الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأوجه الجائزة في المضارع المعطوف على الشرط]
قال ابن مالك: (وإن توسّط بين الشّرط والجزاء مضارع جائز الحذف غير صفة أبدل من الشّرط إن وافقه معنى وإلّا رفع وكان في موضع الحال).
ــ
على «الفاء» فلا اعتراض» انتهى.
ولقائل أن يقول: لا شك أن «أما» ليست حرف شرط في الأصل وإنما هي حرف تفصيل وقد تضمن معنى الشرط كما في قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (1) وقد لا تضمن وذلك إذا اقترنت بها أداة شرط كقوله تعالى: فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (2) فيقال: استغنى عن تضمينها معنى الشرط بذكر الشرط معها وخلصت هي للتفصيل الذي هو معناها الأصلي، وعلى هذا فتخرج المسألة من هذا الباب.
وأما قول المصنف: «ويتعيّن ذلك - يعني الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم السابق - إن تقدّمهما ذو خبر» فقد تقدم آنفا ما نقلناه عنه من شرح الكافية، وتقدم الكلام [عليه] في باب «القسم» أيضا.
وأما قوله «أو كان حرف الشّرط لو أو لولا» فقد أشبع فيه الكلام في باب «القسم» أيضا فليراجع فإنه مشتمل على بحث حسن.
قال ناظر الجيش: قال المصنف في شرح الكافية (3) بعد كلامه على الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء المقترن بـ «فاء» أو «واو» : «فإن خلا الفعل المتوسط بين الشرط والجزاء من الفاء والواو جزم وجعل بدلا من الشرط أو رفع وكان في موضع نصب على الحال، فمثال المجزوم المجعول بدلا قول الشاعر:
4067 -
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا
…
تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا (4)
-
(1) سورة آل عمران: 106، 107.
(2)
سورة الواقعة: 88، 89.
(3)
انظر شرح الكافية الشافية (3/ 1607).
(4)
سبق شرحه والتعليق عليه في هذا التحقيق. والشاهد فيه هنا قوله: «تلم» حيث إنه مضارع توسط بين الشرط والجزاء وخلا من «الفاء» و «الواو» على البدل من الشرط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ومثال المرفوع المقدر في موضع الحال قول الآخر:
4068 -
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
…
تجد خير نار عندها خير موقد (1)
انتهى.
لكنه [هنا] قيّد الفعل - أعني المضارع المتوسط بين الشرط والجزاء الصالح للبدلية أو الحال تقيدين وهما: أن يكون جائز الحذف، وأن يكون غير صفة، واحترز بالقيد الأول من أن يكون ذلك الفعل خبر «كان» أو ثاني مفعولي «ظننت» نحو قولك، إن تكن تحسن إلى أحسنت إليك، وإن تظنني أصدق أصدقك، ومن ذلك قول زهير:
4069 -
ومن لا يزل يستحمل النّاس نفسه
…
ولا يغنها يوما من الدّهر يسأم (2)
فالفعل الذي في هذين المثالين وفي هذا البيت لا تعلق له بفعل الشرط فيكون بدلا منه، ولا بفاعل فعل الشرط فيكون حالا، إنما هو خبر «كان» وخبر «لا يزال» وفي موضع ثاني مفعولي «ظننت» فكان له في الإعراب حكم نفسه، ولم يجز فيه أن يكون بدلا من فعل الشرط ولا حالا من فاعله.
واحترز بالقيد الثاني من أن يكون ذلك الفعل صفه أي في موضع الصفة نحو قولك: إن يأتني رجل يخاف الله أعظّمه، فـ «يخاف الله» في موضع الصفة لفاعل الشرط فكان له أيضا في الإعراب حكم نفسه.
فإذا انتفى عن المضارع الواقع بين الشرط والجزاء أن يكون جائز الحذف وأن يكون صفة ووافق في المعنى فعل الشرط جزم على أنه بدل من فعل الشرط كما في البيت المتقدم إنشاده (3)، وإن لم يوافق ذلك الفعل المتوسط فعل الشرط في المعنى -
(1) سبق شرحه والتعليق عليه في نواصب المضارع. والشاهد فيه هنا: قوله «تعشو» حيث إنه مضارع بين الشرح توسط والجزاء وخلا من «الفاء» و «الواو» فرفع وهو في موضع نصب على الحال والتقدير:
متى تأته عاشيا.
(2)
هذا البيت من الطويل وهو لزهير وقوله «يستحمل الناس نفسه» أي يلقى إليهم بحوائجه وأموره فيعطهم إياها.
والشاهد فيه رفع «يستحمل» لأنه لا تعليق له بفعل الشرط ولا بفاعله وإنما هو خبر «لا يزال» والبيت في الكتاب (3/ 85)، والمقتضب (2/ 63)، وأمالي الشجري والهمع (2/ 63) وديوانه (ص 15).
(3)
وهو قوله:
متى تأتنا تلمم بنا .... البيت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رفع وكان في موضع الحال نحو: من يأتني يضحك أحسن إليه، ومن ذلك البيت المتقدم إنشاده وهو:
4070 -
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
قال الشيخ (1): «والموافقة قد تكون بالترادف كما في قوله:
4071 -
متى تأتنا تلمم ....
لأن الإتيان والإلمام مترادفان، وقد يكون الفعل الثاني نوعا من الأول نحو قولك:
إن تأتني تمشى أمش إليك. انتهى.
ولك أن تقول: كان الواجب أن يقول المصنف: وغير حال بعد قوله: «غير صفة» لأن الصفة كما أنها لفاعل فعل الشرط هكذا الحال إنما هي حال من فاعل الفعل المذكور فلها حكم نفسها، كما أن الصفة لها حكم نفسها، فكان الواجب أن يستثنى الحال كما تستثنى الصفة لأن الكلام إنما هو مسوق الآن لبيان تبعية المتوسط في الإعراب لفعل الشرط، وذلك إنما يتصور إذا كان بينه وبين فعل الشرط علاقة بأن وافقه معنى كما ذكر، أما إذا كان صفة لفاعل فعل الشرط أو حالا منه فلا يخفى أن له في الإعراب حكم نفسه.
واعلم أن كلام الشيخ هنا تضمّن أمورا:
أولها: أنه قال (2): «لا خصوصية في المسألة بالمضارع، بل الحكم الذي ذكره من البدل [5/ 170] أو الحال جار في المضارع وفي الماضي، فكما تقول: إن تأتني تمشي أكرمك تقول: إن أتيتني قد مشيت أكرمك، وإن تأتني قد ضحكت أحسن إليك، ويجوز أن لا تأتى بـ «قد» على رأي من لا يشترط ذكرها، ثم قال (3): ولكن المصنف ذكر المضارع لأن فيه يظهر أثر العمل في البدل وعدم أثره في الحال. انتهى.
وقد كفانا مؤونة الجواب عن المصنف بقوله: إن أثر العمل يظهر في المضارع - يعني من جزم أو رفع ولا شك أن هذا هو المقتضي له أن خصص المضارع بالذكر.
ثانيها: أنه قال (4): «وذكر المصنف أن المضارع إذا استوفى ما ذكره من الشروط -
(1) انظر التذييل (6/ 892).
(2)
انظر التذييل (6/ 891) وقد نقله عنه بتصرف.
(3)
أي الشيخ أبو حيان.
(4)
انظر التذييل (6/ 892).