الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
معالجة آثار الإحباط على التلاميذ أثناء تنشئتهم داخل المدرسة:
الأمر مختلف تماما بالمدرسة، فليس من الضروري في المدرسة كما هو الحال في الأسرة أن نقوم بمعالجة آثار الإحباط أو الألم الناتج من الحرمان من ممارسة نشاط داخل المدرسة، أو عدم الحصول على جائزة لتدني مستوى التلميذ، أو خفض درجته في السلوك مع نهاية الشهر لتجاوزه حدود الألفاظ اللائقة مع الزملاء، أو توقيع أي نوع من أنواع العقاب الأخرى المسموح بها في المدارس.
4-
المدرس وعملية التنشئة الاجتماعية:
المدرس هو المركز الذي تلتقي عنده بالتلميذ كل النظم الموضوعة في المدرسة وكل الأساليب المتبعة للتنشئة الاجتماعية.
والمدرس له عدد من المكانات والأدوار الاجتماعية التي تحددها المؤسسة التي يعمل بها، وهو يعمل ويؤثر في التنشئة الاجتماعية للتلميذ من خلال هذه المكانات والأدوار.
والتلميذ يدرك المدرس بصورة قد تتفق أو تختلف عن تلك الصورة المحددة اجتماعيا بواسطة نظم التعليم أو التربية، ولا يمكن أن نغض البصر عن خصائص المدرس ونواحي شخصيته وانعكاستها على دوره.
ثم ظاهرة مؤكدة يعرفها كل من مارس مهنة التعليم. كما يعرفها عن تلاميذه الأطفال أو حتى المراهقين، تلك الظاهرة هي المحاولة المبدئية من جانب المدارس والمدرس لتنصنيف الآخر.
فأول ما يفكر فيه المدرس هو أن يعرف نوعية التلاميذ الذين وكل إليه أمورهم، كما أن التلاميذ يقومون بنفس المحاولة، وفي ضوء المحاولتين نجد الهدف هو العثور على مفتاح شخصية الطرف الآخر للسيطرة عليه وربما أسره.
وإذا كانت للمدرسين وسائل ومظاهر أرقى لتحقيق هذا الأسر، فإن التلاميذ قد يتخذون في هذا السبيل ما يدعو أحيانا إلى الرثاء، لو أن بعض المدرسين يقعون مع ذلك فيها، مثال ذلك ما يلاحظ من تسابق فئة خاصة من تلاميذ الفصل على تقديم بعض الخدمات للمدرس، كتنظيف المكتب أو مسح السبورة
…
إلخ. مع أن مثل هذه الأعمال يمكن أن تحقق في جو من التنظيم مبني لفائدة الجماعة وليس للتقرب من المعلم.
إن التلاميذ رغم صغر سنهم في المدرسة الابتدائية، يبدون وكأنهم سيكولوجيون صغار بالنسبة لمعلميهم أو بالنسبة لآبائهم حينما كانوا يعتمدون المساومة لتحقيق المطالب أو وصف الطرف الآخر.
ومن الملاحظات أن نجد المدرس وهو يسأل تلاميذه الصغار بطرق متنوعة عن أفضل مدرس بالنسبة لهم، فهذه الواقعة التي تبدو في ظاهرها مجرد فضول، إلا أنها تدل في عمقها على أن المدرس يسأل في سبيل جلب الاعتراف بأنه الأحسن، أو ليتعرف على الأقل على الصورة المفضلة لدى التلاميذ التي يمكنه بواسطتها أن يستحوذ على دارسيه، وهو نوع يشبه نوع الموقف الذي يتخذه أحد الوالدين سائلا الطفل إن كان يجب أمه أو أباه أو أيهما أفضل ولماذا؟ إنه موقف المساومة والارتشاء العاطفي والأنانية في الاستحواذ على الطفل.
ومع أهمية مثل هذه المواقف في العلاقة الناشئة بين المدرس والتلميذ، وقوة دلالتها، على أن دور المعلم في المدرسة يتحدد بواسطة هذه التصورات التي يكونها من الواقع، أو انطلاقا من تصورات التلاميذ.
ومهما كان الأمر فإن للمدرس أدوارا من المفيد أن نستعرضها.
أ- المدرس كمنفذ سياسة: وفقا لما تتطلبه سياسة المدرسة، يعمل المدرس على إكساب التلاميذ القيم والمعايير وأنماط السلوك التي تعكس سياسة السلطة التربوية في المجتمع، وليس من حقه التغيير، وإن كان تنفيذ هذه الممارسات للإكساب يعكس ذاتية المدرس وخصائصه الشخصية، وربما وقع في صراع بين السياسة المطلوب تنفيذها منه وما يؤمن به، إلا أنه في النهاية عليه أن يسير طبقا للسلطة التربوية الكبرى، وهو في ذلك يكون قد اتخذ أحد المسالك لعملية التنشئة الاجتماعية للتلاميذ.
ب- المدرس كممثل سلطة: السلطة داخل المؤسسة التعليمية ضرورية، وللمدرس نصيب منها بقدر ما يسمح له بإحداث التأثير المناسب في مجالات ضبط سلوك التلاميذ والحكم عليها واتخاذ قرارات تتصل بهم.
والتلميذ هنا من خلال تفاعله مع مدرسه الذي يعتبر ممثل السلطة، يتعلم أن هناك قوى مراقبة لضبط سلوكه، وأن هناك سلطات تقدير وتقويم تزنه وتحكم عليه حسب أدائه وسلوكه.
جـ- المدرس كنموذج سلوك: المدرس يجب أن يكون مثالا أو نموذجا للتلاميذ، ومتوقع منه أن يسلك تبعا لصورة لها أهميتها. إلا أن الأمر يختلف بين التلاميذ عند اتخاذهم مدرسيهم أو أحدهم نماذج لهم. فالتلميذ الذي ينتمي لمستوى
اقتصادي مرتفع قد يحب مدرسا ويحترمه ولكنه ينظر إليه أنه من فئة أخرى أو من جماعة معينة، وربما ينظر إليه على أنه أقل منه في المستوى بحيث لا يتمنى أن يصبح مثله، بعكس الحال إذا نظر إلى هذا المدرس تلميذ له مستوى اقتصادي منخفض. وهذا لا يعني أن التلميذ صاحب المستوى الاقتصادي المرتفع لا يتأثر ببعض السمات البارزة في هذا المدرس.
إن التأثير العاطفي لشخصية المدرس في التلميذ يأتي من مبدأ اتخاذ المدرس كنموذج، فكل الظروف القائمة في مجال المدرسة وشروطه المادية والمعنوية، ومضمون عملية التنشئة التي يقوم بها المجتمع تؤدي إلى هذه النتيجة. وإن المدرس نفسه وهو يتعامل مع التلميذ يكون في ضوء هذا المبدأ، كما أن التلميذ يعامل المدرس على أساس منه.
وهذه النموذجية الشاملية على المستوى المعرفي والأخلاقي والوجداني هي ما يجعل العمل التربوي صعبا، وهو أمر واضح من تردد وتخوف المبتدئين في التدريس أو المقبلين عليه. وهذا التأثير للنموذج ربما استمر معهم وعلق بهم إلى مراحل متأخرة من حياتهم، وخاصة ما يتصل بالجانب الخلقي والمهني من شخصية المدرس.
د- المدرس كممثل قيم: إن المدرس في سلوكه ومن خلال مركزه الاجتماعي يعكس العديد من القيم مهما اختلف المدرسون، مثل قيمة النظام، وقيمة المعرفة والتحصيل، وقيمة المسايرة الاجتماعية أو التمشي مع الأوضاع. ويتأثر التلاميذ عبر سلوك المدرس وتصرفه في المواقف بهذه القيم، في الفصل أو أثناء النشاط أو أثناء حفلة أو مباراة.
هـ- المدرس ككفيل أو معيل Supporter: ربما كان أعمق تأثير للمدرس في نمو التلميذ اجتماعيا، هو ما يشعره التلميذ بأنه مكفول بالمدرس أو أن المدرس راع له. تلك العلاقة التي تقوم على الاهتمام والحرص من جانب الكفيل "المدرس" على المكفول "التلميذ" وتنعكس من التلميذ في صورة احترام أو إعجاب بهذا المدرس، ويسقط معها الفتور بين التلميذ والمدرس مع بقاء الموضوعية والاتزان.