المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض] - تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد - جـ ٩

[ناظر الجيش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الخامس والستون باب عوامل الجزم

- ‌[الأدوات التي تجزم فعلين]

- ‌[ما تقتضيه أدوات الشرط التي تجزم فعلين]

- ‌[العامل في الجواب]

- ‌[الجزم بإذا حملا على غيرها وإهمال غيرها حملا عليها]

- ‌[حكم تقديم معمول الشرط أو الجواب عليهما]

- ‌[نيابة إذا الفجائية عن الفاء]

- ‌[أحكام في تقديم جواب الشرط على الأداة]

- ‌[حذف الشرط أو الجواب أو هما معا]

- ‌[حكم اجتماع الشرط والقسم وحديث طويل في ذلك]

- ‌[الأوجه الجائزة في المضارع المعطوف على الشرط]

- ‌[اتصال «ما» الزائدة ببعض أدوات الشرط]

- ‌[صور فعلي الشرط والجواب]

- ‌[حكم الشرط إذا حذف الجواب]

- ‌[اختصاص أدوات الشرط بالمستقبل]

- ‌[لو الشرطية معناها وما تختص به]

- ‌[أحوال جواب لو]

- ‌[لمّا ومعانيها]

- ‌[الباب السادس والستون باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك]

- ‌[قد ومعانيها وإعرابها]

- ‌[حديث عن هل والهمزة الاستفهاميتين]

- ‌[حروف التحضيض وأحكامها وما تختص به]

- ‌[حديث عن ها ويا وألا وأما]

- ‌[حروف الجواب: سردها وأحكامها]

- ‌[كلّا وحديث عنها]

- ‌[أمّا وحديث عنها]

- ‌[أحكام أخرى لأما]

- ‌[أقل رجل يقول ذلك وأحكام هذه الجملة]

- ‌[قلّما وقليل وحديث عنهما]

- ‌[سرد لبعض الأفعال الجامدة]

- ‌[حديث عن بقية الأفعال الجامدة]

- ‌الباب السابع والستون باب الحكاية

- ‌[الحكاية بأي وبمن]

- ‌[العلم وأحكامه عند حكايته]

- ‌[مسائل خمس في باب الحكاية]

- ‌[حكاية التمييز]

- ‌[حكاية المفرد المنسوب إليه حكم للفظه]

- ‌[حكم حكاية السؤال بالهمزة]

- ‌[إلحاق حرف مد آخر المحكي]

- ‌الباب الثامن والستون باب الإخبار

- ‌[شروط الاسم المخبر عنه]

- ‌[الإخبار عن الاسم بالذي وفروعه وبالألف واللام]

- ‌[تقديم الموصول وذي الألف واللام مبتدأين]

- ‌[تقديم خبر كان مبتدا]

- ‌[حديث طويل عن الإخبار في الجملة المتنازع فيها]

- ‌الباب التاسع والستون باب التّذكير والتّأنيث

- ‌[علامة التأنيث - حكم ما لم تظهر فيها العلامة]

- ‌[مواضع تاء التأنيث]

- ‌[من أحكام تاء التأنيث]

- ‌[حكم الصفات المختصة بالإناث]

- ‌[الصفات التي لا تلحقها التاء]

- ‌[حكم فعيل بمعنى مفعول - تذكير المؤنث وعكسه]

- ‌الباب السبعون باب ألفي التّأنيث

- ‌[أوزان الألف المقصورة]

- ‌[أوزان الألف الممدودة]

- ‌[الأوزان المشتركة]

- ‌الباب الحادي والسبعون باب المقصور والممدود

- ‌[ما يعرف به المقصور والممدود القياس وغيره]

- ‌الباب الثاني والسبعون باب التقاء الساكنين

- ‌[تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض]

- ‌[أحوال نون من وعن ولكن]

- ‌[فك التضعيف في المجزوم والمبني]

- ‌الباب الثالث والسبعون باب النّسب

- ‌[حرف إعراب المنسوب إليه وما يحذف لياء النسب]

- ‌[النسب لما آخره ألفه أو ياء]

- ‌[ما يحذف قبل الآخر لأجل النسب]

- ‌[النسب إلى المركب]

- ‌[النسب إلى فعيلة وفعيلة وفعولة]

- ‌[النّسب إلى الثلاثي المكسور العين]

- ‌[النسب إلى الثنائي]

- ‌[النسب لما آخره ياء، أو واو قبلها ألف]

- ‌[النسب إلى أخت ونظائرها]

- ‌[النسب إلى فم وابنم]

- ‌[النسب إلى الجمع]

- ‌[فتح عين تمرات، وأرضين ونحوهما]

- ‌[شواذ النسب]

- ‌[استعمالات ياء النسب والنسب بدونها]

- ‌الباب الرابع والسبعون باب جمع التكسير

- ‌[الجمع واسم الجمع واسم الجنس

- ‌[اسم الجمع واسم الجنس]

- ‌[الفرق بين الجمع واسم الجمع]

- ‌[أوزان جمع القلة]

- ‌[الاستغناء ببعض أبنية القلة عن بعض أبنية الكثرة والعكس]

- ‌[ما يرد في التكسير وإغناء التصحيح عن التكسير]

- ‌[جمع أفعل]

- ‌[ما يجمع على أفعال]

- ‌[ما يجمع على أفعلة]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بضم شكوك]

- ‌[من جموع الكثرة: فعل بضمتين]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بضم فسكون]

- ‌[من جموع الكثرة فعل بكسر ففتح]

- ‌[من جموع الكثرة فعال بكسر أوله]

- ‌[ما يحفظ فيه فعال بالكسر]

- ‌[ما يشارك فيه فعول بالضم فعالا بالفتح]

- ‌[ما ينفرد فيه فعول عن فعال]

- ‌[من جموع الكثرة فعّل بالضم والتشديد]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة بفتح الفاء والعين]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة بضم ففتح]

- ‌[من جموع الكثرة فعلة كقردة]

- ‌[من جموع الكثرة فعلى كقتلى]

- ‌[من جموع الكثرة: فعلى]

- ‌[من جموع الكثرة فعلاء كشعراء]

- ‌[من جموع الكثرة فعلان كغلمان]

- ‌[ما يجمع على فعلان كقضبان]

- ‌[من جموع الكثرة فواعل كفوارس]

- ‌[من جموع الكثرة فعالى بالفتح وفعالى بالضم]

- ‌[من جموع الكثرة فعالي كأناسي]

- ‌[من جموع الكثرة فعائل كقبائل]

- ‌[ما بقي من أوزان الجمع]

- ‌[عدم فك المضعف اللّام في الجمع على مفاعل]

- ‌[عدم حذف الزائد إذا كان لينا زائدا في جمع الخماسي]

- ‌[ما يحذف من الزوائد في الجمع]

- ‌[ما يحذف من الخماسي عند الجمع]

- ‌[حذف الزائد عن الأربعة عند الجمع]

- ‌[التعويض عن المحذوف للجمع]

- ‌[جواز المماثلة بين بعض الأوزان]

- ‌[أسماء الجمع: تعريفا وأنواعا وأوزانا]

- ‌[كيفية جمع العلم المرتجل والمنقول]

- ‌[أحكام الجمع العلم]

- ‌[حكم تثنية المركب وجمعه]

- ‌[حكم تثنية المضاف وجمعه]

- ‌[حكم جمع المضاف والمضاف إليه]

- ‌[حكم تثنية وجمع اسم الجمع والتكسير]

الفصل: ‌[تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض]

‌الباب الثاني والسبعون باب التقاء الساكنين

(1)

[تقدير التقاء ساكنين في الوصل المحض]

قال ابن مالك: (لا يلتقي ساكنان في الوصل المحض إلّا وأوّلهما حرف لين وثانيهما مدغم متّصل لفظا أو حكما، وربما فرّ من ذلك بجعل همزة مفتوحة بدل الألف، فإن لم يكن الثاني مدغما متصلا حذف الأول إن كان ممدودا أو نون توكيد خفيفة أو نون «لدن» غالبا، فإن كان غيرهن حرّك، إلّا أن يكون الثّاني آخر كلمة فيحرّك هو ما لم يكن تنوينا فيحرّك الأول، وربّما حذف الأول إن كان تنوينا، أو أثبت إن كان ألفا، ويتعين الإثبات إن أوثر الإبدال على التّسهيل في نحو: الغلام فعل؟ وربّما ثبت الممدود قبل المدغم المنفصل وقبل الساكن العارض تحريكه، وأصل ما حرّك منهما الكسر، ويعدل عنه تخفيفا، أو جبرا أو إتباعا، أو ردّا للأصل، أو تجنّبا للبس أو حملا على نظير، أو إيثارا للتجانس).

- وأما الرّجز، فقالوا: لا نعرف قائله، ولا يخفى بعد هذا التخريج، وأما الرجز، فإن جهل قوم قائله فقد لا يجهله آخرون، والظاهر العمل بقول الكوفيين، كما اختار المصنف، ولا شك أن الشعر يجوز فيه ارتكاب ما هو أشد من هذا، وقد عرفت قول المصنف: أن مد المقصور شبه بمنع الصرف للمنصرف، وهذا كاف في إثبات المقصور.

قال ناظر الجيش: الكلام على هذا الباب يرجع إلى أربعة مقاصد: ما يغتفر فيه باب التقاء الساكنين، وما يجب فيه حذف أول الساكنين، وما يحرّك فيه أحد الساكنين؛ إما الأول، وإما الثاني، وإما الحركة التي يحرك بها الساكن، وقد بدأ المصنف بذكر المقصد الأول، وثنى بذكر الثاني، وثلّث بذكر الثالث، وربّع بذكر الرابع، أما اغتفار باب التقاء الساكنين، فيكون في مواضع أربعة:

أحدها: الوقف، وسواء أكان الساكن الأول حرفا صحيحا أم حرف علّة، -

(1) ينظر في هذا الباب: الهمع (2/ 198، 200)، والتكملة (ص 5 - 13)، وابن يعيش (9/ 120، 131)، والمقرب (2/ 18)، والرضي على الشافية (2/ 210)، والجاربردي (1/ 150) وما بعدها، وشرح الكافية (4/ 2002).

ص: 4653

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نحو: بحر، وعمر، وقفل، وبرد، وورفد وجبر وثريد ورحوم ومختار. وإنما كان ذلك مغتفرا لإمكانه.

ثانيها: ما كان الساكن الثاني فيه مدغما والساكن الأول حرف لين، وكان الساكن واللين في كلمة واحدة نحو: دابّة ودويبة وحوج زيد، وإنما جاز ذلك لما في المد (من التمكن من النطق بالساكن بعده، إما إذا كان المدغم في كلمة وحرف المد في كلمة أخرى، فإنه يجب حذف حرف المد، نحو: قالوا: ادّار أنا (1) وقالا:

ادّارأنا، وقولي ادّارأنا، فلم يغتفر باب التقاء الساكنين في مثل ذلك.

قالوا: والسر فيه أن حرف اللين لما كان آخر كلمة كان محلّا للتغير، فاغتفر حذفه لذلك بخلاف الوسط.

ثالثها: ما كان من الكلمات التي قبل آخرها حرف لين، وذكرت دون تركيب فإن باب التقاء الساكنين مغتفر في مثلها وصلا كما أنه يغتفر وقفا، نحو قولك:

تواب، غفور، رحيم، وعلى هذا ما جاء من الكلمات المفردة في فواتح السور الشريفة، وهو نحو:(لام ميم)(2)، (قاف عين)(3)، أما التقاؤهما في الوقف فقد علم أن ذلك جائز في ما قبل آخره حرف صحيح، فكيف في ما قبل آخره حرف لين، وأما التقاؤهما في الوصل فذكر في تعليله أنهم كأنهم قصدوا إلى الفرق بين ما بني لوجود المانع وبين ما بني لعدم المقتضي يعني أن المقتضي للإعراب إنّما هو التركيب فالكلمة بعد وجود التركيب، كأين وكيف من قولنا: أين زيد وكيف عمرو قد وجد فيها المقتضي للإعراب وهو التركيب ولكن وجد فيها مانع منه وهو شبه الحرف، فناسب بناءها على حركة، وأما الكلمة قبل أن تركب مع كلمة -

(1) قال الجاربردي (1/ 151): (وقوله في كلمة احتزار عما يكونان في كلمتين، نحو: قالوا ادّار أنا، فإنّه يحذف الساكن الأول لما سيجيء وأصله تدارأنا، أي اختلف وتدافعنا، فأدغمت التاء في الدال واجتلب الألف؛ ليصح الابتداء بها وكذا: قالا ادّرأنا).

(2)

من قوله تعالى: الم آية البقرة.

(3)

قال الرضي في شرح قول ابن الحاجب في المواضع التي يغتفر فيها باب التقاء الساكنين: (وفي نحو: ميم وقاف وعين مما بني لعدم التركيب، وقفا ووصلا، وإنّما كانت هذه الأسماء كذلك، لأن الواضع وضعها لتعلّم بها الصبيان، أو من يجري مجراهم من الجهال صور مفردات

حروف الهجاء، فسمى كل واحد منها باسم أوّله ذلك الحرف، حتى يقول الصبي: ألف مثلا، ويقف هنيهة قدر ما يميزها عن غيرها، ثم يقول: با وهكذا إلى الآخر، فلا ترى ساكنين ملتقيين في هذه الأسماء إلا وأولهما حرف لين، نحو: جيم دال نون، وكذا الأصوات، نحو: قوس، وطيخ الوقف فيها وضعي؛ لأنها لم توضع لقصد التركيب) الرضي على الشافية (2/ 215).

ص: 4654

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أخرى فلم يكن فيها مقتضى للإعراب وهو التركيب، فاستمرت على ما وضعت عليه من السكون، ولا شك أن هذا تعليل حسن لكن إنما يتم على قول من يقول: أن الكلمة قبل التركيب محكوم عليه بالبناء، أما من لا يقول ببنائها فيحتاج إلى ذكر العلة في جواز باب التقاء الساكنين فيها وصلا، وقد قيل: إن السكون في مثل ذلك للوقف كأنهم يعنون أنه بنيّة الوقف يريدون أن المتكلم نوى الوقف فسكن لأجله ثم أجري الوصل مجرى الوقف.

رابعها: كل كلمة أولها همزة وصل مفتوحة ودخلت عليها همزة الاستفهام، وذلك فيما فيه لام التعريف مطلقا، وفي: آيمن الله، وآيم الله خاصة؛ إذ لا ألف وصل مفتوحة في غير ذلك، والسبب في الإبقاء أن همزة الوصل في مثل ذلك لو حذفت التبس الاستخبار بالخبر فأبدلت ألفا والتقت مع الساكن الذي بعدها، وقد تسهل الهمزة بين بين، كما سيذكر بعد إن شاء الله تعالى.

إذا تقرر هذا فلنرجع إلى لفظ الكتاب، فنقول: أما قوله: لا يلتقي ساكنان في الوصل، فيفهم منه أن الساكنين يجوز أن يلتقيا في الوقف مطلقا أي سواء كان الأول منهما حرف علة أم حرفا صحيحا وهذا أحد المواضع الأربعة من المقصد الأول. أما قوله: المحض، فيجوز أن يكون احترز به من الكلمات التي تذكر سردا، ويجمع فيها بين ساكنين، وذلك كما في فواتح السور الشريفة من نحو: الم (1)، حم * وعسق (2) فإنهم قد عللوا جواز باب التقاء الساكنين فيها كما تقدم بأن المتكلم بها ناو للوقف، فقد يقال: إذا كان المتكلم بها ناويا للوقف مع كونه واصلا، وصدق أن يقال في هذا الوصل: أنه ليس بمحض إذ لو كان محضا لما جاز فيه باب التقاء الساكنين، فإن ثبت أن مراده بالمحض ما قلته كان هذا منه إشارة - أيضا - إلى الموضع الثالث من المواضع الأربعة ويدل على أن مراده قوله في شرح الكافية: واكتفي بعد همزة الاستفهام بمدّ الأوّل، [6/ 51] نحو: آلغلام قام (3)، ثم قال: وكذلك اكتفي بمدّ الأول في (لام، ميم) ونحوهما؛ لأن الناطق بهم ناو للوقف (4)، وأما قوله: إلا وأوّلهما حرف لين، وثانيهما مدغم فهو ثاني المواضع الأربعة - أيضا -، وأراد بقوله: متصل لفظّا ما تقدمت الإشارة إليه من أن المدغم واللين قبله يكونان في كلمة واحدة، وأما قوله: أو حكما فقد مثّل له الشيخ، -

(1) سورة البقرة: 1.

(2)

سورة الشورى: 1، 2.

(3)

شرح الكافية الشافية (4/ 2005).

(4)

المرجع السابق.

ص: 4655

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بنحو: اضربنّ واضربنّ، قال: فهذا متصل في الحكم ولولا ذلك لقيل: اضربونّ، كما قيل: حوجّ زيد (1). انتهى. وأقول: إن هذا التمثيل يعطي خلاف ما أراده المصنف فإن مراده بقوله: متصل حكما أن المساكن الأول يبقى كما بقى مع المفصل لفظّا والساكن في: اضربنّ واضربنّ قد حذف فلم يلتق في المثالين المذكورين ساكنان، ومراد المصنف أن الساكنين اللذين أولهما حرف لين، والثاني منهما مدغم يلتقيان في ما حكمه حكم الكلمة الواحدة، ومقتضى ما قاله الشيخ أن يكون مراد المصنف أن نحو: اضربون واضربين جائز فيه اجتماع الساكنين، وإن كانت نون التوكيد كلمة أخرى غير الكلمة المشتملة على حرف اللين؛ لأنها وإن كانت منفصلة فهي في حكم المتصلة، ولا شك أن هذا ليس بمراده؛ لأن بقاء الواو والياء في مثل ذلك غير جائز. والشيخ نفسه قد صرح بأنه إنما يقال: اضربن واضربن بالحذف، ولا شك أن الحذف واجب؛ لأن النون - أعني نون التوكيد - وإن حذف لفظا فهو في حكم الملفوظ فيعد فاصلا بين الفعل وبينها ولهذا لما كان الساكن الأول قبلها غير حرف مدّ حرّك، فقيل: اخشون واخشين، ولو كان حكمهما حكم المتصل؛ لجاز اجتماع الساكنين.

كما في نحو: نصّة، نعم قد يسأل، فيقال: هذا الذي ذكر من أن نون التوكيد في حكم المنفصل إذا كان الفعل معها مسندا إلى ضمير بارز وهو الواو والياء، ولذلك يحذف الساكن الأول وهو الواو أو الياء، وإن كان حرف مدّ قبل مدغم؛ لأن ذلك ليس فيما حكمه حكم الكلمة الواحدة. كلام واضح لكن يشكل عليه إبقاء الألف في نحو: اضربانّ، وهل يضربانّ؛ إذ لا فرق بينها وبين الواو أو الياء فكان الواجب أن النون مع الألف يحكم لها بحكم المنفصل كما لها بذلك مع أختي الألف - أعني الواو والياء ولا شك أن هذا إشكال ظاهر؛ لأن الساكن في مثل ذلك - أعني أن يكون الأول حرف مد، والثاني مدغما - إنّما يغتفر إذا جمع الساكنين كلمة واحدة، ونون التوكيد مع الضمير البارز محكوم لها بحكم المنفصل، ولهذا حذفت الواو والياء من نحو: هل يضربن، وهل تضربن. وبعد فقد ذكروا أن الموجب؛ لإبقاء الألف إنما هو خفتها وشبهها قبل النون بالفتحة، فإن -

(1) التذييل (5/ 243)(أ).

ص: 4656

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثبت هذا التعليل كان كالجواب عن هذا الإشكال، ولو ضم إلى هذا التعليل أن يقال: ولو حذفت الألف؛ لالتبس المثنى بالواحد وحينئذ تكون العلة في الأصل، إنما هي الالتباس لكن ذلك ليس بمسوّغ للجمع بين الساكنين، فيقال: وإنما احتمل ذلك؛ لأن الألف لخفتها شبّهت قبل النون بالفتحة. وأما رابع من هذا المقصد - أعني الأول - فقد أخره المصنف، وسيشير إليه بقوله: ويتعين الإثبات إن أوثر الإبدال على التسهيل في نحو: آلغلام، وأما قوله: وربما فرّ من ذلك بجعل همزة مفتوحة بدل الألف، فيريد الفرار من أن يلتقي ساكنان، وذلك أن بعض العرب تبدل الساكن الأول - من الكلمة التي يلتقي فيها ساكنان أولهما ألف، والثاني مدغم - همزة مفتوحة قال في الكشاف: وقرأ أيوب السختياني (1) ولا الضآلين (2) بالهمز كما قرأ عمرو بن عبيد (3) ولا جأن (4) وهذه لغة من جد في الهرب من باب التقاء الساكنين. ومنها ما حكاه أبو زيد من قولهم: شأبّة ودأبّة (5). انتهى (6) وقد ورد ذلك في أبيات للعرب منها قول الشاعر:

4205 -

وللأرض أمّا سودها فتجلّلت

بياضا وأمّا بيضها فادهأمّت (7)

وقول الآخر: -

(1) تابعي من البصرة سيد فقهاء عصره ثقة من حفاظ الحديث. انظر: تهذيب التهذيب (1/ 397، 399).

(2)

فاتحة الكتاب: 7.

(3)

هو: عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري. روى الحروف عن الحسن البصري، وسمع عنه، وروي عنه الحروف بشار بن أيوب الناقد. توفي في ذي الحجة (144 هـ). طبقات ابن الجزري (1/ 602).

(4)

سورة الرحمن: 39.

(5)

قال البغدادي في شرح شواهد الشافية (ص 168)(وحكى أبو العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد أنه قال: سمعت عمرو بن عبيد يهمز (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جأن) فظننته قد لحن إلى أن سمعت العرب يقولون: شأبة ودأبة) وانظر الممتع (1/ 320) والرضي على الشافية (2/ 248)، وابن يعيش (9/ 130)، والخصائص (3/ 148).

(6)

الكشاف (1/ 73)، وانظر التبيان (1/ 11) والتذييل (5/ 243)(ب).

(7)

البيت من الطويل لكثير عزة. والشاهد فيه قوله: (فادهأمت) مهموز، وأصله ادهام بلا همز. وبعد الألف ميم مشددة، فاستنكر التقاء الساكنين فاعتزم تحريك الألف فقلبها همزة؛ لأنها حرف ضعيف لا يمكن تحريكه. وانظر: المحتسب (1/ 47، 312)، والهمع (2/ 199)، وابن

يعيش (10/ 12)، والدرر (2/ 230)، وديوانه (2/ 113).

ص: 4657

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

4206 -

راكدة مخلاته ومحلبه

وجلّه حتّى ابيأضّ ملببه (1)

وقول الآخر:

4207 -

وبعد انتهاض الشّيب من كلّ جانب

على لمّتي، حتّى اشعألّ بهيمها (2)

وقول المصنف: وربّما فرّ، يفهم منه أن ذلك قليل، ولا شك أن الأمر كذلك، وأما قوله: فإن لم يكن الثاني مدغما متصلا إلى قوله: غالبا، فهو إشارة منه إلى المقصد الثاني، وهو ما يجب فيه حذف الأول الساكنين.

وشمل قوله: فإن لم يكن الثاني مدغما متصلا، ما يكون الثاني فيه من الساكنين غير مدغم سواء كان ذلك في كلمة أم كلمتين، وما يكون الثاني فيه مدغما منفصلا ففي هذه المسائل الثلاث يحذف الساكن الأول إن كان ممدودا، كما قال: أو نون توكيد خفيفة أو نون لدن، مثال ما الساكن الثاني فيه غير مدغم، والساكنان في كلمة: خف، وبع وقل، ولم يخف، ولم يقل، ولم يبع، ومثال ذلك في كلمتين: يخشى القوم، ويغزو الجيش، ويرمي الغرض، ومثال ما لساكن الثاني فيه مدغم منفصل أي في كلمة أخرى قالوا: ادّارأنا، وقالا ادّارأناه، وقولي ادّارأنا وقد تقدمت الإشارة إلى العلة المقتضية إقرار الساكن الأول الذي هو لين فيما الساكن الثاني الذي هو مدغم إذا كآنا في كلمة واحدة، وحذفه إذا كانا في كلمتين، وفي الكتاب العزيز: وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3) وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ (4) وأَ فِي اللَّهِ شَكٌّ (5) وقد حذف الياء والألف من: إي الله لأفعلن، وهالله لأقومن (6) وهو القياس، وحكى إثباتهما على الشذوذ، ومثال نون التوكيد الخفيفة، قولك: اضرب الرّجل، أصله: اضربن، -

(1) رجز قاله ركين يصف فيه إكرامه لفرسه والملبب: موضع اللبّه وأبيأضّ يريد: بياضّ. وهو في النسختين (رائدة مخلاته) وقد صوبته من المصادر الآتية: سر الصناعة (1/ 83)، الخصائص (3/ 148)، وسمط اللآلي (ص 586، 587) والإبدال (ص 545) وشرح الشواهد الشافية (ص 170) والتذييل (5/ 243)(أ).

(2)

من الطويل ولم ينسبه أحد لقائل ويروى:

وبعد بياض الشّيب من كلّ جانب

علا لّمتي حتى اشعألّ بهيمها

والشعل: أصله البياض في ذنب الفرس، والمراد هنا البياض. أراد الشاعر أن يقول: اشعال كاحمارّ، فحرّك الألف لباب التقاء الساكنين،

فانقلبت همزة، وانظره في ابن يعيش (9/ 130) وشرح: شواهد الشافية (ص 169)، والممتع (1/ 321)، والمقرب (2/ 161).

(3)

سورة الإسراء: 53.

(4)

سورة التحريم: 10.

(5)

سورة إبراهيم: 10.

(6)

انظر الكتاب (1/ 293)، (2/ 145)، والمقتضب.

ص: 4658

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ومثال «لدن» قولك: ما رأيته من لد الصّباح، وحذف النون من لدن هو الكثير، وربما ثبتت، وكسرت للباب لالتقاء الساكنين، كقول الشاعر:

4208 -

تنهض الرّعدة في ظهيري

من لدن الظّهر إلى العصير (1)

وعن هذا احتراز المصنف بقوله: غالبا، ولولا أن نون التوكيد لا يجوز إقرارها، لجاز أن يرجع بقوله: غالبا إلى جميع ما ذكر قبله لثبوت: إي الله، وهالله، ثم هاهنا تنبيهان: أحدها: يدخل أيضا تحت قول المصنف: حذف الأول إن كان ممدودا، نحو: أتخشين يا امرأة، ونحو: ارمي، واغزوا، ونحو: ارمنّ واغزنّ؛ لأن الأصل في الأول: أتخشين، قلبت الياء التي هي لام الكلمة ألفا؛ لتحركها وانفتاح ما قبلها مع ياء الضمير، فحذفت لالتقاء الساكنين، وارمى [6/ 52] يا امرأة، أصله: ارمي، فسكنت الياء التي هي لام الكلمة استثقالا لكسرتها بعد كسرة على الأصل المطّرد، فالتقت مع ياء الضمير، فحذفت لالتقاء الساكنين، واغزوا أصله:

اعزووا، وهو في الواو مثل: ارمي في الياء، وارمنّ أصله: ارمينّ يا امرأة استثقلت الكسرة على الياء بعد الكسرة فسكنت وحذفت لالتقائها مع النون الساكنة بعدها.

ثانيها: أن الساكن الثاني في مثل ذلك إذا حرّك قد تكون حركته عارضة فلا يعتد بها فلا يرد الساكن الأول، وقد تكون حركته غير عارضة، فيلزم الاعتداد بها وحينئذ يرد الساكن الأول الذي كان قد حذف، فمثال ما لحركة فيه عارضة، قولك: خف الله، واخشوا الله، واخشي الله، واخشونّ، واخشينّ، وذلك أن الحركة في الأمثلة المذكورة إنّما أتي بها في نحو: خف الله من أجل الساكن بعدها، والساكن في كلمة أخرى، وذلك غير لازم فمن ثم لم يعتد بها، وكذلك الحركة في واو: اخشوا الله، وأما اخشونّ واخشينّ، فلأن نون التوكيد محكوم لها في المثالين بحكم الانفصال من أجل أنها جاءت بعد ضمير بارز، ومثال ما الحركة فيه غير عارضة: خافا، وخافوا؛ وذلك لأن

الحركة فيه كالأصلية لاتصال ما بعدها -

(1) رجز قال العيني (3/ 429): أقول قائله راجز من رجّاز طيّئ، لم أقف على اسمه ولم ينسبه السيوطي في الهمع، ولا الشنقيطي في الدرر، والرعدة: النّافض يكون من الفزع وغيره، وظهيرى:

تصغير ظهر، يعني يقوم على الارتعاد من عند الظهر إلى العصر.

والشاهد في: من لدن حيث ثبتت نون لدن وكسرت، فجاءت لدن معربة وهي لغة قيس. وانظر الهمع (1/ 215)، والدرر للشنقيطي (1/ 174).

ص: 4659

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالكلمة اتصال الجزء؛ لأن الفاعل كالجزء من الفعل، فلما اتصل بالفعل صارت الحركة لازمة لأجله، فمن ثمّ ردت الألف، وفي كلام أبي عمرو بن الحاجب التمثيل، بقوله:(خافنّ) فإن (1) كان خافن بضم الفاء أو بكسرها، فالألف إنما ثبتت لأجل حركة الفاء من أجل واو الضمير في خافنّ، أو من أجل يائه في خافن لأجل نون التوكيد إذ لو كان ثبوت الألف لأجل حركة الفاء من أجل النون لزم أن تثبت الألف في اخشونّ واخشينّ ولم تثبت، فتبين أنه لأجل الحركة للضمير كما هو في خافا وخافوا لأجل النون، وأما إن كان بفتح الفاء على أنه للمخاطب فيشكل، وذلك أنّ ردّ الألف يكون للاعتداد بحركة الفاء؛ لأجل النون، وقد تبين في: اخشون أنه لا اعتداد بحركة الواو؛ لأجل النون فينبغي أن يكون هذا كذلك لكن يقال: أن الفرق بينهما أن النون إنّما جعلت في: اخشون كالمنفصلة من حيث أن الواو - أعني واو الضمير - فاصلة بين الفعل وبينها، وكذلك في: اخشين، الياء فاصلة أيضا بخلاف: خافنّ فإن النون باشرت الفعل نفسه فاعتد بحركة الفاء؛ لأجل النون فرد الساكن الذي كان قد حذف، فالحاصل أن كل فعل جاءت النون فيه بعد ضمير بارز كان حكم النون معه حكم المنفصل، وكل فعل ليس معه ضمير بارز حكم النون فيه حكم المتصل؛ لأن الضمير البارز يجعل كالحاجز بين الفعل والنون وما خلا الألف فإنها لم تجعل كالحاجز لما تقدم من أن الألف في نحو:

اضربان، وهل يضربان لا يجوز حذفها، ومما يدل على اعتبار النون وجعلها كالجزء إذا باشرت دون ما إذا لم تباشر، أنّ الفعل المضارع في المذهب الصحيح إذا أكّد بالنون لا يبنى إلا إذا كانت مباشرة له، وأما قوله: فإن كان غيرهنّ حرّك

إلى قوله: فيحرك الأول، فهو إشارة إلى المقصد الثالث وهو ما يحرك فيه أحد الساكنين. والحاصل أن الساكن الأول إذا كان غير ممدود وغير نون توكيد خفيفة وغير نون: لدن يحرك، فدخل في ذلك الساكن الصحيح، نحو: اذهب اذهب (2) والم (1) اللَّهُ (3)، والساكن الذي هو لين، نحو قولك: اخشوا الله واخشي -

(1) انظر الرضي (2/ 228).

(2)

قال ابن يعيش (9/ 124): وقالوا: (اذهب اذهب) فكسروا الباء لسكونها وسكون الذال بعدها؛ لأن همزة الوصل تسقط في الوصل. وانظر الكتاب (2/ 275).

(3)

سورة آل عمران: 1، 2.

ص: 4660

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الله، والتنوين داخل تحت قولنا: الساكن الصحيح، نحو: أكرم زيد العالم، هذا كله إذا لم يكن الساكن الثاني آخر كلمة، فإن كان الثاني من الساكنين آخر كلمة حرّك هو الأوّل، نحو: كيف، وأمس وحيث، نعم إن كان الساكن الثاني في مثل ذلك تنوينا حرّك الأول، نحو: إيه وصه وحينئذ ويومئذ؛ لأن ذال «إذا» ساكنة والتقت مع التنوين المأتي به عوضا، ومما يحرك فيه الساكن الثاني دون الأوّل، ما سكن الأول فيه تخفيفا، نحو: انطلق ولم يلده (1)، وضابطه كل موضع سكن الأول فيه الغرض التخفيف، وهو معه في كلمة فيه الثاني؛ لأنهم لو حرّكوا الأول؛ لصاروا إلى ما فروا منه، وذلك كما انطلق، ولم يلده، فإن أصل انطلق:(2) انطلق سكنت اللام تخفيفا كما سكن، نحو: كيف فالتقى ساكنان هي والقاف فحركت القاف، وكذلك: لم يلده، وأشار بقوله: وربّما حذف الأوّل إن كان تنوينا إلى قراءة من قرأ (3)«قل هو الله أحد الله الصمد» (4) بحذف التنوين، وإلى قراءة من قرأ «ولا الليل سابق النهار» (5) وورد ذلك في الشعر كثير منه قول القائل:

4209 -

عمرو الّذي هشم الثّريد لقومه

ورجال مكّة مسنتون عجاف (6)

وأشار بقوله: أو أثبت إن كان ألفا (7)

إلى قول من قال: (التقت حلقتا -

(1) ينظر الكتاب (2/ 266)(4/ 115)، والمقتضب (3/ 169)، والرضي (2/ 228) وابن يعيش (9/ 126 - 127) والخصائص (2/ 333).

(2)

قال الجاربردي (1/ 158)(وأصل: انطلق انطلق بكسر اللام وسكون القاف فاشبهوا: طّلق بكتف فسكّنوا لامه، فالتقى ساكنان فحركوا القاف وفتحوها اتباعا لحركة أقرب المتحركان إليها وهي فتحة الطاء، ولأنهم لو كسروا لزم مافر منه في الساكن الأول وهو الكسر).

(3)

قال ابن جماعة (1/ 156): «وجاء أيضا حذف الألف تنوينا، كما روى عن أبي عمرو «أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ» بحذف التنوين، وبه قرأ أيضا شاذّا إبان بن عثمان، وزيد بن علي، وأبو السمال وغيرهم وقرأ عمارة بن عقيل، كما رواه عنه المبرد وغيره «ولا الليل سابق النهار» بحذف التنوين، ونصب النهار. وانظر التذييل (5/ 243) ب.

(4)

سورة الإخلاص: 1، 2.

(5)

سورة يس: 40.

(6)

من الكامل قاله عبد الله بن الزّبعرى، يقال: رجل سنت: قليل الخير وأسنتوا فهم مسنتون:

أصابتهم سنة وقحط وأجدبوا العجف ذهاب السمنة. وانظره في اللسان (سنت) وسيرة ابن هشام (ص 87)، نوادر أبي زيد (ص 167) والكامل (1/ 148) والمقتضب (2/ 311).

(7)

علل ابن جني - في الخصائص (1/ 93) - الجواز إثبات الألف بقوله: (وقولهم: «التقت حلقتا البطان» بإثبات الألف ساكنة في اللفظ قبل اللام، وكأن ذلك إنّما جاز في هاهنا لمضارعة اللام النون - في اضربان - ألا ترى أن في مقطع اللام غنّة كالنون).

ص: 4661

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البطان) (1) بإثبات الألف، ومن ذلك ما تقدم لنا ذكره وهو قولهم في القسم:

(إي الله وها الله) بإثبات الياء وإثبات الألف، ولكن ينبغي أن يعلم أن حذف التنوين قد ورد منه ما ورد نثرا ونظما، وأما إثبات الألف أو الياء فشاذ نادر، وأما قوله: ويتعين الإثبات إن أوثر الإبدال على التسهيل، فهو إشارة منه إلى رابع المواضع من المقصد الأول الذي تقدم لنا أنه سيشير إليه، وهو ما كان أول الكلمة فيه همزة وصل مفتوحة قد تقدمها همزة الاستفهام، وقد تقدم أن هذا يكون فيما فيه لام التعريف مطلقا وفي آيمن الله، وآيم الله خاصة؛ إذ لا ألف وصل مفتوحة في غير ذلك، وقد عرفت أن السبب في إبقائها واجتماع الساكنيين الخوف من التباس الاستخبار بالخبر، والحاصل أن همزة الوصل المفتوحة إذا تقدمها همزة الاستفهام للعرب فيها مذهبان (2): أحدهما: التسهيل بين بين، والثاني: إبدالها ألفا، وقرئ بالوجهين في السبعة، والإبدال أرجح من التسهيل، وإنما كان كذلك؛ لأن الإبدال يزيل صورتها، وأما في التسهيل فإنها متحركة فكأنها ما ذهبت.

ومما يدل على ثبوت التسهيل بين بين قول الشاعر:

4210 -

وما أدري إذا يمّمت أرضا

أريد الخير أيّهما يليني

أأالخير الّذي أنا أبتغيه

أم الشّرّ الّذي هو يبتغيني (3)

-

(1) هذا مثل يضرب لشدة الأمر وتفاقم الشر. انظر مجمع الأمثال (2/ 90، 106) وقال ابن عصفور في المقرب (2/ 19): فأما ما حكاه الكوفيون

من قول بعضهم: (التقت حلقتا البطان) فشاذ لا يلتفت إليه) وشذوذه؛ لأن القياس حذف الألف لالتقاق الساكنين كما حذفوها في قولك: (غلاما الرجل) وانظر ابن يعيش (9/ 123)، والرضي (2/ 224، 225).

(2)

قال ابن الجزري في النشر (1/ 377): (وأما همزة الوصل الواقعة بعد همزة الاستفهام فتأتي على قسمين مفتوحة ومكسورة، فالمفتوحة أيضا على ضربين: ضرب اتفقوا على قراءته بالاستفهام، وضرب اختلفوا فيه. فالضرب الأول المتفق عليه ثلاث كلمات في ستة مواضع {آلذَّكَرَيْنِ} في موضعي الأنعام {آلْآنَ وَقَدْ} في موضعي يونس، {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ} في يونس: 59، {آللَّهُ خَيْرٌ} في النمل: 59، فأجمعوا على عدم حذفها وإثباتها مع همزة الاستفهام فرقا بين الاستفهام والخبر، وأجمعوا على عدم تحقيقها لكونها همزة وصل، وهمزة الوصل لا تثبت إلا ابتداء، وأجمعوا على تليينها، واختلفوا في كيفيته فقال كثير منهم: تبدل ألفا خالصة وجعلوا الإبدال لازما

وهو قول أكثر النحويين وقياس ما روي عن نافع. وقال آخرون: تسهّل لثبوتها في حال الوصل، وتعذر حذفها فيه) وانظر: المرجع نفسه.

(3)

من الوافر قائله المثقب العبدي ويروى (يممت أمرا) و (يممت وجها) ويروى المصراع الثاني من البيت الشاهد: -

ص: 4662

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فسهل ألف الوصل بين بين بدليل أنه لو لم يجعلها بين بين لم يقم وزن البيت، وأما قوله: وربما [6/ 53] ثبتت الممدودة قبل المدغم المنفصل، وقبل الساكن العارض تحريكه فأشار به إلى مسألتين ثبت الساكن الأول فيهما مع وجود المقتضي لحذفه. الأولى ثبوته قبل المدغم المنفصل ومثاله قراءة البزّي (1) عنه تلهى (2) ووَ لا تَيَمَّمُوا (3)، المسألة الثانية: ثبوته قبل ساكن عارض تحريكه. قال المصنف في شرح الكافية: وإذا حذف حرف المد لسكون ما بعده، ثم عرض تحريك ما بعده لساكن آخر لم يرد المحذوف (ولذلك) لم ترد ألف (يشاء) من قوله تعالى: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ (4) ولا ياء (يريد) في قوله تعالى: لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ (5) ولا واو (يكون) في قوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا (6)(ثم نبهت على أن) بعض العرب قد تعتد بالحركة العارضة فيرد المحذوف فيقول في:

(رمت المرأة)(رمات المرأة)، وأنشد الكسائي قول الراجز:

4211 -

يا حبّ قد أمسينا

ولم تنام العينا (7)

وفي هذا شاهد أن: شاهد على رد الألف اعتدادا بحركة الميم وهي عارضة، وشاهد على حذف نون التثنية دون إضافة (8) انتهى.

وأما قوله: وأصل ما حرّك منهما الكسر، فهو إشارة إلى المقصد الرابع، وهو الحركة التي يحرك بها الساكن ما هي من كسرة أو فتحة أو ضمة، وليعلم أن -

-

أم الشّرّ الّذي لا يأتليني

والشاهد في قوله: أألخير، حيث جاء بهمزة الوصل بين بين. إذ دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل، والقياس حذفها، لكنها لم تحذف ولا سبيل إلى تحقيقها فخففت بالتسهيل. وانظر معاني القرآن (2/ 112) وابن يعيش (9/ 138)، والخزانة (2/ 512)، وشرح شواهد الشافية (ص 188)، وديوانه (ص 212، 213).

(1)

هو أحمد بن محمد بن عبد الله توفي (250 هـ)، انظر ترجمته في غاية النهاية (1/ 119 - 120).

(2)

سورة عبس: 10. ويقول أبو حيان في البحر (8/ 428): وقرأ الجمهور تلهى والبزي عن ابن كثير:

«عنه تّلهى» بإدغام تاء المضارعة في تاء تفعل وأبو جعفر بضمها مبنيّا للمفعول، الإتحاف (ص 163، 164).

(3)

سورة البقرة: 267.

(4)

سورة الأنعام: 39.

(5)

سورة المائدة: 41.

(6)

سورة البينة: 1.

(7)

من الرجز. الحب بكسر الحاء: المحب والمحبوب، العينا: قال البغدادي: أراد (العينان) فحذف النون. الخزانة (3/ 339).

(8)

شرح الكافية الشافية (4/ 2008، 2009).

ص: 4663

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الساكنين إذا التقيا قد يكونان من كلمة واحدة، وقد يكونان من كلمتين فإذا كانا من كلمة واحدة لم يكن للمتكلم في الحركة تصرف يعني أن الحركة التي حركت بها العرب ملتزمة، وهذا القسم الذي أشار إليه المصنف في هذا الفصل، وإذا كان الساكنان من كلمتين، وإنما يكون كذلك حيث تكون الكلمة التي تضمنت الساكن الأول موضوعة على السكون، فيتصرف فيه المتكلم ويحركه بما يؤمر به من كسر أو فتح أو ضم، وهذا القسم قد أفرده المصنف بالذكر في الفصل الذي ذكره بعد هذا الفصل (1)، ثم الأصل في ما حرك من الساكنين أن يحرك بالكسر (2) والتحريك بغير الكسر إنما يكون لأمر اقتضى ذلك وجوبا أو استحسانا أو مساواة، قالوا: وإنما كان الأصل الكسر؛ لأن أصل الجزم السكون والجزم في الأفعال عوض عن الجر في الأسماء، فلما ثبت بينهما تعويض، واضطر هنا إلى تعويض عن السكون جعل أخوه عوضه على سبيل التقاضي والتعارض (3) ومن النحاة من قال:

يحتمل أن يقال: الفتح الأصل؛ لأنه أخف الحركات ولا يكون لغيره إلا لوجه آخر قبل، أو يقال: لا أصل في الالتقاء لحركة؛ بل يقتضي وجوده التحريك خاصة وتعيّن الحركة يكون لوجوه. ثم ذكر المصنف: أنه يعدل عن الكسر لأمور سبعة:

أحدها: التخفيف، وذلك كما في: أين وكيف؛ لأن الساكن الثاني لو حرك بالكسر أدى إلى اجتماع الكسرة والياء وهو موجب للثقل.

ثانيها: الجبر، وذلك كما في: قبل وبعد، كأنهما جبرا بذلك لما حذف ما يضافان إليه، وقد قيل: إنهما لم يبنيا على الفتح ولا على الكسر؛ لأن كلا من الحركتين يكون لهما حال إعرابها فبنيا على الضم؛ لتخالف حال البناء حال الإعراب، فعلى هذا كان المناسب أن يقول المصنف: أو رفع إبهام، بدل قوله: أو جبرا.

ثالثها: الإتباع وذلك كما في: منذ، عدل عن الكسر إلى الضمّ لإتباع حركة الذال للحركة التي قبلها. -

(1) ينظر: التسهيل (ص 259، 260).

(2)

قال الرضي (2/ 211): (إذا خليت نفسك وسجيتها وجدت منها أنها لا تلتجئ في النطق بالساكن الثاني المستحيل مجيئه بعد الساكن الأول من بين الحركات إلا إلى الكسرة

).

(3)

وقيل: إنما كسر أول الساكنين وقت الاحتياج إلى تحريكه؛ لأنه لم يقع إلا في آخر الكلمة فاستحب أن يحرك بحركة لا تلتبس بالحركة الإعرابية، فكان الكسر أولى؛ لأنه لا يكون إعراب إلا مع تنوين بعده، أو ما يقوم مقامها من لام وإضافة فإذا لم يوجد بعده تنوين، ولا قائم مقامها، علم أنه ليس بإعراب.

ص: 4664