الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدْلَ الْعَالِمَ لَا تُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُ لَكِنْ إنْ ظَهَرَ مِنْهَا شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ نُقِضَ. وَأَمَّا الْجَائِرُ وَالْجَاهِلُ فَتُتَعَقَّبُ أَحْكَامُهُمَا وَيُنْقَضُ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ وَيَمْضِ مَا كَانَ صَوَابًا. وَالصَّوَابُ: مَا وَافَقَ قَوْلًا مَشْهُورًا أَوْ مُرَجَّحًا وَلَوْ كَانَ الْأَرْجَحُ خِلَافَهُ. (وَ) إذَا نُقِضَ (بَيَّنَ) النَّاقِضُ (السَّبَبَ) الَّذِي نَقَضَ الْحُكْمَ مِنْ أَجْلِهِ، لِئَلَّا يُنْسَبَ النَّاقِضُ لِلْجَوْرِ وَالْهَوَى بِنَقْضِهِ الْأَحْكَامَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْقُضَاةُ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: حَكَمْت بَلْ كُلُّ مَا دَلَّ عَلَى الْإِلْزَامِ - فَهُوَ حُكْمٌ - بِقَوْلِهِ. (وَ) قَوْلُ الْحَاكِمِ: (نَقَلْت الْمِلْكَ) لِهَذِهِ السِّلْعَةِ لِزَيْدٍ أَوْ مَلَّكْتَهَا لِمُدَّعِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، حُكْمٌ. (وَفَسَخْت هَذَا الْعَقْدَ) مِنْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَبْطَلْتُهُ أَوْ رَدَدْتُهُ (أَوْ قَرَّرْتُهُ) وَنَحْوُهَا وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيٍ أَوْ إثْبَاتٍ بَعْدَ حُصُولِ مَا يَجِبُ فِي شَأْنِ الْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى وَإِقْرَارٍ أَوْ ثُبُوتِ بَيِّنَتِهِ وَإِعْذَارٍ وَتَزْكِيَةٍ - وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى صَحِيحَةٍ، وَصِحَّتُهَا لِكَوْنِهَا تُقْبَلُ وَتُسْمَعُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا مِنْ إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةِ عُدُولٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ -:(حُكْمٌ) وَإِنْ لَمْ يَقُلْ حَكَمْت
ــ
[حاشية الصاوي]
يَرَاهُ مَذْهَبًا نَقَضَهُ غَيْرُهُ لَا هُوَ.
قَوْلُهُ: [مِمَّا تَقَدَّمَ] : أَيْ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ أَوْ الْقِيَاسِ وَإِلَخْ.
قَوْلُهُ: [بَيَّنَ النَّاقِضُ السَّبَبَ] أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ.
[مَا يُعْتَبَرُ حُكْمًا والفرق بَيْنه وَبَيْن الْفَتْوَى]
قَوْلُهُ: [نَقَلْت الْمِلْكَ] : وَهُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ قَدَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: وَقَوْلُ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حُكْمُ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ تَقَدُّمِ دَعْوَى] إلَخْ: فِيهِ أَنَّ الْحُكْمَ عِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَقَدُّمُ دَعْوِي أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْكُمَ عَلَيْهِ وَإِذَا جَاءَ سَمَّى لَهُ الْبَيِّنَةَ وَأَعْذَرَ لَهُ فِيهَا؛ فَإِنْ أَبْدَى مَطْعَنًا نُقِضَ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَلَا. وَأُجِيبَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا بُدَّ فِي الْحُكْمِ إلَخْ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَاضِرِ وَقَرِيبِ الْغَيْبَةِ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ مَعَ الْأَمْنِ، وَأَمَّا بَعِيدُ الْغَيْبَةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ كَمَا يَأْتِي كَذَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: خُذُوهُ فَاقْتُلُوهُ، أَوْ: حُدُّوهُ، أَوْ: عَزِّرُوهُ. (لَا) إنْ قَالَ فِي أَمْرٍ رُفِعَ إلَيْهِ، كَتَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَكَبَيْعٍ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ:(لَا أُجِيزُهُ) : فَلَا يَكُونُ حُكْمًا وَلَا يَرْفَعُ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْفَتْوَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ شَاسٍ، فَلِغَيْرِهِ الْحُكْمُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَذْهَبِهِ.
(أَوْ أَفْتَى) بِحُكْمٍ سُئِلَ عَنْهُ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: يَجُوزُ كَذَا؟ أَوْ: يَصِحُّ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ أَوْ عَدَمِهَا فَلَا يَكُونُ إفْتَاؤُهُ حُكْمًا يَرْفَعُ الْخِلَافَ؛ لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ إخْبَارٌ بِالْحُكْمِ لَا إلْزَامٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ: لَا أُجِيزُهُ - إنْ كَانَ بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى - فَهُوَ حُكْمٌ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ إخْبَارٍ، كَمَا لَوْ قِيلَ لَهُ: إنَّ امْرَأَةً زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ؟ فَقَالَ: لَا أُجِيزُهُ فَهُوَ مِنْ الْفَتْوَى. وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ؛ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: مُقْتَضَى جَعْلِهِ فَتْوَى أَنَّ لِمَنْ وَلِيَ بَعْدَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ ضَرُورَةَ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [خُذُوهُ فَاقْتُلُوهُ] إلَخْ: أَيْ عِنْدَ ثُبُوتِ مُوجِبِ الْقَتْلِ أَوْ الْحَدِّ أَوْ التَّعْذِيرِ.
قَوْلُهُ: [بِأَنْ قِيلَ لَهُ يَجُوزُ كَذَا] : أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ فَحَذَفَ الْهَمْزَةَ تَخْفِيفًا.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ لَا] : مُقَابِلٌ لِكُلٍّ مَنْ يَجُوزُ أَوْ يَصِحُّ.
وَقَوْلُهُ: [فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ أَوْ عَدَمِهَا] : رَاجَعَ لِقَوْلِهِ أَوْ يَصِحُّ وَحُذِفَ جَوَابُ الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: [وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ تُشِيرُ إلَى ذَلِكَ] : أَيْ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا إذَا رَفَعَ إلَيْهِ قَضِيَّةَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ لَا أُجِيزُ نِكَاحًا بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى فَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ انْتَهَى، فَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إلَى فَسْخِ هَذَا النِّكَاحِ إنْ قَصَدَ الْفَسْخَ بِهَذَا اللَّفْظِ يُعَدُّ حُكْمًا.
قَوْلُهُ: [وَقَالَهُ ابْنُ عَرَفَةَ] إلَخْ: هَذَا فِيهِ إجْمَالٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْمُفَصَّلِ أَوْ لِلْمُطْلَقِ، فَعَلَى طَرِيقَةِ الْمُفَصَّلِ يُقَالُ فِيهِ إنْ تَقَدَّمَهُ دَعْوَى فَحُكْمٌ قَطْعًا وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ دَعْوَى فَجَوَازُ نَقْضِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فَتْوَى. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي صِحَّةُ الْبَيْعِ أَوْ فَسَادُهُ أَوْ مَلَكَ فُلَانٌ بِسِلْعَةِ كَذَا نَحْوُ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ حُكْمًا كَمَا فِي التَّوْضِيحِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَقَدْ أَلَّفَ الْمَازِرِيُّ جُزْءًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ كَذَا فِي (بْن) .
لَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْأَوَّلُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي نَقْضُهُ (اهـ) .
(وَلَا يَتَعَدَّى) حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي نَازِلَةٍ (لِمُمَاثِلٍ) لَهَا. (بَلْ إنْ تَجَدَّدَ) الْمُمَاثِلُ (فَالِاجْتِهَادُ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. فَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَلْيَحْكُمْ بِمَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ، وَلِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ أَنْ يَحْكُمَ بِضِدِّهِ، كَمَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِفَسْخِ نِكَاحِ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ، ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا فَرَفَعَتْ الْأُخْرَى لِحَنَفِيٍّ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ. وَكُلٌّ مِنْهُمَا ارْتَفَعَ فِيهَا الْخِلَافُ وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ. وَقَوْلُنَا:" وَلَا يَتَعَدَّى لِمُمَاثِلٍ " إلَخْ: أَيْ وَلَوْ فِي الذَّاتِ الْمَحْكُومِ فِيهَا أَوَّلًا؛ كَمَا إذَا فَسَخَ نِكَاحَ مَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا لِكَوْنِهِ يَرَى ذَلِكَ. ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بَعْدَ الْفَسْخِ لِنَفْسِ ذَلِكَ الزَّوْجِ بِلَا وَلِيٍّ؛ فَإِنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلِاجْتِهَادِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَهُ تَصْحِيحُ الثَّانِي إنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ، وَلِغَيْرِهِ - كَالْحَنَفِيِّ - الْحُكْمُ بِتَصْحِيحِهِ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ أَيْضًا.
وَ (كَأَنْ حَكَمَ فِي نَازِلَةٍ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ) : دُونَ التَّأْبِيدِ، وَإِنْ كَانَ يَرَى حِينَ حُكْمِهِ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ (كَفَسْخٍ) لِنِكَاحٍ (بِرَضْعِ) طِفْلٍ (كَبِيرٍ) أَيْ بِسَبَبِهِ؛ وَالْكَبِيرُ: مَنْ زَادَ عُمْرُهُ عَلَى عَامَيْنِ وَشَهْرَيْنِ، فَلَوْ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ كَبِيرًا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَالِاجْتِهَادُ مِنْهُ] : أَيْ مِثْلُ وَاقِعَةِ عُمَرَ فِي الْحِمَارِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [مِنْ رَاجِحِ قَوْلِ مُقَلَّدِهِ] : أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَظَهَرَ لَهُ أَرْجَحِيَّةُ غَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا فَيَحْكُمُ ثَانِيًا بِغَيْرِ مَا حَكَمَ بِهِ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: [ثُمَّ تَجَدَّدَ مِثْلُهَا] : أَيْ وَلَوْ فِي عَيْنِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ كَمَا يَأْتِي فِي الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: [ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا] : أَيْ جَدَّدَتْ عَقْدًا آخَرَ.
قَوْلُهُ: [وَكَأَنْ حَكَمَ] : قَدَّرَ الْوَاوَ لِأَجْلِ الْمِثَالِ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ إلَخْ فَمَزَجَهُ مَعَ الْمَتْنِ وَجَعَلَ مِثَالَهُ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْمُصَنَّفُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِتَقْدِيرِ الْوَاوِ، وَهَذِهِ الْأَمْثِلَةُ لِلْمُتَجَدِّدِ الْمُعَرَّضِ لِلِاجْتِهَادِ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ يَرَى] إلَخْ: أَيْ لَكِنْ لَمْ يَقْصِدْ بَعْدُ بِالْحُكْمِ عِنْدَ الْفَسْخِ التَّأْيِيدَ وَإِلَّا فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ حُكْمٌ بِالتَّحْلِيلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
قَوْلُهُ: [فَلَوْ تَزَوَّجَ بِبِنْتِ مَنْ أَرْضَعَتْهُ كَبِيرًا] : لَا مَفْهُومَ بِالتَّزَوُّجِ بِبِنْتِهَا بَلْ كَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِهَا لِأَنَّ مَنْ يَرَى التَّحْرِيمَ فِي التَّزَوُّجِ بِبِنْتِهَا يَقُولُ: إنَّهَا أُخْتُهُ وَفِي