الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة
أولا: نمط تنشئة الطفل من قرية مصرية
…
الفصل الرابع: نماذج لتنشئة الطفل من بيئات مختلفة
إن أساليب التنشئة تختلف من بيئة إلى أخرى، فتختلف أساليب التربية باختلاف الثقافات، مما يأتي معه اختلاف في شخصيات الأطفال.
وسنعرض فيما يلي نماذج للتنشئة في عدد من البيئات المتباينة في مناطق متفرقة من العالم تتفاوت في بنائها الاجتماعي من البدائية إلى الصناعية المتقدمة.
أولا: نمط تنشئة الطفل من قرية مصرية:
إنها قرية "سلوا" تلك القرية المصرية التي تقع في محافظة أسوان، في منطقة فقيرة، تعتمد الحياة فيها على زراعة المحاصيل ورعي الإبل.
وينتمي أهل "سلوا" إلى أصل واحد، لقد نزحوا من شبه الجزيرة العربية، وفيها عائلتان أو عشيرتان كبيرتان، هما الجعافرة والعبابدة، وتنقسم كل عائلة إلى مجموعة من الأسر، والعائلة وحدة اقتصادية واحدة يمارس أفرادها نفس المهنة، ويعتمد مركز العائلة على الملكية.
1-
الأعراف والقيم الشائعة:
الروابط العائلية هي القوة الأخلاقية وراء تماسك القرية، وتتحمل العائلة مسئولياتها كاملة عن سلوك أفرادها، وتنمي المعاير الأخلاقية بين أفراد العائلة الشعور بالانتماء واحترام الكبير والقائد.
وتختفي من مجتمع "سلوا" ظاهرة صراع الأجيال. وكل قواعد السلوك تستند أساسا على القرآن والسنة، ويعتقد السكان أن الإهمال في تربية الأطفال يصحبه غضب من الله ونقمة منه فيحل المرض وتفسد المحاصيل.
وتسود مجتمع "سلوا" ظاهرة التنافس والغيرة بين الإخوة، والصغير يغار من يكبره، والكبير ينافس الصغير، فالاعتقاد السائد أن التنافس ظاهرة مفيدة لتحقيق النماء، ويعتقد أن نظافة الأطفال تجلب لهم الحسد.
ويرى أهل "سلوا" أن فترة الطفولة أنسب الأوقات لفرض قواعد التأديب والنظام، ليعرف الطفل مكانه بين عالم الكبار في القرية، ويدعم نظام التربية
المعمول به هناك أسلوب العقاب لردع الانحراف، ويشيع هناك أيضا المثال القائل "العصا لمن عصا"، وتسود في مجالات التفاعل بين الكبار الريبة والتكتم والظن والخوف، إذ يعتقد أهل "سلوا" أن "الخوف بركة".
2-
رعاية الأطفال من الوالدين:
عرض حامد عمار مظاهر التربية في أطوار للنمو. فقد أوضح أن طور الحضانة يمتد حتى 4 سنوات، ويفطم الطفل غالبا قبل نهايتها. ويتعلم الطفل في هذا الطور الكلام والاستجابة لأوامر الكبار. وتتميز تلك الفترة بالتساهل مع الطفل. وهناك اهتمام بعملية الرضاعة يرجع إلى الاعتقاد الشائع بأن ثدي الأم رمز للحنان. ويفطم الطفل بطريقة قاسية.
وحتى عمر 4 سنوات يبدو عدم العناية بمظهر الأطفال أو ملابسهم القذرة، إلا أنه بعد العاشرة من العمر لا تسمح الأسر للأطفال بارتداء الملابس الممزقة أو كشف عوراتهم.
وتقوم عملية تلقين الطفل قواعد السلوك على الإلزام وغالبا القهر اعتمادا على الأقوال السائدة مثل "إذا عصى الابن الوي رقبته". ومع هذه القسوة في التنشئة يغرس في نفس الطفل الخنوع، والخوف والرهبة.
3-
مراعاة الفروق بين الجنسين في التنشئة:
يفرق أهل "سلوا" بين البنين والبنات في المعاملة وحتى عند تناول الطعام كما يحرم لعب الذكور والإناث معا ابتداء من السابعة، بل حتى الاختلاط معا، وعلى البنت بعد هذا العمر أن تغض الطرف كلما قابلت رجلا في الطريق.
والمجتمع في "سلوا" يميل إلى القسوة والإلزام مع الفتاة أكثر من تطبيق هذه الأساليب مع الفتى، فالشدة هي ما يميز معاملة الأسرة للبنت، ويرجع التفاوت في
أساليب المعاملة بين الجنسين إلى القيم الدينية والقيمة الاقتصادية والاجتماعية للجنس التي تحقق للأسرة الاستمرار والبقاء.
4-
المشاركون في التنشئة:
الأب هو العائل والمسئول عن إعالة الزوجة والأبناء، ويطلب الأب من الأولاد الطاعة والاحترام، وقلما أظهر الأب الحب والعطف لهؤلاء الأبناء. والأب له سلطة مطلقة في تحقيق التماسك الأسري.
وتسهم جدتا الطفل في تربية الحفيد، وعملية تربية الطفل عملية مشاعة تتولاها العائلةكلها.
ومع نهاية 4 سنوات من عمر الطفل، يستقطب الطفل جماعة الأطفال من نفس السن ويلعب الإخوة دورا هاما في تكوين اتجاهات الطفل، ويقف الإخوة الكبار موقف الحراس على إخوتهم الصغار أثناء اللعب.
5-
المنتظر للأطفال:
ينتظر أن يتعلم الطفل أنماط السلوك وبعض العواطف التي عليه تبادلها مع الأقارب، وعدم اللعب أو الأكل إلا مع أقرانه من الأقارب فقط غالبا، وينتظر أن يحترم الطفل الكبار، وينسحب من مجتمعهم، على الرغم من تدريب الصغار على الأداء مثل هؤلاء الكبار.
من الهام لدى أهل "سلوا" أن يلقن الطفل قواعد السلوك الاجتماعي، ليتوافق مع معايير المجتمع، وتأديب الطفل عملية أساسية حتى يبقى استمرار البناء الاجتماعي، وذلك اعتمادا على ركائز الدين الإسلامي.
ومع عمر الثالثة سوف يعرف الطفل أنه لن يسمح له بالتبرز خارج المنزل، وفي العاشرة يعرف أنه لا يجب أن يكشف عن أعضائه التناسلية، وعليه أن يذهب إلى المسجد ويطيع الكبار، ويتقبل السلطة المفروضة في هذا السن، وعندها يطلق عليه "ابن حلال".
وينتظر أن يتعلم الإخوة التنافس لاعتقاد الآباء أنه أسلوب يدفع الطفل إلى التخلي عن طفولته وينتظر إن يتحول الطفل إلى إنسان منتج وليس عبئا اقتصاديا.