الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ- التقمص: وهنا يشعر الطفل أو لا يشعر بأنه أصبح مثل النموذج، وبذلك يكون قد توحد معه، ويسلك مثله وينفذ تعليمات النموذج. ويتوقف ذلك أيضا على شخصية الطفل وحاجاته ومدى تقبل البيئة المحيطة لسلوكياته المتقمصة.
وإذا كانت هناك بعض المخاوف التي تنتاب الآباء من تعرض أطفالهم لرسائل إعلامية لا تليق بأعمارهم، فإن أجهزة الإعلام المعنية عليها مراعاة ذلك قدر الإمكان، كما أن الآباء لا يجب أن يقفوا كما سبق أن أشرنا مكتوفي الأيدي. ورغم ذلك فإن لرسائل الإعلام آثارا جلية في التنشئة الاجتماعية للأطفال ومن ذلك:
أ- إشباع حاجات الأطفال للاستطلاع والترويح والتسلية.
ب- عرض مضمون يتناسب مع فئات الأعمار بحيث يجد كل طفل ما يناسب عمره، مراعية الخصائص الشخصية للأطفال في كل عمر وطبيعة البيئة والمجتمع الذي يقدم فيه المضمون.
جـ- ربط الآباء بوسائل الإعلام بالإجابة على استفساراتهم وتوجيه مشكلاتهم التي تعترضهم أثناء تربية الأطفال إلى المختصين للإجابة عليها وتوضيح الحلول المناسبة لها.
7-
رؤية الآباء لدور وسائل الإعلام في تنشئة الأطفال:
في الوقت الذي لا ينكر فيه الآباء دور وسائل الإعلام على تثقيف طفل اليوم، وأنهم افتقدوا ذلك حينما كانوا أطفالا، نجدهم يوجهون بعض اللوم لهذه الأجيال عبر وسائل إعلامهم وثقافتهم. فنسمع بعض الآباء يقولون "جيل تلفزيون" أو يقولون "جيل فيديو"
…
وتحمل هذه العبارات وغيرها نوعا من عدم الرضا في أغلب الأحوال لحال أطفالنا.
وهذا لا يخفي الامتنان الواضح للآباء على مشروع القراءة للجميع والذي تبنته سيدة مصر الأولى "سوزان مبارك".
وبالرغم من ذلك لا ينسى الآباء الجهود التي تبذل من قبل وسائل الإعلام في خدمة قضاياه ليس فقط في مصر بل والعالم العربي، وهذا يعلن عن نفسه في
تنوع وكم هذا العدد الكبير مما يقدم للأطفال ومن أجلهم. وأود أن أشير إلى أنه بالرغم من أن الأطفال العرب يمثل تعدادهم بنسبة تقدر بنحو 45% من تعداد سكان العالم العربي في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الأطفال في العالم كله 37% من عدد السكان تهبط هذه النسبة إلى 27% تقريبا في أمريكا الشمالية ودول أوروبا وترتفع 42% في أمريكا الجنوبية، وعموما في الدول المتقدمة لا تزيد نسبة الأطفال عن 22% من جملة السكان. إن ارتفاع نسبة الأطفال العرب هذه لا يرفع نسبة الإنفاق على الأطفال في هذه الدول العربية والذي لا يمثل أكثر من 1% مما كان من الواجب إنفاقه، وهذا ينسحب بالتالي على أداء وسائل الإعلام المختلفة لدورها الرئيسي.
ومن المعروف أن الخلية الأولى التي ينمو فيها الطفل ويحتك بها احتكاكا مستمرا ويتلقى فيها أول أنماط التنشئة هي الأسرة. والأسرة لا تعتبر الآن بالأسرة الشاملة للرعاية والتنشئة لهذا الطفل أو ذاك في خلال سنوات حياته الأولى، وذلك كما كان حالها في العصور الماضية، فتشاركها الآن معاونة دور الحضانة والروضة بهدفها التثقيفي التربوي، والمدرسة بأنشطتها الصحافية والإذاعية والموسيقية وغيرها. وكذلك المادة المطبوعة من مجلات وكتب، والمذياع المرئي والمذياع المسموع، ونوادي تثقيف الطفل، وقد استدلت مثل هذه المؤسسات التربوية ومؤسسات أخرى على بعض من تلك الأدوار والأنشطة التي كان الآباء والأقارب يقومون بها في وقت من الأوقات، وبغض النظر عن تعرض الطفل تعرضا هائلا للمؤثرات الخارجية، فما زالت المدرسة ذات آثر في توجيه الطفل ونموه العقلي وجزء من ثقافته وتحاول دور الحضانة والروضات جاهدة أن تساهم بدور ليس بالقليل وخاصة في مرحلة هامة من مراحل نمو الطفل النفسي.
ويقع على عاتق الأجهزة الإعلامية الآن نسبة كبيرة من تثقيف الطفل وتوجيهه فضلا عن مساهمة المؤسسات التربوية الأخرى.
هذا
…
ويؤكد جوهرية الدور الذي تقوم به أجهزة الإعلام في إعطاء ثقافة مشتركة وخلفية موحدة لأعداد كبيرة من الأطفال وفي أسرع وقت ممكن وعبر المساحات الشاسعة والأميال المترامية من البيئات المتباعدة والقريبة.
ونعود ثانية إلى داخل الأسرة، فنجد أنها أول خلية للمجتمع يقابلها الطفل، وأول وكيلة من قبل البيئة لتنشئته وتنبيه عواطفه، وواضعا بذور القيم والتقاليد والعادات عبر الأم بالدرجة الأولى يساعدها الأب بالدرجة الثانية ويشاركها أعضاء الأسرة، إن هذا يجعل للأسرة الفضل في بث أوليات ثقافة الطفل.
ثم نعود ثانية أيضا لمدارسنا فتعتبر عملية توجيه الطفل نحو النظام الاجتماعي والسياسي القائم وتعضييد احترامه له هو أحد المسارات التي تعمل فيها المدرسة كمؤسسة تحافظ على ثقافة المجتمع وتراثه، ولكن مسئولية مدارسنا لن تنتهي بالمحافظة على الوضع الراهن ولا حتى عن طريق التنشئة الاجتماعية للأفراد القادرين على التكيف بسهولة مع البيئة الاجتماعية والمادية المتغيرة، ولكن بدلا من ذلك سوف تمتد إلى أقصى درجة ممكنة من تشجيع القدرات العقلية واستثمارها لأعضاء المجتمع الجدد من الأطفال.
وعلى مؤسساتنا التربوية أن تأخذ على عاتقها القيام بدور رئيسي للتحديث الواع والتغير إلى جانب دورها الشرعي في تأكيد الاستمرار الثقافي للمجتمع وأصالته المتميزة، وخاصة بعد انتشار وسائل الاتصال الحديثة مثل "الدش".
وسوف يصبح هناك تفاقهم للمشكلة نتيجة لحقيقة يثيرها الآباء وهي: أن المدرسة تبدو أنها تتغير بطريقة أكثر بطئا عن أوجه المجتمع الأخرى، إن كل التعليم تقريبا يصبح قديما وقد يكون باليا في الوقت الذي يعطى فيه.
إن علاج هذه المشكلة سوف يساهم فيه التقاء المؤسسات المختلفة التي تهتم بالطفل لتحديد الدور الذي تشارك به كل منها ومداه آخذين في الاعتبار عدم ظهور الازدواجية في الأداء أو التعارض بل التعزيز والتكامل بين هذه المؤسسات.
ومن بين هذه المصادر الكلمة المطبوعة والممثلة في الكتب والمجلات المقدمة للأطفال. إن لها الأثر الكبير على ثقافة الطفل، فالكلمة المكتوبة هي أول وسيط ثقافي للإنسان، وظلت وسوف تظل بقدرتها وقيمتها.
والكتاب الثقافي للطفل هو الذي يقدم له الصور الذهنية والفكرية والوجدانية ويفسر له المعاني التي تتكون في خاطره وفي خياله على مر الأيام والأعوام، ويترجم له كل التصورات والأفكار والخيالات معتمدا على الانطباعات الحسية والمعنوية فيجد فيه الطفل ومنه إمتاعا عقليا، والكتب بمثابة الناقل للحضارة
وقيمها إلى الطفل وكذا المسهم في التربية فضلا عن عرضه للتراث بأشكال فنية جذابة وبسيطة للخبرة المهذبة وتنمية القدرة على مواجهة الحياة.
إن نسبة كبيرة من كتب الأطفال بالعربية تصور في باب القصة والموضوعات الدينية وبعض الموضوعات التاريخية، وقلة نادرة هي التي تصور موضوعات علمية أو فنية ولم توجد قواميس أو موسوعات عربية للطفل العربي إلا مؤخرا رغم قلتها.
والكتابة للأطفال فن وحساسية وموهبة بالإضافة للمعرفة الدقيقة بمراحل النمو النفسي وجوانبه العقلية والاجتماعية والانفعالية واللغوية، مما يستلزم عدم السماح بتوجه القلم الذي يكتب للطفل إلا لمن أوتي هذه الجوانب مما يدعو إلى الاطمئنان عند مخاطبة الطفل بالكلمة المكتوبة.
وعلى اعتبار أن ثقافة الطفل مجموعة من الخبرات الواجب اكتسابها، وتساعده على النمو إلى أقصى حد ممكن، فإن المنزل ودار الحضانة والمدرسة وأجهزة الإعلام والكتب والمجلات يجب أن تشارك معا لاستغلال الكثير من طاقات الطفل المعطلة والتي يمكن عن طريقها إثراء ثقافته ونموه العقلي في ضوء اعتبارات هامة هي:
1-
مشكلات الطفل اليومية مصدر رائع للتثقيف والتنشئة.
2-
استغلال حواس الطفل في نموه العقلي وثقافته خير ضمان.
3-
حب الاستطلاع عند الطفل ثروة يجب استثمارها إيجابيا.
4-
إهمال حب الطفل للحركة واللعب في توجيهه خطأ سوف نعاقب عليه أنفسنا.
5-
تستيقظ مدارك الأطفال على الغناء والموسيقى.
6-
القدرة على التخيل إمكانية ذهنية للتثقيف والنمو العقلي ومن ثم التنشئة.
والآن هل علمت الأم بطريقة ما أثر تلك المتغيرات، وهل أشير للأب عن أثره الفعال في ثقافة الطفل ونموه، وهل حاول القاصدون والمربون استغلال تلك
العناصر كهدف عن قصد في قضية الثقافة للصغار. وإننا إذا قلنا: وما النوع؟ فسوف نسمح لأنفسنا أن نقول: وما أقل الكم!
وإذا كانت الكلمة المقروءة هي أخلد الوسائل للثقافة فإن الكلمة المسموعة والمرئية تفوقها سرعة في التأثير ومدى الوصول إلى أعماق الطفل.
والأثر الخطير لكل من الإذاعة والتلفزيون على نفوس الأطفال ووجداناتهم جعلنا نهتم بإعداد برامج خاصة بهم ويتحقق من خلالها لهم الإمتاع العقلي والنفسي وتبتعد به عن التدريس في أسلوب التقديم.
والطفل قد يجلس أمام التلفزيون ما يقرب من سدس عدد ساعات اليقظة، وعندما يجلس أمام هذه الشاشة الصغيرة فهو يتعلم نماذج جديدة من السلوك قد تدعم أنماط السلوك السائدة أو تبشر بأشكال جديدة من السلوك المقبول والموافق لمعايير المجتمع، أو قد ثبت قيما وآراء وأشكالا جديدة تتعارض بل تتصارع مع قيم الجماعة وتقاليدها. وهنا تكون الخشية على التنشئة.
إن الإيمان بالفكر الغربي فيما يقدم للطفل ونقل نماذج الغرب إلى بلادنا شيء يستحق منا وقفة تأمل. إن ما يصلح هناك قد لا يصلح هنا. ويكفي أن نقول عن هذه البرامج التي تقدم هناك ويستعان بها هنا. إن أطفالنا ليسوا هم بأطفال الغرب وقيمنا التي يجب أن نربيها فيهم لا تصلح لها برامج غربية تعنى وتهتم بتنمية قيم وتقاليد خاصة بأطفالها لإتمام سلسلة قيمية تخدم ثقافة الغرب من أجل أطفال بعينهم، وذلك بهدف أن يصبح الطفل ذا ثقافة فرنسية أو أمريكية أو غير ذلك اعتمادا على القيم والتقاليد والعادات التي تبثها تلك البرامج عن قصد لأطفالها، وهل أطفالنا فوق كل ذلك يتميزون بمعايير النمو التي يختص بها طفل من ثقافة أخرى ومن مجتمع مختلف؟ لا أعتقد هذا وإن تشابهت إلى حد ما إذا جاز لنا هذا القول.
وطوق النجاة لن يكون من خارجنا دائما، بل من أعماق أصالتنا وتراثنا العربي العريق، طوق النجاة لنا برامج تؤكد قيم المجتمع العربي وتثبت تقاليد وعادات وعرفا عربيا أصيلا، فالوطن العربي له تراث وله بناء دينامي وله تاريخ