الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: دور الثقافة في تنشئة الأطفال
أولا- للثقافة معنى:
الثقافة هي مجموع ما يتعلم وينقل من نشاط حركي وعادات وأفكار وقيم وتقاليد ومعتقدات واتجاهات وفكرة الصواب والخطأ وما ينشأ عن ذلك من سلوك ومشاعر وأنماط للعلاقات يشترك فيه أفراد المجتمع، كما أنها مجموعة طرق ووسائل صنع الأشياء والتكنولوجيا المستخدمة في ضوء القوانين والقواعد المنظمة والديانات المعتنقة.
ويتعلم الفرد عناصر الثقافة أثناء نموه الاجتماعي، أي منذ نعومة أظافره من خلال تفاعله في المواقف الاجتماعية. وتؤثر الثقافة في تشكيل شخصية الصغير، ولذلك فهي تحدد سلوك الطفل الاجتماعي وحتى الكبير عن طريق عملية التطبيع الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية. فهي تبلور الأطفال وتشكلهم خلال مراحلهم المبكرة عن طريق نظم أولية Primary Institutions أو أعراف أولية مثل المتعلقة برضاعة الأطفال وفطامهم وتعليمهم ضبط عمليات الإخراج
…
ونظم ثانوية Secondary Institutions.
فالثقافة نتاج إنساني للتفاعل الاجتماعي والقبول الاجتماعي بين أفراد المجتمع الواحد، وتوافر أنماط اجتماعية عامة مرضية يستجيب الأفراد في ضوئها لحاجاتهم البيولوجية والاجتماعية، وهي تنتقل من جيل إلى آخر، وهي ليست فطرية، وتعتمد في وجودها واستمرارها على استمرار المجتمع، وإن كان هذا الوجود والاستمرار لا يتوقفان على وجود فرد بعينه أو جماعة بعينها على الرغم من أنها وسيلة للتماسك بين الأفراد في مجتمع واحد.
إن الاستعدادات الممكنة التي تأتي مع الطفل لا تصبح واقعة إلا بعد تشربه الجزئي للثقافة التي ولد فيها، فهي توفر للطفل ما يؤمل أن يكون عليه. فالطفل في بداية حياته يتقبل الثقافة التي ينشأ فيها مثل تقبله للهواء والماء.
والثقافة توفر للفرد وسائل إشباع حاجاته البيولوجية، فليس على الطفل أن يتعلم في بداية حياته كيف يجلب لنفسه الدفء أو ينقذ نفسه من الجوع أو العطش، أو يوفر لنفسه الأمن. إذ إن الأنماط التي توفر هذه الأمور الأولية وتوجهها توجد في الثقافة ويتفاعل معها الفرد منذ طفولته. كما أنها توفر للطفل منذ مولده حتى يصبح كهلا المعاني والمعايير التي توضح الأحداث هل هي طبيعية أم غير طبيعية؟ هل هي منطقية أم غير منطقية؟ هل هي جميلة أم قبيحة؟ هل هي هامة أم تافهة؟
وتعتبر الأسرة الوعاء الثقافي الأول الذي ينشأ فيه الأطفال، فهي وسيط الثقافة الأولى لما يلي:
1-
ترعى الطفل أوليا في الغذاء والنظافة والملبس
…
إلخ.
2-
توجه الطفل للتعامل مع غيره من خلال مبادئ وأساسيات التعامل خذ، هات، أعط، اشكر
…
وهكذا.
3-
تنقل التراث الثقافي للطفل بتعريفه وتعليمه وتلقينه العادات والتقاليد التي يجب أن تراعى وأوقاتها ومناسباتها.
4-
تساعد الطفل في تعلم المبادئ الأولية التي تساعد على التوافق الاجتماعي في ضوء رغبات الآخرين وإمكاناتهم.
ولما كانت الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع، لذا فإن النمط الشائع بين أسر المجتمع الواحد يعكس ثقافة ذلك المجتمع. وتصبح الثقافة السائدة في المجتمع لها دورها في تشكيل شخصة الإنسان الذي نشأ فيه، وينعكس ذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي ترسم الإطار العام لسلوكيات الأفراد، وهذا ما جعل Mead تضفي أهمية دراسة المجتمعات البدائية وغير البدائية لإعطاء صورة عن تأثيرات الثقافة السائدة على سلوك الاطفال، وهو الأمر الذي لم يغفله المؤلفان الحاليان.
ويشير ماهر عمر إلى أن دور التفاعل بين الأطفال الصغار وبين الثقافة المحيطة بهم تفسره النظريات التطورية للمعرفة Cognitive- Development Theories على أنه يسهم إلى حد كبير في تنشئتهم الاجتماعية المتعلقة بتحديد
أدوار الجنس Sex- Role التي يمارسونها بما يجعلها تتصف بالذكورة أو الأنوثة ومن ثم يستنبط الطفل من هذه الثقافة نمطه السلوكي الذي يجده معمما على أفراد جنسه من الذكور إذا كان ذكرا أو معمما على أفراد جنسه من الإناث إذا كانت أنثى.
وإذا كانت النظريات التطورية للمعرفة تركز بصورة أساسية على دور التفاعل الإيجابي بين الأطفال والثقافة السائدة في دعم التنشئة الاجتماعية التي تحدد الأنماط السلوكية لأدوار الذكور منهم ولأدوار الإناث، فإن نظريات التقمص Identification Theories تربط التنشئة الاجتماعية لصغار الذكور بما يكتسبونه من سلوكيات نمطية لأدوار الرجال التي يقلدونها من النماذج الذكرية التي يلتقون بها أو يشاهدونها أو يقرءون عنها في كل مرحلة من مراحلهم العمرية، ولا سيما مرحلتي الطفولة المبكرة والطفولة المتأخرة مثل الآباء والأقرباء والأصدقاء والزعماء والقادة والفرسان
…
وغيرهم. كما تربط هذه النظريات "التقمص" التنشئة الاجتماعية لصغار الإناث بما يكتسبونه من سلوكيات نمطية لأدوار النساء التي يقلدنها