الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5-
نماذج العلاقة بين المدرس والتلميذ أثناء تنشئته:
إن العلاقة بين المدرس والتلميذ وشكلها لها أثر فعال على تنشئة التلميذ اجتماعيا. إن هذه العلاقة هي علاقة بين طرفين أحدهما أدنى والآخر أسمى، فالمدرس مكتمل افتراضا ونموذج يحتذى به، والتلميذ تابع في مرحلة التكوين، والمدرس كممثل للسلطة يوقظ في التلميذ ردود فعل من قبيل مشاعره نحو الأب. ولا يعني هذا أن صورة كل من الأب والمدرس تتطابقان، أو أن تأثيرهما واحد على التلميذ.
ويمكن إجمال نماذج المواقف بين المدرس والتلميذ في ثلاثة:
أ- الفتور: في مثل هذا الموقف يتمثل التلميذ كوسيلة يؤدي بها المدرس وظيفته التعليمية، أو يرضي بها رغباته الشخصية.
وفي هذه العلاقة يصبح الهم الرئيسي للمدرس هو ضخ المعلومات في ذهن التلميذ، ويبلغ حد اللامبالاة بهذه الفئة من المدرسين إلى انعدام أي قلق يمكن أن يخامرهم حول مدى استجابة التلاميذ لعملهم، أو حتى حول ما حشر في أذهانهم من معلومات. فموقف المدرس هنا خال من كل لون عاطفي وأحيانا يهتم المدرس بالسرد والشرح لحبة لمادته ولإثبات ذاته. والأمر هنا ينطوي على أنانية من المدرس.
ولا يمكن الحديث عن أي علاقة هنا، لا علاقة الخضوع أحيانا للتلميذ والنفور أحيانا أخرى من المدرس ومادته.
ب- المبالغة في حب التلميذ: على النقيض من الموقف السابق، إنه ليس موقف الخلو من الدفء العاطفي، بل موقف فيض الحرارة العاطفية. يظهر هنا الاهتمام الزائد بالتلميذ والغيرة الشديدة على مستواه التحصيلي، ومستوى أدائه عموما، إنه موقف حب التلميذ، يهدف المدرس من ورائه إلى اقتناص الضحية "التلميذ" وربطه في حبائل علاقة لا يريد له منها فكاكا، إنه استحواذ، وهو مظهر للأنانية من جانب المدرس أيضا لا تتاح معه للطفل فرصة المناخ الضروري لتبلور عاطفة إعجاب، ولذلك فهذا الأسلوب وإن اختلف مع موقف الفتور واللامبالاة السابق في مظهره لا يختلف عنه في طبيعته، فكل منهما موقف تسلطي. وإن كان
الموقف الأول يؤدي إلى موقف سلبي في التلميذ، فإن الموقف الثاني يولد داخل التلميذ صراعا وتوترا وربما تمنى الفكاك من هذه العلاقة.
وتعد درجة النضج الاجتماعي والعاطفي للمدرس من الأمور التي لها أهميتها في هذا الشأن، وتؤدي إلى تكوين مواقف عاطفية مناسبة إزاء الدراسة عموما.
جـ- الاعتراف بشخصية الطفل: إنه موقف خال من الأنانية، موقف يعترف باستقلالية الطفل، ويترك مجال النمو العاطفي للطفل متفتحا، لا يأسره بحب زائد ولا يقتل فيه اعتبار الذات عن طريق لا مبالاة عاطفية أو تحكم ضمني.
إن الطفل شديد الحساسية بمواقف الآخرين إزاءه، لذلك فهو أقدر من غيره على استشفاف دلائل الاعتراف بشخصيته، وهو قابل للإجابة بالمثل، وهذا ما يؤدي إلى تكوين علاقة انسجام بين المدرس والتلميذ مبنية على اقتناع التلميذ شعوريا ولا شعوريا بنموذجه "أستاذه" خارج كل قيد مادي أو معنوي.
ويعمل المدرس نتيجة نضجه على تخليص التلميذ من الأسر الوجداني، والخروج به من دائرة التقليد والاحتذاء، ليمارس قدرته على الاختيار.
وبفضل علاقة الانسجام العاطفي ونكران الذات هذه يتكون ثنائي مثالي Ideal Couple بين المدرس والتلميذ، وفي ظل هذه العلاقة تنمو عواطف الاحترام للذات وللغير، وللمدرس خصوصا، ولا يجب أن يكون التصور من هذا الحديث وجود علاقة ذات بعد واحد، لأن علاقة الانسجام الحقيقية بين المدرس والدارس ليست مجرد حوار بين شخصين، بل تأخذ مضمونها كعامل في إطار الفصل الذي يدرس فيه التلميذ من حيث هو مجموعة تلاميذ أو ما يعبر عنه الفصل، المجموعة Groupe Class وبذلك تكون هذه العلاقة ذات امتداد في جميع الاتجاهات.