الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6-
نتائج ومشكلات للتنشئة في المجتمع الأمريكي:
لا يبدو تحديد من جانب الأسرة لحرية الطفل، ولا تبدو الصورة البارزة للتربية الجماعية، كما لا يوجد توحد مع القيم باستمرار من جانب الأطفال، ويرتضي الأطفال الغش في الامتحانات ولا مانع أن يأخذوا أشياء لا تخصهم أحيانا ويتجاهلون غيرهم ممن هم في حاجة إلى نجدة.
رابعا: تنشئة الأطفال في روسيا:
كانت روسيا لعهد قريب مجتمعا يعتمد على النهج الاشتراكي، والمجتمع الروسي له نسق صناعي متفوق يتصارع مع الولايات المتحدة الأمريكية.
1-
الأعراف والقيم الشائعة:
كانت التربية في روسيا تهدف إلى إعداد طفل يتوافق تماما مع معايير الكبار، ومن أهم الأهداف التربوية خضوع الطفل للنظام واحترامه بالإضافة إلى الطاعة.
فالطفل في مجتمع متجانس، ويعيش في معايير متجانسة، والتنشئة في روسيا تهدف في جميع أطوارها إلى تحقيق الجماعة وتأكيدها، والقائمون بالتنشئة ملتزمون، وكانوا يؤكدون على غرس القيم الاشتراكية.
ومسئولية الأب في المجتمع الروسي نحو أبنائه هي استمرار لمسئوليته نحو المجتمع، وتأكيد السلوك لصالح الجماعة.
وتهدف عملية التنشئة إلى التكوين الخلقي عند الطفل. وقد حددت لهذا التكوين برامج إجرائية يتعرض لها الأطفال بفاعلية في المدرسة والبيت والمجتمع. ولكل سن برامجه الخاصة به في تفصيل يحدد بالدقة ماذا يجب على الطفل عمله في تلك البيئات الثلاث. والمعلمة أو المنشئة لها مكانة عالية، ودورها محل تقدير من جميع أفراد المجتمع، ومعروف أن مسئوليتها خطيرة في إعداد النشء ورعايتهم نفسيا وتربويا.
2-
رعاية الأطفال من الوالدين:
ليست الأسرة الروسية نظاما مغلقا عن المجتمع الكبير، فهي تعد جزءا من البناء الروسي القيمي. وتقوم التربية للأطفال على الإقناع والتشجيع والمدح، ويتم
اللجوء إلى العقاب بالتأنيب والتهديد بسحب الحب للابن المتمرد والروس يكرهون العقاب البدني.
ويُربى الطفل على احترام العمل وتنظيمه، واحترام العمل مع جماعة وإخضاع رغباته لصالح الجماعة.
ويؤكد الروس على الحماية الزائدة، وغرس الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة.
ومنذ مولد الطفل تهتم الأسرة بعملية الرضاعة، إيمانا بإشباع الحاجات الأولية والنفسية للطفل، ومع نمو الطفل يستمر توفير الحنان والدفء الأسري له. فيلاحظ عناقه وتقبيله بكثرة عما يشاهد مع الطفل الأمريكي. ويؤدي الحب الزائد للأطفال إلى تقييدهم.
وإن لم تكن الأم متعلمة، فإنها تزود بعديد من النشرات والكتيبات التي توضح لها بأسلوب سهل بالصور والأمثلة، كيف تتعامل مع أطفالها.
والاهتمام الأكبر من الوالدين هو تعويد الطفل الطاعة: طاعة الأوامر التي تلقى إليه، وأن يسمع وينفذ ما فيه، ويتم ذلك بلهجة وأسلوب مملوء بالمحبة والحنان والعطف. بل إن الطفل لكي يصبح مطيعا يحاول الأب أو الأم إقناعه بضرورة تنفيذ ما يكلف به، ويتم ذلك بإعطاء أمثلة للطفل أو قص الحكايات القصيرة، أو بالمحاكاة وتقليد ما يفعله غيره.
وعندما لا يطيع بعض الأطفال الأوامر، يكون التأنيب في بداية الأمر خفيفا هينا لا خشونة فيه، وخاليا مما يؤلمه نفسيا أو جسميا. وإذا زاد العناد، يبدأ إشعار الطفل بسحب جزء من الحنان والحب اللذين عهدهما، ويكون السحب تدريجيا، ويكون هذا السحب بوسائل مختلفة مثل تغيير ملامح الوجه، أو تغيير نبرة الصوت أو حتى طريقة لمس الطفل، أو عدم الاهتمام بالإصغاء لما يقول. وهنا يشعر الطفل أن ثمة تغييرا لدى الكبير قد حدث.
ويهتم الوالدان بضرورة تعويد الطفل على شكر من معه في المنزل، على ما يقدمونه من أعمال له، على أن يقترن الشكر بالابتسامة.
ومن الطريف أن مواقف الخبرات التي يمر بها الطفل في البيت أو المجتمع يحك d عنها في المدرسة أمام الزملاء وتحت إشراف المعلمة "المنشئة".
والملاحظ أنه بعد الحرب العالمية الثانية، فقدت ملايين من الرجال، وأصبح عدد النساء أعلى من الرجال بنسبة 20% وكان على الأم أن تلعب دورا بالغ الأهمية في تنشئة الأطفال، بالإضافة لإشباعهم بالحب والعطف الزائدين في الوقت الذي تطالبهم فيه بالطاعة.
3-
مراعاة الفروق بين الجنسين:
من الجدير بالذكر أن الأعمال التي يكلف بها الأطفال حتى سن 11 سنة تقريبا سواء في المدرسة أو البيت أو المجتمع تنسحب على الذكور والإناث على السواء.
4-
المشاركون في التنشئة:
الأسرة الروسية لا تنفرد بعملية التربية، فهناك منظمات للأطفال والصبية ولا تقوم الأم وحدها بتربية الطفل بل تمتد المسئولية إلى الأقارب والأطفال الأكبر سنا.
ورغم امتصاص العمل لوقت الآباء في روسيا مما يجعل الأبناء يلحقون بمؤسسات اجتماعية تتولى رعايتهم ويجعل الوالدين يعوضان الساعات الطويلة بعيدا عن أطفالهم بالحنان والحب الزائد.
وتؤسس الدولة دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس الأهلية ومدرسة اليوم الكامل لخدمة أبناء النساء المشتغلات، وكل هذه المؤسسات تخدم أيديولوجية المجتمع في التربية.
ويلتحق الأطفال عامة بمؤسسات داخلية أو بمؤسسات يطلق عليها مدارس اليوم الطويل الذي يمتد من الصباح الباكر إلى ما بعد العصر، ويطلق البعض على هذه المؤسسات المجمعات أو الجماعيات Collectives.
وقد اقترن دور المنزل بالمدرسة، فحينما يتحدث Bronfenbrenner وغيره يقولون أن الأم والمدرسة تفعلان كذا وكذا
…
فالصلة بين الاثنتين والدعم دائما قائم لدعم الانتماء والولاء لدى الأطفال لمجتمعهم.
وفي المجتمعات الروسية تقوم المنشئة بتربية الأطفال بلغة مشتركة للتعامل معهم، كأن تستخدم حركة يدها تعني الصمت التام، أو حركة أخرى تعني التصفيق، وثالثة تعني حرية الحركة
…
ويتم هذا وغيره مع مراعاة أن المنشئة تخفض من قامتها حتى يصبح وجهها مع مستوى وجوه الأطفال، فتكون عيناها في أعينهم، وليست أعلى من مستواهم تنظر إليهم من علٍ، ولا يطيل الأطفال أعناقهم لينظروا إليها، وإنما هي معهم في مستوى قامتهم وحتى في بساطة محببة إلى نفوس الصغار
…
وفي بعض الأحيان حتى لا تضطر المنشئة إلى الانحناء يصمم موقع الأطفال على مستوى عال عن أرضة وقوف المنشئة، ويطلق على ذلك التفاعل وجها لوجه.
ويتم تعويد الطفل ارتداء الملابس والذهاب إلى دورة المياه
…
وكل هذه الأوامر تصدر عن نبرة مشبعة بالحب ولحنان من المنشئة. حتى يصل الأطفال إلى مرحلة يعتمدون فيها على أنفسهم كمجموعة، وعندها تنسحب المنشئة تدريجيا تاركة للمجموعة زمام القيادة بحيث يكون الطفل مسئولا أمام المجموعة عن تصرفاته.
ونسينا القول بأن اليوم الأول للذهاب إلى المدرسة، يقدم الأطفال للمدرسات أو المنشئات زهورا، ويكون الجميع في فرحة وكأنهم على موعد سعيد.
وأثناء تعليم الطفل قد تلجأ المنشئة في بداية الأمر إلى تعزيز سلوك الأطفال وتشكرهم وتثني على هذا السلوك. ولكن بعد أن يتأصل فيهم تصبح هذه الأعمال من الواجبات والأمور التي يجب على الأطفال أداؤها.
5-
المنتظر للأطفال:
تهدف التنشئة في المجتمع الروسي إلى إدماج القيم التي تؤكد على الطاعة وضبط النفس.
وينتظر أن يتعود الطفل الالتزام والتفاعل الجماعي، والتعود على العمل الجماعي.
ولا تستقطب الطفل الروسي مواقف الغش أو الانحراف مثل من هم في مثل سنه بالمجتمع الأمريكي، فالطفل الروسي يعد ليكون له سلوك متوافق مع معايير الجماعة، ويساعد على قوتها.
اعتياد الطفل مع كل يوم بالمدرسة أن يحيي المنشئة ومن يقابله من العاملين، ثم تحية غيره من الأطفال. ويحيي الذي يجاوره في غرفة الدراسة باسمه.
وينتظر من الطفل في المنزلة العناية بملابسه وترتيبها وتعليقها. بل أحيانا ينتظر منه أن يثبت زرا في قميصه إذا لزم الأمر وتلميع الحذاء كما يشارك في بعض الأعمال المنزلية البسيطة.
ومن المتوقع من الطفل أن يصبح على وعي بأن الممتلكات العامة هي أيضا ممتلكاته، وكما يراعي ما يملكه ويحافظ عليه فإن عليه أن يراعي ما يملكه غيره.
فالزهرة ملك للجميع في الحديقة مراعاة عدم إزعاج الصوت المنخفض الهادئ دون عويل، احترام المهن المختلفة، الالتزام بمواعيد المدرسة، الاستئذان، مراعاة الوقفة والجلسة، وضع الأشياء في أماكنها المحددة.
6-
نتائج ومشكلات التنشئة في المجتمع الروسي:
تقييد الحرية للطفل إلى حد ما، وتقوية الروابط بين الأطفال وأسرهم ومجتمعهم مع قلة الشعور بالقلق مقارنة بالطفل الأمريكي.
البعد عن الغش وعدم أخذ ما يخص الغير، وتقديم العون والمساعدات للغير عند طلب النجدة من الآخرين.
إن الأطفال الروس أقل رغبة في المشاركة في أعمال ضارة بالمجتمع كما أظهرت نتائج البحوث وإن كان الأطفال نسخا مكررة في الوقت الذي تكون الحاجة فيه إلى أفراد أكثر متميزين وليسوا فقط بالضرورة ممتازين.