الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الباب السادس والستون باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك]
قال ابن مالك: (يستفهم بـ «كيف» عن الحال قبل ما يستغنى به، وعن الخبر قبل ما لا يستغنى به، ومعناها: على أيّ حال فلذا تسمّى ظرفا، وربّما صحبتها «على»، ولجوابها والبدل منها النّصب في الأوّل، والرّفع في الثّاني إن عدمت نواسخ الابتداء، وإلّا فالنّصب، ولا يجازى بها قياسا خلافا للكوفيّين).
قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (1): «من الأسماء المبنية: كيف، ويدل على اسميتها أمور كثيرة:
أحدها: انتفاء أن تكون حرفا للاكتفاء بها مع الاسم المنفرد نحو: كيف أنت؟
وانتفاء أن تكون فعلا لدخولها على الأفعال واتصالها بها نحو: كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ * (2) والفعل لا يدخل على الفعل إلا مفصولا عنه في النية بضمير الفاعل المستكن كما في قولهم: إن تقم أقم، فلما انتفى أن تكون حرفا وأن تكون فعلا تعيّن أن تكون اسما.
الثاني: جواز إبدال الاسم منها كما في قولك: كيف زيد أفارغ أم مشغول؟
وكيف سرت أراكبا أم ماشيا؟ فلولا أن «كيف» اسم لما أبدل منها الاسم.
الثالث: دخول حرف الجر عليها في قول بعضهم: على كيف تبيع الأحمرين (3)؟
وهي اسم مبني لشبهها بالحرف في المعنى لتضمنها معنى همزة الاستفهام بدليل وجوب اقتران الهمزة بالبدل منها نحو: كيف زيد صحيح أم سقيم؟، وبنيت على حركة فرارا من التقاء الساكنين، وكانت الحركة فتحة؛ لأنها أخف والنطق بها بعد «الياء» الساكنة أسهل.
ومعنى «كيف» الاستفهام عن وصف منكور لموصوف بعده مذكور، ولذلك -
(1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 104) تحقيق د/ عبد الرحمن السيد د/ محمد بدوي المختون.
(2)
سورة الفجر: 6، سورة الفيل:1.
(3)
انظر المغني (ص 205) والأحمران: اللحم والخمر. انظر اللسان (حمر).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يدل منها، ولا يجاب إلا بصفة نكرة، فيجب أن تكون عامة لجميع أحوال الموصوف حتى يصح أن يجاب ببعضها، ولذلك تسمى: اسم استفهام عن الحال، وقيل: معناها: على أيّ حال؟ فتسمى ظرفا لأنها في تأويل جار ومجرور، كما أن الظرف في تأويل جار ومجرور، ولا شك في صحة تقدير: على أيّ حال؟ مكان «كيف» . وأن قولك: كيف زيد؟ في معنى: على أيّ حال زيد؟ ولكن ليس ذلك لأن «كيف» موضوعة لذلك المعنى، بل لأن معناها راجع إليه بنوع من اللزوم، ويدل على ذلك أمران:
أحدهما: أنه كما يصح تقدير: على أي حال؟ مكان «كيف» كذلك يصح تقدير وصف مجرد من حرف جر مكانها، فيجوز أن تأتي بدل «كيف» من نحو:
كيف أنت؟ بـ «أقائم» وشبهه، فتقول: أقائم أنت أم غير قائم؟ فيفيد بذلك ما يفيده: كيف أنت؟ فيجب أن تكون حقيقة
في الاستفهام عن الحال، لأن كونها ظرفا يستلزم لكثرة التضمين ولتقدير الاستقرار، وكلاهما على خلاف الأصل.
الثاني: أن البدل من «كيف» إما منصوب نحو: كيف سرت أراكبا أم ماشيا؟
وإما مرفوع نحو: كيف زيد أصحيح أم سقيم؟ ولو كانت ظرفا لما كان البدل [5/ 187] منها إلا مجرورا بمثل ما تضمنته، فكان يجب أن يقال: كيف سرت أعلى ركوب أم على مشي؟ وكيف زيد أعلى صحة أم على سقم؟ كما يجب أن يقال: أين كنت أفي الدار أم في المسجد؟ فلما لم يجب أن يقال ذلك بل أبدلوا منها بدون حرف جر علم أنها ليست ظرفا.
ول «كيف» صدر الكلام كغيرها من أدوات الاستفهام، ولا تخرج في الاستعمال عن أن تكون في موضع نصب على الحال، أو خبر مبتدأ في الحال أو الأصل إلا ما شذ من نحو جرها بـ «على» في قول بعضهم: على كيف تبيع الأحمرين؟ فإذا وقعت «كيف» قبل كلام تام مستغن عنها كانت في موضع نصب على الحال؛ لأنها في تأويل صفة نكرة متقدمة على موصوفها، والصفة المتقدمة على الموصوف لا يجوز أن تكون نعتا له؛ لأن النعت تابع فلا يتقدم على المتبوع، بل يجب فيها أحد أمرين: إما أن تجعل حالا من الموصوف، وإنما أن تقام مقامه ويجعل هو بدلا منها، فلم يجز في «كيف» أن تقام مقام الموصوف؛ لأنها في تأويل صفة نكرة، -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والصفة النكرة يقبح فيها ذلك، فوجب أن تكون حالا، ولذلك يبدل منها ويجاب بالنصب تقول: كيف سار زيد أراكبا أم ماشيا؟ ويقال: كيف جئت؟ فتقول:
مسرعا بالنصب لا غير، لأن البدل من الحال حال، والحال لا تكون إلا منصوبة.
وإذا وقعت «كيف» قبل ما لم يتم كلاما كانت خبرا مقدما وما بعدها مخبر عنه، لأنه لا يجوز أن تكون ملغاة؛ لأنه قد حصلت بها الفائدة وتم بها الكلام، ولا يجوز أن تكون هي المخبر عنه وما بعدها الخبر؛ لأنها في تأويل صفة نكرة فيقبح جعلها اسما مخبرا عنه بما بعده، فوجب أن تكون خبرا مقدما في موضع رفع إن عدمت نواسخ الابتداء، ولذلك يبدل منها ويجاب بالرفع نحو: كيف زيد أفارغ أم مشغول؟ وإن وجدت نواسخ الابتداء فهي في موضع نصب خبرا قبل «كان» أو إحدى أخواتها، ومفعولا ثانيا قبل «ظن» أو إحدى أخواتها، ولذلك يبدل منها ويجاب بالنصب نحو: كيف كان زيد أصحيحا أم سقيما؟ وكيف رأيت عمرا أشاعرا أم فقيها؟ وقد تقدم الكلام على المجازاة بها؛ فلا حاجة إلى إعادته» انتهى كلامه (1) رحمه الله تعالى، وهو من حر الكلام وخالصه ومستغنى به عن غيره.
ووقع لابن عصفور (2) في «كيف» خبط، وقد أورد الشيخ في شرحه (3) عن المغاربة كابن عصفور وابن هشام (4) وابن الضائع وغيرهم مما لا يتحصل منه طائل، فأضربت عن إيراده، إذ فيما ذكره المصنف وابنه مقنع، في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل.
وإذا علم أن دخول حرف الجر على «كيف» شاذّ نادر (5) وجب أن لا تكون «كيف» من قوله تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (6) بدلا من «الإبل» وإن كانت «إلى» قد دخلت عليها في قولهم: انظر إلى كيف تصنع؟
لأن ذلك إن ثبت عن عربي فهو في غاية الندور غير معتد به، ولأن «إلى» متعلقة بكلمة «ينظرون» والعامل في البدل هو العامل في المبدل منه، فيلزم كون العامل في الاستفهام متقدما عليه، بل «كيف» منصوبة على الحال والعامل «خلقت» وقد -
(1) انظر شرح التسهيل: (4/ 106).
(2)
انظر شرح الجمل (2/ 196) تحقيق أبو جناح.
(3)
انظر التذييل.
(4)
أي الخضراوي صاحب الإفصاح.
(5)
انظر التذييل، والمغني (ص 207).
(6)
سورة الغاشية: 17.