الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ ذَكَرَ فِيهِ الْحِرَابَةَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ وَعَرَّفَ الْمُحَارِبَ الْمُشْتَقَّ مِنْ الْحِرَابَةِ، فَيُعْلَمُ مِنْهُ تَعْرِيفُهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُحَارِبُ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إلَخْ كَانَتْ الْحِرَابَةُ قَطْعَ الطَّرِيقِ إلَخْ (الْمُحَارِب) : الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْحِرَابَةِ (قَاطِعُ الطَّرِيقِ) : أَيْ مُخِيفُهَا (لِمَنْعِ سُلُوكٍ) : أَيْ مُرُورٍ فِيهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ مَالِ الْمَارِّينَ، كَانَتْ الطَّرِيقُ فِي فَلَاةٍ أَوْ عُمْرَانٍ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَزِقَّةِ. (أَوْ آخِذُ) بِالْمَدِّ: اسْمُ فَاعِلٍ مَعْطُوفٌ عَلَى " قَاطِعُ ". (مَالٍ مُحْتَرَمٍ) : مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ نِصَابًا، وَالْبُضْعُ أَحْرَى. (عَلَى وَجْهٍ) : أَيْ حَالٍ (يَتَعَذَّرُ مَعَهُ) : أَيْ مَعَ حَالِهِ (الْغَوْثُ) : أَيْ الْإِغَاثَةُ وَالْإِعَانَةُ وَالتَّخْلِيصُ مِنْهُ، فَشَمِلَ جَبَابِرَةَ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ يَسْلُبُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي الْحِرَابَة] [
يُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي الْمُحَارِبِ]
بَابٌ: أَيْ حَدُّهَا ضِمْنًا وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا بَعْدَ السَّرِقَةِ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي بَعْضِ حُدُودِهَا الَّذِي هُوَ الْقَطْعُ فِي الْجُمْلَةِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ الْأَحْكَامِ] : أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَا.
قَوْلُهُ: [فَيُعْلَمُ مِنْهُ تَعْرِيفُهَا] : أَيْ ضِمْنًا لِأَنَّ الْحِرَابَةَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ الْمُحَارِبِ وَالْكُلُّ يَتَضَمَّنُ الْجُزْءَ.
قَوْلُهُ: [لِمَنْعِ سُلُوكٍ] : خَرَجَ قَطْعُهَا لِطَلَبِ إمَارَةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمَاعَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ لَمْ يَقْصِدْ أَخْذَ مَالِ الْمَارِّينَ] : أَيْ بَلْ قَصَدَ مُجَرَّدَ مَنْعِ الِانْتِفَاعِ بِالْمُرُورِ فِيهَا.
قَوْلُهُ: [وَالْبُضْعُ أَحْرَى] : أَيْ مِنْ الْمَالِ كَمَا لِلْقُرْطُبِيِّ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ، فَمَنْ خَرَجَ لِإِخَافَةِ السَّبِيلِ قَصْدًا لِهَتْكِ الْحَرِيمِ فَهُوَ مُحَارِبٌ كَمَا هُوَ الْآنَ عِنْدَنَا بِمِصْرَ. قَوْلُهُ:[فَشَمِلَ جَبَابِرَةَ الظَّلَمَةِ] : قَالَ فِي الْأَصْلِ وَجَبَابِرَةُ أُمَرَاءِ مِصْرَ وَنَحْوِهَا
وَلَا يُفِيدُ فِيهِمْ الِاسْتِغَاثَةُ بِعُلَمَاءَ وَغَيْرِهِمْ. (أَوْ مُذْهِبُ عَقْلٍ) عُطِفَ عَلَى " قَاطِعُ ". وَلَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْمُحَارِبِ بَلْ يُعَدُّ مُحَارِبًا: (وَلَوْ انْفَرَدَ بِبَلَدٍ) وَقَصَدَ أَذِيَّةَ بَعْضِ النَّاسِ، فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ عُمُومِ النَّاسِ فَفِيهِ مُبَالَغَتَانِ. (كَمُسْقِي نَحْوِ سَيْكَرَانٍ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ أَوْ مُعْجَمَةٍ مَعَ ضَمِّ الْكَافِ: نَبْتٌ مَعْلُومٌ، وَأَدْخَلَ بِ " نَحْوِ ": الْبَنْجِ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنْ السَّيْكَرَانِ، وَالدَّاتُورَةِ أَشَدُّ الْجَمِيعِ (لِذَلِكَ) : أَيْ لِأَجْلِ أَخْذِ الْمَالِ. (وَمُخَادِعُ مُمَيِّزٍ لِأَخْذِ مَا مَعَهُ) : فَإِنَّهُ مُحَارِبٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُمَيِّزُ صَغِيرًا أَوْ بَالِغًا، خَدَعَهُ وَأَدْخَلَهُ مَوْضِعًا وَأَخَذَ مَالَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ. وَبِقَوْلِهِ:" مُمَيِّزٍ " خَرَجَتْ السَّرِقَةُ بِتَعَذُّرِ غَوْثٍ. (وَدَاخِلُ زُقَاقٍ) : أَيْ وَكَدَاخِلٍ فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى: " مُسْقِي ".
ــ
[حاشية الصاوي]
يَسْلُبُونِ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعُونَهُمْ أَرْزَاقَهُمْ وَيُغِيرُونَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَلَا تَتَيَسَّرُ اسْتِغَاثَةٌ مِنْهُمْ بِعُلَمَاءَ وَلَا بِغَيْرِهِمْ (اهـ) أَيْ فَهُمْ مُحَارِبُونَ لَا غُصَّابٌ.
قَوْلُهُ: [عَطْفٌ عَلَى قَاطِعُ] : أَيْ فَهُوَ مُحَارِبٌ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ قَطْعُ طَرِيقٍ.
قَوْلُهُ: [فَفِيهِ مُبَالَغَتَانِ] : أَيْ مُبَالَغَةٌ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ تَعَدُّدُ الْقَاطِعِ وَمُبَالَغَةٌ عَلَى كَوْنِهِ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُهُ الطَّرِيقَ عَنْ النَّاسِ عُمُومًا، بَلْ يَكْفِي وَلَوْ كَانَ قَاصِدًا أُنَاسًا مَخْصُوصِينَ وَكَلَامُ الشَّارِحِ لَا يَحْسُنُ إلَّا لَوْ زَادَ قَبْلَ قَوْلِهِ: بَلْ يُعَدُّ مُحَارِبًا إلَخْ وَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ عُمُومِ النَّاسِ.
قَوْلُهُ: [نَبْتٌ مَعْلُومٌ] : أَيْ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ وَلَهُ حَبٌّ تَأْكُلُهُ النَّاسُ وَلَا يُغَيِّبُ الْعَقْلَ يُسَمَّى بِالشَّرَانِقِ.
قَوْلُهُ: [الْبَنْجُ] : بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ النُّونِ نَبْتٌ مَعْرُوفٌ.
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ مُحَارِبٌ] : أَيْ حَيْثُ كَانَ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ.
قَوْلُهُ: [خَرَجَتْ السَّرِقَةُ] : أَيْ فَأَخْذُ الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَوْ أَخْذُ مَا عَلَيْهِ سَرِقَةٌ.
قَوْلُهُ: [بِتَعَذُّرِ غَوْثٍ] : مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ أَوْ مُذْهِبُ عَقْلٍ وَمَا بَعْدُ.
قَوْلِهِ: [فَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُسْقِي] : الْمُنَاسِبُ عَطْفُ مُخَادِعٍ وَمَا بَعْدَهُ
(أَوْ دَارٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِأَخْذِ مَالٍ بِقِتَالٍ) : عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ: أَيْ الْإِغَاثَةُ وَالْإِعَانَةُ فَقَاتَلَ حَتَّى أَخَذَهُ. أَمَّا لَوْ أَخَذَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَ عِلْمِنَا بِهِ قَاتَلَ لِيَنْجُوَ بَعْدَ أَخْذِهِ، فَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ مُحَارِبًا، بَلْ سَارِقًا إنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ خَارِجَ الْحِرْزِ، أَمَّا فِيهِ فَلَيْسَ سَارِقًا.
(فَيُقَاتَلُ) الْمُحَارِبَ جَوَازًا وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ قِتَالُهُ (بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ)، بِأَنْ يَقُولَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: نَاشَدْتُك اللَّهَ إلَّا مَا خَلَّيْت سَبِيلِي. وَمَحَلُّ نَدْبِ الْمُنَاشَدَةِ: (إنْ أَمْكَنَ) بِأَنْ لَمْ يُعَاجِلْ الْمُحَارِبُ بِالْقِتَالِ، وَإِلَّا فَيُعَاجِلُ بِالْقِتَالِ بِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ. وَثَمَرَةُ الْقِتَالِ كَمَا قَالَ:(فَيُقْتَلُ) الْمُحَارِبُ.
(وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ) : أَيْ الْمُحَارِبِ (إنْ قَتَلَ) : سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُكَافِئًا كَمُسْلِمٍ حُرٍّ بَلْ (وَلَوْ كَافِرًا وَرَقِيقًا) قَتَلَهُ مُسْلِمٌ حُرٌّ، أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَلَوْ بِجَاهِهِ؛ فَيُقْتَلُ لِلْحِرَابَةِ بِلَا صَلْبٍ أَوْ مَعَ صَلْبٍ. وَلَا يَجُوزُ قَطْعُهُ وَلَا نَفْيُهُ وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ عَفْوٌ عَنْهُ قَبْلَ مَجِيئِهِ تَائِبًا. فَإِنْ جَاءَ تَائِبًا فَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ لِأَنَّ قَتْلَهُ حِينَئِذٍ قِصَاصٌ لَا يَسْقُطُ بِمَجِيئِهِ تَائِبًا بَلْ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْهُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
عَلَى قَوْلِهِ: أَوْ مُذْهِبُ عَقْلٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَمْثِلَةِ مُذْهِبِ الْعَقْلِ.
قَوْلُهُ: [بَلْ سَارِقًا إنْ اُطُّلِعَ عَلَيْهِ] إلَخْ: أَيْ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ السَّرِقَةِ.
قَوْلُهُ: [أَمَّا فِيهِ فَلَيْسَ سَارِقًا] : أَيْ بَلْ هُوَ مُخْتَلِسٌ.
قَوْلُهُ: [فَيُقَاتَلُ الْمُحَارِبُ جَوَازًا] : مَحَلُّ كَوْنِ الْمُقَاتَلَةِ جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ الْقَتْلَ أَوْ الْجُرْحَ أَوْ عَنْ أَهْلِهِ الْقَتْلَ أَوْ الْجُرْحَ أَوْ الْفَاحِشَةَ وَإِلَّا كَانَتْ وَاجِبَةً.
قَوْلُهُ: [إلَّا مَا خَلَّيْت سَبِيلِي] : مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ مَحْذُوفٍ، أَيْ نَاشَدْتُك بِاَللَّهِ أَلَّا تَفْعَلَ شَيْئًا إلَّا تَخْلِيَةَ سَبِيلِي.
قَوْلُهُ: [وَتَعَيَّنَ قَتْلُهُ] إلَخْ: أَيْ مَا لَمْ تَكُنْ الْمَصْلَحَةُ فِي إبْقَائِهِ بِأَنْ يُخْشَى بِقَتْلِهِ فَسَادٌ أَعْظَمُ مِنْ قَبِيلَتِهِ الْمُتَفَرِّقِينَ مَثَلًا بَلْ يُطْلَقُ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّبِيبِيُّ وَأَبُو مَهْدِيٍّ وَابْنُ نَاجِي كَذَا فِي (عب) .
قَوْلُهُ: [وَلَوْ بِجَاهِهِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْ بِقَتْلِهِ وَلَا تَسَبَّبَ فِيهِ وَذَلِكَ كَمَا لَوْ
كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
(إلَّا أَنْ يَجِيءَ تَائِبًا فَالْقِصَاصُ) .
(وَإِلَّا) يَقْتُلُ الْمُحَارِبُ أَحَدًا. وَقُدِرَ عَلَيْهِ فَيُخَيَّرُ الْإِمَامُ فِي أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ وَيُنْدَبُ لَهُ الْعَمَلُ بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا قَالَ: (فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ) : بِدُونِ صَلْبٍ.
(وَلَهُ صَلْبُهُ) عَلَى نَحْوِ جِذْعٍ غَيْرِ مُنَكَّسٍ (فَقَتْلُهُ) : مَصْلُوبًا فَالصُّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ، فَالنَّوْعُ الثَّانِي: الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ وَهُوَ مَصْلُوبٌ. ثُمَّ إذَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ أُنْزِلَ وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ فَاضِلٍ.
(وَقَطْعُ يَمِينِهِ) : أَيْ وَلِلْإِمَامِ قَطْعُ يَمِينِهِ أَيْ الْمُحَارِبِ مِنْ الْكُوعِ. (وَ) قَطْعُ (رِجْلِهِ الْيُسْرَى) مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ، وَهَذَا هُوَ الْحَدُّ الثَّالِثُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
انْحَازَ شَخْصٌ لِقَاطِعِ طَرِيقٍ وَقَتَلَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَحَدًا فَيُقْتَلَانِ.
قَوْلُهُ: [فَالْقِصَاصُ] : أَيْ فَيُقْتَلُ إنْ قَتَلَ مُكَافِئًا وَلَمْ يَعْفُ وَلِيُّ الْمُكَافِئِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فِي غَايَةِ الْأَمَانِي لَوْ قَتَلَ الْمُحَارِبَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ فَقِيلَ يَرِثُهُ وَقِيلَ لَا، وَاسْتَظْهَرَ (عب) الْأَوَّلَ وَقَاسَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَاغِيَةِ مِنْ قَوْلِ خَلِيلٍ، وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ وَوَارِثِهِ.
قَوْلُهُ: [فِي أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْحُدُودَ الْأَرْبَعَةَ وَاجِبَةٌ لَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ عَنْهَا مُخَيَّرَةٌ لَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْظُرَ مَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَاللَّائِقُ بِحَالِ ذَلِكَ الْمُحَارِبِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَا هُوَ اللَّائِقُ نُدِبَ لَهُ فِعْلُهُ فَإِنْ خَالَفَ وَفَعَلَ غَيْرَ مَا ظَهَرَ لَهُ أَصْلَحِيَّتُهُ أَجْزَأَ مَعَ الْكَرَاهَةِ.
قَوْلُهُ: [الصَّلْبُ وَالْقَتْلُ] : أَيْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة: 33] مَعْنَاهُ بِغَيْرِ صَلْبٍ وَقَوْلُهُ: (أَوْ يُصَلَّبُوا) مَعْنَاهُ: " ثُمَّ يُقْتَلُوا " فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّارِحِ الثَّانِي الصَّلْبُ إلَخْ وَلَيْسَتْ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ أَنَّ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الصَّلْبُ فَقَطْ كَمَا عَلِمْت.
قَوْلُهُ: [وَالْقَتْلُ وَهُوَ مَصْلُوبٌ] : أَيْ يُقْتَلُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يُنْزَلُ ثُمَّ يُقْتَلُ.
قَوْلُهُ: [أُنْزِلَ] إلَخْ: أَيْ وُجُوبًا لِوُجُوبِ دَفْنِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَصَلَاةُ غَيْرِ الْفَاضِلِ، عَلَيْهِ مَنْدُوبَةٌ فِي كُلِّ مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ.
وَيَقْطَعُهُمَا وَلَاءٌ وَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ. فَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى أَوْ أَشَلَّهَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَإِنْ كَانَ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى فَيَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا يَدٌ أَوْ رِجْلٌ قُطِعَتْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ يَدَانِ فَقَطْ أَوْ رِجْلَانِ فَقَطْ قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَقَطْ أَوْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى فَقَطْ.
وَأَشَارَ إلَى الْحَدِّ الرَّابِعِ بِقَوْلِهِ: (وَنُفِيَ الذَّكَرُ الْحُرُّ كَمَا يُنْفَى فِي الزِّنَا) : إلَى مِثْلِ فَدَكَ وَخَيْبَرَ وَيُحْبَسُ لِلْأَقْصَى مِنْ السَّنَةِ وَظُهُورِ التَّوْبَةِ.
(وَضُرِبَ) قَبْلَ النَّفْيِ (اجْتِهَادًا) بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ.
وَهَذِهِ الْحُدُودُ الْأَرْبَعُ يُخَيَّرُ فِيهَا الْإِمَامُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ مَثَلًا؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ بِالْمُحَارِبِ لَيْسَ لِخُصُوصِ هَذَا الشَّخْصِ الْمُصَابِ بَلْ لِأَجْلِ الْحِرَابَةِ وَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ فِي حَقِّ الْمُحَارِبِ الذَّكَرِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَوْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ] : أَيْ لِأَنَّهُ أَحَدُ حُدُودِهِ.
قَوْلُهُ: [قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى] : إلَخْ: إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ لِمُطَابَقَةِ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: [قُطِعَتْ] : أَيْ الْيَدُ أَوْ الرِّجْلُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
قَوْلُهُ: [قُطِعَتْ الْيَدُ الْيُمْنَى فَقَطْ] إلَخْ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَلَا الرِّجْلَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ شَرْعِيٍّ.
قَوْلُهُ: [لِلْأَقْصَى مِنْ السَّنَةِ وَظُهُورِ التَّوْبَةِ] : أَيْ لِلْأَبْعَدِ مِنْهُمَا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ قَبْلَ السَّنَةِ كَمَّلَ بِحَبْسِهِ السَّنَةَ وَإِنْ مَضَتْ السَّنَةُ وَلَمْ تَظْهَرْ تَوْبَتُهُ بَقِيَ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ أَوْ يَمُوتَ، وَظُهُورُ التَّوْبَةِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ظُهُورًا بَيِّنًا لَا مُجَرَّدَ كَثْرَةِ صَوْمِهِ وَصَلَاتِهِ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [وَضُرِبَ قَبْلَ النَّفْيِ اجْتِهَادًا] : الضَّرْبُ لَمْ يُؤْخَذْ صَرِيحًا مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ النَّفْيُ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: [فَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى] : أَيْ لِمَا فِي الصَّلْبِ مِنْ الْفَضِيحَةِ وَفِي النَّفْيِ زِيَادَةُ مَفَاسِدَ، وَسَكَتَ عَنْ الصَّبِيِّ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُفْعَلْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ
إنَّمَا حَدُّهَا الْقَتْلُ أَوْ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ. وَأَمَّا حَدُّ الرَّقِيقِ فَمَا عَدَا النَّفْيَ.
(وَدُفِعَ مَا بِأَيْدِيهِمْ) : أَيْ الْمُحَارَبِينَ (لِمُدَّعِيهِ) حَيْثُ وَصَفَهُ كَاللُّقَطَةِ (بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ) لَعَلَّ أَنْ يَأْتِيَ غَيْرُهُ بِأَثْبَتَ مِمَّا وَصَفَ (بِيَمِينٍ) مِنْ الْمُدَّعِي لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ. نَعَمْ إنْ جَاءَ غَيْرُهُ بِأَثْبَتَ مِنْهُ نَزَعَهُ الْإِمَامُ لَهُ (أَوْ بِبَيِّنَةِ) رَجُلَيْنِ (مِنْ الرُّفْقَةِ) : أَيْ رُفْقَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَأَوْلَى غَيْرُهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ وَمِثْلُهُمَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِيَمِينٍ.
وَالْمُحَارِبُونَ حُمَلَاءُ: فَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْهُ جَمِيعُ مَا سَلَبَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا - كَالْبُغَاةِ وَالْغُصَّابِ وَاللُّصُوصِ - وَيُتَّبَعُ الْمُحَارِبُ كَالسَّارِقِ إذَا لَمْ يُحَدَّ أَوْ أَيْسَرَ مِنْ الْأَخْذِ لِلْحَدِّ.
ــ
[حاشية الصاوي]
هَذِهِ الْحُدُودِ وَلَوْ حَارَبَ بِالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [حَيْثُ وَصَفَهُ كَاللُّقَطَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مُدَّعِي الْمَالَ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُحَارَبِينَ لَا يُدْفَعُ لَهُ إذَا لَمْ يُثْبِتْهُ بِالْبَيِّنَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: بَعْدَ الِاسْتِينَاءِ، وَبَعْدَ الْيَمِينِ، وَبَعْدَ وَصْفِهِ كَاللُّقَطَةِ، وَمَحَلُّ أَخْذِ الْمُدَّعَى لَهُ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ كَمَا قَالَ ابْنُ شَاسٍ نَقْلًا عَنْ أَشْهَبَ إذَا أَقَرَّ اللُّصُوصُ أَنَّ ذَلِكَ الْمَتَاعَ مِمَّا قَطَعُوا فِيهِ الطَّرِيقَ، فَإِنْ قَالُوا هُوَ مِنْ أَمْوَالِنَا كَانَ لَهُمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يَمْلِكُونَ مِثْلَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ أَفَادَهُ (بْن) .
قَوْلُهُ: [وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حَمِيلٌ] : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ سَحْنُونَ بَلْ بِحَمِيلٍ. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَبِحَمِيلٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِمْ فَبِلَا حَمِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ حَمِيلًا أَفَادَهُ (بْن) .
قَوْلُهُ: [رَجُلَيْنِ مِنْ الرُّفْقَةِ] : أَيْ الْمُقَاتِلِينَ لِلْمُحَارِبِينَ وَاشْتَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَدَمَ التُّهْمَةِ كَمَا فِي الْمَوَّاقِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ التُّحْفَةِ. وَمَنْ عَلَيْهِ وَسْمُ خَيْرٍ قَدْ ظَهْرِ. . . إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِتَوَسُّمِ الْخَيْرِ كَمَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [كَالْبُغَاةِ] إلَخْ: أَيْ مَتَى ظَفِرَ بِوَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ عَنْ الْجَمِيعِ كَمَا فِي الرِّسَالَةِ، وَمَشَى عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ.
قَوْلُهُ: [وَيُتَّبَعُ الْمُحَارِبُ السَّارِقُ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ.