1/ 6) (أ).
(3)
سورة الحاقة: 7.
(4)
سورة القمر: 20.
(5)
قال سيبويه (3/ 583): (الفعلة) تكسّر على (فعل) إن لم تجمع بالتاء، نحو: تخمة، وتخم، وتهمة، وتهم، وليس كرطبة ورطب، ألا ترى أن الرطب مذكر كالبرّ، والتمر وهذا مؤنث كالظّلم.
والغرف. وانظر شرح الشافية (4/ 1884).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الآخرين بثلاثة قيود، وهي: عدم مخالفة وزنه الأوزان المذكورة للجمع، وعدم مساواته الواحد في الخبر والوصف والنسب إليه وعدم امتيازه من واحده، بنزع ياء النسب أو تاء التأنيث مع غلبة التذكير، نبّه الآن على أن هذه الأمور الثلاثة، إذا انتفت عن الاسم أو انتفى شيء منها لا يحكم على ذلك الاسم بكونه جمعا؛ بل يتعين الحكم عليه بأنه اسم جمع أو اسم جنس على ما تبين، ولا شك أنه متى انتفى القيد الأخير من الثلاثة، وهو عدم الامتياز من الواحد بما ذكره كانت تلك الكلمة اسم جنس، ويلزم من انتفائه انتفاء القيدين الأولين، وهما عدم المخالفة وعدم المساواة؛ لأن وزن اسم الجنس يخالف أوزان الجمع ويساوي الواحد، فصار القيد الأخير هو الضابط؛ لتمييز اسم الجنس من اسم الجمع الذي له واحد من لفظه، ومتى انتفى القيدان الأولان دون الأخير كانت الكلمة اسم جمع، إذا تقرر هذا، فاسم الإشارة في قول المصنف: فإن كان كذلك، مشار به إلى نفي القيود الثلاثة التي ذكرها للجمع؛ ولكن قد علمت أنه لا يكون اسم جمع إلّا إذا انتفى القيدان الأوّلان دون الأخير؛ وأنه لا يكون اسم جنس إلّا إذا انتفى الأخير، وقد تقدم أنه يلزم من انتفائه انتقاء الأولين؛ فكأن كلامه انطوى على ما يشبه اللف والنشر، واتكل في فهم المراد على وضوح الأمر في ذلك وشهرته، وقد صرح في شرح الكافية (1) بما يدل على أن مراده باسم الجمع واسم الجنس ما ذكرته، ثم أشار المصنف بقوله: لا جمع إلى آخر كلامه، إلى أمرين: أحدهما: أن الأخفش يدعي أن نحو: صحب وركب وطير، جموع (2)؛ وكأنه لا يرى أن اسم الجمع يكون له واحد من لفظه؛ وإنما اسم الجمع عنده هو ما ليس له واحد من لفظه، كقوم ورهط وعلى هذا يكون ما دل على أكثر من اثنين، وله واحد من لفظه منحصرا عنده في الجمع واسم الجنس؛ والحق أن هذه الكلمات وما شاكلها أسماء جموع؛ لأن العرب عاملتها معاملة المفرد في ما تقدم من الأمور الثلاثة؛ ولأنها إذا صغرت، صغرت على -
(1) قال ابن مالك في شرح الكافية (4/ 1884): (كل ما دل على جمع، وليس له واحد من لفظه فهو اسم جمع، أو اسم جنس ما لم يكن على وزن مختص بالجموع، كأبابيل؛ فإنه جمع لواحد مهمل. وما له واحد من لفظه، ولم يكن على وزن من الأوزان التي تقدم ذكرها. فليس بجمع - أيضا - بل هو اسم جمع أو اسم جنس، فإن كان واحده بالتاء أو بياء، كياء النسب فهو اسم جنس، كحدأ وحدأة ومجوس ومجوسي).
(2)
ينظر: ابن يعيش (5/ 77)، والرضي (2/ 203)، والأشموني (4/ 155).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لفظها (1) ولا ترد إلى الواحد، ولو كانت جموعا لكانت الكثرة وجموع للكثرة لا تصغّر بل يصغّر واحدها، ثم يجمع على ما أحكم في باب التصغير.
الأمر الثاني: أن الفراء يدعي الجمعية في كل ما له واحد يوافقه في أصل اللفظ، ومقتضي هذا أن الفراء يوافق مذهبه مذهب الأخفش في أن نحو: ركب وصحب جمع، ويزيد عليه (أنه) يرى أن نحو: بسر وغمام جمع أيضا، فعلى هذا يكون ما دل أكثر من اثنين وله واحد من لفظه منحصرا عنده في الجمع (2) [6/ 77] خاصة لأنه يطلق الجمع على نحو: صحب وركب وبسر وغمام، كما يطلقه على نحو: رجال، ثم إن الشيخ اقتصر في شرح كلام المصنف وتبين مذهب الفراء على بسر وغمام (3) فقط، وعبارة المصنف تقتضي التعميم، ثم إن مذهب الفراء مردود بما رد به مذهب الأخفش، وقد قال الله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (4) وكَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (5)، واعلم أن الإمام بدر الدين ولد المصنف - رحمهما الله تعالى - جعل التمييز بين الثلاثة - أعني الجمع واسم الجمع واسم الجنس - بأمر معنوي ذكر ذلك في شرح الألفية، فقال: الاسم الدال على أكثر من اثنين، على ثلاثة أضرب: جمع واسم جمع واسم جنس؛ وذلك لأن الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل إما أن يكون موضوعا للآحاد المجتمعة دالّا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، وإما أن يكون موضوعا لمجموع الآحاد دالّا عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، وإما أن يكون موضوعا للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، إلّا أن الواحد ينتفي بنفيه؛ فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع سواء أكان له (واحد من لفظه) مستعمل، أم لم يكن، والموضوع لمجموع الآحاد هو اسم الجمع سواء أكان له واحد من لفظه أم لم يكن، والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور هو اسم الجنس (6). انتهى كلامه ويحتاج إلى إقامة دليل على أن العرب قصدت بوضع كل من الثلاثة ما أشار إليه، ثم عبارته نظر من وجوه، أما أولا: فلأن قوله في الجمع: إنه موضوع للآحاد المجتمعة، إما أن يريد به أنه وضع لها جملة، أو أنه وضع لكل فرد منها بقيد كونه -
(1) ينظر: الرضي (2/ 203)، والمساعد (3/ 391).
(2)
اللسان (2/ 797)، والمساعد (3/ 391)، وابن يعيش (5/ 73).
(3)
التذييل (6/ 2)(أ).
(4)
سورة الحاقة: 7.
(5)
سورة القمر: 20.
(6)
شرحه للألفية (ص 43، 44).