الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامسا: تنشئة الطفل الغجري في الهند:
لم يعد كل الغجريين من الرحل، إلا أن الترحال هو الخاصية التي تميزهم، ومن الصعب التكهن بمن سوف ينقطع منهم عن السفر أو لن ينقطع من جيل إلى آخر. والترحال سبب تشتت هؤلاء على وجه الأرض، لأن الترحال يتميز بالطرد والرفض.
وفي بعض البلدان تكون نصف المجموعات الغجرية من أطفال ومراهقين دون الخامسة عشر. والمجتمع الغجري غير متجانس، والطفل الغجري في مفترق طرق التقليد والتجديد والانقراض.
وقد كتب على الغجر أن يناضلوا من أجل البقاء في مختلف مراحل تاريخهم، وغالبا ما كانت ردود الفعل على هؤلاء الرحل مناهضة عنيفة، وهناك عدم تلاؤم بين المجتمع الصناعي ومجتمعات الرحل، ويبدو أن هذه المجتمعات قد غرست في لا شعور أفرادها مقاومة تأثيرات ما يحيط بها من ثقافات.
وهناك نزوع إلى الالتحام بين الأبناء والآباء والمجموعات التي ينتمون إليها. ويلاحظ وجود الأسر الممتدة التي تحافظ على الأجداد والأبناء والأحفاد وتستوعبهم طويلا في شبه التحام يبدو أنه أصبح غريزيا، لدرجة تصل بنا إلى إمكانية القول بامتلاك الآباء للأبناء امتلاكا حقيقيا.
1-
الأعراف والقيم الشائعة:
إن المهم عند الغجر هو الجماعة وليس الفرد وإن قانون الجماعة فوق الخيار الشخصي.
ويعتبر محظوظا من بين الغجريين من يرزق طفلا، وخاصة إذا كان ذكرا وهذا ما يجعل أقرب القريبات من الأم أن تقول بطريقة شعائرية لها "أنت محظوظة" عند وضعها لطفلها.
والحظ يؤمن به الغجر ويعبر عن ضمان استمرارهم في هذا الكون وتميزهم عن سواهم.
والولادة مجلبة للدنس طبقا لاعتقادات الغجر، فالأم تضطر إلى اعتزال الآخرين أياما محددة، وعلى الأب أن يتحصن من القذارة والابتعاد عن الأم قليلا، ولا يمنعه ذلك من المشاركة في ممارسة الطقوس المتبعة عند استقبال مولود. وهناك اعتقاد حول سلطان الأم بصفتها واسطة مع القوى الغيبية لعلاقتها بالدنس.
ولكن هناك خشية من الاقتراب من الأم حتى لا تحدث اتصالات مشئومة مع قوى الشر العليا، لأنها غير طاهرة في هذه المناسبة، ويجب التوقي من الأرواح الشريرة، كما يعتقدون، والعرف يقتضي أن يعيش الزوجان عند أبي الزوج إلى أن تلد الزوجة طفلها الأول إذا أرادا الانفصال عن الأسرة الممتدة.
ولا مانع لدى الغجر من قبول القيم الغجرية للبلاد التي ينزلون بها بهدف ضمان التسامح معهم وتجنب النبذ، والنجاة من التعامل السيئ معهم.
2-
رعاية الأطفال من الوالدين:
ومع المولد يكون عهد رضاعة الطفل قد بدأ، ويظل الطفل متعلقا بأمه سنوات عديدة. وإن كانت بدائل للغذاء أصبحت تدخل على وليد الغجر.
وما أن يصبح الطفل قادرا على الحركة حتى تترك له حرية التنقل، ويُساعد على أن يمشي مبكرا، وطعامه يصبح وقتها من بقايا طعام الأسرة، دون أن تتخذ له تدابير خاصة، ويأكل طوال اليوم ما تقع عليه يداه دون أن يقابل من والديه بأي نهي.
أما بخصوص النوم، فالأسرة كلها تنام في نفس المكان، وعامة ما يحاذي الأطفال ولي أمرهم ذي الجنس المخالف، وتهدهد الأم رضيعها عندما يسترخي للنوم أثناء السير أو تتحدث إليه وتداعبه بأسلوب شبه آلي دون أن تعيره اهتماما خاصا، بالإضافة إلى بعض المداعبات للعضو التناسلي أو تقبيل الطفل.
وعندما يكبر الطفل يحدد بنفسه مكان نومه ووقته، دون أن يعيره الكبار اهتماما خاصا.
ولنظافة الأطفال، لا تمارس أي ضغوط، وأحيانا نجد سلوكا مزدوجا للطفل إذا كان ملتحقا بمدرسة، فيتبع أسلوبا للإخراج مثلا في المدرسة غير الذي يمارسه وسط والديه، وحرية التصرف الظاهرة التي ينعم بها الطفل الغجري لا يعتبرها العجر سوءا أو قلة نظام. والأم لا تطاع مثل الأب.
إن المداعبات والقبلات للطفل تؤكد أهمية الجسد في العلاقة بين الوليد ووالديه، فالأمر يصل إلى حد الالتقاء بين جسد الطفل وجسد والديه، وهو أمر سوف ينتهي عند وصول الطفل إلى سن البلوغ فعلاقة الوالدين بالأطفال قائمة على الجنس بصورة طبيعية للغاية وهناك تأويل لهذا التقارب الجسدي على أنه انتماء.
ومع بلوغ الطفل يحرم من هذه العلاقة ويتم اختيار زوجته دون استشارته ويتولى الأب تحديد تاريخ الخطوبة والزواج. ويُقتدى بهذا النظام باستمرار.
3-
مراعاة الفروق بين الجنسين:
يستبشر الأهل خيرا مع ولادة الذكور، ويقال للأم أنها محظوظة. وعند سن البلوغ يعد الطفل في المجتمع الغجري رجلا يمكنه الزواج، ويكون للذكر حقوق أكثر من الأنثى وواجبات أقل من واجباتها، فتستسلم، كما استسلمت أمها لرغبات الزوج وتقوم بالأعمال المنزلية ولا تخرج بمفردها، وأحيانا تدخل في علاقات محرمة مع رجال المجموعة.
4-
المشاركون في التنشئة:
الطفل يقرر طريقة عيشه، والآباء الغجريون لا يمنعون أطفالهم من رغباتهم ويعيش الطفل داخل علاقات القرابة المؤسسة على الأبوية عامة حيث يعرف نفسه باسم شجرة الأب، وتتعاضد القرابات لتدعم للطفل انتماءه إلى مجموعته ضد المجموعات غير الغجرية.
5-
المنتظر للأطفال:
ينتظر من الطفل أن يتكون صورة للأب لديه مثلا أعلى لرجولته، وترك الحرية للأطفال واستقلاليتهم يفضي بهم إلى كيفية تدبير أمورهم بأنفسهم إلى حد
كبير قرب الثامنة من العمر.
ورغم التحاق بعض الأطفال بالمدارس، فيدخلون في نظام تختلف معاييره عن معايير الغجر، لكنهم يبقون على عدوانيتهم وكثير من سلوكياتهم وهذا الالتحاق بتعليم رسمي لا يدوم طويلا فيتركون المدارس.
ويلاحظ انه مع نهاية الطفولة يكون المرور من الحرية إلى المحظور، ويكون التقيد وربما ظهور الانطواء، وهذا ما يجعل الزواج المبكر حلا لهذا الأسر الجديد.
6-
نتائج ومشكلات التنشئة للمجتمع الغجري في الهند:
يبدو من خلال الأطوار أن الطفل لا يحصل على تفاعل منظم مع والديه، فليس هناك تدريب على الإخراج، أو النظافة، ولا صورا للعاطفة العفيفة البعيدة عن الانطباع الجنسي في جسد الطفل.
ويفضي غياب القانون الذي يجعل الطفل يدرك نفسه وذاته إلى عملية تقليد لعالم الأجداد. وعالم الصغار لا يتدخل فيه الكبار.