الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ
وَتُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْإِعْلَامِ وَعَلَى الْحُضُورِ، نَحْوُ: شَهِدَ زَيْدٌ مَجْلِسَ الْقَوْمِ. وَعَلَى الْعِلْمِ نَحْوُ: " شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ " وَهِيَ عُرْفًا: إخْبَارُ عَدْلٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي الشَّهَادَةِ]
[شَرْطُ صِحَّةِ الشَّهَادَةِ]
ِ] : أَيْ فِي شُرُوطِهَا وَقَوْلُهُ: [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ] : أَيْ الْمَسَائِلِ قَوْلُهُ: [وَتُطْلَقُ لُغَةً عَلَى الْإِعْلَامِ وَعَلَى الْحُضُورِ] : قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ: الشَّهَادَةُ مَعْنَاهَا الْبَيَانُ وَبِهِ سُمِّيَ الشَّاهِدُ أَيْ لِأَنَّهُ يُبَيِّنُ الْحُكْمَ وَالْحَقَّ مِنْ الْبَاطِلِ، وَهُوَ أَحَدُ مَعَانٍ تَثْنِيَتُهُ شَاهِدَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بَعْضُهُمْ فِي مَعْنَى قَوْله تَعَالَى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: 18] أَيْ بَيَّنَ، وَقِيلَ هِيَ فِيهَا بِمَعْنَى الْعِلْمِ انْتَهَى قَوْلُهُ:[وَهِيَ عُرْفًا إخْبَارُ عَدْلٍ إلَخْ] : تَعَرَّضَ لِتَعْرِيفِهَا اصْطِلَاحًا لِلرَّدِّ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْقَائِلِ لَا حَاجَةَ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَتِهَا لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِ الْقَرَافِيِّ أَقَمْت ثَمَانَ سِنِينَ أَطْلُبُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ وَأَسْأَل الْفُضَلَاءَ عَنْهُ بِتَحْقِيقِ مَاهِيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَيَقُولُونَ: الشَّهَادَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعَدُّدُ وَالذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَأَقُولُ لَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَرْعُ تَصَوُّرِهَا حَتَّى طَالَعْت شَرْحَ الْبَرَاهِينَ لِلْمَازِرِيِّ فَوَجَدْتُهُ حَقَّقَ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ: هُمَا خَبَرَانِ غَيْرَ أَنَّ الْمُخْبَرَ عَنْهُ إنْ كَانَ عَامًّا لَا يَخْتَصُّ بِمُعَيَّنٍ فَالرِّوَايَةُ كَخَبَرِ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "، وَ:" الشُّفْعَةُ فِيمَا يَنْقَسِمُ "
حَاكِمًا بِمَا عَلِمَ وَلَوْ بِأَمْرٍ عَامٍّ لِيَحْكُمَ بِمُقْتَضَاهُ، فَقَدْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَقَدُّمِ دَعْوَى؛ كَإِعْلَامِ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِمْ الشَّهْرَ فَيَحْكُمُ بِثُبُوتِهَا. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى حُكْمِهِ أُمُورٌ، كَوُجُوبِ الصِّيَامِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَتَمَامِ عِدَّةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ تَمَامِ أَجَلٍ لِدَيْنٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ: وَقَوْلُهُمْ: حُكْمُ الْحَاكِمِ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ، مُرَادُهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْخُصُومَاتِ؛
ــ
[حاشية الصاوي]
بِخِلَافِ قَوْلِ الْعُدُولِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عَلَى هَذَا كَذَا إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ فَالشَّهَادَةُ، ابْنُ عَرَفَةَ: حَاصِلُ مَا قَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ أَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الْخَبَرُ الْمُتَعَلِّقُ بِجُزْئِيٍّ وَالرِّوَايَةَ الْمُتَعَلِّقُ بِكُلِّيٍّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ قَدْ تَتَعَلَّقُ بِجُزْئِيٍّ كَخَبَرِ: «يُخَرِّبُ الْكَعْبَةَ ذُو السُّوَيْقَتَيْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ» وَخَبَرِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي السَّفِينَةِ الَّتِي لَعِبَ بِهِمْ الْمَوْجُ فِيهَا وَذَكَرَ قِصَّةَ الدَّجَّالِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ أَحَادِيثَ مُتَعَلِّقَةٍ بِجُزْئِيٍّ وَكَآيَةِ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] وَنَحْوُهَا كَثِيرٌ انْتَهَى.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْحَقُّ فِي الْفَرْقِ مَا قَالَهُ (بْن) وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَيْهِ فَصْلُ قَضَاءٍ وَإِبْرَامُ حُكْمٍ أَمْ لَا، فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الشَّهَادَةُ وَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ ذَلِكَ فَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ يُشَرِّعُهُ أَوْ لَا فَإِنْ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ الرِّوَايَةُ وَإِلَّا فَهُوَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ انْتَهَى وَتَعْرِيفُ شَارِحِنَا يُفِيدُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: إخْبَارُ عَدْلٍ: مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَحَاكِمًا مَفْعُولُهُ قَوْلُهُ: [حَاكِمًا] : أَيْ أَوْ مُحَكَّمًا وَقَوْلُهُ: [بِمَا عَلِمَ] : أَيْ إخْبَارٍ نَاشِئٍ عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ ظَنٍّ أَوْ شَكٍّ. وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي تَأْدِيَةِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ أَشْهَدُ بِخُصُوصِهِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ؟ قَوْلَانِ: أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ عِلْمِ الشَّاهِدِ بِمَا شَهِدَ بِهِ كَرَأَيْت كَذَا أَوْ سَمِعْت كَذَا أَوْ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا كَذَا فَلَا يُشْتَرَطُ لِأَدَائِهَا صِيغَةٌ مُعَيَّنَةٌ قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِأَمْرٍ عَامٍّ] : رَدٌّ بِالْمُبَالَغَةِ عَلَى الْمَازِرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ حَيْثُ خَصُّوهَا بِالْجُزْئِيِّ. قَوْلُهُ: [كَإِعْلَامِ الْعُدُولِ بِرُؤْيَتِهِمْ الشَّهْرَ] : مِثَالٌ لِلْأَمْرِ الْعَامِّ. قَوْلُهُ: [يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى] : أَيْ عَلَى تَقَدُّمِ دَعْوَى. قَوْلُهُ: [مُرَادُهُمْ فِي الْمُعَامَلَاتِ إلَخْ] : أَيْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ لَمْ يَتَمَحَّضْ الْحَقُّ
كَالدِّينِ وَالْقَذْفِ وَالْقَتْلِ وَالْعِتْقِ وَالنَّسَبِ، وَقَدْ لَا يَتَوَقَّفُ؛ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تَكْفِي فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّم دَعْوَى مِنْ غَيْرِهَا.
وَأَشَارَ بِشَرْطِ الشَّهَادَةِ بِقَوْلِهِ: (شَرْطُ) صِحَّةِ (الشَّهَادَةِ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (الْعَدَالَةُ) : وَهِيَ الِاتِّصَافُ بِمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ (وَالْعَدْلُ) هُنَا: (الْحُرُّ) وَلَوْ أُنْثَى فِي بَعْضِ الْأُمُورِ؛ كَالْمَالِ وَالْوِلَادَةِ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ رَقِيقٍ وَلَوْ ذَكَرًا. (الْمُسْلِمُ) : فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ كَافِرٍ وَلَوْ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ. (الْبَالِغُ) : فَلَا تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ إلَّا إذَا شَهِدَ الصِّبْيَانُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ بِشُرُوطٍ تَأْتِي. (الْعَاقِلُ) : فَلَا تَصِحُّ مِنْ مَعْتُوهٍ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
فِيهِ لِلَّهِ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الَّتِي تَمَحَّضَ الْحَقُّ فِيهَا لِلَّهِ فَلَا تَتَوَقَّفُ الشَّهَادَةُ فِيهَا عَلَى تَقَدُّمِ دَعْوَى، كَمَا أَفَادَهُ بَعْدُ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا حِسْبَةٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ.
قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِهَا] : أَيْ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْبَيِّنَةِ.
قَوْلُهُ: [بِمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ] : أَيْ وَهِيَ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: وَالْعَدْلُ الْحُرُّ إلَخْ، وَلَوْ قَالَ: وَهِيَ الِاتِّصَافُ بِمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ إلَخْ لَكَانَ أَظْهَرَ.
قَوْلُهُ: [هُنَا] : يُحْتَرَزُ بِهِ عَنْ الْعَدَالَةِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ.
وَقَوْلُهُ: [الْحُرُّ] : أَيْ وَلَوْ عَتِيقًا لَكِنْ إنْ شَهِدَ لِمُعْتَقِهِ فَلَهُ شَرْطٌ آخَرُ وَهُوَ التَّبْرِيزُ.
قَوْلُهُ: [فِي بَعْضِ الْأُمُورِ] : رَاجِعٌ لِلْمُبَالَغِ عَلَيْهِ أَيْ فَالْأُنْثَى تُعَدُّ مِنْ الْعُدُولِ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الَّتِي مَثَّلَ لَهَا.
قَوْلُهُ: [وَالْوِلَادَةِ] : أَيْ وَنَحْوِهَا مِنْ كُلِّ مَا لَا يَظْهَرُ لِلرِّجَالِ.
قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ شَهَادَةُ رَقِيقٍ] : أَيْ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَلَوْ قَلَّتْ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ لِكَافِرٍ عَلَى كَافِرٍ] : أَيْ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ حَيْثُ، قَالَا: يَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى مِثْلِهِ.
قَوْلُهُ: [بِشُرُوطٍ تَأْتِي] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَجَازَ شَهَادَةُ الصَّبِيَّانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي جَرْحٍ وَقَتْلٍ فَقَطْ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [الْعَاقِلُ] : أَيْ حَالَ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ مَعًا. بِخِلَافِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ
(بِلَا فِسْقٍ) بِجَارِحَةٍ؛ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالسَّارِقِ وَنَحْوِهِمْ وَكَذَا مَجْهُولُ الْحَالِ. (وَ) بِلَا (حَجْرٍ) عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَلَا تَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. (وَ) بِلَا (بِدْعَةٍ) وَلَوْ تَأَوَّلَ (كَقَدَرِيٍّ) وَخَارِجِيٍّ. (ذُو الْمُرُوءَةِ) وَهِيَ: كَمَالُ النَّفْسِ بِصَوْنِهَا عَمَّا يُوجِبُ ذَمَّهَا عُرْفًا وَلَوْ مُبَاحًا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ، كَأَكْلٍ بِسُوقٍ لِغَيْرِ أَهْلِهِ، وَلِذَا قَالَ:(بِتَرْكِ) أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ شَيْءٍ (غَيْرِ لَائِقٍ مِنْ لَعِبٍ بِكَحَمَامٍ)
ــ
[حاشية الصاوي]
وَالْبُلُوغِ فَتُشْتَرَطُ حَالَ الْأَدَاءِ لَا حَالَ التَّحَمُّلِ.
قَوْلُهُ: [وَكَذَا مَجْهُولُ الْحَالِ] : إنَّمَا خَرَجَ مَجْهُولُ الْحَالِ بِقَوْلِهِ بِلَا فِسْقٍ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْجُرْحَةُ فَيُسْتَصْحَبُ الْأَصْلُ إلَّا لِدَلِيلٍ يُثْبِتُ الضِّدَّ.
قَوْلُهُ: [فَلَا تَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ] : أَيْ لِأَنَّهُ مَخْدُوعٌ. وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّفِيهِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَحِيحَةٌ.
قَوْلُهُ: [كَقَدَرِيٍّ وَخَارِجِيٍّ] : الْقَدَرِيُّ هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْأَسْبَابَ تُؤَثِّرُ بِقُوَّةٍ أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِيهَا وَهُوَ عَاصٍ وَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ، وَالْخَارِجِيُّ هُوَ الَّذِي يُكَفِّرُ بِالذَّنْبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُتَعَمِّدًا لِلْبِدْعَةِ أَوْ مُتَأَوِّلًا لِأَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِالتَّأْوِيلِ وَهُوَ فَاسِقٌ، وَفِي كُفْرِهِ قَوْلَانِ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُهُ.
قَوْلُهُ: [ذُو الْمُرُوءَةِ] : هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا مَعَ الْهَمْزَةِ وَبِغَيْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْوَاوِ. فَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَتْ الْمُرُوءَةُ فِي الْعَدَالَةِ لِأَنَّ مَنْ تَخَلَّقْ بِمَا لَا يَلِيقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا جَرَّهُ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى دِينِهِ وَاتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ الْعَدْلِ الْمَوْصُوفِ بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ كَمَا فِي زَمَانِنَا هَذَا اكْتَفِي بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمَسْتُورِ الْحَالِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ عَلَيْهِ فِسْقٌ، وَقِيلَ: يُؤْمَرُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ.
قَوْلُهُ: [لِغَيْرِ أَهْلِهِ] : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى السُّوقِ أَيْ فَأَهْلُ السُّوقِ الْجَالِسُونَ فِيهِ لَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِمْ الْأَكْلُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ لَعِبٍ بِكَحَمَامٍ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا كَاللَّعِبِ بِهِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَابَقَةِ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمُرُوءَةِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ
بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ: هُوَ الطَّيْرُ الْمَعْرُوفُ، وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ غَيْرَهُ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ: كَالْعَصَافِيرِ وَتُيُوسِ الْغَنَمِ. (وَشَطْرَنْجٍ) وَالشَّطْرَنْجُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً وَقِيلَ الْفَتْحُ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ وَسِيجَةٌ وَطَابٍ وَنَرْدٍ وَمِنْقَلَةٍ بِلَا قِمَارٍ، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْفِسْقِ. (وَ) بِتَرْكِ (سَمَاعِ غِنَاءٍ) مُتَكَرِّرٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بِقَبِيحِ الْقَوْلِ أَوْ بِآلَةٍ، وَإِلَّا حَرُمَ، وَلَوْ فِي عُرْسٍ وَكَانَ مِنْ الْفِسْقِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «رَأَى رَجُلًا يَتْبَعُ حَمَامَةً فَقَالَ: شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانَةً» .
قَوْلُهُ: [وَتُيُوسِ الْغَنَمِ] : أَيْ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ كَتَسْلِيطِ الْكِبَاشِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَشِطْرَنْجٍ] : فِي (بْن) قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ اللَّخْمِيُّ فِي لَحْنِ الْعَامَّةِ يَقُولُونَ شَطْرَنْجٌ بِفَتْحِ الشَّيْنِ، وَحَكَى ابْنُ جِنِّي أَنَّ الصَّوَابَ كَسْرُهَا عَلَى بِنَاءِ جِرْدَحْلٍ وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ بِالشِّينِ وَبِالسِّينِ لِأَنَّهُ إمَّا مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ أَوْ التَّسْطِيرِ انْتَهَى. وَفِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ (ح) أَنَّهُ مُعَرَّبُ شُرْنَك وَمَعْنَاهُ سِتَّةُ أَلْوَانٍ: الشَّاةُ وَالْفَرْزُ وَالْفِيلُ وَالْفَرَسُ وَالرُّخُّ وَالْبَيْدَقُ، فَعَلَى هَذَا لَا يُقَالُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمُشَاطَرَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَلَا مِنْ التَّسْطِيرِ بِالْإِهْمَالِ عَلَى مَا فِي (بْن) انْتَهَى، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ لَعِبَهُ حَرَامٌ وَقِيلَ مَكْرُوهٌ، وَفِي (ح) قَوْلٌ بِجَوَازِ لَعِبِهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ نَظِيرِهِ لَا مَعَ الْأَوْبَاشِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ وَالْكَرَاهَةِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِلَعِبِهِ لَكِنْ عِنْدَ الْإِدَامَةِ لِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْإِدْمَانَ عَلَى اللَّعِبِ بِهَا جُرْحَةٌ وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ الْإِدْمَانُ فِي الشَّطْرَنْجِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ النَّرْدِ وَالطَّابِ وَالْمِنْقَلَةِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي إبَاحَتِهِ. بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَجُرْحَةٌ مُطْلَقًا.
قَوْلُهُ: [بِلَا قِمَارٍ] : أَيْ بِلَا أَخْذِ مَالٍ فِي لَعِبِهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ بِآلَةٍ] : أَيْ كَعُودٍ وَقَانُونٍ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا حَرُمَ] : أَيْ بِأَنْ تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ كَانَ حَرَامًا
(وَ) بِتَرْكِ (سَفَاهَةٍ) مِنْ الْقَوْلِ، كَالْهَزْلِ الْخَارِجِ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنْ الْمُجُونِ وَالدُّعَابَةِ. (وَ) بِتَرْكِ (صَغِيرَةِ خِسَّةٍ) : كَتَطْفِيفٍ بِحَبَّةٍ وَسَرِقَةِ لُقْمَةٍ وَنَحْوِهَا، إذْ فَاعِلُ ذَلِكَ لَا مُرُوءَةَ عِنْدَهُ، وَمِمَّا يُخِلُّ بِهَا: الرَّقْصُ وَالصَّفْقُ بِالْأَكُفِّ بِلَا مُوجِبٍ يَقْتَضِيهِ، وَكَذَا سَائِرُ اللَّعِبِ. إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ كَالْمُسَابَقَةِ، وَاللَّعِبِ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكْثُرْ، وَالْكَلَامُ فِي اللَّعِبِ بِمَا ذُكِرَ، إنَّمَا هُوَ إذَا أَدْمَنَ ذَلِكَ. قَالَ الْأَبْهَرِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِدْمَانِ وَعَدَمِهِ: إنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْلَمَ مِنْ يَسِيرِ اللَّهْوِ فَالْعَدْلُ الْمَذْكُورُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (وَإِنْ) كَانَ (أَعْمَى فِي الْقَوْلِ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُقْبَلُ فِيهِ. وَمِثْلُ الْقَوْلِ غَيْرُهُ مِمَّا عَدَا الْمُبْصَرَاتِ، كَالْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ. وَإِنَّمَا بَالَغَ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَلَوْ فِي الْأَعْرَاسِ، وَهَلْ تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلَوْ فَعَلَهُ مَرَّةً فِي السَّنَةِ؟ وَهُوَ مَا لِلتَّتَّائِيِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّكَرُّرِ فِي السَّنَةِ وَهُوَ مَا يُفِيدُهُ الْمَوَّاقُ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْمَبْحَثُ فِي الْوَلِيمَةِ مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ: [كَالْهَزْلِ الْخَارِجِ عَنْ عُرْفِ أَهْلِ الْكَمَالِ] : أَيْ كَمَا إذَا كَانَ يُضْحِكُ الْقَوْمَ بِالْأَكَاذِيبِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ» .
قَوْلُهُ: [مِنْ الْمُجُونِ وَالدُّعَابَةِ] : بَيَانٌ لِمَعْنَى الْهَزْلِ فَمِنْ ذَلِكَ النُّطْقُ بِأَلْفَاظِ الْخَنَا فِي الْمَجَالِسِ.
قَوْلُهُ: [كَتَطْفِيفٍ بِحَبَّةٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَقِيرًا وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ فَقِيرًا وَإِلَّا كَانَ كَبِيرَةً.
قَوْلُهُ: [فَالْعَدْلُ الْمَذْكُورُ] : دُخُولٌ عَلَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: [فِي الْقَوْلِ] : أَيْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَمْ لَا لِضَبْطِهِ الْأَقْوَالَ بِسَمْعِهِ.
قَوْلُهُ: [وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ] إلَخْ: لَكِنْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا وَلَوْ تَحَمَّلَهَا قَبْلَ الْعَمَى وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَا لَمْ يَتَحَمَّلْهَا قَبْلَ الْعَمَى وَإِلَّا قُبِلَتْ.
قَوْلُهُ: [مِمَّا عَدَا الْمُبْصَرَاتِ] : أَيْ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَصَرِ كَالْأَفْعَالِ وَالْأَلْوَانِ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيهَا مُطْلَقًا عَلِمَهَا قَبْلَ الْعَمَى أَمْ لَا، وَفِي الْإِرْشَادِ تَجُوزُ