الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
محو آثار التنشئة:
وهناك مثل آخر شهير اتبعه الشيوعيون الصينيون لنزع الطابع الاجتماعي ومحور آثار التنشئة الاجتماعية السابقة من بعض الأسرى الأمريكيين خلال الحرب الكورية. لقد أجريت مقابلات مع العديد من الأسرى عقب إطلاق سراحهم، فعرف منهم أن الصينيين لم يكتفوا بمحاولة محو آثار التنشئة الاجتماعية للأسير الأمريكي فحسب، بل حاولوا أيضا أن يعيدوا تشكيلهم اجتماعيا، بجعلهم يؤمنون بالمعتقدات والقيم الشيوعية الصينية. وعلى الرغم من أن الصينيين قد نجحوا في أمور هامشية قبلت التغيير لدى الأسير الأمريكي، إلا أنهم فشلوا في هدفهم الرئيسي، مما يوضح قوة التأثير للتنشئة الاجتماعية التي مر بها الجندي الأمريكي قبل الأسر.
ويشير Lambert and Lambert إلى أن نزع الطابع الاجتماعي عن إنسان إلى الدرجة التي يتغير بها تغييرا جذريا يتطلب التعامل بذكاء مع البنية Structure النفسية الاجتماعية التي تتحكم في شعوره بذاته. والجيش الأمريكي مثل باقي الجيوش، منظم بحيث يحول الفرد المجند إلى رجل عسكري باسل، وهو أمر يتطلب عملية تنشئة اجتماعية قوية. ونظرا لعلم الصينيين الشيوعيين بذلك فقد كان هدفهم الرئيسي تدمير الثقة بين الأسرى الأمريكي، وتم إبعاد الضباط عن
الجنود، وإبعاد الأصدقاء عن بعضهم البعض، ومنع أشكال التعارف لكي لا يجد الأسير الطمأنينة في الصحبة، وأغري الأسرى الضعفاء بالمعاملة الخاصة كي يبلغوا عن رفاقهم، وأظهرت هذه المعاملة للأسرى غير الضعفاء حتى تنخفض الروح المعنوية وتنهدم، ومع ذلك فقد بقي كل أسير في حالة من الحيرة حول ما إذا كان هناك عملاء سريون بين الأسرى. وحينما أصبح الأسرى شبه معزولين وحيدين على هذا النحو أجبروا على الاستماع إلى أفكار دعائية مستمرة تلقن الجوانب السالبة في حياتهم السابقة والجوانب الإيجابية في حياتهم المستقبلة إذا اتبعوا الأوامر الصينية، وقد أرغم الأسرى على المشاركة بفعالية ونشاط في عملية إعادة تصوراتهم عن قياداتهم الأمريكية عن طريق الاعتراف بالأخطاء التافهة التي تحدث في جيشهم الأمريكي، هذه الاعترافات التي كانت تدعم بالمكافآت بالإضافة إلى التهديدات لغير الراغبين في الإدلاء باعترافات.
لقد شعر الأسرى بالوحدة والخوف وعدم الثقة بين بعضهم البعض، وملأت عقولهم الدعاية، والشعور بالتقبل والمعاملة الحسنة إذا تغيرت معتقداتهم، والثقة في ظهور الرعب إذا بدت منهم أدنى مقاومة. ورغم انهيار بعض الأسرى بسبب أوجه النقص في تنشئتهم الاجتماعية المبكرة، وانحنى بعض الأسرى قليلا ثم استعادوا قواهم، وتمرد كثرة منهم ضد عملية غسيل المخ Brain washing المتبعة معهم، فمات بعضهم، وعموما فشل الصينيون في مهمتهم، ورغم أنه من غير المعروف على وجه التحديد لماذا فشلوا، ولكن يأتي مع فشلهم ما ظهر من فعالية وقوة عمليات التنشئة التي جعلت هؤلاء الأسرى الأمريكيين على هذا الصمود، لدرجة أن أحد الأسرى أخذ يقرأ بصوت مرتفع فقرة من كتاب كارل ماركس بلهجة فكاهية مما أدهش الصينيين عدم الخوف والإصرار الذي يظهر على من هم مثل الأسير.