الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا تَقَدَّمَ كُلُّهُ فِي الْجِنَايَةِ مُبَاشَرَةً، وَأَمَّا
الْجِنَايَةُ بِالسَّبَبِ
فَأَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ: (أَوْ تَسَبَّبَ) الْجَانِي فِي الْإِتْلَافِ: (كَحَفْرِ بِئْرٍ، وَإِنْ) حَفَرَهَا (بِبَيْتِهِ) فَوَقَعَ فِيهَا الْمَقْصُودُ.
(أَوْ وَضْعِ) شَيْءٍ (مُزْلِقٍ) : كَقِشْرِ بِطِّيخٍ، أَوْ مَاءٍ بِنَحْوِ طِينٍ مُزْلِقٍ بِطَرِيقٍ لِمَقْصُودٍ.
(أَوْ رَبْطِ دَابَّةٍ بِطَرِيقٍ) لِمَقْصُودٍ.
(أَوْ) اتِّخَاذِ (كَلْبٍ عَقُورٍ) : أَيْ شَأْنُهُ الْعَقْرُ.
(لِمُعَيَّنٍ) رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ.
(وَهَلَكَ) الْمُعَيَّنُ (الْمَقْصُودُ) بِالْبِئْرِ وَمَا بَعْدَهُ؛ فَالْقَوَدُ مِنْ الْمُتَسَبِّبِ.
(وَإِلَّا) يَهْلَكْ الْمَقْصُودُ بَلْ غَيْرُهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لِمُعَيَّنٍ بَلْ قَصَدَ مُطْلَقَ الضَّرَرِ فَهَلَكَ بِهَا إنْسَانٌ (فَالدِّيَةُ) فِي الْحُرِّ الْمَعْصُومِ، وَالْقِيمَةُ فِي غَيْرِهِ. وَمَفْهُومُ قَصْدِ مُطْلَقِ الضَّرَرِ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْصِدْ ضَرَرًا بِالْحَفْرِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيَكُونُ هَدَرًا. وَهَذَا إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِمِلْكِهِ أَوْ بِمَوَاتٍ لِمَنْفَعَةٍ وَلَوْ لِعَامَّةٍ أَوْ وَضَعَ الْمُزْلِقَ لَا بِطَرِيقِ النَّاسِ أَوْ رَبَطَ الدَّابَّةَ بِبَيْتِهِ أَوْ بِطَرِيقٍ عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ؛ كَسُوقٍ وَعِنْدَ مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتِ أَحَدٍ لِنَحْوِ ضِيَافَةٍ أَوْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ بِبَيْتِهِ لِحِرَاسَةٍ، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ أَيْضًا.
ــ
[حاشية الصاوي]
[الْجِنَايَةُ بِالسَّبَبِ]
قَوْلُهُ: [مُزْلِقٍ] : اسْمُ فَاعِلٍ.
قَوْلُهُ: [طِينِ مُزْلِقٍ] : اُحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الطِّينِ الْغَيْرِ الْمُزْلِقِ كَالْأَرْضِ الْمُرَمَّلَةِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ فَاعِلِهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ رَبْطِ دَابَّةٍ] : أَيْ شَأْنُهَا الْإِيذَاءُ إمَّا بِرَفْسٍ أَوْ نَطْحٍ أَوْ عَضٍّ.
قَوْلُهُ: [بِطَرِيقٍ لِمَقْصُودٍ] : قَيَّدَ فِي الدَّابَّةِ وَالْمُزْلِقِ بِدَلِيلِ تَقْدِيرِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: [رَاجِعٌ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ] : أَيْ وَلِذَلِكَ قَدَّرَ الشَّارِحُ فِي الْكُلِّ قَوْلَهُ لِمَقْصُودٍ.
قَوْلُهُ: [فَالدِّيَةُ] : أَيْ فِي صُورَتَيْنِ وَهُمَا مَا إذَا هَلَكَ بِهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ أَوْ قَصَدَ بِهَا مُطْلَقَ الضَّرَرِ وَهَلَكَ بِهَا مُطْلَقُ إنْسَانٍ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ بِمِلْكِهِ] إلَخْ: تَقْيِيدٌ لِلتَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.
قَوْلُهُ: [لِحِرَاسَةٍ] : ظَاهِرُهُ أَنَّ اتِّخَاذَهُ لِلْحِرَاسَةِ وَنَحْوِهَا يَنْفِي عَنْهُ الضَّمَانَ وَإِنْ كَانَ عَقُورًا وَاشْتُهِرَ وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ لَمْ يُقَدِّمْ لِصَاحِبِهِ إنْذَارًا عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِلَّا ضَمِنَ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالدِّيَةُ] : رَاجِعٌ لِمَفَاهِيمِ هَذِهِ الْقُيُودِ مِنْ قَوْلِهِ: إنْ حَفَرَ الْبِئْرَ
(وَكَالْإِكْرَاهِ) : عَطْفٌ عَلَى " كَحَفْرِ " بِئْرٍ: فَمَنْ أَكْرَهَ غَيْرَهُ عَلَى قَتْلِ نَفْسٍ فَيُقْتَلُ الْمُكْرِهُ - بِالْكَسْرِ - لِتَسَبُّبِهِ كَمَا يُقْتَلُ الْمُكْرَهُ - بِالْفَتْحِ - لِمُبَاشَرَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ مُكْرَهًا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ الْمُخَالَفَةُ كَخَوْفٍ مِنْ الْآمِرِ، فَإِنْ لَمْ يَخَفْ اُقْتُصَّ مِنْهُ فَقَطْ.
(وَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ) لِمَعْصُومٍ (عَالِمًا) بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ، فَتَنَاوَلَهُ غَيْرَ عَالِمٍ فَمَاتَ؛ فَالْقِصَاصُ، فَإِنْ تَنَاوَلَهُ عَالِمًا بِسُمِّهِ فَهُوَ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقَدِّمُ فَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ.
(وَرَمْيِهِ حَيَّةً عَلَيْهِ) حَيَّةً فَمَاتَ وَإِنْ لَمْ تَلْدَغْهُ، فَالْقَوَدُ، لَا مَيِّتَةً فَالدِّيَةُ. وَكَذَا إنْ كَانَ شَأْنُهَا عَدَمَ اللَّدْغِ لِصِغَرِهَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
بِمِلْكِهِ إلَى هُنَا بِأَنْ يُقَالَ فِيهَا حَفَرَ الْبِئْرَ بِغَيْرِ مِلْكِهِ وَغَيْرِ مَوَاتٍ كَكَوْنِهَا بِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِمَوَاتٍ عَبَثًا أَوْ وَضَعَ الْمُزْلِقَ بِالطَّرِيقِ، أَوْ وَضَعَ الدَّابَّةَ بِغَيْرِ بَيْتِهِ كَبَيْتِ الْغَيْرِ لَا عَلَى وَجْهِ الضِّيَافَةِ، أَوْ بِطَرِيقٍ لَا عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ بَلْ اتَّخَذَهَا عَادَةً بِسُوقٍ، أَوْ بِبَابِ مَسْجِدٍ، أَوْ اتَّخَذَ الْكَلْبَ بِبَيْتِهِ لَا لِمَنْفَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَإِنْ هَلَكَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ حُرٌّ مَعْصُومٌ فَفِيهِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَعْصُومِ غَيْرِهِ الْقِيمَةُ.
قَوْلُهُ: [اُقْتُصَّ مِنْهُ فَقَطْ] : أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ الْآمِرُ حَاضِرًا وَتَمَالَأَ مَعَ الْمُبَاشِرِ عَلَى الْقَتْلِ وَإِلَّا فَيُقْتَصُّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: [وَتَقْدِيمِ مَسْمُومٍ] : أَيْ مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِبَاسٍ عَالِمًا مُقَدِّمُهُ بِأَنَّهُ مَسْمُومٌ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُتَنَاوِلُ بِدَلِيلِ تَقْيِيدِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: [فَهُوَ الْقَاتِلُ لِنَفْسِهِ] : أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقَدَّمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُتَسَبِّبًا.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُقَدِّمُ] : بِكَسْرِ الدَّالِ وَلَا الْآكِلُ.
قَوْلُهُ: [فَهُوَ مِنْ الْخَطَأِ] أَيْ فَفِيهِ الدِّيَةُ.
قَوْلُهُ: [فَالدِّيَةُ] : أَيْ إنْ رَمَاهَا عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ لَا عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ وَإِلَّا فَالْقَوَدُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَيَّةُ حَيَّةً كَبِيرَةً شَأْنُهَا الْقَتْلُ وَمَاتَ فَالْقَوَدُ مَاتَ مِنْ لَدْغِهَا أَوْ مِنْ الْخَوْفِ رَمَاهَا عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ أَوْ اللَّعِبِ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَيْسَ
(وَإِشَارَتِهِ) عَلَيْهِ (بِسِلَاحٍ) كَسَيْفٍ وَخَنْجَرٍ (فَهَرَبَ) الْمُشَارُ عَلَيْهِ (وَطَلَبَهُ) الْمُشِيرُ فِي هُرُوبِهِ (لِعَدَاوَةٍ) بَيْنَهُمَا، فَمَاتَ بِلَا سُقُوطٍ: فَالْقَوَدُ بِلَا قَسَامَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ بِالْفِعْلِ.
(وَإِنْ سَقَطَ) حَالَ هُرُوبِهِ (فَبِقَسَامَةٍ) لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ مِنْ سُقُوطِهِ، (وَإِشَارَتِهِ فَقَطْ) : بِلَا عَدَاوَةٍ وَلَا هَرَبٍ (فَخَطَأٌ) : فَالدِّيَةُ مُخَمَّسَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا إنْ هَرَبَ وَلَا عَدَاوَةَ.
(وَكَإِمْسَاكِهِ لِلْقَتْلِ، وَلَوْلَاهُ) : أَيْ الْإِمْسَاكُ (مَا قَدَرَ الْقَاتِلُ) عَلَى قَتْلِهِ: فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمَا الْمُمْسِكُ لِتَسَبُّبِهِ وَالْقَاتِلُ لِمُبَاشَرَتِهِ (وَإِلَّا) : بِأَنْ أَمْسَكَهُ لِغَيْرِ الْقَتْلِ أَوْ لَهُ وَكَانَ الْقَاتِلُ يُدْرِكُهُ مُطْلَقًا (فَالْمُبَاشِرُ) هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ (فَقَطْ) .
ــ
[حاشية الصاوي]
شَأْنُهَا الْقَتْلَ أَوْ مَيِّتَةً فَرَمَاهَا عَلَيْهِ فَمَاتَ مِنْ الْخَوْفِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ فَالدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَدَاوَةِ فَالْقَوَدُ.
قَوْلُهُ: [وَإِشَارَتُهُ عَلَيْهِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِآلَةِ الْقَتْلِ فَهَرَبَ فَطَلَبَهُ فَمَاتَ، فَإِمَّا أَنْ يَمُوتَ بِدُونِ سُقُوطٍ أَوْ بِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَالدِّيَةُ سَقَطَ حَالَ هُرُوبِهِ أَوْ لَا؛ لَكِنْ فِي السُّقُوطِ بِقَسَامَةٍ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ فَالْقِصَاصُ بِدُونِ قَسَامَةٍ وَإِنْ سَقَطَ فَالْقِصَاصُ بِقَسَامَةٍ.
قَوْلُهُ: [وَإِشَارَتُهُ فَقَطْ] : أَيْ وَإِنْ مَاتَ مَكَانَهُ مِنْ إشَارَتِهِ عَلَيْهِ بِآلَةِ الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ هُرُوبٍ وَطَلَبٍ فَخَطَأٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، لَكِنَّ قَوْلَ الشَّارِحِ بِلَا عَدَاوَةٍ الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ لَا كَمَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْحَاشِيَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ (عب) : وَانْظُرْ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ هَلْ الدِّيَةُ بِقَسَامَةٍ أَوْ لَا دِيَةَ أَصْلًا (اهـ) .
قَوْلُهُ: [وَكَذَا إنْ هَرَبَ وَلَا عَدَاوَةَ] : أَيْ وَمَاتَ فَدِيَةُ خَطَأٍ.
قَوْلُهُ: [فَالْقَوَدُ عَلَيْهِمَا] : حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا يُقْتَلَانِ جَمِيعًا بِقُيُودٍ ثَلَاثَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْمُمْسِكِ وَهِيَ أَنْ يُمْسِكَهُ لِأَجْلِ الْقَتْلِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الطَّالِبَ قَاصِدٌ قَتْلَهُ وَأَنْ يَكُونَ لَوْلَا مُمْسِكُهُ مَا أَدْرَكَهُ الْقَاتِلُ، فَإِنْ أَمْسَكَهُ لِأَجْلِ أَنْ يَضْرِبَهُ ضَرْبًا مُعْتَادًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَقْصِدُ قَتْلَهُ أَوْ كَانَ قَتْلُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْسَاكٍ لَهُ قُتِلَ الْمُبَاشِرُ وَحْدَهُ وَضُرِبَ الْآخَرُ مِائَةَ سَوْطٍ وَحُبِسَ سَنَةً.