الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زَمَانِنَا وَانْحَطَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. نَعَمْ الْخُلُوُّ الَّذِي وَقَعَتْ الْفَتْوَى بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ وَإِرْثِهِ، إنَّمَا هُوَ فِي وَقْفٍ خَرِبٍ لَمْ يَجِدْ النَّاظِرُ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ مَا يَعْمُرُهُ بِهِ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ وَلَا أَمْكَنَهُ إجَارَتُهُ بِمَا يَعْمُرُهُ بِهِ، فَيَأْذَنُ لِمَنْ يَعْمُرُهُ بِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ عَلَى أَنَّ مَا عَمَرَهُ بِهِ يَكُونُ مِلْكًا لِلْمُعَمِّرِ وَتُفَضُّ الْغَلَّةُ بِالنَّظَرِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقْفِ؛ فَمَا نَابَ الْوَقْفَ يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ وَمَا نَابَ الْعِمَارَةَ يَكُونُ لِرَبِّهَا، فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ الْوَقْفِ وَلَا إخْرَاجُهُ عَنْ غَرَضِ الْوَاقِفِ، وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ الشَّيْخِ الْخَرَشِيِّ بِمَا تَقَدَّمَ حَتَّى يُعْتَرَضَ بِهِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ حَقِيقَةَ الْوَقْفِ مَا ذُكِرَ:
(فَأَرْكَانُهُ أَرْبَعَةٌ) :
الْأَوَّلُ: (وَاقِفٌ وَهُوَ الْمَالِكُ لِلذَّاتِ أَوْ الْمَنْفَعَةِ) الَّتِي أَوْقَفَهَا قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُكْرِيَ أَرْضَهُ عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا انْقَضَتْ كَانَ النُّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ. وَشَرْطُ صِحَّةِ وَقْفِهِ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) الْوَاقِفُ (أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ) : وَهُوَ الْبَالِغُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ الْمُخْتَارُ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا سَفِيهٍ وَلَا مُكْرَهٍ.
(وَ) الثَّانِي: (مَوْقُوفٌ: وَهُوَ مَا مُلِكَ) مِنْ ذَاتٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بِجَوَازِ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ] : إلَخْ: أَيْ وَقْفَهُ.
قَوْلُهُ: [وَإِذَا عَلِمْت] : أَيْ مِنْ التَّعْرِيفِ.
[أَرْكَانُ الْوَقْفُ]
قَوْلُهُ: [أَوْ الْمَنْفَعَةِ] : أَيْ لِمَا تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مِلْكُ الذَّاتِ.
قَوْلُهُ: [عَلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِدًا] : أَيْ فَالْمُكْتَرِي يُوقِفُهَا مَسْجِدًا وَقَصَدَ بِهِ الِاسْتِشْهَادَ عَلَى وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ.
قَوْلُهُ: [كَانَ النُّقْضُ لِلَّذِي بَنَاهُ] : ظَاهِرٌ يَفْعَلُ بِهِ مَا شَاءَ لِكَوْنِ الْوَقْفِ انْتَهَى أَجَلُهُ فَلَا يُعْطَى حُكْمَ أَنْقَاضِ الْمَسَاجِدِ الْمُؤَبَّدَةِ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ الْبَالِغُ] : أَيْ الْمُكَلَّفُ لِأَنَّهُ سَيُخْرِجُ بِهِ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ وَبَاقِيَ الْمُحْتَرَزَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ اللَّفِّ.
(وَلَوْ حَيَوَانًا) رَقِيقًا أَوْ غَيْرَهُ يُوقَفُ عَلَى مُسْتَحِقٍّ لِلِانْتِفَاعِ بِخِدْمَتِهِ أَوْ رُكُوبِهِ أَوْ الْحَمْلِ عَلَيْهِ (أَوْ طَعَامًا وَعَيْنًا) يُوقَفُ كُلٌّ مِنْهُمَا (لِلسَّلَفِ) وَيُنَزَّلُ رَدُّ بَدَلِهِ مَنْزِلَةَ بَقَاءِ عَيْنِهِ. وَجَوَازُ وَقْفِ الطَّعَامِ وَالْعَيْنِ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَلَا تَرَدُّدَ فِيهِ. نَعَمْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَلِذَا اُعْتُرِضَ عَلَى الشَّيْخِ فِي ذِكْرِ التَّرَدُّدِ. وَأَضْعَفُ مِنْهُ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ: لَا يَجُوزُ؛ إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَنْعِ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ شَاسٍ خِلَافُ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ فَكَانَ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ لِقَوْلِهِمَا.
(وَ) الثَّالِثُ: (مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ: وَهُوَ الْأَهْلُ) : أَيْ الْمُسْتَحِقُّ لِصَرْفِ الْمَنَافِعِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ حَيَوَانًا عَاقِلًا كَزَيْدٍ أَوْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْفُقَرَاءِ أَوْ غَيْرَهُ (كَرِبَاطٍ وَقَنْطَرَةٍ) وَمَسْجِدٍ، فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ صَرْفَ غَلَّةِ الْوَقْفِ أَوْ مَنَافِعِهِ عَلَيْهَا لِإِصْلَاحِهَا وَإِقَامَةِ مَنَافِعِهَا (وَنَحْوِ مَنْ سَيُولَدُ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. وَهُوَ لَازِمٌ لِعَقْدِهِ عَلَى مَا لِابْنِ الْقَاسِمِ، فَتُوقَفُ الْغَلَّةُ إلَى أَنْ يُوجَدَ، فَيُعْطَاهَا. فَإِنْ حَصَلَ مَانِعٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ يَأْسٍ مِنْهُ رَجَعَتْ لِلْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَوْ حَيَوَانًا] : رَدَّ بِلَوْ عَلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْقَصَّارِ مِنْ مَنْعِ وَقْفِ الْحَيَوَانِ. قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْمُعَقِّبِ أَوْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَمَّا تَحْبِيسُ ذَلِكَ لِيُوضَعَ بِعَيْنِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِتُصْرَفَ غَلَّتُهُ فِي وَجْهِ قُرْبَةٍ فَجَائِزٌ اتِّفَاقًا كَذَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [رَقِيقًا] : أَيْ فَيَجُوزُ وَقْفُ عَبْدٍ عَلَى مَرْضَى مَثَلًا لِخِدْمَتِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ السَّيِّدُ ضَرَرَهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ، وَمِثْلُ الْعَبْدِ الْأَمَةُ عَلَى إنَاثٍ وَلَيْسَ لِلْوَاقِفِ حِينَئِذٍ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا صَارَتْ بِوَقْفِهَا لِلْغَيْرِ كَالْمُسْتَعَارَةِ وَالْمَرْهُونَةِ.
قَوْلُهُ: [يُوقَفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلسَّلَفِ] : أَيْ وَأَمَّا إنْ وَقَفَ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَوَقْفِهِ لِتَزْيِينِ الْحَوَانِيتِ مَثَلًا فَلَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا إذْ لَا مَنْفَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [إنْ حُمِلَ قَوْلُهُ] : إلَخْ: قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ أَضْعَفُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرَهُ] : مَعْطُوفٌ عَلَى حَيَوَانًا وَهُوَ دُخُولٌ عَلَى قَوْلِهِ كَرِبَاطٍ وَالْمُرَادُ بِالرِّبَاطِ الثَّغْرُ.
قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ مَنْ سَيُولَدُ] : كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ أَيْ فَلَا فَرْقَ فِي الْأَهْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا فِي الْحَالِ كَالْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ وَنَحْوِ الرِّبَاطِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ كَمَنْ سَيُولَدُ.
الْمَوْجُودُ أَوْ مَنْ سَيُوجَدُ (ذِمِّيًّا) فَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ ظَهَرَتْ قُرْبَةٌ (أَوْ لَمْ تَظْهَرْ قُرْبَةٌ) كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَنِيًّا.
(وَ) الرَّابِعُ: (صِيغَةٌ) صَرِيحَةٌ (بِ وَقَفْت أَوْ حَبَسْت أَوْ سَبَّلْت، أَوْ) غَيْرُ صَرِيحَةٍ نَحْوُ: (تَصَدَّقْت، إنْ اقْتَرَنَ بِقَيْدٍ) يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ نَحْوَ: لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى بَنِي فُلَانٍ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ، أَوْ عَقِبِهِمْ وَنَسْلِهِمْ. فَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ تَصَدَّقْت بِقَيْدٍ يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُرْ، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، بِيعَ وَتُصُدِّقَ بِثَمَنِهِ عَلَيْهِمْ بِالِاجْتِهَادِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ حَبَسْت وَوَقَفْت يُفِيدَانِ التَّأْبِيدَ مُطْلَقًا قَيَّدَ أَوْ أُطْلِقَ. وَكَذَا سَبَّلْت - كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَمْ لَا - حَتَّى يُقَيَّدَ بِأَجَلٍ أَوْ جِهَةٍ تَنْقَطِعُ وَأَمَّا تَصَدَّقْت؛
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [الْمَوْجُودُ] : أَيْ الصَّالِحُ فِي الْحَالِ.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ مَنْ سَيُوجَدُ] : أَيْ الصَّالِحُ فِي الِاسْتِقْبَالِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا لَوْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ] : أَيْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَالْقُرْبَةُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ وَلَوْ غَنِيًّا.
قَوْلُهُ: [وَالرَّابِعُ صِيغَةٌ] : أَيْ وَمَا نَابَ عَنْهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَنَابَ عَنْهَا التَّخْلِيَةُ بِكَالْمَسْجِدِ.
قَوْلُهُ: [طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ] إلَخْ: أَيْ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ قَرِينَةٌ عَلَى الْوَقْفِ لَا عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ التَّمْلِيكُ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: [بِالِاجْتِهَادِ] : أَيْ فَلَا يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ بَلْ لِمُتَوَلِّي التَّفْرِقَةِ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ شَاءَ، وَيَمْنَعَ مَنْ شَاءَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تُبَاعُ لِأَنَّ بَقَاءَهَا يُؤَدِّي لِلنِّزَاعِ.
قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : مِنْ جُمْلَةِ مَعْنَى الْإِطْلَاقِ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ الْآتِي بَعْدُ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ مَسْأَلَتَهُ رَدًّا عَلَى الْمُخَالِفِ.
قَوْلُهُ: [حَتَّى يُقَيَّدَ بِأَجَلٍ] : أَيْ بِأَنْ يَضْرِبَ لِلْوَقْفِ أَجَلًا كَعَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ جِهَةٍ تَنْقَطِعُ] : أَيْ كَمَا لَوْ قَيَّدَهُ بِحَيَاةِ شَخْصٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ.
فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفَ إلَّا بِقَيْدٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. (أَوْ) عَلَى (جِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ) : عَطْفٌ عَلَى " مُقَدَّرٍ " أَيْ: عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ. . . إلَخْ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ فَإِنْ كَانَ بِحَبَسْت أَوْ وَقَفْت فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ بِ تَصَدَّقْت أَوْ مَنَحْت فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ يُفِيدُ الْوَقْفَ وَالتَّأْبِيدَ، وَإِلَّا كَانَ مِلْكًا لَهُمْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. (أَوْ لِمَجْهُولٍ حُصِرَ) كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ وَنَسْلِهِ، وَلَوْ بِلَفْظِ تَصَدَّقْت لِأَنَّ قَوْلَهُ:" وَعَقِبِهِ " وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحْصُورِ مَا يُحَاطُ بِأَفْرَادِهِ وَبِغَيْرِهِ مَا لَا يُحَاطُ بِهَا كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ. (وَنَابَ عَنْهَا) : أَيْ عَنْ الصِّيغَةِ (التَّخْلِيَةُ) بَيْنَ النَّاسِ (بِكَالْمَسْجِدِ) مِنْ رِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ وَمَكْتَبٍ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَلَا يُفِيدُ الْوَقْفُ] : أَيْ أَصْلُ الْوَقْفِ مُؤَبَّدًا أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّدٍ.
قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ] : إنَّمَا قَالَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِقَيْدٍ؛ لِرُجُوعِهِ لِجَمِيعِ الصِّيَغِ الصَّرِيحَةِ وَغَيْرِهَا فَلِذَلِكَ فَصَّلَ الشَّارِحُ الْأَحْكَامَ بَعْدُ.
قَوْلُهُ: [فَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ يُفِيدُ الْوَقْفَ] : أَيْ كَقَوْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَكَقَوْلِهِ عَلَى بَنِي فُلَانٍ طَائِفَةً بَعْدَ طَائِفَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَالتَّأْبِيدَ] : لَا حَاجَةَ لَهُ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ لِمَجْهُولٍ حَضَرَ] : مَعْطُوفٌ عَلَى جِهَةٍ وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى.
قَوْلُهُ: [كَعَلَى فُلَانٍ وَعَقِبِهِ] : وَجْهُ كَوْنِهِ مَجْهُولًا أَنَّ الْعَقِبَ وَالنَّسْلَ غَيْرُ مَعْلُومَيْنِ الصَّادِقُ بِمَنْ وُجِدَ وَمَنْ سَيُوجَدُ.
قَوْلُهُ: [يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ] : أَيْ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ.
قَوْلُهُ: [كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ] : مِثَالٌ لِغَيْرِ الْمَحْصُورِ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا] : أَيْ كَمَا لَوْ بَنَى مَسْجِدًا وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَمْ يَخُصَّ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ لَا فَرْضًا دُونَ نَفْلٍ، وَيَثْبُتُ الْوَقْفُ بِالْإِشَاعَةِ بِشُرُوطِهَا بِأَنْ يَطُولَ زَمَنُ السَّمَاعِ. قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَصِفَةُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي الْأَحْبَاسِ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الدَّارَ الَّتِي بِمَوْضِعِ كَذَا، وَحَدُّهَا كَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يَسْمَعُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ عِشْرِينَ سَنَةً مُتَقَدِّمَةَ التَّارِيخِ عَنْ شَهَادَتِهِ هَذِهِ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا مِنْ
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ) : أَيْ فِي الْحُبْسِ (التَّنْجِيزُ)، فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ حُبْسٌ عَلَى كَذَا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ. (وَحُمِلَ فِي الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى تَنْجِيزِ الْعِتْقِ. (كَتَسْوِيَةِ ذَكَرٍ لِأُنْثَى) ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ إذَا أَطْلَقَ عَلَيْهَا، فَإِنْ قَيَّدَ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ حُبْسٌ عَلَى كَذَا أَوْ حُبْسٌ فَقَطْ، وَيَشْهَدُ الْآخَرُ بِذَلِكَ بِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ (اهـ) .
وَإِنَّمَا يَقَعُ الْحُكْمُ بِهَا بَعْدَ أَنْ يُعْذِرَ الْحَاكِمُ لِمَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُبْدِ رَافِعًا شَرْعِيًّا كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ أَيْضًا كِتَابَةُ الْوَقْفِ عَلَى الْكُتُبِ إنْ كَانَتْ وَقْفِيَّتُهَا مُقَيَّدَةً بِمَدَارِسَ مَشْهُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا، وَيَقُومُ مَقَامَ الصِّيغَةِ أَيْضًا الْكِتَابَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْأَشْجَارِ الْقَدِيمَةِ وَعَلَى الْحَيَوَانِ. قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَى كِتَابٍ وَقْفٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِذَلِكَ وَقْفِيَّتُهُ حَيْثُ كَانَتْ وَقْفِيَّتُهُ مُطْلَقَةً، فَإِنْ وُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَقْفٌ عَلَى طَلَبَةِ الْعِلْمِ بِالْمَدْرَسَةِ الْفُلَانِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً بِالْكُتُبِ ثَبَتَتْ وَقْفِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً بِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ وَقْفِيَّتُهُ.
قَوْلُهُ: [فَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ هُوَ حُبْسٌ] إلَخْ: أَيْ وَيَلْزَمُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ إلَى أَجَلِ كَذَا فَإِنَّهُ يَكُونُ حُرًّا إذَا جَاءَ الْأَجَلُ الَّذِي عَيَّنَهُ وَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْفِ وَالْعِتْقِ، فَإِنْ حَدَثَ دَيْنٌ عَلَى الْوَاقِفِ أَوْ عَلَى الْمُعْتِقِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ عَقْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْحُرِّيَّةِ وَيَضُرُّ عَقْدَ الْحُبْسِ إذَا لَمْ يُحَزْ عَنْ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ، أَمَّا إنْ حِيزَ عَنْهُ أَوْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ الْأَجَلِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ حُدُوثُ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ.
قَوْلُهُ: [كَتَسْوِيَةِ ذَكَرٍ لِأُنْثَى] : أَيْ كَمَا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ دَارِي مَثَلًا وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي أَوْ أَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ تَفْضِيلَ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى تَسْوِيَةِ الْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الْمَصْرِفِ فَإِنْ بَيَّنَ شَيْئًا عُمِلَ بِهِ إلَّا فِي الْمَرْجِعِ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي فِي الْمَرْجِعِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ فِي أَصْلِ وَقْفِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ لَيْسَ كَإِنْشَائِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ وَسَيَأْتِي.
(وَلَا) يُشْتَرَطُ فِيهِ (التَّأْبِيدُ) : بَلْ يَجُوزُ وَقْفُهُ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَرْجِعُ مِلْكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. (وَلَا) يُشْتَرَطُ فِيهِ (تَعْيِينُ الْمَصْرِفِ) فِي مَحَلِّ صَرْفِهِ فَجَازَ أَنْ يَقُولَ: أَوْقَفْته لِلَّهِ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَنْ يُصْرَفُ لَهُ. (وَصُرِفَ فِي غَالِبٍ) : أَيْ فِيمَا يُصْرَفُ لَهُ فِي غَالِبِ عُرْفِهِمْ، (وَإِلَّا) يَكُنْ غَالِبٌ فِي عُرْفِهِمْ (فَالْفُقَرَاءُ) يُصْرَفُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا إذَا لَمْ يَخْتَصَّ الْمَوْقُوفُ بِجَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِلَّا صُرِفَ لَهُمْ كَكُتُبِ الْعِلْمِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ (قَبُولُ مُسْتَحِقِّهِ) إذْ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَحْصُورٍ أَوْ غَيْرَ مَوْجُودٍ أَوْ لَا يُمْكِنُ قَبُولُهُ كَمَسْجِدٍ (إلَّا الْمُعَيَّنَ الْأَهْلَ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحِقُّ مُعَيَّنًا وَكَانَ أَهْلًا لِلْقَبُولِ، بِأَنْ كَانَ رَشِيدًا، وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِوَلِيِّهِ؛ فَإِنْ رَدَّ الْمُعَيَّنُ الْأَهْلُ أَوْ وَلِيُّ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ (فَلِلْفُقَرَاءِ) وَلَا يَرْجِعُ مِلْكًا لِرَبِّهِ، وَقَالَ مُطَرِّفٌ: يَرْجِعُ مِلْكًا لِرَبِّهِ أَوْ لِوَارِثِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّأْبِيدُ] : يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ وَالْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ مَعْمُولٌ بِهِ وَفِي الْمُتَيْطِيِّ مَا يُفِيدُ مَنْعَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، وَيَمْضِي إنْ وَقَعَ وَفِي (ح) عَنْ النَّوَادِرِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ اشْتَرَطَ فِي وَقْفِهِ إنْ وَجَدَ فِيهِ رَغْبَةَ بَيْعٍ وَاشْتَرَى غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ وَقَعَ وَنَزَلَ مَضَى وَعُمِلَ بِشَرْطِهِ كَذَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [فِي غَالِبِ عُرْفِهِمْ] : أَيْ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي عُرْفِهِمْ الصَّرْفَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ لِلْغُزَاةِ عُمِلَ بِهِ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَكُنْ غَالِبٌ فِي عُرْفِهِمْ] : أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَوْقَافٌ أَوْ كَانَ وَلَا غَالِبَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: [فَالْفُقَرَاءُ يُصْرَفُ عَلَيْهِمْ] : أَيْ بِالِاجْتِهَادِ سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَحَلِّ الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ قَبِلَهُ الْمُعَيَّنُ الرَّشِيدُ أَوْ وَلِيُّ غَيْرِهِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ رَدَّهُ كَانَ حَبْسًا عَلَى غَيْرِهِ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَهَذَا إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ حَبْسًا مُطْلَقًا قَبِلَهُ مَنْ عَيَّنَهُ لَهُ أَمْ لَا، وَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْمُعَيَّنَ بِخُصُوصِهِ فَإِنْ رَدَّهُ عَادَ مِلْكًا لِلْمُحَبِّسِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ قَالَ الْمِسْنَاوِيُّ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ (اهـ) مُلَخَّصًا مِنْ (بْن) .