الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَإِنْ أَرْضَاهُ) أَيْ الْوَلِيَّ (وَلِيُّ) الْمَقْتُولِ (الثَّانِي) : كَمَا لَوْ أَرْضَى وَلِيُّ زَيْدٍ وَهُوَ الْمَقْتُولُ الثَّانِي فِي الْمِثَالِ وَلِيَّ عَمْرٍو الْمَقْتُولِ أَوَّلًا (فَلَهُ) : أَيْ فَيَصِيرُ دَمُ الْقَاتِلِ الثَّانِي - الَّذِي هُوَ الْأَجْنَبِيُّ - لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ الثَّانِي، الَّذِي هُوَ زَيْدٌ، إنْ شَاءَ عَفَا وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ.
ثُمَّ بَيَّنَ
شَرْطَ الْجِنَايَةِ الَّتِي بِهَا الْقَوَدُ
بِقَوْلِهِ: (إنْ تَعَمَّدَ) الْجَانِي (ضَرْبًا لَمْ يَجُزْ) بِمُحَدَّدٍ بَلْ (وَإِنْ بِقَضِيبٍ) : أَيْ عَصًا أَوْ سَوْطٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ أَوْ قَصَدَ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَقَوْلُهُ:" لَمْ يَجُزْ " اُحْتُرِزَ بِهِ مِنْ التَّأْدِيبِ الْجَائِزِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ مُعَلِّمٍ أَوْ وَالِدٍ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْأُولَى خَطَأً وَالثَّانِيَةُ خَطَأً لَكَانَ الْأَوَّلُ يَتْبَعُ عَاقِلَةَ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي يَتْبَعُ عَاقِلَةَ الثَّانِي، فَتَحَصَّلَ أَنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ مَوْضُوعُهُ فِي كَوْنِ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عَمْدًا وَالثَّانِيَةِ إمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ سِتَّ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ الْأُولَى إمَّا عَلَى النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا عَمْدًا وَإِمَّا خَطَأً، وَالثَّانِيَةُ مِثْلُهَا وَأَرْبَعَةٌ فِي مِثْلِهَا بِسِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً مَوْضُوعُ الْمُصَنَّفِ، وَالشَّرْحِ هُنَا فِي أَرْبَعَةٍ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ عَمْدًا فِي النَّفْسِ وَالثَّانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ عَمْدًا فِي الطَّرَفِ، وَالثَّانِي عَمْدًا أَوْ خَطَأً فِي الطَّرَفِ، وَانْظُرْ بَاقِي تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُرُوعِ الْمَذْهَبِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ الْوَلِيَّ] : بِالنَّصْبِ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْبَارِزِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ.
وَقَوْلُهُ: [وَلِيُّ الْمَقْتُولِ] : فَاعِلٌ مُؤَخَّرٌ
[شَرْطَ الْجِنَايَةِ الَّتِي بِهَا الْقَوَدُ]
قَوْلُهُ: [ثُمَّ بَيَّنَ شَرْطَ الْجِنَايَةِ] إلَخْ: شُرُوعٌ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ، فَتَارَةً يَكُونُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَهُوَ مَا هُنَا، وَتَارَةً يَكُونُ بِالسَّبَبِ وَسَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: [أَوْ قَصَدَ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو] : أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا يَمْتَنِعُ قَتْلُهُ وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَاصِدًا زَيْدًا الْحَرْبِيَّ مَثَلًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو الْمُسْلِمُ فَخَطَأٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ أَنْ لَا يَقْصِدَ ضَرْبًا، كَرَمْيِهِ شَيْئًا أَوْ حَرْبِيًّا فَيُصِيبَ مُسْلِمًا فَهَذَا خَطَأٌ بِإِجْمَاعٍ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ. الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الضَّرْبَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَهُوَ خَطَأٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ خِلَافًا لِمُطَرِّفٍ
(أَوْ مُثَقَّلٍ) : كَحَجَرٍ لَا حَدَّ فِيهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ (كَخَنْقٍ وَمَنْعِ طَعَامٍ) حَتَّى مَاتَ أَوْ مَنْعِ شُرْبٍ حَتَّى مَاتَ، فَالْقَوَدُ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ مَوْتَهُ، فَإِنْ قَصَدَ مُجَرَّدَ التَّعْذِيبِ فَالدِّيَةُ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَمُوتُ فَعِلْمُ الْمَوْتِ مُلْحَقٌ بِقَصْدِهِ كَمَا فِي النَّقْلِ.
(وَسَقْيِ سُمٍّ) عَمْدًا فِيهِ الْقَوَدُ.
(وَلَا قَسَامَةَ) حَيْثُ تَعَمَّدَ مَا ذُكِرَ (إنْ أَنْفَذَ) الضَّارِبُ (مَقْتَلَهُ أَوْ)
ــ
[حاشية الصاوي]
وَابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَمِثْلُهُ إذَا قَصَدَ بِهِ الْأَدَبَ الْجَائِزَ بِأَنْ كَانَ بِآلَةٍ يُؤَدَّبُ بِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الضَّرْبُ لِلنَّارِيَّةِ وَالْغَضَبِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ عَمْدٌ يُقْتَصُّ مِنْهُ إلَّا فِي حَقِّ الْوَالِدِ فَلَا قِصَاصَ، بَلْ فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ. الثَّالِثُ أَنْ يَقْصِدَ الْقَتْلَ عَلَى وَجْهِ الْغِيلَةِ فَيَتَحَتَّمَ الْقَتْلُ وَلَا عَفْوَ. قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ كَذَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ] : رَاجِعٌ لِلْقَضِيبِ وَمَا بَعْدَهُ فَعِنْدَهُمْ لَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ قَصَدَ قَتْلَهُ بِهِ وَإِنَّمَا الْقِصَاصُ عِنْدَهُمْ فِي الْقَتْلِ بِالْمُحَدَّدِ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَوْ حَجَرًا أَوْ خَشَبًا أَوْ بِمَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْقَتْلِ كَالْمَنْجَنِيقِ وَالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا فِي النَّقْلِ] : وَلَفْظُ ابْنِ عَرَفَةَ مِنْ صُوَرِ الْعَمْدِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مَائِهِ مُسَافِرًا عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَنْعُهُ، وَأَنَّهُ يَمُوتُ إنْ لَمْ يَسْقِهِ قُتِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَلِ قَتْلَهُ بِيَدِهِ (اهـ) فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ قَصَدَ بِمَنْعِهِ قَتْلَهُ أَوْ تَعْذِيبَهُ. فَإِنْ قُلْت قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الذَّكَاةِ أَنَّ مَنْ مَنَعَ شَخْصًا فَضْلَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ. قُلْت: مَا مَرَّ فِي الذَّكَاةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا مَنَعَ مُتَأَوِّلًا، وَمَا هُنَا غَيْرُ مُتَأَوِّلٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: [إنْ أَنْفَذَ الضَّارِبُ مَقْتَلَهُ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْمَنْفَذِ وَلَوْ أَجْهَزَ عَلَيْهِ شَخْصٌ آخَرُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُؤَدَّبُ الْمُجْهِزُ فَقَطْ عَلَى أَظْهَرِ الْأَقْوَالِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْقَتْلِ هُوَ مَنْ أَنْفَذَ الْمَقَاتِلَ كَمَا هُوَ سَمَاعُ يَحْيَى بْنِ الْقَاسِمِ وَمُقَابِلُهُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ أَنَّ الَّذِي يُقْتَلُ هُوَ الْمُجْهِزُ الثَّانِي وَعَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي أَنْفَذَ الْمَقَاتِلَ الْأَدَبُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ إنْفَاذِهَا مَعْدُودٌ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْيَاءِ وَيَرِثُ وَيُورَثُ وَيُوصِي بِمَا شَاءَ مِنْ عِتْقٍ وَغَيْرِهِ، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ رُشْدٍ الْأَوَّلَ.
لَمْ يَنْفُذْهُ وَ (مَاتَ مَغْمُورًا) مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ ضَرَبَهُ فَرُفِعَ مَغْمُورًا مِنْ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ حَتَّى مَاتَ، بَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِلَا قَسَامَةٍ؛ كَمَا لَوْ رُفِعَ مَيِّتًا مِمَّا ذُكِرَ؛ فَإِنْ لَمْ يُنْفَذْ لَهُ مَقْتَلٌ وَأَفَاقَ بَعْدَ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يُقْتَصَّ إلَّا بِالْقَسَامَةِ، وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْخَطَأِ إلَّا بِهَا وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ حَالَ إفَاقَتِهِ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ أَمْرٍ عَارِضٍ.
(وَكَطَرْحِ) مَعْصُومٍ (غَيْرِ مُحْسِنِ عَوْمٍ) فِي نَهْرٍ (مُطْلَقًا) لِعَدَاوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
(أَوْ) طَرْحِ (مَنْ يُحْسِنُهُ عَدَاوَةً) فَغَرِقَ فَالْقَوَدُ.
(وَإِلَّا) يَكُنْ لِعَدَاوَةٍ بَلْ لَعِبًا (فَدِيَةٌ) وَهَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يُحْسِنُهُ، فَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَالْقِصَاصُ فِي الْعَدَاوَةِ وَالدِّيَةُ فِي اللَّعِبِ؛ فَالدِّيَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْبَاقِي.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَمَاتَ مَغْمُورًا] : الْمَغْمُورُ هُوَ مَنْ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ.
قَوْلُهُ: [وَأَفَاقَ بَعْدَ الضَّرْبِ أَوْ الْجُرْحِ] : مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ فَيُرْفَعُ مَغْمُورًا.
قَوْلُهُ: [وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْخَطَأِ إلَّا بِهَا] : أَيْ بِالْقَسَامَةِ عِنْدَ نَفْيِ الْإِنْفَاذِ وَنَفْيِ الْمَغْمُورِ.
قَوْلُهُ: [فَالْقَوَدُ] : جَوَابٌ عَنْ الثَّلَاثِ صُوَرٍ وَهِيَ طَرْحُ غَيْرِ مُحْسِنِ الْعَوْمِ مُطْلَقًا أَوْ غَيْرِهَا وَمَنْ يُحْسِنُهُ عَدَاوَةً.
قَوْلُهُ: [فَدِيَةٌ] : أَيْ مُخَمَّسَةٌ لَا مُغَلَّظَةٌ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ.
قَوْلُهُ: [أَوْ لَا يُحْسِنُهُ] : أَيْ بِأَنْ عَلِمَ ضِدَّهُ وَهُوَ تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: [فَالدِّيَةُ فِي صُورَتَيْنِ وَالْقِصَاصُ فِي الْبَاقِي] : حَاصِلُهُ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَطْرَحَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُحْسِنُ الْعَوْمَ أَوْ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ، وَالطَّرْحُ إمَّا عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ أَوْ اللَّعِبِ؛ فَإِنْ طَرَحَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَفِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَدَاوَةً وَإِنْ كَانَ لَعِبًا فَالدِّيَةُ وَإِنْ طَرَحَهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ فَالْقِصَاصُ طَرَحَهُ عَدَاوَةً أَوْ لَعِبًا، وَإِنْ طَرَحَهُ شَاكًّا فَإِنْ كَانَ الطَّرْحُ عَدَاوَةً فَالْقِصَاصُ أَوْ لَعِبًا فَالدِّيَةُ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ سِتٌّ، فَقَوْلُ الشَّارِحِ: وَالْقِصَاصُ فِي الْبَاقِي مُرَادُهُ فِي أَرْبَعٍ.