الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اختصاص أدوات الشرط بالمستقبل]
قال ابن مالك: (ولا يكون الشّرط غير مستقبل المعنى بلفظ «كان» أو غيرها إلّا مؤوّلا، وقد يكون الجواب ماضي اللّفظ والمعنى مقرونا بالفاء مع «قد» ظاهرة أو مقدّرة، ولا ترد إن بمعنى «إذ» خلافا للكوفيين).
ــ
قال ناظر الجيش: قال الإمام بدر الدين (1): «إن الشرطية وأخواتها مختصة بالمستقبل، فلا يكون شرطها ولا جزاؤه بمعنى الماضي، ولا بمعنى الحال، وما أوهم ذلك أوّل، فإذا جاء [في موضع الشرط أو الجزاء ما هو حال أو
ماض بلفظ «كان» أو غيرها، حمل على أنه متعلق بفعل مستقبل هو] الشرط أو الجزاء في الحقيقة ولكنه حذف اختصارا واستغناء عنه بانصباب الكلام إلى معناه، وذلك قولك: إن أحسنت إلى أمس فقد أحسنت إليك اليوم، والمعنى: إن تبين إحسانك أمس تبيّن إحساني اليوم، وذهب أبو العباس المبرد (2) إلى أنه يجوز بلا تأويل كون الشرط ماضي المعنى بلفظ «كان» دون غيرها، فإنه قال: وما يسأل عنه في هذا الباب قولك: إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم، فقد صار ما بعد «إن» يقع في معنى الماضى، قيل للسائل: ليس ذا من قبل «إن» ولكن لقوة «كان» وأنها أصل الأفعال وعبارتها جاز أن تغلب «إن» فتقول: إن كنت أعطيتني فسوف أكافئك، فلا يكون ذلك إلا ماضيا، وقال تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ (3)، والدليل على أنه كما قلت وأن هذا لقوة «كان» أنه ليس من الأفعال ما يقع بعد «إن» غير [كان] إلا ومعناه الاستقبال، لا تقول: إن جئتني أمس أكرمتك اليوم، ولم يصوّب ما ذهب إليه المبرد في هذه المسألة، وقد ردّه عليه ابن السراج فقال (4):
وهذا الذي قاله أبو العباس لست أقوله، ولا يجوز أن يكون إن تخلو من الفعل المستقبل لأن هذا نقض الكلام وما وضعت له، قال: والتأويل عندي في قولهم: إن كنت زرتني أمس أكرمتك اليوم أي: إن تكن [كنت] ممن زارني أمس أكرمتك اليوم، فدلّت: كنت على: تكن وكذلك قوله تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ -
(1) انظر شرح التسهيل لبدر الدين (4/ 92).
(2)
بحثت في المقتضب فلم أعثر على شيء من هذا، وانظر التذييل (6/ 907).
(3)
سورة المائدة: 116.
(4)
انظر أصول النحو (2/ 161) وقد نقله عنه بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أي إن أكن كنت قلته أو إن أقل كنت قلته، أو أقر بهذا الكلام، وقد حكى المازني ما يقارب هذا.
وأشار بقوله: وقد يكون الجواب ماضي اللّفظ والمعنى [مقرونا بالفاء مع قد ظاهرة أو مقدرة، إلى نحو قوله تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ (1) وقوله تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ (2) تقديره:
فقد صدقت، وهو عندي محمول على التأويل المذكور، ولا يستقيم أن يكون على غيره لتقدم الشرط على الجزاء واستحالة تقدم المستقبل على الماضي في الخارج أو في الذهن انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ولا شك أن قول المصنف «وقد يكون الجواب ماضى اللّفظ والمعنى» ] غير مرض، وإنما إذا ورد ما ظاهره ذلك يجب تأويله إذ لو
لم يكن [ذلك] مؤولا لزم تقدم ما هو مستقبل على ما هو ماض كما قال الإمام بدر الدين.
قال الشيخ عند ذكر هذه المسألة (3): «ظاهر كلام المصنف والجزولي (4) وغيرهما أن هذا الفعل الماضي المقرون بالفاء وقد ظاهرة أو مقدرة هو جواب الشرط، وذلك مستحيل، فينبغي أن يتأول كلامهم، واستحالة ذلك من حيث إن الشرط بما هو شرط يتوقف عليه مشروطه، فيجب أن يكون الجواب بالنسبة إليه مستقبلا وإلا لزم من ذلك تقدم المستقبل على الماضي في الخارج أو في الذهن وذلك محال، فيتأوّل ما ورد من ذلك في كل مكان بما يناسبه، فيتأوّل قوله تعالى: وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ (5) على معنى: وإن يكذبوك فتسلّ فقد كذبت رسل، وقوله تعالى:
إِنْ يَسْرِقْ على معنى: فتأسّ بمن تقدم فقد سرق أخ له من قبل أو ما أشبه هذا التأويل، ولما كان هذا الجواب استعمل محذوفا، وكثر استعمال هذا الفعل المصحوب بالفاء وبقد ظاهرة أو مقدرة سمّوا ذلك الفعل جوابا لأنه لا يجامع الجواب، بل صار مغنيا عنه، ولا شك أنه ماضي اللفظ والمعنى وقوعا أو مزعوما وقوعه، فالوقوع مثل فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ، والمزعوم وقوعه فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ» انتهى. -
(1) سورة يوسف: 77.
(2)
سورة يوسف: 26.
(3)
التذييل (6/ 908).
(4)
انظر القانون «المقدمة الجزولية» في النحو (ص 43، 44).
(5)
سورة فاطر: 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولم يظهر تقدير «فتأسّ» جوابا لقوله تعالى: إِنْ يَسْرِقْ (1) والظاهر أن يكون التقدير: فلا عجب أو نحو ذلك.
وأما قوله «إنه لا يجامع الجواب» فإن أراد به أنه قد أغنى عنه فقريب، وإن أراد أنه لا يجمع بينه وبين الجواب في الذكر فغير صحيح، إذ لو قيل في غير القرآن العزيز [5/ 175] وإن يكذبوك فتسلّ فقد كذبت رسل من قبلك لم يكن ممتنعا.
وأما قول المصنف: «ولا ترد إن بمعنى إذ» فأشار به إلى أن «إن» حرف و «إذ» اسم وهو ظرف، وإذا كان كذلك فكيف يتفقان معنى؟ وأجاز الكوفيون ذلك مستدلين بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ (2) قالوا: لأن «إن» للتردد ولا
تردد لليهود، والمعنى: وإذ كنتم: في ريب (3)، والجواب عن ذلك ما ذكره أصحاب علم «المعاني» فإنهم قالوا:«إنّ» «إن» قد تستعمل في مقام القطع بوقوع الشرط لنكتة وذكروا أمورا:
منها: التوبيخ على الشرط كقوله تعالى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (4) في من قرأ «إن» بالكسر (5) فإن ذلك سيق لقصد التوبيخ والتجهيل في ارتكاب الإسراف، وتصوير أن الإسراف من العاقل في هذا المقام واجب الانتقاء، حقيق أن لا يكون ثبوته إلا على مجرد الفرض.
ومنها: التغليب، أي تغليب غير المتّصف بالشرط على المتصف به، ومثّلوا له بهذه الآية الشريفة أيضا، قالوا: وقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا (6) يحتمل أن يكون للتوبيخ على الرّيبة لاشتمال المقام على ما يقلعها عن أصلها، ويحتمل أن يكون لتغليب غير المرتابين من المخاطبين على المرتابين منهم، فإنه كان منهم من يعرف الحق وإنما ينكر عنادا، قالوا: وكذا قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ فِي -
(1) سورة يوسف: 77.
(2)
سورة البقرة: 23.
(3)
انظر الإنصاف (ص 632) مسألة رقم (88) وانظر التذييل (6/ 910).
(4)
سورة الزخرف: 5.
(5)
في الكشف (2/ 255)«قرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر أن وفتح الباقون» ، وانظر الحجة لابن خالويه (ص 320) والسبعة في القراءات (ص 586).
(6)
سورة البقرة: 23.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ (1)» انتهى.
ومما قيل: إنّ «إن» فيه بمعنى «إذ» قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ (2)، وما ورد في الحديث:«وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون» (3) وكذا حمل على ذلك قوله: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (4).
قال الشيخ (5): «وحملها على أنها شرط في هذا كله سائغ، فلا ينبغي العدول عن ذلك إلا بدليل واضح» انتهى.
وأقول: قد قال الزمخشري (6) في قوله تعالى: وَلَئِنْ مُتُّمْ (7): «إنما ساغ دخول إن لكون الموت مجهول الوقت» وهو كلام حسن، فيمكن أن يقال [ذلك] [في] الآية الشريفة وهي: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ وكذا في الحديث
الشريف وهو «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» وهو أن مشيئة الله سبحانه تعالى مجهولة الوقت، وأما قوله تعالى: وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فيمكن أن يكون المراد بالإيمان فيها: كمال الإيمان، ولا شك أن كمال الإيمان بامتثال جميع الأوامر واجتناب جميع النواهي، ومن تعاطى الرّبا لا يكون كامل الإيمان، فاتجه أن يخاطب بـ «إن كنتم مؤمنين» .
ثم إن الشيخ أنشد (8) بيت الفرزدق وهو قوله:
4080 -
أتغضب إن أذنا قتيبة حزّتا
…
جهارا ولم تغضب لقتل ابن خازم (9)
وقال (10): قد يؤول ذلك على معنى إذ، قال: ومذهب سيبويه والخليل وأبي سعيد أنها في البيت للشرط، والمعنى: أتغضب إن افتخر مفتخر بحزّ أذني قتيبة لأن من شأن المفتخر أن يقول: حززنا أذني قتيبة وفعلنا، فيكون من وقوع السبب موقع المسبب، ولا يمكن أن يكون شرطا على ظاهره من غير تأويل، لأن حز أذني قتيبة -
(1) سورة الحج: 5.
(2)
سورة الفتح: 27.
(3)
رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه في كتاب «الطهارة» (1/ 218)، وكتاب «الجنائز» (2/ 671).
(4)
سورة البقرة: 278.
(5)
انظر التذييل (6/ 910).
(6)
لم أجده في الكشاف ولا في المفصل.
(7)
سورة آل عمران: 158.
(8)
سبق شرحه والتعليق عليه.
(9)
التذييل (6/ 911 - 913) وقد نقله عنه بتصرف.
(10)
انظر الكتاب (3/ 161).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ماض حقيقة، قال السيرافي (1): والعرب تعادل وتفاضل بين الفعلين الماضيين في المواقعة فيستقبل بهما الكلام كقوله تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ (2) ومنه قول الشاعر:
4081 -
إن يقتلوك فإنّ قتلك لم يكن
…
عارا عليك وربّ قتل عار (3)
وقول الآخر:
4082 -
إن يقتلوك فقد هتكت بيوتهم
…
بعتيبة بن الحارث بن شهاب (4)
والمخاطب بهذا مقتولان، والقتل قد وقع بهما.
وإنما تأويل ذلك على فعل غير هذا الظاهر، وكأنهم افتخروا بقتله فقال: إن يفتخروا بقتلك فإن الأمر كذا وزعم المبرد (5) وجماعة أن «أن» في البيت مفتوحة وجعلوها مخففة من الثقيلة كأنه قال: أتغضب لأنه أذنا قتيبة حزّتا، ورد ابن عصفور (6) ذلك بأن «أن» المصدرية لا تقدم فيها الأسماء على الأفعال لا تقول: يعجبني أن زيد قام، وخرّج البيت تخريجا آخر.
قال الشيخ (7): ووهم ابن عصفور في رده لأنه فهم من القائل بذلك أنه يقول:
إن أن المصدرية هي التي تنصب الفعل، والقائل بذلك إنما أراد أنها المخففة من المشددة وأنها لما خففت ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر على حد: -
(1) انظر شرح كتاب سيبويه للسيرافي (خ)(4/ 130، 131).
(2)
سورة الرعد: 5.
(3)
هذا البيت من الكامل قاله ثابت قطنة من قصيدة رثى بها يزيد بن المهلب بن أبي صفرة، والشاهد فيه وقوع لفظ الشرط بما هو في معنى الماضي وتأويله في البيت أن يفتخروا بسبب قتلك أو أن يتبين أنهم قتلوك. وانظر البيت في المقتضب (3/ 66)، وأمالي الشجري (2/ 301) والمقرب (1/ 220) والمغني (ص 27، 134، 503) وشرح شواهده (ص 89، 393) والخزانة (4/ 184).
(4)
هذا البيت من الكامل وهو لرجل من بني نصر بن قعين كما في الحماسة (1/ 251) والشاهد فيه كالبيت السابق.
(5)
لم أعثر على كلام المبرد في المقتضب.
(6)
لم أعثر عليه في المقرب ولا في شرح الجمل.
(7)
أي في التذييل (6/ 912).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4083 -
قد علموا
…
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل (1)
انتهى.
ويمكن أن يجاب ابن عصفور بجواب آخر على تقدير أن «أن» في البيت هي التي تنصب الفعل، وهو أن يقال: إن ثمّ فعلا مضمرا مسندا إلى قوله «أذنا قتيبة» التقدير: أتغضب أن حزّ أذنا قتيبة، و «حزّتا» المذكور تفسير ذلك المحذوف، وحاصل الأمر: أن تكون صلة «أن» حذفت وبقى معمولها كما حذفت صلة «ما» الحرفية وبقي معمولها في قولهم: لا أصحب فلانا ما أنّ حراء مكانه، التقدير ما ثبت أنّ حراء مكانه.
وإذ قد انقضى الكلام على هذا الباب فلنذكر حكم أدوات الشرط بالنسبة إلى الإعراب ناقلين في ذلك كلام ابن عصفور قال (2) رحمه الله تعالى:
«وما كان من الجوازم حرفا فلا موضع له من الإعراب، وما كان منها اسم مكان أو زمان أو مصدرا - وأعني بذلك «أيّا» المضافة إلى المصدر - كان في موضع نصب على الظرفية أو على المصدرية، وما كان منها اسما لغير ما ذكر فإن دخل عليه حرف خفض كان مخفوضا به، ويكون المجرور متعلقا بفعل الشرط، وإن لم يدخل عليه حرف خفض فإن كان الفعل الذي بعده غير متعدّ كان مبتدأ نحو: من يقم أقم معه، وإن كان متعديا فإن كان فاعل الفعل ضميرا يعود على اسم الشرط كان أيضا مبتدأ نحو قولك: من يضرب زيدا أضربه، وإن لم يكن ضميرا يعود على اسم الشرط فإن كان الفعل لم يأخذ مفعوله كان مفعولا مقدما نحو قولك: من يضرب أضربه، وإن كان قد أخذه فإن كان المفعول ضميرا عائدا على اسم الشرط أو سببا له، جاز فيه الرفع على الابتداء، والنصب بإضمار فعل، والاختيار الرفع نحو قولك: من يضربه زيد أضربه، ومن يضرب غلامه زيد أضربه، وإن كان المفعول أجنبيّا لم يجز فيه إلا الرفع على الابتداء نحو قولك: من يضرب زيدا أضربه، ومن يضرب [5/ 176] غلامه زيدا أضربه، وحكم المضاف إلى اسم الشرط في الإعراب حكم اسم الشرط في جميع ما ذكر» انتهى. -
(1) سبق شرحه والتعليق عليه أول باب النواصب، واستشهد به هنا على رفع الاسم بعد «أن» المخففة.
(2)
هذا الكلام ليس في المقرب ولا في شرح الجمل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والذي يتلخص من ذلك أن اسم قد يكون في محل نصب، وقد يكون في محل خفض، وقد يكون في محل رفع، وقد يجوز فيه أن يكون في محل نصب أو رفع، ويستثنى من أسماء الشرط «مهما» فإنها لا تكون إلا مبتدأة أو مفعولة غير مقيدة بحرف جر ولا مضاف إليها، ثم نصب المنصوب إما على الظرف أو المصدرية أو المفعولية،
والعامل فيه حينئذ فعل الشرط، وخفض المجرور إما بحرف، أو بإضافة اسم إليه، فإن كان الجار حرفا فهو متعلق بفعل الشرط، وإن كان اسما فيجيء فيه ما ذكر في اسم الشرط من نصب وخفض ورفع، ورفع المرفوع إنما يكون على الابتداء خاصة، وحيث جاز في الاسم المذكور الرفع والنصب فالمسألة من باب «الاشتغال» .
واعلم أن الشيخ ذكر هذه المسألة (1) وتضمن إيراده لها تقاسيم منتشرة يحتاج في ضبطها إلى عسر ولخص تلك التقاسيم في «الارتشاف» واقتصرت على ما ذكره فيه، قال رحمه الله تعالى (2): «واسم الشرط إن كان ظرفا أو أريد به المصدر كان في موضع نصب والعامل فيه فعل الشرط، وإن كان غير ذلك وفعل الشرط لازم فمبتدأ نحو: من يقم أقم معه، وخبره الفعل، أو متعد لم يأخذ مفعوله وهو مسند إلى ظاهر نحو: من يضرب زيد أضربه، أو إلى متكلم نحو: من أضرب تضربه، أو إلى مخاطب نحو: من تضرب أضربه فمفعول بفعل الشرط، أو إلى ضمير غائب عائد على اسم الشرط نحو: من يضرب أضربه، فمبتدأ أو على غيره نحو: هند من تكرم أكرمه فمفعول، أو أخذه تقديرا - يعني أو أخذ مفعوله تقديرا - نحو قوله تعالى: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ (3) - أي من يشأ الله إضلاله يضلله - أو لفظا والفاعل سببي لاسم الشرط والمفعول أجنبي نحو: من يضرب أخوه زيدا أضربه فمبتدأ فقط، أو ضميره نحو: من يضربه أخوه أضربه، أو سببي نحو: من يضرب أخوه غلامه أضربه فالمسألتان من الاشتغال، أو مضمر يعود على اسم الشرط متصلا فلا يجوز إلا أن يكون مخاطبا نحو: من يضربك أضربه، أو غائبا على غير اسم الشرط نحو: هند من يضربها أضربه فالرفع بالابتداء فقط، أو منفصلا ولاسم الشرط في فعله ضمير أو سببي منصوب أو مجرور فالمسألة من الاشتغال، نحو، من -
(1) انظر التذييل (6/ 915 - 921).
(2)
انظر الارتشاف (2/ 564) تحقيق د/ النماس.
(3)
سورة الأنعام: 39.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يضربه إلا هو أضربه، ومن لم يضرب أخاه إلا هو أضربه، ومن لم يمرر به إلا هو أمرر به، وإن لم يكن فاسم الشرط مبتدأ نحو: من لم يضرب زيدا إلّا هو أضربه» انتهى.
وأقول: إن الذي ذكرته عن ابن عصفور فيه كفاية، ولا شك أن الإنسان إذا علم أن أدوات الشرط لها صدر الكلام، وأنها إذا كانت معمولة لعامل لفظي وجب أن يكون مؤخرا عنها، وكذا إذا كان يعلم أن العامل الجائز العمل فيما
قبله إذا نصب ضمير اسم سابق جاز في ذلك الاسم الرفع والنصب، وتكون المسألة من باب «الاشتغال» أهدى إلى ما ذكر.
وبالجملة إذا كان الناظر عالما بالقواعد لا يخفى عليه الحكم في الصور التي ذكرها الشيخ، وكذا ما ذكره ابن عصفور لا يكاد يخفى لأن القواعد تؤدي إليه ولا تقتضي خلافه، ولهذا لم يكن في كلام المصنف تعرّض إلى ذلك وإنما ذكرته قصدا لزيادة تقديره، والتنبيه على ما لعل الخاطر يذهل عنه.
وبعد فلا بد من الإشارة إلى أمور:
منها: أن اسم الشرط إذا كان مبتدأ كان خبره فعل الشرط وذهب بعضهم (1) إلى أن الخبر هو الشرط والجزاء معا مستدلّا بأن الكلام لا يتم إلا بالجواب، وردّ (2) هذا الاستدلال بأن الافتقار إلى الجواب إنما أوجبه التعليق، كما أنك إذا قلت: لولا زيد لأكرمتك لا يتم إلا بالجواب وليس داخلا في الخبر، ومما استدل به على أن الخبر هو الشرط وأن الجزاء لا مدخل له في الخبرية أن فعل الشرط هو الذي يتحمل ضمير المبتدأ، وأن الجواب لا يلزم فيه ضمير فيقال: من يقم يقم زيد (3)، لكن قال الشيخ (4): «إن الحكم ليس كذلك لأن اسم الشرط إذا كان غير ظرف ولا مصدر لزم أن يكون في جملة الجزاء ضمير يعود على اسم الشرط نحو: من يقم يقم معه، ومن يضرب أضربه، قال: ولا يجوز أن تعرّى جملة الجزاء من الضمير فيكون المتعلق به فعل الجزاء أجنبيّا أصلا، ولا يجوز: من يضرب أقتل خالدا حتى تقول: من أجله، أو تحذفه للعلم به نقل ذلك عن العرب الأخفش، قال: ولذلك تأوّل النحويون قول الشاعر: -
(1) انظر التذييل (6/ 916).
(2)
المرجع السابق نفسه.
(3)
انظر التذييل (6/ 916).
(4)
انظر التذييل (6/ 917).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
4084 -
فمن يك أمسى بالمدينة رحله
…
فإنّي وقيّار بها لغريب (1)
وقول الآخر (2):
4085 -
فمن يك سائلا عنّي فإنّي
…
وجروة لا ترود ولا تعار (3)
وقول الآخر:
4086 -
فمن تكن الحضارة أعجبته
…
فأيّ رجال بادية ترانا (4)
فإن جمل الجزاء في هذه الأبيات ليس فيها ضمير يربط جملة الجزاء بجملة الشرط، قال (5): وهذا يقوّي قول من يقول: إن جملتي الشرط والجزاء معا هما الخبر، ولكن المختار مذهب الأكثرين». انتهى.
وما ذكره من أن جملة الجزاء لا بد أن تشتمل على ضمير يعود على اسم الشرط، في التزامه نظر، وكنت أسمع من شيخي برهان الدين إبراهيم الرشيدي (6) جزاه الله تعالى عني أفضل الجزاء، أن الذي يشترط عود ضمير من الجزاء إلى اسم الشرط -
(1) هذا البيت من الطويل قاله ضابئ البرجمي في السجن حينما حبسه عثمان لهجائه قوما من بني جرول بن نهشل، وقيار اسم فرسه وقيل: اسم جمله، الرحل: المنزل، يقول: من كان بيته بالمدينة، ومنزله فلست من أهلها ولا لي بها منزل.
والشاهد فيه على أن جملة جزاء الشرط ليس فيها ضمير يربطها بجملة الشرط ولذلك تأوله النحويون.
والبيت في الإنصاف (ص 94) والمغني (ص 475، 622) والخزانة (4/ 81) وشرح ابن السيرافي (1/ 244، 245) والكتاب (1/ 75).
(2)
هو شداد بن معاوية العبسي أبو عنترة. انظر الكتاب (1/ 302)(هارون) والبيت في ديوان عنترة (ص 45).
(3)
هذا البيت من الوافر. الشرح: جروة: اسم فرس شداد، لا ترود: لا تذهب وتجيء يريد: أنها لا تخلى وتترك تذهب وتجيء مع الخيل، ولا تعار لمن التمس إعارتها ضنّا بها. والشاهد فيه كالبيت سابقه وهو خلو جملة الجزاء من ضمير يربطها بجملة الشرط، والبيت في الكتاب (1/ 302)(هارون) وشرحه الأعلم الشنتمري بهامش الكتاب (1/ 152)(بولاق) وانظر شرح ابن السيرافي (1/ 235) واللسان (جرا).
(4)
هذا البيت من الوافر، وهو للقطامي في ديوانه (ص 58) والشاهد فيه كسابقيه وهو خلو جملة الجزاء من ضمير يربطها بجملة الشرط وهو رد على الأخفش الذي نقل عنه أنه يشترط اشتمال جملة الجزاء على ضمير يربطها بجملة الشرط. والبيت في المغني (ص 507) واللسان (حضر، بدو).
(5)
أي الشيخ أبو حيان.
(6)
هو إبراهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي الأغرى النحوي المقرئ، كان عالما بالنحو والتفسير والفقه والطب والقراءات. توفي بالطاعون سنة (749 هـ). انظر البغية (1/ 434).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو الأخفش، وكنت أفهم عنه أن المعمول به في هذه المسألة خلاف [5/ 177] ذلك، وها أنت قد رأيت الشيخ أيضا إنما ذكر ذلك عن الأخفش خاصة (1)، ويدل على أن الأصح خلاف قول الأخفش الأبيات التي أنشدها، وأما قوله:
إنها تؤول، فالخصم لا يسلم ذلك، وقد قال الله تعالى: وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (2) وقال تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (3) فالجواب في هاتين الآيتين الشريفتين لم يكن فيه ضمير يعود على اسم الشرط، وليس ارتباط الجزاء بالشرط مفتقرا إلى ضمير، لأن الارتباط يحصل بالتعليق وبالعمل أيضا.
ومنها: أن جواب الشرط كخبر المبتدأ فلا بد من تغايرهما لتحصل الفائدة، ولهذا كان المعنى في قوله صلى الله عليه وسلم:«فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله» (4): فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّة وقصدا كانت هجرته إلى الله ورسوله حكما وشرعا، وقد يحمل الكلام على معنى يكون ذلك المعنى مسوغا للاتخاذ ظاهرا كقول القائل: إن لم تطعني فقد عصيتني، فإنه أراد بذلك التنبيه على العقوبة كأنه قال: إن لم تعطني فقد وجب عليك ما وجب على العاصي.
ونقل الشيخ (5) عن صاحب كتاب «الإعراب» (6) أنه قال (7) في قوله تعالى:
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ (8): نبّه تعالى بأنه [ما] بلغ على الوعيد اللاحق، فكأنه قال: فلست تعدم الجزاء على ذلك، قال: وهذا من باب التلطّف في الإخبار بالوعيد لمن كان عند الآمر بمنزلة، قال: ويحتمل أن يريد تعالى: وإن لم تفعل لخوف أحد فلا تسقط عنك المطالبة، بل أنت غير مبلغ ومراده: قطع العذر -
(1) هذا يدل على أن الأخفش قد انفرد باشتراط عود الضمير من الجزاء الى اسم الشرط، وقد بحثت فلم أجد من يعزو إليه هذا سوى الشيخ أبي حيان، وما نقله المؤلف عن شيخه برهان الدين الرشيدي.
(2)
سورة الأعراف: 132.
(3)
سورة الإسراء: 110.
(4)
رواه البخاري في كتاب «الإيمان» (1/ 20) وفي كتاب «النكاح» (3/ 238) حاشية السندي.
(5)
انظر التذييل (6/ 923، 924).
(6)
يقصد أبا البقاء العكبري وقد أشار إلى ذلك السيوطي في بغية الوعاة (2/ 38).
(7)
ليس في التبيان ولا في اللباب.
(8)
سورة المائدة: 67.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عنه، ولذلك قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (1) وقيل: هو على تقدير:
إن تبلغ بعضا فكأنك غير مبلّغ، قال: ومن ذلك قولك: إن قلت زيد قائم فهو قائم، تريد: فهو حق أي في نفس الأمر كذلك كقوله:
4087 -
إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا
…
أو قلت زانك ربّي فهو قد فعلا (2)
وترتّب هذا على الشرط تقدر فاعلم أو فتبيّن أو نحوه: وكذلك قوله تعالى:
قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ (3)، هذا كله كلام صاحب «الإعراب» .
ومنها: أن العطف على الشرط إما بـ «الواو» أو بغيرها، فإن كان بـ «الواو» وتكررت أداة الشرط نحو: إن آتك وإن أدخل دارك فعبدي حرّ، عتق بالفعلين كليهما وبواحد منهما، لأن تكرير الأداة يدل على الاستقلال وأنه علّق عتق العبد على وجود كل واحد منهما، فمتى وجد واحد وحده أو مضموما إلى غيره فقد وجد ما علق عليه فيعتق، وإن لم تتكرر الأداة نحو: إن آتك وأدخل دارك فعبدي حرّ، عتق بفعل الفعلين معا ولا يبالى بأيّهما بدأ، وإن كان العطف بـ «الفاء» أو بـ «ثم» نحو:
إن آتك فأدخل دارك أو ثمّ أدخل دارك فعبدي حرّ، عتق العبد إذا فعل الفعلين وبدأ بالأول، وسواء أكرر أداة الشرط أم لم يكررها، وإن كان العطف بـ «أو» نحو: إن أدخل دارك أو أزرك فعبدي حرّ فبفعل الفعلين أو أحدهما يعتق العبد، لأنه علق العتق على وجود أحدهما، فمتى وجد أحدهما وحده أو مضموما إلى الآخر صدق عليه أنه وجد أحدهما فيعتق، وسواء أيضا أكررت مع «أو» أداة الشرط أم لم تكررها (4).
ومنها: أن الشرط الذي لا يقتضي التكرار لو انفرد كقولك: إن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق، إن ربط بالفاء بما يقتضي التكرار وأمكن تكراره فإما أن يكون مناسبا للفعل المكرر أولا: إن كان مناسبا نحو قولك: كلّما أجنبت منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق، فإن أجنب ثلاثا واغتسل لكل إجنابة طلقت ثلاثا، -
(1) سورة المائدة: 67.
(2)
هذا البيت من البسيط لقائل مجهول. والشاهد فيه: أن الخبر لا يصح أن يكون عين المبتدأ ولا الجواب عين الشرط إلا بتقدير معنى يجوز ذلك، وقوله:«فأنت كذا» في البيت جواب الشرط وهو عين الشرط فيقدر: فأنت حق كذا أو فاعلم أو فتبيّن.
(3)
سورة يوسف: 77.
(4)
هذا الكلام الذي يبدأ بقوله: «ومنها أن العطف على الشرط» والذي ينتهي هنا هو كلام الشيخ أبي حيان في التذييل (6/ 924) وقد نقله المؤلف عنه دون أن يشير.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإن أجنب منها ثلاثا واغتسل واحدة فزعم أبو يوسف (1) أنها تطلق عليه ثلاثا (2)، وزعم الفراء أن قول أبي يوسف غلط (3)، وإن كان غير مناسب نحو: كلّما دعوتني فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حرّ، فإن دعاه ثلاث دعوات وسقط الحائط فعليه عتق ثلاثة أعبد، ولا يلزم في غير المناسب التكرار، هذا مذهب الفراء، أصول البصريين تقتضي التكرار في المربوط بالفاء على ما يقتضي التكرار إذا كان الفعل قابلا سواء أكان مناسبا أم غير مناسب ولا يجوز أن يكون فعل الشرط إلا مما يمكن فيه التكرار يعني إذا كان بعد ما يقتضي التكرار نحو: كلّما وما أشبهها.
انتهى من شرح الشيخ (4).
ودلّ هذا على أن لا يعتق إلا عبد واحد في ما إذا قال: كلّما دعوتني فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حرّ، ودعاه ثلاث دعوات وسقط الحائط، لأن فعل الشرط الذي هو سقوط الحائط «لا يمكن فيه التكرار، وهم قد قالوا: ولا يجوز أن يكون فعل الشرط إلا مما يمكن فيه التكرار» .
ثم إن الشيخ تكلّم على إعراب «كلّما» فقال (5): «وكلّما في هذه المسائل منصوبة على الظرف والعامل فيها محذوف يدل عليه جواب الشرط المعطوف بالفاء بعدها، والتقدير: أنت طالق كلما أجنبت منك جنابة فإن اغتسلت في الحمّام فأنت طالق، وكذلك عبد من عبيدي حرّ كلما دعوتني فإن سقط هذا الحائط فعبد من عبيدي حر، وتبيين ذلك أن «ما» المضاف إليها «كل» هي ما المصدرية وفيها معنى العموم فإذا قلت: لا أصحبك ما طلعت الشمس فمعناه لا أصحبك مدّة طلوع الشمس، فحذف «مدة» وأقيم المصدر مقامه ثم جعلت «ما» والفعل قائمة -
(1) أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي البغدادي، صاحب الإمام أبي حنيفة وتلميذه، وأول من نشر مذهبه، كان فقيها علامة من حفاظ الحديث. من كتبه: الخراج، والآثار، والنوادر، وغيرها، وتوفي سنة (182 هـ). وانظر ترجمته في الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/ 220) والفهرست (ص 286) والنجوم الزاهرة (2/ 107).
(2)
انظر الأشباه والنظائر (4/ 242).
(3)
«لأن الفعل إذا كان يجوز أن يقع مع شرطه فلا يقع الطلاق حتى يقعا معا» انظر الأشباه والنظائر (4/ 243).
(4)
انظر التذييل (6/ 925) وقد نقله عنه بتصرف، وانظر ما نقله السيوطي في الأشباه والنظائر عن كتاب «الادكار بالمسائل الفقهية» لأبي القاسم الزجاجي (4/ 241، 242).
(5)
انظر التذييل (6/ 925 - 929) وقد نقله عنه بتصرف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المصدر، ولا يريد بذلك مطلق المصدر فيصدق بالمرة الواحدة، بل العرب لم تستعمل «ما» التوقيتية إلا بمعنى العموم، ثم دخلت عليها «كل» فأكدت معنى العموم الذي فيها فانتصبت على الظرف؛ قال الله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها (1)، وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ [5/ 178] لَهُمْ جَعَلُوا (2)، وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ (3)، ولذلك كثر مجيء الفعل الماضي بعدها، لأن «ما» التوقيتية كذلك، و «ما» التوقيتية شرط من حيث المعنى وإن لم يكن إلا على ما ذهب إليه المصنف فقد ذكر هو الجزم بها عن بعض العرب (4)، وقال تعالى: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (5) لما جرت مجرى الشرط في المعنى جرت مجراه في الجواب فدخلت «الفاء» لما كان الجواب فعل أمر كما تدخل في نحو: إن جاء زيد فاضربه، ولم تدخل في قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ كما لم تدخل في: إن قام زيد قام عمرو، فحكم «كلما» حكم أداة الشرط في اقتضاء جملتين تترتب إحداهما على الأخرى.
قال (6): وإنما تعرضت لإعراب «كلّما» في هذه المسائل وإن كان من واضح الإعراب لأن أبا الحسن بن عصفور زعم أن «كلّما» في هذه المسائل مرفوعة بالابتداء، وقال (7): لا يجوز فيها في هذه المسائل المذكورة غير ذلك، قال:
وجملة الشرط والجواب في موضع خبرها، قال: ولا بد من عائد يعود عليها ملفوظ به أو مقدر، ودخلت «الفاء» على جملة الشرط والجواب وهي في موضع خبر المبتدإ لأن «كلّما» اسم عام وبعدها فعل، وكل اسم عام مضاف إلى موصوف بفعل قابل لأداة الشرط أو ظرف أو مجرور والخبر مستحق ذلك الظرف أو المجرور أو الفعل دخلت «الفاء» عليه لعلّة ذكرت في باب «الابتداء» (8) قال: فعلى هذا إذا -
(1) سورة النساء: 56.
(2)
سورة نوح: 7.
(3)
سورة هود: 38.
(4)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1625 - 1627).
(5)
سورة التوبة: 7.
(6)
أي: الشيخ أبو حيان.
(7)
لم أعثر على هذا الكلام الذي نقله الشيخ أبو حيان عن ابن عصفور فيما بين أيدينا من مؤلفاته.
(8)
الأصل أن لا تدخل «الفاء» على خبر المبتدأ لارتباطه به ارتباط المحكوم به بالمحكوم عليه، إلا أنه لما لحظ في بعض الأخبار معنى ما يدخل الفاء فيه دخلت وهو الشرط والجزاء، والمعنى الملاحظ أن يقصد أن الخبر مستحق بالصلة أو الصفة وأن يقصد به العموم. انظر الهمع (1/ 109) والأشموني (1/ 223)، (224).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قلت: كلّما أجنبت منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمّام [فعبدي حرّ، فالمعنى:
كل وقت أجنبت فيه منك إجنابة فإن اغتسلت في الحمام] بعده فعبدي حرّ، ولا بد من ذلك لترتبط الصفة بالموصوف والخبر بالمخبر عنه، وتكون جملة الشرط والجواب مستحقة بكل إجنابة أجنبها، وكذلك أيضا يلزم وإن لم يكن فعل الشرط مناسبا لفعل «كلّما» نحو قولك: كلّما أجنبت منك إجنابة فإن جاء زيد فعبدي حرّ، كأنه قال: كل وقت أجنبت فيه منك إجنابة فإن جاء زيد فيه فعبدي حرّ، وتكون جملة الشرط والجواب أيضا مستحقة بكل إجنابة أجنبها.
قال الشيخ (1): وهذا الذي ذهب إليه ابن عصفور تبعه عليه الأبّذيّ، وهذا الذي ذهب إليه مدفوع بالسماع والقياس:
أما السماع: فالمحفوظ من [لسان] العرب نصب «كلّما» هذه والقرآن العزيز مملوء من ذلك وكذا أشعار العرب، ولم يسمع من العرب الرفع بل النصب، والنصب على ما ذكرناه من الظرف، لأن «كلّا» مضاف إلى «ما» الظرفية، والعامل في هذا الظرف هو الفعل الواقع جوابا فـ «بدّلناهم» عامل في «كلّما» من قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ (2) وكذلك بقية الآيات الشريفة وهي قوله تعالى: كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا (3)، كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (4) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها (5)، كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها (6)، والفعل بعد «كلّما» في موضع صلة «ما» الظرفية لا في موضع الصفة.
وأما القياس: فإنه لو كانت «ما» نكرة موصوفة للزم من ذلك شيئان:
أحدهما: أن النكرة الموصوفة إنما تتقدّر بشيء لأنها مبهمة فلا دلالة فيها على أن ذلك الشيء هو وقت لأن العام لا دلالة له على تعيين بعض أفراده فتقديره أن «ما» بمعنى: وقت ليس بشيء لأن «ما» إذا كانت نكرة لا دلالة لها على تعيين أن ذلك الشيء هو وقت. -
(1) في التذييل (6/ 927)، وما بعدها.
(2)
سورة النساء: 56.
(3)
سورة البقرة: 25.
(4)
سورة الأعراف: 38.
(5)
سورة الحج: 22.
(6)
سورة الملك: 8.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والثاني: أنه لو كان الفعل واقعا صفة للزم أن يعود منه ضمير على الموصوف ولا يحذف إلا قليلا ولم يوجد في جميع استعمالات «كلما» ضمير يعود على الموصوف، فدلّ على أن الفعل ليس بصفة، وإنما هو صلة «ما» و «ما» حرف فلا يعود عليها ضمير، قال: وإنما غلّط الأستاذ أبا الحسن في ذلك أنه رأى أن ما بعد «كلّما» هو شرط دخلت عليه «الفاء» ، فإذا نصب «كلّما» فما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله فعدل إلى وجوب الرفع في «كلّما» فرارا من عامل النصب فيها وقد ذكرنا أنه محذوف لدلالة جواب الشرط عليه، قال (1): وأيضا قد تقرر عند الجمهور (2) أن الخبر عن الموصول أو الموصوف بشروطه، شرط دخول الفاء عليه أن يكون مستحقّا بالصلة أو الصفة، وهذه الجملة الواقعة خبرا لـ «كلّما» إذا رفعت «كلما» هي شرطية، فليست مستحقة بالصلة ولا الصفة، بل المستحق إنما هو قوله: فأنت طالق أو فعبد من عبيدي حرّ، وهذا جواب للشرط لا خبر عن المبتدأ، إلا أن يقال: ما كان مستحقّا بشيء ومترتبا عليه جعل كأنه مستحق بما قبله، وهذا كله ضعيف.
ثم ذكر (3) عن صاحب «البسيط» أنه قال: كلّما» تأتيني أكرمتك، على رأي سيبويه (4) «ما» مصدرية بمنزلة: ما تدوم لي أدوم لك، ومقصود بها الحين أي:
أزمان إتيانك أكرمك، ثم أدخلت «كلا» على المصدر بتأويل الزمان فاكتسب منها الزمان، فانتصب على ذلك، فحينئذ لا تكون شرطية، ومعناها: أزمان دوامك كلها أدوم لك، وقد قيل: إنها شرطية بمنزلة «لما» مع الماضي، وقيل: هي «كل» المتضمنة للشرط وأصلها: كل مضافة إلى اسم موصوف بمعنى: الأزمان كأنه قال:
كلّ زمن تأتيني فيه أكرمك، والأول باطل لوجود معنى الكلية فيها فلا تكون بمنزلة «لما» ، ويبطل الثاني أنه لزم طريقة الفعلية، ولو كان بمنزلة كلّ رجل يأتيني لجاز كون الجواب فيها بالجملة الاسمية والفاء، ولا تكون ذلك لبقاء «كلما» بلا عامل، وأيضا لجاز رفعها على الابتداء كما في [كلّ] رجل يأتيني له درهم، ولا تدخل «كل» هذه على
«ما» الشرطية في قولك: ما تفعل أفعل، لأنها تدل أيضا على -
(1) أي الشيخ أبو حيان.
(2)
انظر الهمع (1/ 109، 110) والأشموني (1/ 223 - 225).
(3)
أي الشيخ أبو حيان.
(4)
انظر الكتاب (3/ 102).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العموم فلا تدخل عليه نفسه لأن العموم يعم. انتهى. ما ذكره الشيخ بحثا ونقلا في مسألة «كلّما» .
وقوله «إن ما المصدرية الظرفية فيها معنى [5/ 179] العموم» لم أتحققه، لأن «ما» المذكورة مؤولة مع الفعل الذي بعدها بالمصدر، والمصدر لا عموم له، ولا شك أن حكم ما هو مؤول بشيء حكم ذلك الشيء الذي أوّل به، وإذا كان كذلك فمن أين يجيء العموم؟
ثم إن قوله في: لا أصحبك ما طلعت الشمس «إن معناه: لا أصحبك مدّة طلوع الشمس فحذفت مدة وأقيم المصدر مقامها ثم جعلت «ما» والفعل قائمين مقام المصدر غير ظاهر، لأن الذي أقيم مقام المضاف المحذوف الذي هو «مدة» إنما هو «ما» والفعل، لا المصدر وإنما «ما» والفعل مؤوّلان بالمصدر، والشيخ عكس الأمر فجعل القائم مقام المضاف هو المصدر، ثم جعل «ما» والفعل قائمين مقامه، والذي يظهر أن عموم الوقت المستفاد من نحو قولنا: لا أصحبك ما طلعت الشمس، ليس مستفادا من كلمة «ما» إنما استفيد ذلك من اسم الزمان المقدر إضافته إلى المصدر المؤول وهو «مدة» لأن هذه الكلمة بإضافتها إلى شيء يستفاد منها عموم وقت ما أضيفت إليه، ويدل على هذا الذي قلته أنك لو لم تأت بـ «ما» والفعل بل أتيت بالمصدر الصريح، وأضفت هذه الكلمة - أعني مدّة - إليه لأفاد ذلك العموم كقولك: لا أصحب زيدا مدّة طلوع الشمس، هذا الذي أدى إليه النظر في هذه المسألة، والله تعالى أعلم بالصواب.
وأما قوله - أعني الشيخ - «إن ما التوقيتية شرط من حيث المعنى فقد ينازع فيه، وأما أن المصنف ذهب إلى أن لها عملا [فلا] أستحضر الآن أين ذكر المصنف ذلك، نعم ذكر المصنف أن «ما» الشرطية قد تستعمل ظرفا وكذا «مهما» وقد تقدم الكلام على ذلك، فإن كان هذا هو الذي قصده الشيخ لم يثبت ما ذكره لأن «ما» هذه ليست التوقيتية وإنما هي الشرطية نفسها، لكنها مع كونها شرطا قصد منها الظرفية، ثم يقال: إن قوله تعالى: فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ (1) من هذا القبيل الذي ذكرته - أعني أن ما في الآية الشريفة شرطية، ومع كونها شرطية -
(1) سورة التوبة: 7.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هي ظرفية وعلى هذا لا يحتاج إلى قول الشيخ إنها - أعني ما التوقيتية - لما جرت مجرى الشرط في المعنى جرت مجراه في الجواب فدخلت «الفاء» لما كان الجواب فعل أمر.
وبعد فتفسير صاحب «البسيط» لكلمة «كلّما» حيث قال: «ما مصدرية بمنزلة: ما تدوم لي أدوم لك ومقصود بها الحين أي: أزمان إتيانك أكرمك ثم أدخلت «كلا» على المصدر بتأويل الزمان فاكتسب منها الزمان فانتصب على ذلك» أبين وأوضح من تفسير الشيخ، لأنه جعل المصدر المؤول قائما مقام الزمان المحذوف، ثم حكم بأن «كلا» صار مدلولها زمانا لإضافتها إلى ما قام مقام الزمان، ولم يدّع عموما في «ما» فعلمنا أن العموم إنما استفيد من الكلمة الموضوعة [له] وهي «كلّ» .
ومنها: مسألتان ذكرهما الشيخ (1):
الأولى:
إذا كان قبل فعل الشرط وبعده فعل ليس جوابا فإن حملت على الأول رفعت مثاله: تؤجر أمرت بمعروف وتثاب، أو على الثاني جاز الرفع والجزم مثاله: تؤجر إن أمرت بالمعروف وتنهى عن المنكر، فالجزم في «وتنهى» بالعطف على محل «أمرت» والرفع على الاستئناف.
الثانية:
إذا أتيت بأفعال بعد فعل الشرط من معناه فإن عطفتها بـ «الواو» نحو: إن تحسن وتكرم أباك وتصل رحمك وتأمر بمعروف وتنه عن منكر فالله يثيبك، فالجواب مستحق بالمجموع إن لم تعطفها فإبدال بداء (2) ليس فيه إبطال، فالظاهر أن الجواب مستحقّ بجميعها إن وقعت، وبواحد منها إن وقع، وإن كانت ليست من معنى فعل الشرط لزم أن ترتفع، فيرفع الأول على الحال وتعطف البواقي عليه (3).
(1) انظر التذييل (6/ 930).
(2)
لعله يقصد أنها إذا لم تعطف أعربت بدل بداء - أي بدل إضراب - ليس فيه إبطال للمتقدم.
(3)
مثال ذلك: إن تذاكر وتصلي الفرائض وتأكل وتنام وتستيقظ فأنت معتدل، فيرفع الأول على الحال وتعطف الأفعال الباقية بعده عليه.