الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاسعا: الخدم والبشكار والمربيات
مما يلون الحياة العاطفية للأطفال داخل الأسرة وجود الخدم أو البشاكير، والحاضنات والمربيات، وذلك إذا افترضنا دخول الأطفال في علاقات مع واحد من هؤلاء، فربما خلا المنزل من مثل هؤلاء.
والخدم من الذكور والإناث هم الأشخاص الذين يتم الاستعانة بهم في المنازل لأداء خدمات مثل التنظيف أو الطبخ، وإن كانت الخادمات كثيرا ما يجدن أنفسهن في ظروف تجعل من اختصاصهن رعاية الأطفال بالإضافة إلى أشغال المنزل.
وإذا كان مصطلح الخادم قد انتشر في البلاد العربية الإفريقية حتى المغرب العربي وبعض دول آسيا، إلا أن بعض دول الخليج مثل الإمارات تطلق مسمى بشكار على الخدم الإيرانيين بيض البشرة الذين استمر وجودهم هناك حتى قرب الخمسينيات من هذا القرن، وكانت هذه الفئة تقوم بعمل القهوة وصبها في المجالس ويبيعون في المحلات ولا يطبخون ولا يقومون بالأعمال المنزلية مثل النظافة والكنس.
وكلمة بشكار من أصل فارسي، وتنقسم إلى "بيش" وتعني "أمام" و"كار" وتعني "عمل" وتكون في مجملها "داخل أو أمام العمل" وجمعها بشاكير. ويذكر فالح حنظل أنها تعني "الخادم في البيت".
أما الحضانة فهي الأم الاجتماعية للطفل، ويعهد إليها بالطفل داخل الأسرة أو خارجها، فقد تكون مرضعا أو غير مرضع حسب مؤهلاتها وحسب المرحلة التي وكلت فيها حضانة الطفل، وأحيانا توظف داخل الأسرة للعناية بالطفل في كافة النواحي حتى مع وجود الأم، وأحيانا تستقدم فقط في حالة وفاة الأم.
والمربية: أنثى تأني لتربية الطفل ومراعاة تقويم سلوكه، وتنشئته على النحو المراد، وكذا تعليمه في مراحل حياته الأولى.
وربما تتقارب هذه المفاهيم عندما تختلط أدوار هؤلاء، نقصد الخادمة والبشكيرة والحاضنة، والمربية، وفيما يخص ما يعهد إلى الواحدة منهن من دور تربوي، فقد يكون دورا عابرا وحسب ظروف سيدة المنزل "أم الطفل" من كونها تقضي اليوم خارج المنزل أو داخله، أو مدى انشغالها داخل المنزل من عدمه ومهما يكن الأمر فإن الطفل يدخل في علاقة ما مع الخادمة أو المربية، سواء مع توافر تام لعلاقته بأمه أو توافر جزئي، ويتم ذلك يوميا سواء في غياب الأم أو في وجودها. وعبر هذه العلاقة يحدث التأثير المرتقب في تنشئة الطفل. وربما وصل
الأمر لأن تأخذ الخادمة دور الأم البديلة Substitute Mother. وعندها نكون قد قلنا نعم للخادمة، لقد تنازل الأبوان عن دورهما في تلبية الحاجات العاطفية والنفسية إلى مجهولين، وأصبح البرعم النامي يتجاوب مع مجتمعه عبر واسطة هي محض تأجير، غالبا أبعد عن أن يوف بأبسط المطالب التربوية الإنسانية ونادرا ما تتوافر التجاوبات عبر واسطات صحية بأسرة الطفل، كبعض الحالات التي تصبح الخادمات على علاقة لسنوات بهذه الأسرة، لدرجة تجعلهن غير مفتقدات للتبادل العاطفي مع أفرادها. ولكن غالبية الخدم يعتبرون غرباء عن الأطفال، وفي بعض المجتمعات يأتين من مجتمعات مخالفة وثقافات بعيدة.
ففي واحدة من الدراسات التي تمت في منطقة الخليج، اتضح أن 8% من مجموع المربيات في بعض دول الخليج لهن إلمام باللغة العربية، وجاءت اللغة الإنجليزية اللغة الأولى للاتصال بين المربيات والأطفال. فكيف إذن لعملية التطبيع الاجتماعي أن يتم جزء منها في غياب اللغة؟ إن اللغة نظام موضوع من الرموز يستطيع أعضاء الجماعة بواسطته أن يتفاعلوا وأن يتعاملوا وفق المعاير الاجتماعية في المجتمع، وماذا يكون التوقع إذا ظهر أن 25% من الأطفال يقلدون المربية في اللهجة، وأن أكثر من 40% من الأطفال تشوب لغتهم لكنة أجنبية ويتعرضون لمضايقات أقرانهم لهذا السبب، كما أن من 60% إلى 75% من المربيات غير مسلمات، ويمارس منهن ما نسبته 98% تقريبا شعائرهن الدينية
…
إنها قدوة خطيرة أمام النشئ المسلم من الأطفال في منطقة الخليج إذا تذكرنا أن الطفل البشري يحتاج لفترة حضانة ورعاية طويلة نسبيا ويأخذ نموه الاجتماعي من خلال تفاعله مع المحيطين به مباشرة، في الوقت الذي تنازلت فيه 41% من أسر الأطفال عن إشرافها على لعب الأطفال، وفي الوقت الذي يمكن أن يستقر بعض المربيات مع الأطفال فترة تفوق الخمس سنوات.
وعموما فإن نتائج دراسة وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بعمان أشارت إلى أن وجود مربية أجنبية للأطفال أثناء مرحلة الطفولة المبكرة، قلل من فرص الأطفال في الاعتماد على النفس، بينما أشارات نتائج الدراسة على عينة كويتية إلى عدم وجود آثار سلبية للمربيات الأجنبيات على الأطفال من حيث نموهم اللغوي والنفسي والاجتماعي، نظرا لاقتصار أعمال المربيات على الخدمة المنزلية، وقيام
الوالدين بأغلب مسئولياتهم نحو الأبناء مثل توجيههم ومساعدتهم دراسيا والإشراف على طعامهم ولباسهم وألعابهم وصحتهم.
وإذا كانت ظاهرة الخدم واضحة في منطقة الخليج، فإن الظاهرة محدودة في مصر ودول المغرب العربي، ولكن عموما كلما ارتفعت مكانة الأسرة اجتماعيا واقتصاديا أمكن أن نتصور إمكانية وجود خدم أو مربيات.
إن العلاقة الحميمة التي نلاحظها أحيانا بين المربيات والأطفال، إنما يرجع بعضها إلى اعتماد أساليب تربوية خاطئة لدى المربية، مثل التساهل والتراخي، والتكتم على تصرفات الأطفال
…
وحتى الحنان المفرط.
وإذا كانت هذه الفئة تتخذ من هذا العمل مهنة لها، فإن تقلباتهم بين البيوت عبر السنوات يجمد حنانهم العاطفي، ويجعلهم عرضة للتذبذب في المشاركة الوجدانية، ولذلك فالأشخاص من هذه الفئة تكون علاقاتهم بالأطفال مجرد علاقات مظهرية ووظيفية في الأعم والأغلب، وبقدر ما تعمل الأسرة على توفير حياة طيبة للخادمة أو المربية يمكن أن تنتظر من الأخيرة الاهتمام والرعاية بالأطفال.
إن علاقة الأم والطفل، في جلستها أو في حركتها، أو حالتها النفسية تبدو أثناء إرضاع الطفل أو تغذيته، وينعكس ذلك على الطفل، وربما الخدم والمربيات كثيرا ما يبدو اهتمامهم بتنظيف الأطفال وملاحظتهم أثناء اللعب.. وما إلى ذلك. ولكن قد يثرن انفعالات الأطفال نتيجة توترهن أو التقزز وهن يقمن بتنظيفهم، وينعكس ذلك على شعور الطفل بذاته وقيمته بالإضافة إلى ما يستخدمه بعض الخدم من أساليب الأمر والنهي لانخفاض مستواهم الثقافي
…
أو أساليب العقاب
…
لقد شاهدت بنفسي خادما يهدد طفلا في الرابعة من العمر تقريبا بضربة بالحذاء، وذلك أثناء وجودي في متجر بإحدى الدول العربية.
إن هذا لا يقلل من الجهد الكبير الذي يبذله بعض الخدم والمربيات في خدمة الأطفال بإخلاص، ولكن يظل والدا الطفل أهم عاملين أوليين، ما داما هما الشخصان الرئيسيان اللذان يتصلان بالطفل مع بداية حياته، وينطبق ذلك أيضا على أي شخصيات اجتماعية يكون للطفل بها علاقة مثل المربيات أو الخدم، حيث
يتوقع هنا شيء من التوحد Identification يأخذ فيه الشخص اتجاهات وأنماط سلوك شخص آخر
…
وينتهي إلى تقليدها أو ممارستها، وهنا يكون قد حدث نوع من الاستدخال Internalization أو النمذجة والاقتداء Modeling.
ومع مصطلح التوحد والاستدخال يكون التقبل اللاشعوري لقيم الوالدين والمربين، بحيث تصبح جزءا راسخا أو شبه راسخ في نظام القيم للطفل، وهنا تكون العواقب إيجابية، إذا كان من يحل محل الوالدين فيه من الصفات المؤهلة، أما إذا كان من يحل محل الوالدين ليس مؤهلا نفسيا وخلقيا في ضوء معايير المجتمع الذي يعمل فيه على أداء مهمة رعاية الأطفال، فالمنتظر أن ينتحل الطفل سلوكيات عليها الكثير من التحفظ وربما أودعته الاغتراب.
إن الأطفال في سبيل تنشئتهم على النحو المناسب في مجتمع ما يجب، بالإضافة إلى تحقيق حاجاتهم من غذاء وملبس ومأوى، أن نوفر لهم العاطفة وفرص اللعب والتشجيع على ممارسات لغوية ودينية واتصالات رمزية مع الآخرين في ضوء قيم ومعايير نفس المجتمع.
وهذا ما يدفع بعض الدول الغربية إلى أن تشترط أن يتعلم المنتقلون إليها لغة البلد التي يعملون فيه، وتوجد في ألمانيا مثلا مدارس رسمية وأخرى خاصة تشرف عليها جهات مسئولة من أجل تعليم الألمانية للأجانب مقابل تكاليف زهيدة، ولذلك لا نجد أثرا للعمالة المهاجرة. إن هذا ما يجب أن يأخذ في الاعتبار عند إحضار أجانب أو مربيات أجنبيات، تلك الظاهرة التي زحفت على المجتمع الخليجي وفي طريقها للمجتمع المصري ومجتمعات أخرى.