الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاسعا: حدود التنشئة الاجتماعية
مدخل
…
تاسعا: حدود التنشئة الاجتماعية
تبدأ التنشئة منذ اللحظة الأولى في حياة الأفراد مرورا بالعديد من الأمور حتى اختيار الوالدين للون الذي يلائم الإناث والألوان التي تناسب الذكور. فهي عملية معقدة متشابكة تتأثر بعوامل خارجية وداخلية.
والجماعات والمؤسسات الموجودة في المجتمع تلعب الدور الأساسي في هذه العملية مثل الوالدين والإخوة وجماعة الرفاق. وجميع هؤلاء يبذلون جهدا كبيرا ويقضون جزءا من أوقاتهم في العمل على إيصال القيم وتشكيل وتعديل سلوك الأطفال.
وتختلف كل من القيم والمعايير والأهداف والوسائل التي تنطوي عليها عملية التنشئة الاجتماعية عبر المجتمعات، بل إنها تختلف داخل المجتمع الواحد من جماعة إلى أخرى، بل وفي المجتمع الواحد عبر الأزمنة والعصور.
وتعتبر التنشئة الاجتماعية للأفراد في مراحل الطفولة ليست كافية تماما لمواجهة مطالب الحياة اللاحقة، فهم ينتقلون عبر سلسلة من المراكز تكون مصاحبة لمراحل الحياة. وعلى الرغم من أن بعض توقعات المجتمع شبه ثابتة، إلا أن هناك توقعات تتغير من عمر إلى آخر، في الوقت الذي ينتظر من الفرد الاستجابة لهذه التوقعات المتغيرة بأسلوب مناسب عندما يصبح في حياته أشخاص جدد في العائلة أو العمل أو الدراسة.
وبطبيعة الحال فإن فعالية التنشئة الاجتماعية في الطفولة يكون لها التأثير الأعظم في المجتمعات عديمة التغير أو ضئيلة التغير، ولكن لا يتوقع لها الثبات. وربما يأتي الاستقرار في مثل هذه المجتمعات الهادئة من الاستمرار مدة زمنية مع الآخرين المهمين أنفسهم، والذين ينغمر معهم الفرد، مثل الأبوين أو الأقارب الذين يعش معهم الطفل حتى منتصف العمر وأحيانا الأصدقاء الذين يستمرون خلال معظم حياة الإنسان. إلا أنه حتى في بعض المجتمعات عديمة التغير نسبيا لا تمكن تنشئة الطفل في الطفولة نجاحه في التعامل مع كل الأدوار التي يتم مقابلتها في المستقبل، كما أن الأفراد لا يمكن تنشئهم في الطفولة على أدوار سوف
تقابلهم في المستقبل، ومثال ذلك دور الزوج عند الزواج والمدني عندما يجند. ويساهم كل من التنقل الجغرافي والانتقال الاجتماعي المتميز به في مجتمع الطبقات المفتوحة في إظهار عدم كفاية التنشئة في مرحلة الطفولة لمواجهة المواقف التي يتعرض لها الأفراد حينما يصبحون مراهقين أو شبابا.
إن تنوع الحضارات الفرعية في المجتمعات الحديثة المعقدة، يضاعف تأثير الانتقال عن طريق متطلبات الأدوار الجديدة وغير المنتظرة التي توضع على الفرد. كما أن التغيرات الاجتماعية السريعة التي تحدث خلال مراحل العمر تظهر عدم كفاية كثير مما وجهنا به في مرحلة الطفولة.
وأما هذه التحديات فإن المجتمعات تحاول وضع اللبنات الأساسية لتعلم ضروري في الفترة التالية من العمر عن طريق تزويد الأفراد بما يساعدهم على المبادرة والإبداع والمرونة والقدرة على مواجهة الجديد والبعد عن التلقين وغير ذلك من الصفات التي تفيد في مواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية المتغيرة.
ويضيف ذلك على المجتمعات الحديثة أعباء تجديد التنشئة الاجتماعية للأفراد الذين لم يتم إعدادهم لمثل هذه التحديات، وعلى المؤسسات التي تعني بتنشئة الأجيال أن تتطور، ولا بد من توفير برامج تكرس فيها جهودها لهذا الأمر وتأخذ على عاتقها تربية الآباء مع اختلاف الأجيال.
ويجب أن نعترف أولا بالصفات المستمرة للتعلم والتنشئة في مرحلة الطفولة والصعوبة النسبية في تغيير أغلب ما تم تعلمه، وبخاصة إذا كان هناك العديد من الآراء تحبذ الرأي الشائع بأن أغلب الجانب غير الواعي من الشخصية "اللاشعوري" يتجمع خلال التنشئة الاجتماعية المبكرة.
وإذا افترضنا وجود صفات دائمة للتعلم في مراحل الطفولة، فإن تأثير مثل هذا التعلم على تنشئة الفرد في المراهقة أو الرشد يكون أكثر تعقيدا مما قد يبدو فليس التعلم المبكر وحده المتدخل والمحدد للتعلم المتأخر، وإنما هو واحد من مجموعة تأثيرات. والأصح أن علاقة التعلم المبكر أو عدمه بالنسبة للتعلم المتأخر تقرر هل ستحدد أو ستسهل التنشئة الاجتماعية للأفراد الأكبر سنا.
وإن كانت هناك فائدة من إحلال التعلم المتأخر بالتعلم المبكر بخصوص التنشئة والقديم بالجديد، إلا أن هناك حالات يمكن أن يسهل التعلم في مرحلة
الطفولة التعلم في الرشد، وبالتالي تكون تنشئة الكبار مرارا ناتجة من خلق توفيقات Combinations من عناصر استجابات قديمة، ويكون غياب تعلم معين في مرحلة الطفولة هو نقطة سالبة في تنشئة متأخرة لأن إتيان الفرد إلى دور اجتماعي في حياته المتأخرة بدون معلومات ولو بسيطة من التنشئة الاجتماعية في الطفولة يعرقل أو يعوق التعلم في السنوات المتأخرة. إن هناك أشياء يجب أن تعرف في مراحل عمرية معينة، وتعلمها في الوقت المناسب "مرحلة حرجة" يجعل التعليم اللاحق ممكنا.
ورغم كل ذلك فإن الجدل ما زال دائرا حول تأثير التنشئة المبكرة أو غيابها على التنشئة المتأخرة، ولكن الواضح أن المحتوى الأساسي للتنشئة الاجتماعية يختلف بطرق هامة في المراحل المختلفة لحياة الأفراد وباختلاف المؤسسات الاجتماعية الأساسية. ويتعلم الأفراد أشياء مختلفة في أوقات مختلفة من حياتهم بل وفي أماكن مختلفة أيضا، ومع ذلك فإن معظم المجتمعات تعيد وضع قيمها الاجتماعية جيلا بعد جيل، وأسباب نجاحهم في ذلك معقدة. فقد تعمد المجتمعات إلى إدامة هذه التشابهات عن طريق التلقين الواعي أو تدريب الصغار، أو بفرض ضغوط اجتماعية على كل أعضائها من المهد إلى اللحد، أو عن طريق عدم إتاحة بدائل تكون أكثر قبولا.
وربما أضافت الأمثلة التالية مزيدا من الإيضاح وبعضا من عدم التفاؤل: