الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن العلاقات في المدرسة أهم ما يميزها أنها رسمية يغلب عليها الخضوع لقواعد محددة ومعايير متفق عليها يخضع لها الجميع، أو على الأقل مطالبون بالخضوع لها.
ويعد تقدير قيمة الطفل في المدرسة قائما على أساس مختلف عما كان في الأسرة، ففي الأسرة كان مصدر قيمته ذاته وأنه أحد أبناء الأسرة، أما في المدرسة فقيمة التلميذ تنبع من ثلاثة جوانب.
الجانب الأولى مقدار ما يستطيع أن يتعلمه، أي تحصيله المدرسي، والثاني مدى مسايرته لأنظمة المدرسة وقواعد السلوك المطلوبة، أما الجانب الثالث فهو مشاركته في الأنشطة اللاصفية ومدى ما يهتم به في ألوان النشاط.
والاختلاف بين الأسرة والمدرسة في طبيعة العلاقات والتفاعلات، لا يعني فقدان أو انقطاع الصلة بين الوكالتين، فالمدرسة تدفع الإمكانيات العقلية والمهارات الاجتماعية التي بدأتها الأسرة أو الروضة وتبني عليها ما يتناسب مع طبيعة المجتمع.
1-
بنية المدرسة الاجتماعية وأثرها في التنشئة الاجتماعية للأطفال:
في هذا النطاق يتطلب الأمر الحديث عن أربعة أمور رئيسية هي حجم سكان المدرسة، وحركة المجتمع المدرسي، والتفاوت العمري والجنسي لمجتمع المدرسة والتفاوت الاجتماعي والاقتصادي لمجتمع المدرسة.
أ- حجم سكان المدرسة: لا نختلف أن عدد الأفراد الموجودين في المدرسة ضخم، من تلاميذ ومدرسين وإداريين. والطفل أصبح الآن. بعد دخوله ذلك المجتمع الجديد مطالبا بأن يكتسب لنفسه مكانا، واستخلاص هذا المكان والاعتراف ليس بالأمر الهين أو الذي تسمح به المدرسة بسهولة، وإنما يحتاج إلى مثابرة من التلميذ ومنافسة وتغلب على الصعوبات والعقبات، وربما تعرض الطفل للضياع وسط هذا الخضم الهائل، وخاصة عند انتقاله من أسرة تميل إلى صغر الحجم في عصرنا الحالي إلى مدرسة تتجه إلى التضخم والاتساع، وقد يترتب على هذا فقدان ذلك الصغير للثقة بالنفس نسبيا وربما لاحترام الذات، مما يترك آثارا سلبية على نموه الاجتماعي ومن ثم تنشئته الاجتماعية.
ومع الأعداد الكبيرة لا يسهل عادة إقامة علاقات اجتماعية عميقة بين التلاميذ بعضهم والبعض وبين التلاميذ والمدرسين، ولا يتمكن المدرس من إنشاء هذه العلاقات بينه وبين التلاميذ بسهولة إلا إذا كان عدد التلاميذ مناسبا.
ب- حركة المجتمع المدرسي: إن أعضاء المدرسة يتميزون بالحركة والتغير، فالتلاميذ يتغيرون بالنجاح من سنة إلى أخرى أو حتى الرسوب، والمدرسون يتغيرون مع سنوات الدراسة وربما ينقلون.
وإذا كانت هذه الحركة لأعضاء المدرسة تتيح للتلميذ فرصا وخبرات جديدة ومواجهة مع أنماط جماعية وأفراد مثل الذين يواجههم مستقبلا في المجتمع، فهذا أمر لازم لعملية التطبيع الاجتماعي، إلا أن فيه ما يجعل الطفل غير شاعر بالاطمئنان وخاصة مع سنواته الأولى بالمدرسة.
جـ- التفاوت العمري والجنسي لمجتمع المدرسة: إن أفراد المدرسة مختلفون من حيث العمر، ففي المدرسة الابتدائية مثلا نجد من هم في السادسة من العمر ومن هم في الثانية عشرة، وربما وجد تلاميذ وتلميذات، وربما وجد فيه مدرسون ومدرسات من أعمار أكبر. إن هذا الاختلاف والتفاوت له أهميته في التنشئة الاجتماعية للطفل. فهو يمنح الطفل فرصا للتعامل مع فئات عمرية مختلفة من الجنسين، مما يجعله يتعلم أو على الأقل يلاحظ بعض أنماط التعامل والسلوك. وغالبا جرب بعضها وأصبح على الطريق لاكتسابها.
ومن ناحية أخرى ربما كان لذلك أثر سالب، فقد يأتي توقيت الخبرة التي يلاحظها أو يسمعها ليس في وقته أو موعده، فالتلميذ الذي لم يصل إلى سن البلوغ قد يسمع عن الاحتلام من تعامله مع تلاميذ أكبر منه.
د- التفاوت الاجتماعي والاقتصادي لمجتمع المدرسة: لا يأتي التلاميذ في نفس المدرسة من مستويات اجتماعية واقتصادية متشابهة تماما إلا تحت بعض الشروط، وغالبا ما نجد أنهم أتوا من أوساط ثقافية واجتماعية مختلفة إلى حد ما، ويؤثر ذلك في العلاقات التي تنشأ بين التلاميذ بل وفي صبغتها.
وينعكس ذلك على تنشئة الطفل، فالحياة المدرسية نوع من التفاعل، ولا يتوقف الأمر على مستويات التلاميذ، فلمستوى المدرسين أنفسهم أثر أيضا، فلقد أظهرت البحوث أن المدرسين منطبقة ما "متوسطة أو غير ذلك" يدعمون قيم واتجاهات ومعايير وسلوك هذه الطبقة في تلاميذهم من نفس الطبقة.
وربما كان هناك نمط طبقي شائع في مدرسة ما تنعكس آثاره على سلوكيات التلاميذ مقارنة بالتلاميذ في مدارس أخرى لهم نمط طبقي آخر أكثر شيوعا. وعموما فإن التكوين الطبقي لتلاميذ المدرسة يؤثر على أنماط التفاعل والسلوك فيها، وبالتالي على دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية لهم.