الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسا: نمط التنشئة في قرية كولمبية
لقد أطلقت الباحثة Alicia Dussan اسم لينارس Linares على القرية الكولمبية التي أجرت فيها هذه الدراسة.
ويقطن القرية سكان من البيض الملونين والهنود والعبيد السود. وينقسم الناس فيها إلى طبقة ميسورة من البيض فقط، وطبقة وسطى ودنيا أغلبها من الملونين.
ويعتمد اقتصاد القرية على الزراعة بتقنيات بدائية، والأسر الفقيرة تحيي أراضي الأسر الميسورة.
ويأتي إلى القرية سياح كولمبيون ينتمون إلى الطبقة الوسطى والدنيا، يصطحب الواحد منهم معه بعض الأدوات مثل أجهزة التصوير والراديوات الصغيرة، وسلوكه ينافي جزء منه ما هو مألوف بالقرية. وتباع بعض قطع الأراضي لبعض السياح.
1-
الأعراف والقيم الشائعة:
أنماط التربية للأطفال التي شاعت لسنوات طويلة في طريقها إلى بعض التحولات بسبب الثقافة السياحية.
وكل الأمهات يعتقدن أنه لا يجب التخلي عن رضاعة الطفل نهائيا، وتعتقد كل الأمهات أنه لا يوجد طفل أجمل من الطفل الذي يتغذى بلبن الأم. ولا سبيل لإسكان الطفل الباكي من وجهة نظر الأمهات سوى إرضاعه إن لم يكن مبللا.
وعلى الأب أن يقدم ثياب الوليد، فهذا دليل على أنه سوف يقوم بواجباته نحو الطفل. أما إذا كانت الأم غير متزوجة منه فإنه يمتنع عن ذلك. ومن المعتقدات الموجودة أنه كلما كان الطفل أكبر كان تعويده على ترك الرضاعة أصعب. وترى النساء أنه لا لزوم لتعليم الأكل للأطفال ولا تعلم الأمهات أطفالهن الكلام. ولا سبيل لأحد غير أم الطفل أن يراه بدون ملابس.
ويتسبب تبول الطفل أو تبرزه في نفور كثير من الأمهات والأسر، ولا يليق الحديث عن ذلك أمام الغرباء، ويستغل هذا النفور لتأديب الطفل.
وتنام الأسرة كلها في غرفة واحدة عادة حتى وإن كانت في البيت غرف أخرى شاغرة. واستخدام العقاب يكون أشد عند الأسر الفقيرة.
2-
رعاية الأطفال من الوالدين:
الأمهات واعيات بمشكلة نقص الغذاء، ويولد الأطفال غالبا قبل تسعة أشهر لهذا السبب بالإضافة إلى ضعف الأم.
وفي المستشفى الخاص بالقرية تتمخض أغلب الأمهات، ويغذى الطفل من زجاجة في الثلاثة أيام الأولى بعد المولد وفي اليوم الرابع ترضعه الأم من ثديها، وتأخذه في أحضانها وتعينه على التقاط الثدي وتفعل ذلك بطيب خاطر وكثير من اللطف، وتدعه يرضع كلما أراد أو إذا بكى.
وإذا وصل الطفل عمر العام تترك الأم ثديها لطفلها، وهي غالبا ما تكون جالسة على مقعد منخفض جدا أمام منزلها ويرضع منها الطفل واقفا.
ويستمر غذاء الطفل بلبن الأم حتى الثانية أو الثالثة من العمر، وقد اعتادت النسوة دهن الثدي بمادة منفرة، فالأم لا ترفض تقديم ثديها للطفل بل عليها أن تجعله مصدر نفور لابنها بعد هذا العمر، وإن كان الطفل يبدأ في تناول غير لبن الأم قرب الشهر السادس من عمره، مثل الحساء ثم الأرز قرب الشهر العاشر.
وعندما تطعم الأم ولدها فإنها لا تكلمه وتقتصر على إدخال الطعام في فمه في البداية، ثم تضع الغذاء في يده دون أن تظهر اهتماما خاصا.
وفي عمر الثالثة يبدي بعض الأطفال غضبهم بقلب الطعام على الأرض أو تقديمه للحيوانات الأليفة، ويعاقب على هذا التصرف بأن يترك الطفل الذي يفعل ذلك بلا طعام سائر اليوم.
ومنذ الأيام الأولى تسعى أمه إلى تعليمه بالحركة والصوت والشعور بالحشمة نحو أعضائه التناسلية وإذا ما اقترب منه أحد وهو مكشوف أو من غير سروال تقول له أمه "استح، استر نفسك" وذلك عندما يتمكن من المشي أما في سن الحبو فهم يتركون عراة دون سراويل.
والأطفال لا يبدون نظفاء بسبب قلة تبديل ملابسهم وقلة استحمامهم، وتداعب الأم طفلها بيدها حين تستخدم الصابون في استحمامه ويكون الطفل سعيدا لهذه المداعبة.
وتُعنى الأم بطفلها وتهدهده بعد الرضاعة، وبعد أن كان يوضع الطفل في سلة بيضاوية في أيامه الأولى ثم في مهد في سرير الأم فإنه في عمر الستة أشهر يوضع في أرجوحة النون، وهي عبارة عن بطانية معلقة بين حبلين، قرب سرير الأم.
وفي الشهر التاسع يبدأ توبيخ الطفل، وضربه ومع نهاية الشهر الرابع تطوف الأم بطفلها مشدودا إلى صدرها في الطريق، ومع حبو الطفل تحملة بشال على ظهرها، وحينما يصبح أكبر ويمشي تصطحبه معها للأماكن، ويمكنه أن يخرج عدة ساعات يوميا فيلعب مع الرفاق ويلهو بالأحجار والأزهار ونادرا ما يلعب بلعبة حقيقية.
والعقاب البدني المفرط غير محبب، لأنه من وجهة نظر الآباء متى أفرط فيه يأتي الطفل سفيها. والمثل الأعلى هو أن يفهم الطفل من مجرد النظرة، والأم تصوب نحو طفلها مجرد نظرات تنبهه عن تصرفه.
ومن أنواع العقاب مع الأطفال تركهم في الظلام، وهو ما يفزع الطفل للغاية، ويتجه الآباء إلى إخافة أطفالهم بالمتسولين ويقولون لهم:"سيأتون ليأكلوكم".
ومن المكافآت المتبعة مع الأطفال نظرات العطف والابتسامات، ومنح الحلوى أو الثياب الجديدة وناردا اللعب، أو أخذ الطفل مع الوالدين إلى الحفلات.
والآباء الذين يشتغلون بالمحلات في قرية لينارس، يستعينون بأطفالهم في تحصيل النقود من العملاء أو فتح قوارير الشرب للسياح، ولقد بدأ الأطفال يتخلون تدريجيا عن صحبة آبائهم في المزارع، لأن الريف بدأ يهجر شيئا فشيئا لانشغال الرجال بالبناء والعمران.
ويبين الكبر للصغار بكل صبر كيف يعملون، فالأم تبقى دائما بجوار بنتها عندما تعمل وتعلمها، والأب يكتفي بإعطاء بعض الإرشادات للولد ويتركه فترة ثم يعود ليرى ما أنجزه. ولا يكافأ الأطفال على طرافتهم، ولا تغفر زلات لسان الطفل، ويطلب منه دائما التصرف كراشد صغير.
3-
مراعاة الفروق بين الجنسين:
يعامل الطفل من الجنسين بنفس الطريقة حتى سنة الثانية، ولكن بداية من هذا العمر على البنت أن تقلد أمها وتساعدها، وعلى الولد أن يقلد أباه ويعينه.
وتعلم البنت أنها في منزلة أقل من الولد، وأن عليها طاعة الآخرين والتحلي بالتواضع، أما الولد فيتعلم كيف تخدمه النساء وتحترمه باعتباره ممثلا لأبيه. وهذا يتيح له فرصة أنه يغضب إذا لم يعجبه شيء.
وفي عمر الخامسة تلعب البنات مقلدة الأم بالعرائس والأشغال المنزلية، ويلعب الأولاد ببناء منازل من حجارة، أو لعبة الشرطي والسكير. ويجتمع الأولاد والبنات للعب الكرة باليد.
وفي سن الخامسة يُعطى الطفل الذكر بعض الدجاج وشاه أو أكثر كرأس مال صغير له بالإضافة إلى تقاضيه أجرا على بعض ما يقوم به من أعمال.
أما البنت فهي تعاون أمها في سقي النبات والعناية بدجاج الأسرة وغسل الثياب وتقديم الأكل للأب والإخوة.
4-
المشاركون في التنشئة:
خلال الأسبوع الأول من ولادة الطفل، يبقى الأب بالمنزل ويترك كل أعماله، ويبقى مرافقا للأم إذا كان متزوجها. ويساعدة عدة نساء من الأسرة على ضمان توفير احتياجات المنزل.
وإذا انشغلت الأم خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الولادة بشئون المنزل اهتم الأب بالرضيع. وإذا اضطرت الأم إلى ترك المنزل فيعوض الطفل إخوته الأكبر ويبذلون ما في وسعهم معه ويتحلون بالصبر معه في البداية ثم يتركونه يبكي.
ومع الأسبوع الأول للولادة يختار الزوج والزوجة، زوجين لا ينتميان إلى عائلتهما، ويتولى هذان الزوجان اختيار اسم الطفل ويهبانه الثياب.
وعندما يتمكن الطفل من المشي غالبا ما تتركه أمه عند الأقارب في الصباح وتأخذه في المساء، ويرسل الطفل لزيارة أقاربه الذين يحرصون على رعايته ولا يعاقبونه أبدا، وعندما يكبر يعمل زيارات لحقول أعمامه وأخواله.
ويكلف الأطفال الكبار أحيانا بمراقبة الأطفال الصغار، ويغضب الأطفال الصغار إذا ما أخذ الطفل الأكبر ما في أيديهم مثل الحلوى، أو الدميات الطينية أو سدادات القوارير التي يلعبون بها. وأحيانا يقوم الإخوة والأخوات الأكبر برعاية الطفل الصغير.
5-
المنتظر للأطفال:
المتوقع للأطفال في قرية لينارس كما يرى الأهل أن ينطبع الطفل بطابع الأب أكثر من الأم ابتداء من سن السادسة، وأن سلوك الأطفال أثناء وجود الأب بالبيت يصبح أفضل خوفا من عقاب الأب.
وينتظر أن يعرف الطفل المطلوب من نظرة الأم أو الأب وينفذ ما يقصدونه كما أن الطفل يتعلم مراعاة الأقارب والمسنين واحترامهم وكذلك احترام من ينتمون إلى الطبقة الراقية، ويتعلم الحرص على حسن هندامه عند زيارة الآخرين وينتظر منه دائما أن يتصرف كراشد صغير.
والمتوقع منه الطاعة والجلد والإحساس الشديد بالمسئولية إزاء عائلته، ولا تشجع أو تضخم في تصرفاته العفوية، وعليه احترام ما يصدره رجال الدين.
6-
نتائج ومشكلات التنشئة في قرية لينارس الكولمبية:
استخدام الضرب يجعل الأطفال يغضبون ويبولون على أنفسهم، كما أن عقاب الأطفال بتركهم في الظلام يجعلهم يخافون، وعموما فإنهم لديهم مخاوف الظلام، ولا يستمتع الأطفال بطفولتهم فترتها المعهودة، ويتعلمون الانضباط من سن صغيرة. كما يتعلمون الادخار.