الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منفردة أو حتى مساهمة مع الوالدين، إذ إن مساهمتها يصعب جدا أن تأتي مطابقة لاتجاهاتها، وبالتالي فهي تضيف عنصرا آخر أو عاملا دخيلا من شأنه أن يعمل على زيادة اختلاط الأمور أمام ذلك الصغير "الطفل" في مراحل تحتم على القائمين على شئونه بتجلية الأمور وشفافيتها، حتى يمكن للطفل أن يلتقط ويستوعب على نفس النسق في يسر وسهولة.
وينبغي على أي وكالة من وكالات التنشئة الاجتماعية أن تعتمد على الأقل على أربعة أركان هي: المكافآت والتسامح والقبول والعقاب.
ففي هذه الأركان الأربع يكون الطفل اللياقة الاجتماعية والاتجاه نحو احترام وطاعة القاعدة أو القانون.
إن التنشئة لا تعلم الطفل الخوف من الأشياء المحسوسة كي يقول الطفل لنفسه: لا بد أن تكون ذا سلوك حسن حتى تبتعد عن العقاب أو لا ينكشف أمرك. ويكون الضبط هنا من خلال الشعور بالعار. ولكن التنشئة تعلم الطفل أن يضبط نفسه من خلال الشعور بالذنب عند اقتراف الأخطاء، بحيث لا يكون الشعور بالذنب قاسيا ومبالغا فيه. إن الشعور بالعار نراه في انتظار الطفل للرقيب أو المدرس أو حتى رجل الشرطة لمعاقبته على أخطائه أو تأنيبه الحاد.
أولا: الأسرة
على الرغم من أن وكالات التطبيع والعوامل الاجتماعية والجماعات تؤثر في تنشئة الأطفال، إلا أن الأسرة من أهم الوكالات التي تقوم بهذه العملية.
والأسرة نظام اجتماعي معقد يتضمن وظائف متداخلة بين أعضائها، وهذه الوظائف يمكن أن يحدث بها من التغيير في الشكل أو في سلوك واحد من أفرادها نتيجة متغيرات مثل وجود أحد الوالدين فقط Single Parent أو عمل الأمهات Working Mothers.
والأسرة هي الخلية الأولى التي يحتك الطفل بها، وهي المكان الأول الذي تبدأ فيه معالم التنشئة الاجتماعية للطفل ابتداء من عامه الثاني.
وتتكون معظم الأسرة في مجتمعاتنا الحديثة من الأب والأم والإخوة والأخوات، فلقد تعرضت الأسرة في تطورها إلى التقلص في حجمها من حيث
عدد الأفراد الذين تضمهم ففي أشكالها البدائية كانت تضم بالإضافة إلى هؤلاء الأجداد والأحفاد والحلفاء والأنصار. وإذا كانت مجتمعاتنا العربية ما تزال تضم نماذج من أسر ممتدة، كما هو شائع في الأسر القروية والأسرة البدوية، وبعض الأسر الكبيرة في المدن، إلا أن الشائع الآن هو الأسرة النواة التي تشمل الأبوين والأولاد.
ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك على وظيفتها في إعداد أفرادها لحياة المستقبل، ومن المهم هنا أن نلاحظ فيما يخص الوظيفة التربوية للأسرة أن تقلصها من حيث الامتداد لا يعني بالضرورة تناقصها في التأثير من حيث العمق.
وفي أغلب الدراسات التي تناولت الأسرة يحاول الباحثون إيجاد العلاقة بين خصائص الوالدين واتجاهاتهم وأساليبهم في معاملة الأبناء، وبين شخصية هؤلاء الأبناء أو النمو العقلي أو الاجتماعي لهم. ولقد كانت هذه الدراسات تضع في حسبانها أن أسلوب الوالدين يقرر سلوك الأبناء متعاملة مع الأمر بمعالجات ارتباطية لا تعلن عن سبب ونتيجة.
فنتائج الدراسات التي انتهت إلى وجود علاقة بين العقاب الجسدي وجنوح الأبناء الذكور لا تعنى أن اتباع الآباء لهذا الأسلوب أدى إلى زيادة سلوكهم المنحرف، فربما شارك مع العقاب الجسدي من الوالد سرعة غضب الطفل وكثر إلحاحه في الطلبات مما جعل الوالد يقبل على أساليب قاسية وشديدة للسيطرة، يمكن أن تكون قد بدأت بالمعقولية وتوضيح المبررات وتفسير الأمور دون جدوى، مما جعله يتبع أساليب أشد من سابقتها مثل الحرمان من الرحلات أو منع الخروج مع الأصدقاء أو حتى مشاهدة التلفزيون، وجاءت أساليبه الجديدة غير مجدية. وربما أصاب الوالد الإحباط وخيبة الأمل، فأسرف في العقاب القاسي للتغلب على تمرد الطفل.
وهكذا يدفع الأطفال والديهم أحيانا للإقبال على أساليب للمعاملة لم تكن في الحسبان، بل نبعت من خصائص وسلوكيات الأطفال أنفسهم أو خصائصهم كما اتضح في نموذج الوالدية المقترح في هذا الكتاب، وكما سوف يتضح في الفصل السادس. وليس من الإنصاف أن نقول إن مثل هذا النوع من الأطفال
مسئولون عن أنفسهم وما يحدث لهم، فإن الظروف الاجتماعية والاقتصادية وسلسلة من المتغيرات الأخرى ربما تشارك فيما يصدر. إن التفاعل الاجتماعي داخل الأسرة لا يحدث بين الطفل ووالديه، بل يحدث بين كل أفراد الأسرة بالإضافة إلى الظروف والمتغيرات المحيطة. والأمر هنا ليس بين طرفين، بل يمكن تشبيهه بميدان مع طرق متقاطعة.
وترجع أهمية الأسرة في تنشئة الأبناء إلى ما يلي:
- إن الأسرة وما تشتمل عليه من أفراد هي المكان الأول الذي يتم فيه باكورة الاتصال الاجتماعي الذي يمارسه الطفل مع بداية سنوات حياته الذي ينعكس على نموه الاجتماعي الذي يمارسه الطفل مع بداية سنوات حياته الذي ينعكس على نموه الاجتماعي فيما بعد.
- إن القيم والتقاليد والاتجاهات والعادات تمر بعملية تنقية من خلال الآباء متخذة طريقها إلى الأبناء بصورة مصفاة وأكثر خصوصية. فهناك عوامل كثيرة تتدخل في إكساب الأبناء القيم والتقاليد منه: شخصية الوالدين، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، وجنس الابن، وهذا ما تعرضنا له في النموذج المقترح في الفصل الخامس. فالمعايير والقيم المرغوب تشكيلها في فتاة من طبقة اجتماعية منخفضة ووالد متسلط سوف تختلف بالتأكيد عن المعايير والقيم المرغوب تشكيلها في فتاة من طبقة اجتماعية راقية ووالد متسامح.
ويعتبر الآباء بمثابة مصفاة Filter تصفي أو تنقي القيم قبل عبورها إلى الطفل، كما أنهم نماذج Models أمام الأطفال يقلدونها.
- الأسرة هي المكان الوحيد في مرحلة المهد وما بعدها بقليل للتربية المقصودة ولا تستطيع أي وكالة أخرى تقريبا أن تقوم بهذا الدور، فهي تعلم الطفل اللغة وتكسبه بدايات مهارات التعبير.
- الأسرة هي المكان الذي يزود الأطفال ببذور العواطف والاتجاهات اللازمة للحياة في المجتمع.
الأسرة أول موصل لثقافة المجتمع إلى الطفل.
- الأسرة أكثر دوما وأثقل وزنا من باقي الوكالات المؤثرة على الطفل وبخاصة في مرحلة الطفولة، وأكثر أهمية في تأثيرها من تأثير الجيران والأقارب والأقران وحتى المعلمين.
- إن التفاعل بين الأسرة والطفل يكون مكثفا وأطول زمنيا من الجهات الأخرى المتفاعلة مع الطفل.
- الأسرة هي الجماعة المرجعية التي يعتمد عليها الطفل عند تقييمه لسلوكه. والوالدان لديهم أفكار وآمال عن الخصائص الشخصية والاجتماعية التي يرغبان تحقيقها في أطفالهم، ورغم ذلك فلا توجد معادلة سحرية لتحديد التنشئة الفعالة السوية، ورغم ذلك أيضا يعرف الآباء أن هناك أساليب لها آثار سلبية على الأطفال وأساليب لها آثار إيجابية عليهم.
وفي كثير من الأحيان نجد حالات متشابهة في المعاملة الوالدية ومستوى الأسر الاجتماعي أو الاقتصادي، وتتشابه بعض المتغيرات الأخرى، ولكن تأتي سلوكيات أطفال هذه الأسر المختلفة في صور متباينة.
وكما أن على الأسرة أن تربي طفلا يلتزم بقيم ومعايير مجتمعه عليها ألا تنسى أن لكل طفل فرديته. فمعرفة الوالدين للحالة المزاجية للطفل تجعلهم في موقف أحسن من حيث توجيه عملية النمو الخاصة به فمثلا إذا كان الطفل من النوع البطيء التقبل للأمور كان على الأهل ألا يتعجلوه في تقبل المواقف الجديدة، فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع خوفه وربما ميله إلى الانسحاب والسلبية.
وكذلك إذا كان لدينا طفل من الصعب تهدئته نجد أن التسامح لا يتناسب معه وربما يشجعه على التمادي في الصياح حتى يحصل على ما يريد، ولكن إذا أحيط بجو حازم عطوف كانت النتائج أفضل.
وللطفل أثر مباشر على علاقة الوالدين ببعضهما البعض، فالطفل إذا كان مريضا أو عصبيا أو معوقا زاد من عبء المسئولية، وينعكس ذلك على مقدار التحمل للوالدين وعلى فترة الاهتمام والرعاية بالإخوة أو نوعية هذا الاهتمام، وربما انعكس الأثر على دور الوالدين برمته في الحالات السيئة للأطفال.
وعلى الرغم من أن عملية التنشئة الاجتماعية يمكن القول أنها تبدأ من السنة الأولى من حياة الإنسان إلا أنها تصبح بطريقة واعية ومنظمة مع بداية التحرك ونشاط الأطفال وبدء اللغة، ولم يعد التدليل على نفس النحو السابق أو نفس المستوى، لقد بدا له ضوابط وحدود وبدا الآن مصطلح لا تفعل كذا واردا
على نحو أكثر مما سبق. لقد بدأ التدريب على الإخراج وبدأ المرح والتشجيع على السلوكيات المقبولة، والعقاب على السلوكيات غير المقبولة
…
هنا بدأت عملية التطبيع الاجتماعي إن الآباء الآن يقومون بتعليم آبنائهم القواعد والقوانين الاجتماعية.
والأطفال دائما يميلون إلى تقليد الآخرين وفي مقدمتهم الآباء كنماذج
…
وعملية التقليد هذه توجد كثيرا من التشابهات بين هؤلاء الأطفال وآبائهم. ويطلق المتخصصون في علم النفس على ذلك التطابق والتوحد Identification كما سبق أن أشرنا، ويطلق عليها علماء الاجتماع مصطلح المحاكاة Immitation التي تبدأ في فترة مبكرة من عملية التنشئة داخل الأسرة.
وتتم عملية التنشئة بسهولة وفي أحسن صورة إذا أحيط الأطفال ببيئة مملوءة بمعايير وقيم مجتمعهم. أما إذا وجدوا في بيئة آباء منحرفين أو حتى متقلبين عاطفيا فالاحتمال الأكبر أن ينمو بسلوك وقيم منحرفة.
إن الأطفال الذين يأتون في أسر تتصف بالأمانة والجد والعمل غالبا ما يتصفون بالخلق والإحساس بالغير ودافع الإنجاز Achievement Motivation ومن أشهر أنواع السلوك القابلة للتقليد والمحاكاة القدرة على ضبط النفس والسلوكيات الأخلاقية والسلوكيات المناسبة لكل جنس.
وعلى الرغم من أن الوالدين يعدان النموذج الاول للمحاكاة، فهناك أيضا الإخوة والأصدقاء. وبالتدريج تؤدي عملية التقليد إلى مفاهيم
…
نحن، هم
…
وهناك ثلاث خصائص والدية تسهل أو تساعد على تقليد الأطفال للوالدين هي: الحنان والعطف، القوة، العقاب وتؤثر كل منها في عملية التقليد. ويختلف تأثيرها باختلاف الجنس "ذكور، إناث".
فالإناث يملن إلى تقليد النموذج الذي يتصف بالحنان والعطف، ويميل الذكور إلى تقليد النموذج الذي يتصف بالقوة والهيمنة أو السيطرة. كما أن العطف والحنان يسهل تقلد الحركات والأخلاق والتعليقات، والقوة تسهل تقليد اتخاذ القرار وإيجاد الحلول.
ولقد شاع منذ وقع ليس ببعيد تأثير عمل الأم على تنشئة الأطفال. ويرى Etaugh أن أطفال الأمهات الراضيات سواء يعملن أم لا، لهم درجات غير مختلفة.
في التوافق النفسي والاجتماعي ويبدو أن الإشراف الكافي من قبل العاملات هو الذي يسد الثغرة الشائعة عن تأثير غيابها. إن المهم هنا هو استقرار بيئة الطفل وموقف الأم تجاه عملها ووظيفتها كأم، فمشكلات الأطفال إلى حد بعيد لا صلة لها بعمل الأم أو وجودها المستمر في المنزل. إن الاستقرار الأسري والوفاق بين الوالدين خلف التنشئة المناسبة للأطفال.
ولقد أشارت بعض الدراسات أن الأمهات العاملات يواجهن صراعا في الأدوار نتيجة تحملهن لأعباء متنوعة، مما ينعكس على العلاقة بين الأم والأبناء ولكن هذا يتصاءل حينما يكون هناك نوع من التعاون والدعم من قبل الزوج لزوجته في إنجاز بعض المهام أو المشاركة فيها، وإن كانت من اختصاصات الأمهات فقط. حتى وجود الزوج أثناء الولادة يعمل على تخفيف حدة الآلام، كما أن لعب الآباء مع الاطفال ومناغاتهم وحملهم وهدهدتهم يخفف الكثير على الأمهات ويجعل الحياة الأسرية أكثر متعة ويجعل الأب يدخل عالم طفله كما سوف يتضح بالتفصيل فيما بعد.
إن الفاحص لعلاقة الطفل بأمه كموضوع أوله لحبه، وكأول شخص يتعرف من خلاله على العالم يجد أن الأب يدخل متأخرا عالم الطفل. إن ذلك راجع إلى كونه لا يلبي رغبات حيوية بالنسبة للطفل.
ومن المعروف في مجتمعاتنا العربية أن الآباء غالبا لا يولون الأطفال عناية في الأسابيع الأولى، وحتى الشهور الأولى من باب أنه ربما لا يليق بالرجل. وهذا لا يمنع من مداعبة الطفل. والملاحظ أن الأم كثيرا ما تحاول توجيه انتباه طفلها إلى وجود أبيه بمجرد إحساسها أن الطفل أصبح الآن بإمكانه تحويل نظره مما يشير هنا إلى أن الأب يكون خارج عالم الطفل لفترة معينة. ولكن هذا التأخير لا يعني أن دخول الأب سوف يكون ثانويا، بل يمكن أن نقول عنه أنه يدخل عالم الطفل بقوة، وتبعا لشدة هذه القوة يكون الأثر على علاقة الطفل بالأب، بل وبالأم أيضا والإخوة.
وهذا الدخول القوي من قبل الأب في عالم الطفل من مدخل التأديب، حيث يكون الأمر والنهي للأب، وحيث يجد الطفل اندماجه الحقيقي في الأسرة وفي المجتمع متوقفا على استيعاب عالم الأبوة وتمثله Assimilation بما فيه من سلطة وقيم، ويجعل تقمص شخصية الأب ضرورة تتطلبها عملية النمو ذاتها، بفعل
موقف الاندهاش Astonishment من مدى قدرة الأب على التأثير في الأسرة ومن فيها، وفيما تعانيه من ابتئاس وما تشعر به من ابتهاج، فهو مفتاح عوالم أسرته.
ومن هنا تتولد حالة نفسية للطفل نحو الأب نسميها عاطفة الإعجاب. تلك العاطفة التي تبدو في موقف ثابت نسبيا ومستمر للطفل تجاه الأب، تتسرب في أعماق الطفل، وبذلك يتسرب عالم الأبوة بما فيه من قيم داخل الطفل، ويكون العامل الأساسي في تكوين الطفل من الزاوية الاجتماعية وفي تنشئته.
إن دراسة علاقة الطفل بالأب من منظور إعجابي، يخالف الرؤية الفرويدية التي تركز في هذه العلاقة على الكراهية والعداء.
حقا إن في تحليل عقدة أوديب لدى فرويد ما بين اختلاط هذه الكراهية بعنصر الإعجاب. ولكن محور النشاط النفسي في نظريته يظل حول الكراهية والعداء. وتفاصيل عقدة أوديب تعطي الأب إمكانية تجعله قادرا على أن يتجنب هذا النوع من العلاقة، أو ألا تجعل علاقته مصطبغة بهذه الصبغة وحدها، أي أن الموقف التربوي من قبل الأب في علاقته بابنه هو القادر على الحيلولة دون تعقد الموقف بعناصر الكراهية والعداء.
ولكن ذلك لا يمنع مطلقا أن يكون إعجاب الطفل ممزوجا بعواطف أخرى ملائمة ومنافية. على أن تعرض الطفل للإحباطات وضروب من المنع والردع من قبل الأب "النموذج" ظاهرة طبيعية في مراحل نموه، وهي الكفيلة بتقوية الجانب الإرادي في الطفل. ولكنها من دون شك تثمر حزازت ومشاحنات في نفس الطفل تجاه أبيه، وتكون بالتالي ذلك التناقص الذي لا يخلو من عاطفة من العواطف، وهو احتواؤها على عناصر وجدانية واتجاهات متناقضة. وعلى ذلك ليس من المغامرة في شيء أن نذهب إلى أن عناصر كراهية وغيره تجاه الأب تتولد في نفس الطفل مصاحبة للإعجاب به.
فإذا كانت الدهشة باعث الإعجاب بالأب كنموذج، فإن الرهبة والخوف حتى في أقل مستوياتهما من سلطة هذا النموذج وقوته المادية والمعنوية ومكانته، وعلو صوته ورأيه وقدرته على التوجيه والتأثير في حياة الأسرة، هذه الرهبة وهذا الخوف كفيلان بأن يولدا في الطفل مشاعر كراهية وغيره من الأب. وإن من
المشاهد أن بعض الأطفال ابتداء من عمر الثالثة يبدءون في إظهار مثل هذه المشاعر المتناقضة في الظاهر لعاطفة الإعجاب بالأب عندما يقول بعضهم مخاطبا الأب: لماذا تفعله أنت؟ أو يخاطب الأم قائلا: لماذا يفعله أبي ولا أفعله أنا؟.
إن عاطفة الإعجاب بالأب تنشأ في جوها السليم عندما يشعر الطفل بأنه مرغوب فيه ومحبوب. فانعدام النضج الانفعالي لدى بعض الآباء كانعدام الرغبة في الأطفال تؤدي إلى أسوأ الآثار العاطفية على الأطفال ومن المعروف في مثل هذه الأحوال عن الآباء أنهم يتخذون لموقفهم من الأبناء تبريرات مصطنعة، كأن يعلل بعضهم ذلك بأسباب اقتصادية أو اجتماعية، بينما يكشف التحليل عن عوامل نفسية لا شعورية لمواقفهم تلك. ويؤكد ذلك ما هو معروف في آباء آخرين من تقبل لأطفالهم وحسن معاملتهم وعلاقتهم بهم مع سوء حالتهم الاقتصادية.
وعلى ذلك يمكننا القول أنه بالإمكان أن تنشأ عاطفة الإعجاب بالأب تيسر إدماج عالم الأبوة في عالم الطفل، وتسهل بالتالي عملية التمثيل والاقتداء، ومن ثم التنشئة الأسرية المنشودة. وإن انخفاص مستوى النضج الانفعالي للأب سواء تجلى في مظهر الرفض اللاشعوري للطفل، أو في مظهر العلاقة الاستحواذية به، ذات الحب التملكي، لا يؤدي إلى انحراف عاطفة الإعجاب بالأب لدى الطفل فحسب، بل يؤدي إلى آثار نفسية تنعكس على الأب نفسه ويكون لها ردود أفعال على ذلك الصغير الذي يجب أن يكون في حالة انفتاح لعالم الأبوة، فلا يجد ما يحاكي من نماذج سوى مظاهر مرضية.
حقا إن ثَمَّ عمليات نفسية إعلائية أو تحويلية يمكن بواسطتها تحريف هذه التأثيرات عن مجراها المتوقع، ولكن تلك العمليات ربما تبوء بالفشل.
ولعل ما عاناه "هتلر" في طفولته من طريقة وأسلوب أبيه نحوه من قسوة وما علق في اللاشعور لديه من ارتباط هذه القسوة بمستوى اجتماعي منخفض لموظف بسيط أنشأ عنده رغبة في تحدي الواقع، هذه الرغبة الكامن خلفها اندفاع ضد شخصية أبيه، وبالتالي نحو مستوى اقتصادي واجتماعي فوق ذلك الأب. إن هذا كله كان دافعا لا شعوريا "لهتلر" فيما قام به من أعمال.
وعموما فكلما اتجه موقف الأب مع طفله إلى الصداقة والتفاهم وتجنب السلطة والعنف أثمر ذلك عاطفة إعجاب الطفل وسهل اندماج عالم الأبوة وقيمه ومعاييره، ومن ثم جزءا كبيرا من قيم ومعايير المجتمع الذي ينتمي إليه ذلك الأب العادي. وأصبح الصغير في سبيله إلى تنشئة اجتماعية راضية مرضية، وانعكست آثار ذلك على علاقة الأم بالطفل الصغير وعلاقة الصغير بإخوته، أي على التفاعل الاجتماعي في الأسرة كلها، وإن كانت هناك عوامل تؤثر على ذلك التفاعل الاجتماعي في الأسرة وعلى نوع ودرجة تأثر الطفل به في أثناء تنشئته الاجتماعية يمكن إجمالها في:
- الطبقة التي تنتمي إليها الأسرة: إن الأسر تختلف في تفاعلها مع الأطفال باختلاف المستوى الاقتصادي والمستوى الاجتماعي والمستوى الثقافي الذي يميزها.
فقد تبين أن أمهات الطبقة المتوسطة أكثر واقعية في التعامل مع أطفالهن، على حين أن أمهات الطبقة العالية الأفضل تعليما يملن إلى معاملة أطفالهن بطريقة أكثر دفئا وأكثر تفهما وقبولا، كما أنهن أقل تدخلا في شئون الصغار. أما أمهات الطبقة الدنيا فلديهن ميل إلى معاملة أطفالهن بالعنف والعقاب الشديد، وخاصة في التدريب على استخدام المرحاض. وفي أسر الطبقة المتوسطة كان نفوذ وسيطرة الأب تدعو إلى الاطمئنان والأمان نسبيا مهما كانت أعمار الأبناء. على حين نجد أن الأب في الأسر ذات الطبقة الدنيا يميل إلى فقد سلطته على ابنه المراهق.
وتبدو الاختلافات في الأسر حسب طبقتها في نواح متصلة بالتنشئة الاجتماعية مثل: نوع وكمية المسئوليات التي تلقيها على الطفل، المرح والتشجيع ودفء المعاملة وتجنب العقاب، مستوى ضبط عدوانية الأطفال، مستوى الشدة
المتبع في ضبط عملية الإخراج أسلوب التغذية اتجاه الأسرة نحو الأمور الجنسية التي يبديها الأطفال وتصرفاتهم نحوها.
ولا يغيب عن الأذان أن تأثر الأسرة بثقافة الطبقة أو المجتمع الذي تعيش فيه، لا يعني إلغاء الخصائص الشخصية للوالدين وطريقة تعبيرهم عن مشاعرهم وأساليب توجييهم لأطفالهم كما سبق أن ذكرنا في الفصل الخامس.
كما أن نتائج أطفال الطبقة الفقيرة يمكن أن تكون إيجابية على الرغم من حرمانهم من الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية.
فنجد ارتباطهم الشخصي والعائلي للأصحاب والجيران الذي يدعم المشاركة والدعم المتبادل. وعلى الرغم من سخريتهم من الأقدار والتشاؤم من الحياة إلا أنهم أكثر واقعية في نظرتهم إلى المحيط من حولهم. كما أن إحساسهم بأنهم عرضة للأزمات وأنهم مهددون، ينمي عندهم الإحساس والوعي والقدرة على مواجهة الضغوط والصراعات. بعكس أطفال الطبقة الوسطى الذين يواجهون معاناة في مواجهة المواقف الصعبة.
وعلى الرغم من الاختلافات الواضحة في طرق حياة وخصائص كل طبقة إلا أنه لا توجد اختلافات في القيم والأهداف من تربية الأطفال. والاختلاف يكون واضحا في بعد القوة والتوجيه الذاتي للطبقة المتوسطة مقابل الخنوع والطاعة في الطبقة الفقيرة.
فالآباء في الطبقة الوسطى يفرضون الاحترام والطاعة للسلطة بينما يفرض آباء الطبقة الاجتماعية الوسطى حب الاستطلاع والتحكم والسيطرة على النفس والقدرة على تأجيل إشباع الرغبات والعمل من أجل تحقيق الأهداف طويلة الأمد.
وفي الطبقة الوسطى يكون الآباء أقل عنفا وشدة مع الأطفال حديثي السن من الميلاد حتى سن خمس سنوات، ويكونون أشد نصحا وتقويما وتوجيها لأبنائهم في مرحلة المراهقة ويتوقعون من أطفالهم النضج المبكر في تحمل المسئولية، ويخططون لأطفالهم أهدافا وإنجازات عالية يجب تحقيقها.
أما في الطبقة الفقيرة فالآباء يكونون أشد عنفا مع الأطفال حديثي السن من الميلاد حتى خمس سنوات، ويقل هذا العنف تدريجيا ويتحول إلى نوع من التهاون والتسامح الشديد مع الأطفال الأكبر سنا. وربما عاد ذلك إلى توقعات الآباء المنتظرة
من الأبناء للاعتماد على أنفسهم والاستقلال الاقتصادي. بعكس توقعات الآباء في الطبقة المتوسطة لهذا الاستقلال الاقتصادي عند الانتهاء من التعليم الثانوي أو الجامعي لأبنائهم.
- حجم الأسرة تتأثر شبكة العلاقات والتفاعلات داخل الأسرة من ناحيتي اتساعها وتعقدها بحجم الأسرة ومن ثم التطبيع الاجتماعي للأطفال.
إن البحوث تشير إلى أن أكثر من 80% من الأسر تشتمل على أكثر من طفل أي بها ثلاثة أفراد فأكثر، وكلما زاد حجم الأسرة قلت الفرصة أمام الآباء للاحتكاك والتقارب بين كل فرد على حدة، وكذا قلت مساحة هذا الاحتكاك، ولكن تتسع الفرصة للتفاعل بين الإخوة.
وكلما زاد عدد الأبناء في الأسرة حددت الأدوار في العائلة وطبقت الأنظمة بشكل صارم، وتفرض القوانين فرضا على أفرادها، ولا يستطيع الآباء تدليل هذا العدد الكبير وإلا انقلب الأمر إلى شبه فوضى.
إن الأسرة ذات الطفل الواحد مثلا، تظهر فيها ثلاث علاقات ثنائية هي العلاقة بين الطفل والأم، وبين الطفل والأب، وبين الأب والأم. ويزداد هذا العدد من العلاقات حينما يكون حجم الأسرة خمسة "أب وأم، وثلاثة أبناء" وعندما نأخذ في الاعتبار العلاقات بين شخصين والعلاقات بين الشخص وأكثر من شخص يصل عدد هذه التفاعلات الممكنة إلى 65 علاقة. هذا الكم الضخم من العلاقات يؤثر من غير شك على طبيعة العلاقات وعمقها العاطفي، وعلى أنماط السلطة ونوعها، كما يؤثر على الأنشطة الممارسة والمشكلات التي يخبرها الطفل وإخوته سواء كان الطفل طرفا أومشاهدا لها.
ووسط هذا الحجم قل الوقت للشرح والتفسير ويزداد ميل الآباء إلى بعض القسوة للضبط والتحكم.
وإذا زاد العدد يكون دور الفتيات واضحا في المساعدة على تربية الأطفال الأصغر. والتفاعل الأقل مساحة من الأباء وسط هذا العدد يظهر الاعتماد على النفس بدرجة أكبر أو يكون الانخفاض نسبيا في مستوى التحصيل الدراسي للأبناء وتشير البحوث في نتائجها إلى انخفاض في مستوى الذكاء عموما، وتعد دراسات يسرية صادق من الدراسات الرائدة في هذا المجال على عينات عربية.
ويعد من عيوب صغر حجم الأسر على التنشئة الاجتماعية للأبناء، ذلك التركز والعمق في العلاقات العاطفية بين أفراد الأسرة الواحدة مما يترتب عليه الحماية الزائدة للأطفال بالإضافة إلى ضيق مجال تحركه وتعامله وخبرته وربما ظهور الغيرة بين الأطفال.
- الترتيب الميلادي للطفل: سوف يظل الطفل الأول متربعا على عرش الحب والرعاية والاهتمام لدى الوالدين إلى أن يصل طفلهما الثاني وبعده الأطفال الآخرون، عندئذ تختلف طريقة التعامل اختلافا واضحا، لقد أصبح هناك أطفال آخرون يشاركون الأول هذا الاهتمام وربما يسرقون منه تلك الرعاية.
وعلى الرغم من أن الطفل تظهر عليه علامات الغيرة لإحساسه بفقد جزء من الاهتمام، لكن تبقى الحقيقة بأن تفاعل الوالدين مع الطفل الأول كانت أعلى من مستوى التفاعل مع الطفل الثاني أو الأطفال الآخرين، لدرجة أنه ربما يقتصر احتكاك الآباء بأطفالهم بعد الأول على الاستجابة لحاجاتهم وتلبية مهامهم الأساسية.
لقد جاءت الدراسات معلنة أن التعليقات والمحادثات تكون موجهة غالبا للطفل الأول على الرغم من قدوم إخوة آخرين له، مما يرفع معه الحصيلة اللغوية مقارنة بإخوته. كما يلاحظ ما يلي:
بخصوص الطفل الأول: تكون توقعات الوالدين للطفل الأول أكثر والآمال أعلى، ويكون دفع الوالدين للطفل الأول على أن ينجز بطريقة أعمق، بالإضافة إلى تحميله المسئولية وإقحامه في بعض الأمور أكثر من إخوته. ويقع الطفل الأول أكثر من إخوته في العقاب وربما العقاب الجسدي.
بخصوص أواسط المواليد: يكون الوالدان الآن بعد خبرتهم مع الطفل الأول أكثر مرونة وارتخاء في معاملاتهم، وربما عاد ذلك إلى تمرسهم مع الطفل الأول الذي يعتبر طفل التدريب وكبش الفداء، ويقول البعض إنه يأخذ حد السكين.
وهذا ما يجعل للطفل الأول خصائص أكثر وضوحا مثل القدرة على ضبط الذات والقلق مع انخفاض مستوى العدوانية، والجدية والتفوق الأكاديمي فيما بعد، وكذا التفوق المهني ربما للمعايير العالية التي يضعها الوالدن له. ويميل هؤلاء
الأطفال إلى عدم الثقة بالنفس والشعور بالخوف من الفشل، كما أنهم أكثر إدراكا للخطر وأقل إقبالا على المغامرة.
ونتيجة لهذه الحساسية لدى أوائل المواليد فإنهم يكونون أكثر عرضة للوقوع في اضطرابات ومشكلات نفسية مثل اضطرابات النوم والتبول اللإرادي، أما أواسط المواليد فهم يقعون بين طرفين إخوة أكبر وآباء لديهم بعض التهاون عن ذي قبل.
ويكون مستوى الإنجاز الأكاديمي لهؤلاء الأطفال أقل من أوائل المواليد وأحيانا ضعيفا، وقوة تركيزهم ضعيفة ومداها قصير، ونجدهم دائمي البحث عن رفاق، ومرحين وباحثين عن المتعة وأكثر جرأة ومخاطرة.
بخصوص الطفل الأخير: هذا الطفل غالبا مدلل، إنه "آخر العنقود" كما يقال. يتوافر لديه كثير من النماذج -إخوة ووالدين- يشعر غالبا بالآمان.
ومثابر ومتفائل وأكثر ثقة بالنفس مقارنة بالطفل الأول، وله شعبية عنه.
1-
الأساليب المقصودة وغير المقصودة للتنشئة الاجتماعية في الأسرة:
يطلق عليها البعض ميكانيات التطبيع الاجتماعي، وهي أساليب نفسية واجتماعية، مقصودة وغير مقصودة واضحة أو ضمنية تتخذها الأسرة لإكساب الطفل سلوكا أو تعديل سلوك موجود لديه. ومن أهم هذه الأساليب:
أ- الاستجابة لأفعال الطفل:
إن مجرد استجابة الوالدين أو الإخوة لأفعال الطفل، يؤدي إلى تأثير على هذه الأفعال وعلى المشاعر المتصلة بها. وحتى هذا لصغار الأطفال، فالطفل الذي يصدر صوتا ما ويستجب له عضو من أفراد الأسرة "مجرد استجابة" فإن الطفل يميل إلى تكراره، وكأنه يعلن لنا أن نكرر معه الاستجابة لما يفعل، وهذا ما يحدث حتى مع الأطفال الأكبر سنا وبطبيعة الحال يبدو أن استجابتنا هنا للطفل استجابة إثابة أو مكافأة.
ب- الثواب والعقاب للطفل:
إلا أن الاستجابة للطفل كما يمكن أن تكون نوعا من المكافأة قد تكون نوعا من المعارضة أو التثبيط أو العقاب. وهذا شيء شائع بلا استثناء في جميع الأسر.
إن الوالدين أثناء تعاملهما مع الطفل يستعملان الثواب أو المكافأة والتأييد عندما يصدر من الطفل سلوك برغباته أو يحبذانه أو عندما يظهر من المشاعر ما يتناسب مع الموقف. وكذلك يوقع الوالدان العقاب في عكس ذلك.
وتتدرج الإثابات من مجرد نظرة رضى أو إيماءة موافقة إلى هدية أو تقبيله، ويتدرج العقاب من إشارة ناهية باليد أو إغماضة لها معنى بالعين أو تقطيب للجبين أو ضغط على الشفتين إلى الحرمان من متعة أو العقاب البدني.
وبطبيعة الحال يختلف الثواب والعقاب في الدرج والنوع باختلاف طبقة الأسر، فبعض أنماط السلوك لا يعاقب عليها مستوى طبقي وربما شجع عليها في الوقت الذي يرفضها مستوى طبقي آخر.
مثال ذلك السلوك العدواني الذي يشجع عليه لدى أطفال المستوى الاقتصادي والثقافي المنخفض، بينما يعقاب عليه الطفل في المستوى الاقتصادي الثقافي المتوسط، وإذا كانت الأسر في المستويات المنخفضة تميل إلى استعمال العقاب الجسدي، نجد الأسر في المستويات المتوسطة تميل إلى استعمال الحرمان أو العزل قليلا لبعض الأطقال.
جـ- إشراك الطفل في بعض المواقف الاجتماعية:
ربما دعا الوالدان أو أحدهما الطفل بقصد الذهاب معهما في موقف عزاء أو موقف عرس بقصد إكساب الطفل السلوكيات المناسبة في مثل هذا المواقف، وربما جاءت الدعوة لهذه المواقف وغيرها عن غير قصد
…
وهنا يتعلم الطفل ليس فقط كيفية السلوك المناسب بل والمشاعر المناسبة في مثل هذا المواقف.. وهنا يكون التعلم بالتقليد وربما بالتقمص.
د- التوجيه الصريح لسلوك الطفل:
قد يلجأ الوالدان إلى توجيه سلوك الطفل بطريقة مباشرة وصريحة، فتعلمه ما يجب وما لا يجب أو تدربه على السلوك المناسب وربا هيأت له من المواقف الحية لدعم خبراته وسلوكياته.
وإذا كانت الأساليب السابقة يغلب عليها إمكانية الحدوث للأطفال، فإن تغيرا جوهريا يحدث لديهم عندما يبدأ مفهوم الذات Self Concept في البزوغ أي
عندما ينظر الطفل إلى سلوكه باعتباره موضوعا، فيصبح هذا السلوك خاضعا منه للتأمل، والحكم والتقدير بل والتقويم، وعندما يضع في اعتباره اتجاه المهمين في حياته مثل الوالدين، وعندما يدرك إمكاناته ومكانة الآخرين وما يرتبط بها من التزامات وتوقعات للسلوك وحقوق للآخرين واجبة عليه، في ذلك الوقت تزداد الفعالية والإيجابية للطفل، وتتدفق قدرته على العطاء دون الاكتفاء بالأخذ، ويتحرك مع كل ذلك قوى التنشئة الاجتماعية لتصبح داخلية بعد أن كانت كلها خارجية، وبالتالي تتسع الخطى في طريق التطبيع الاجتماعي.
2-
معالجة آثار الإحباط على الأطفال أثناء تنشئتهم اجتماعيا داخل الأسرة.
إن أساليب التنشئة الاجتماعية التي تتبعها الأسرة لا تخلو من تعطيل أو كف لبعض رغبات أو نزعات الطفل. وأحيانا يكون العقاب مسيطرا على الأمر نتيجة إقبال الطفل على سلوكيات غير مقبولة. ويكون نتيجة ذلك تراكم لشعور الطفل بالإحباط ومن ثم كراهية أو مشاعر سالبة نحو الوالدين أو الإخوة الأكبر.
وتظهر مؤشرات الإحباط في عناد الطفل أو عدوانه على إخوته أو الإنطواء وغير ذلك من المؤشرات.. وكلها ردود فعل طبيعية.. ومن الضروري على الوالدين الاعتماد على أساليب تتجنب معها تعقيد الأمور أو زيادة عمقها وحدتها. ومن أساليب مواجهة هذا الطفل المحبط.
أ- تعادلية القائم على التنشئة: ويظهر في موازنة الأب مثلا بين ما منع الطفل منه وما يمكن أن يسمح له به كبديل. فإذا حرم الأب طفله من عمل سلوك يستغرقه باعتباره غير مناسب فإنه غالبا يجب أن يسمح له بممارسة سلوك آخر يحقق له إشباعا. وكذا الأم التي تعاقب ابنتها ثم يعقب الأمر نوع من الملاطفة مع هذه الصغيرة "تضرب وتلاقي" وذلك بعد مدة كما سوف نرى فيما بعد.
ب- تعادلية الطرفين: ويطلق عليه البعض التعادل المشترك، أي التصرفات التي يقوم بها مثلا الوالدان ليعادل كل منهما آثر الآخر "واحد يشد والآخر يرخي" وليس المقصود هنا التسلطية والتهاون بل الحزم والدفء الداعم للوالد الآخر.
ومثال ذلك الأب الذي مارس نوعا من العقاب على طفله، فإن الأم تتولى تخفيف
الآثار الناتجة عن العقاب بحيث لا يؤدي تخفيف الأثر إلى إلغاء التأثير أو التمرد على الأب أو تكوين اتجاهات سالبة ضده.
جـ- تفريغ شحنة الطفل: وهو أسلوب يعمد إلى امتصاص الصدمة وخفض التوتر الناتج عن الإحباط بسبب العقاب أو غيره، فتتيح الأم مثلا أو الأب للطفل مجالا للتعبير اللغوي أو الرمزي عن انفعالاته بطريقة مناسبة، وإذا لم يتح هذا التفريغ القائم على التنشئة يمكن أن يقوم بها شخص داخل الأسرة مثل الأخ الأكبر أو الجد أو العم ومن الممكن ضيف أو صديق للأسرة.
3-
معالجة ما يصيب الوالدين من إحباط أثناء قيامهم بالتنشئة:
من نتائج قيام الوالدين أو أحدهما بتنشئة الأبناء أن يصابا بالتوتر والضيق والإحباط، مما يترتب عليه اتجاهات سالبة نحو الأطفال، وربما عبر بعض الآباء عن ذلك ليس فقط أمام الكبار مثلهم، بل أمام أطفالهم، فيقول الأب مثلا أو الأم:"أنا زهقت منكم.." أو تعبيرات من هذا القبيل.
والأساليب السابقة التي تخفف الإحباط تعمل بوجهها الآخر على تخفيف العناء من القيام بدور المنشئ. وكذلك فالأحاديث الصريحة بين أعضاء الأسرة تساعد على تخفيف آثار الإحباط.
وتعد الآثار الإيجابية لما يقوم به الوالدان من دور في عملية التنشئة وظهور هذه الآثار على سلوكيات أطفالهم، نوعا من الإشباع يجعل الوالدين يتحملان عناء رحلة التنشئة الاجتماعية لأطفالهما.