الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفرق بين الجمع واسم الجمع]
قال ابن مالك: (ومن الواقع على جمع ما يقع على الواحد؛ فإن لم يثنّ فليس بجمع، وإن ثنّي فهو جمع مقدّر تغييره على رأي، والأصحّ كونه اسم جمع مستغنيا عن تقدير التّغيير).
ــ
مجموعا إلى غيره؛ فإن أراد الأول لم يكن فرق بين الجمع واسم الجمع على ما قرره؛ وإن أراد الثاني - وهو الظاهر - لزم منه أن رجالا - مثلا - موضوع لواحد ولكن يقيد الانضمام إلى مثليه أو أمثاله؛ ولا يخفى بعد ذلك، ثم مقتضى ذلك أن يكون الوضع لكل واحد واحد من تلك الأفراد المدلول عليها بالجمع؛ لقوله: للآحاد المجتمعة، ويلزم من ذلك أن الجمع إذا كان مرادا به مائة فرد مثلا أن يكون قد وضع لكل منها على انفراده، فيكون موضوعا مائة مرة، ولا يقول أحد ذلك، وأما ثانيا فلأن قوله في اسم الجنس أنه موضوع للحقيقة ملغى فيه اعتبار الفردية، إما أن يريد بالحقيقة فيه الجنس من قطع النظر عن الأفراد وهو الظاهر؛ لقوله: ملغى فيه اعتبار (الفردية)، فيلزم خروج هذا القسم عن تقسيمه؛ فلا يدخل تحت المقسّم أولا إلى الثلاثة؛ المقسّم إليها هو الاسم الدال على أكثر من اثنين، والدال على الحقيقة لا دلالة له على وحدة ولا تعدد بالنسبة إلى أفراد تلك الحقيقة، وإما أن يريد بالحقيقة مجموع الأفراد التي يصدق اسم الجنس عليها، فيلزم مساواته لاسم الجمع في الدلالة؛ لأنه موضوع لمجموع الآحاد كما ذكر، وحينئذ لا يتميز أحد القسمين عن الآخر، وأما ثالثا: فإنه قيد تعريف اسم الجنس بأن الوحدة تنتفي بنفيه وهو غير ظاهر؛ فإنه لا يلزم من نفي اسم الجنس انتفاء الواحد، لو قال: ما عندي بسر مثلا، وكان عنده واحدة من البسر كان الكلام صدقا.
قال ناظر الجيش: قد تقدم الإشعار بأن التغيير الحاصل لجمع التكسير، قد يكون مقدرا كما يكون ظاهرا، وعلى هذا تستوي الكلمة في اللفظ مرادا بها المفرد، ومرادا بها الجمع؛ إذ التغيير المقدر كالتغيير الظاهر، ولما كان من (الكلم) ما يكون للواحد والجمع بلفظ واحد، ولكنه ليس بجمع؛ وذلك نحو: جنب؛ إذ يقال:
رجل جنب، ورجال جنب، قصد المصنف التنبيه على ذلك وتمييز أحدهما عن الآخر، فقال: ومن الواقع على جمع ما يقع على الواحد، وهذه العبارة تشمل نحو:
فلك وجنب ثم ميّز بينهما بقوله: فإن لم يثنّ فليس بجمع وإن ثنّي فهو جمع مقدر -
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تغييره. يعني الفارق بينهما التثنية، وذلك أن جنبا لم يثنّ حيث قيل: رجلان جنب، فكان للواحد والجمع والمثنى بلفظ واحد، فلم يحكم بجمعيته؛ لأن العرب لمّا لم يثنوه على أنه - حال إطلاقه على الجمع - لم يغيّر عما كان عليه بلفظ الواحد، كما أنهم لم يغيّروه - حال إطلاقه على المثنى - وأمّا: فلك فإنهم ثنّوه فقالوا: فلكان فدلّ تغيير هم له حال إطلاقه على المثنى أنهم يغيرونه حال إطلاقه على الجمع، بهذا فرق سيبويه (1)، ولا شك أن الذي اعتبره في الفرق لطيف، بديع، وكما قيل في فلك؛ إنه حال الجمع مغير تقديرا، هكذا القول في هجان ودلاص فإنهما يثنيان فالضمّة في: فلك المفرد، كضمة: قفل وفي فلك الجمع، كضمة: رسل، والكسرة في هجان ودلاص حال الأفراد، كالكسرة في: كتاب، وحال الجمع كالكسرة في:
رجال، ثم إن المصنف اختار في نحو: فلك، وهجان، ودلاص أنها ليست جموعا، فبعد قوله: وإن ثني فهو جمع مقدر تغييره، قال: رأي (2)، ثم قال: والأصح كونه اسم جمع مستغنيا عن تقديرا التغيير؛ وكأن المصنف يجعل هذه الكلمات خاصة بأسماء الجموع، فلا يراد بشيء منها مفرد؛ إذ لو كانت تستعمل مرادا بها المفرد، كما يراد بها اسم الجمع، لزم الاشتراك بين المفرد وغيره، وهو إنما أخرجها عن الجمعية من أجل الاشتراك، فكيف يفرّ من شيء إلى القول بمثله؛ ولا شك أن قوله تعالى:
حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ (3) أدل دليل على أن: الفلك جمع، وقد قال المصنف في شرح الكافية بعد أن حكم على فلك، ودلاص، بأنهما يكونان جمعين كما يكونان مفردين: أن الحامل على ذلك دون أن يجعلا مما اشترك فيه الواحد والجمع كجنب، أن جنبا لا يختلف لفظه في إفراد، ولا تثنية، ولا جمع، فعلم أن العرب قصدت فيه (الاختصار) والاشتراك. وأما فلك ودلاص؛ فإنهما لا يخليان من علامة التثنية عند قصدها، فدلّ ذلك على انتفاء الاشتراك وقصد تغيير منويّ في حال الجمعية.
ونظير فلك ودلاص عفتان - وهو الرجل القوي الجافي - يقال: رجل عفتان، ورجلان -
(1) الكتاب (3/ 578).
(2)
هذا قول الخليل وسيبويه لوجود التغيير في التثنية على تقدير التغيير في الجمع - والمصنف أيضا في شرح الكافية - كما نقل عنه الشارح - أما الجرمي فعنده نحو: هجان، ودلاص، صالح للمفرد، والمثنى، والجمع لجريه مجرى المصدر. راجع في هذه المسألة: الكتاب (3/ 639) والرضي (2/ 135 - 136)، وابن يعيش (5/ 50 - 51). وشرح الكافية (4/ 1810)، والمساعد (3/ 392).
(3)
سورة يونس: 22.