الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا: رياض الأطفال
Kindergarten
من المناسب للغاية أن يتجه المعنيون بتنشئة الأطفال للأخذ بفكرة جعل روضة الأطفال جزءا معترفا به من كل مدرسة ابتدائية رسمية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
ونسبة من الأطفال ليست قليلة بين الرابعة والسادسة يوجهون إلى الروضة سواء كانوا قد ذهبوا من قبل إلى الحضانة أم لم يذهبوا.
ولما كانت الفترة العمرية بين الرابعة والسادسة فترة تكيف سهل لدى الأطفال، ورياض الأطفال تسير على نفس النهج الذي تسير عليه دور الحضانة، ولا تطالب الطفل إلا بفعاليات حركية أو عقلية استكشافية أو فعاليات لعب فردية لهذا العمر. فإننا لا نبالغ إذا طالبنا المدارس الابتدائية بتقديم ودعم هذه الفعاليات بجدية في غرفة الدراسة حينما ينتقل إليها الأطفال.
وإن كانت العوامل التي أدت إلى انتشار رياض الأطفال والحضانات تكاد تكون واحدة، ومن هذه العوامل خروج المرأة للعمل، وظهور الأسرة قليلة الحجم أو الأسرة النواة. بالإضافة إلى أن البيئة خارج المنازل أصبحت خطرة وصاخبة ولا تشبع حاجات الأطفال للانطلاق.
ولقد كان لإصدار الأمم المتحدة عام 1958 من إعلان حقوق الطفل، واعتبار عام 1979 عاما دوليا للطفل، أكثر الأثر في توجيه الأذهان إلى أهمية إعطاء الأطفال فرصا أكثر مناسبة تعوضهم ما ينقصهم في بيئاتهم. وهذا لا يقلل من شأن فروبل وغيره من الذين أسدوا إلى الطفولة عموما وفكرة رياض الأطفال بافتتاحه أول روضة للأطفال في عام 1837.
لقد أطلق Froebel مسمى "المدرسة القائمة على غرائز الأطفال الفعالة" على روضته، ثم سماها "مدرسة التربية النفسية" وبعد ذلك أطلق عليها اسم "حديقة الأطفال" ومنه ظهرت التسمية التي شاعت في جميع أنحاء العالم وهي "روضة الأطفال" ولذلك يعد فروبل المؤسس الحقيقي لرياض الأطفال.
وأعطى فروبل قيمة كبيرة للعب والموسيقى والتشكيل والرسم والتلوين، وأكد على أهمية الأنشطة اليدوية ودراسة الطفل للطبيعة.
والروضة تقدم الأفكار والمناشط في جو مرح وفي هواء طلق كلما أمكن ذلك. كما أن الاهتمام بمبادئ الصحة مثل غسل الأيدي ومبادئ الدين مثل حمد الله وشكره والمبادئ الوطنية عن طريق الممارسة الأخلاقية جزء جوهري من مهمتها.
وتأتي Montessori في عام 1907م معلنة أن الأطفال ينبغي أن ينالوا قدرا كبيرا من الحرية في عملهم تحت رعاية مشرفة، وأن المقاعد رمز للاستبداد والأهم من ذلك أن يكون لكل طفل أدواته التي يختارها بنفسه ويعمل بها ثم
ينادي المشرفة لترى ما يفعل، وتطلب من الأطفال الصمت لحظات أو ثواني ثم يتصورون ويتخيلون ويفكرون فيما يحبون أن يعملوا ويصنعوا، وتستطيع الحرية على هذا النحو تكوين نظام، فليس النظام شيئا مجردا قائما على الرهبة، ويصبح المشي في الحقول أو وسط الحديقة والمشاركة في زراعة بعض النباتات وملاحظة نموها من المناشط الهادفة:
فللروضة أهداف منها: تنمية الشعور بالثقة لدى الطفل وفي الآخرين، في جو غير قهري، وتنمية الاستقلالية في القبول والرفض والذهاب والعودة مع تعويده وجود وقت لا يستطيع أن يفعل فيه كل ما يريد. مع تجنب إحراجه أو إشعاره بالخجل.
والروضة تهدف إلى تنمية رغبة الطفل في العمل مع غيره، ويتعلم أن يكون له دور وللآخرين دور. كما أن الاعتماد على النفس من خلال خلع الأطفال للمعاطف وغسلهم للأيدي مثلا يمكن أن ينمو. وهذا بالطبع لا يتنافى مع دور الروضة في تهيئة الأطفال لحياة المدرسة وممارسة مناشطه لمبادئ القراة والكتابة والرياضيات مبتعدين عن طريق التلقين وعبر برامج أو أركان أعدت لهذا الغرض.
إن دور الروضة ينحصر فيما يبدو في كونه دور تهيئة أو استعداد لدخول المدرسة وليس بديلا عنها، أو عوضا لها، فمهمة الروضة تكمن في اكتشاف قدرات الطفل ومواهبه النامية والسماح لبراعمها بالظهور عن طريق النشاط الحر الموجه، مع تزويده بمهارات اجتماعية مثل التحية والاستئذان والعفو والسماح.. في جو طليق خال من الضغوط أو الإرهاق للطفل، وهذا ما يجعل الطفل يشعر بأن الروضة مكان آمن يشعر فيه بالرضا، ويزيل من نفسه ما يعتريها من رهبة أو خوف، حين يترك المنزل ليجد نفسه في محيط جديد، وتقوى عنده سمة الجرأة ليصبح أكثر انضباطا وأقرب إلى النظام وأكثر تقبلا له، فينتظم في المدرسة فيما بعد دون جو مضطرب.
1-
بنية الروضة وأثرها في التنشئة الاجتماعية للأطفال:
في هذا النطاق يتطلب الأمر التحدث عن جانبين هما: حجم سكان الروضة والتفاوت العمري والجنسي لمجتمعها، ولن يختلف الحديث عما عرضناه
عند تحدثنا عن دار الحضانة من قبل. إن الفارق ليس كبيرا بين الجو في دار الحضانة ورياض الأطفال كبنية، ولكن الاختلاف فيما يدرك الطفل، وفيما يرى ويسمع.
في الروضة ينتقل الطفل إلى بيئة جديدة عليه تماما إن لم يكن قد التحق بالحضانة حيث يتساوى في المعاملة مع أطفال مثله، وهنا تمتد عملية التنشئة الاجتماعية تدريجيا، إذ إن الأمر يتطلب تعلمه كيف يتقبل ذلك ويسلك معهم السلوك المناسب سلوك نحو الآخرين وهنا يبدو مفهومه عن نفسه وعلاقاته بالغرباء من سنة، فتنمو اتجاهاته الخلقية والأساليب التي تجعله يتعامل بنجاح مع الآخرين. والطفل هنا لا يعلم ماذا يحدث ولكنه يحدث.
2-
الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية في الروضة:
وفي هذا نتعرض لنظام برنامج العمل بالروضة والمناشط الحرة:
أ- نظام برنامج الطفل في الروضة: من غير المقبول أن روضة أطفال تكون بدون برنامج، وهناك برامج متعددة ربما تختلف باختلاف المدن داخل نفس الدولة، وقد أخذت برامج رياض الأطفال أنماطا متنوعة متآلفة تارة ومختلفة تارة أخرى، ولقد اقترح Doreen قضبيات ثنائية تتراوح بينها هذه البرامج.
برامج محددة البنية مقابل برامج غير محددة البنية.
برامج تؤكد على المهارات المعرفية مقابل برامج تؤكد على المهارات الوجدانية.
برامج تعتمد على التعليم مقابل برامج تعتمد على الاستكشاف.. وغير ذلك.
كما أن هناك ما يطلق عليه نظام الوحدات التعليمية Teaching Units. وقد وضعت Eliason مؤشرات لجملة من الوحدات التعليمية تدور حول الألوان والأعداد والأحجام ووسائل النقل والأصوات والحيوانات
…
إلخ، وغير ذلك من البرامج والأنظمة.
وإن اختلفت المداخل للنظام المعمول به نجد أنها تنطوي على أهداف لها أهميتها في التنشئة الاجتماعية للأطفال، مثل الاستقلال الذاتي والجرأة والدعابة والضحك وتعلم أدوار الجنس والإصغاء والتقيد بالتعليمات بالإضافة للعادات المناسبة للمواقف وغيرها.
ب- المناشط الحرة المنضبطة: مما يلاحظ أن البرنامج المحددة البنية لا يعني أنه محدد بصورة مطلقة، أو بصورة لا تترك أي مجال لمبادرة المعلمة، أو لاقتراحات الأطفال المفاجئة أو الآنية. كما أن البرنامج غير محدد البنية لا يعني العشوائية التي لا يحكمها ضابط، كما أن الدافعية الخارجية لا تعني التجاهل أو الإهمال لكل الدوافع الذاتية من لدن الطفل. ويبدو من ذلك أن الطفل أمام عمل جاد مشوق. ودور يستوعب ميول الأطفال الطارئة ضمن المناشط اليومية، وهذا ما يمكن الطفل من تطوير مفهومه عن إمكاناته وذاته وضبط النفس وإدراك المسئولية والتعاون وكلها من قبيل النمو الاجتماعي.
3-
المشرفة وعملية التنشئة للطفل في الروضة:
تبدو الحاجة إلى مشرفات يحبهن الأطفال، في الغالب يبدأ حبهن للأطفال ويأتي في المقابل حب الأطفال لهن. مشرفة تحترم إمكانات الطفل ورغباته ولا تحكم عليه بمقاييس الكبار، لديها القدرة على أن تجعله يعبر عن أحاسيسه.
ومشاعره، ومتمكنة أن تكون مستودعا لأسراره البسيطة النامية، والإفضاء بمشاكله مع غيره.
إن دور المشرفة يجب أن يتضمن دور الملاحظ والموجه لأعمال الطفل تاركة له بعض من حرية التصرف، ليشعر بأنه يقوم بعمله بوحي من ذاته ووفق رغبته وإرادته، ولا يعنى ذلك أن تترك للطفل في الروضة الحبل على الغارب، بل تراقبه عن كثب وتكون له القدوة. إن المشرفة تؤدي دورها متجنبة الإساءة إلى الطفل، لا توبخه أو تحرمه من المشاركة في النشاط، وعليها أن تبتعد عن كل ما هو من شأنه أن يسوء علاقتها معه، كم تزيل من نفسه ما قد يعتريها من رهبة.
فعلاقة الطفل بالمشرفة التي يراها الآن والأطفال الذين وجدوا معه سوف تحدد ما له وما عليه
…
معنى الحق ومعنى الواجب.. دون أي نوع من أنواع التلقين، إنها طبيعة وجوده في ذلك المجتمع. إن ذلك أول بدايات الإحساس بالانتماء للمجتمع الذي أصبح عضوا فيه. والطفل حتى الآن لن يسمع ولن يفهم معنى كلمة انتماء في هذه السن المبكرة، ولكن بذرتها قد وضعت في أعماقه.
أما الأخلاق والاتجاهات الاجتماعية فلن تنمو تلقائيا لمجرد وجود الطفل وسط ذلك المجتمع الجديد "الروضة". إنما للمشرفة في الروضة دور هام في إعداده اجتماعيا حيث يكون الطفل ما زال متمركزا حول ذاته وأحيانا ممارسا للعدوان، وهو يرى المشرفة في توجيه تصرفه وفعل سلوكيات أخرى، يحس أنها جميلة لأنها من المشرفة التي أصبح يحبها، مشرفة أصبحت تشركه معها ومع غيره من الأطفال فيتحل تمركزه حول ذاته إلى نوع من المشاركة والتعاون.
وعبر هذه الأدوار التي تقوم بها مشرفة الطفل في الروضة يمكن عرض صورها فيما يلي:
أ- المشرفة كمنفذة للبرنامج: وفقا لما هو وارد في البرنامج المعمول به تسير المشرفة في دعم أوليات السلوك المناسب للمواقف، متيحة له فرص الإفضاء بما يخالجه والتعبير عما يشعر به.
ب- المشرفة كنموذج سلوك: المشرفة يجب أن تكون مرحة ضاحكة، مرنة الحركة مستبشرة، لا تستخدم الصراخ في توجيه دفة الأمور، تحب الأطفال، وتظهر حبها لأدائهم.