الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلُ بَعْضِ السُّنَنِ (سُنَّ) : عَيْنًا (لِآكِلٍ وَشَارِبٍ) وَلَوْ صَبِيًّا.
(تَسْمِيَةٌ) وَيُنْدَبُ الْجَهْرُ بِهَا لِيُنَبِّهَ الْغَافِلَ وَيَتَعَلَّمَ الْجَاهِلُ وَإِنْ نَسِيَهَا فِي أَوَّلِهِ أَتَى بِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا فَيَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ خَارِجَ الْإِنَاءِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى بِسْمِ اللَّهِ أَحَدُ رَاجِحَيْنِ (وَنُدِبَ) لِآكِلٍ وَشَارِبٍ (تَنَاوُلٌ بِالْيَمِينِ) وَسَيُنَصُّ عَلَى كَرَاهَةِ ضِدِّهِ (كَحَمْدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ) تَشْبِيهٌ فِي النَّدْبِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ سِرًّا خَوْفًا مِنْ حُصُولِ الْخَجَلِ لِلْغَيْرِ قَبْلَ
ــ
[حاشية الصاوي]
[فَصْلُ بَعْضِ السُّنَنِ فِي الْأَكْل وَغَيْره]
فَصْلٌ:
شُرُوعٌ مِنْهُ فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْآدَابُ الْمَذْكُورَةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ سَوَابِقُ وَمُقَارَنَةٌ وَلَوَاحِقُ، فَمِنْ السَّوَابِقِ قَوْلُهُ سُنَّ لِآكِلٍ وَشَارِبٍ تَسْمِيَةٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ عَيْنًا أَيْ خِلَافًا لِلسَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا سُنَّةُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ.
قَوْلُهُ: [أَحَدُ رَاجِحَيْنِ] : أَيْ وَالْآخَرُ يُكَمِّلُهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ فِي التَّكْمِيلِ تَذْكَارَ نِعْمَةِ الْمُنْعِمِ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى التَّسْمِيَةِ: «وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقْتنَا» وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لَبَنًا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ " وَزِدْنَا مِنْهُ ".
قَوْلُهُ: [تَنَاوُلٌ بِالْيَمِينِ] : أَيْ لِخَبَرِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» . وَاخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي أَكْلِهِ فَقِيلَ حَقِيقَةً وَقِيلَ مَجَازًا عَنْ الشَّمِّ، وَفِيهِ شَيْءٌ مَعَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ:«إنَّهُ يَتَقَايَأُ مَا أَكَلَهُ» .
قَوْلُهُ: [كَحَمْدٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ] : أَيْ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عِنْدَ فَرَاغِهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» .
قَوْلُهُ: [خَوْفًا مِنْ حُصُولِ الْخَجَلِ لِلْغَيْرِ] إلَخْ: هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَإِسْرَارِ الْحَمْدِ
الشِّبَعِ، وَيُنْدَبُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْوَاسِطَةِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَقَوْلُهُمْ يُكْرَهُ فِي الْأَكْلِ أَيْ فِي أَثْنَائِهِ وَابْتِدَائِهِ (وَ) يُنْدَبُ (لَعْقُ الْأَصَابِعِ) وَلَا تَحْدِيدَ فِيمَا يُبْتَدَأُ بِلَعْقِهِ وَسَيُذْكَرُ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ بِغَيْرِ الْخِنْصَرِ (مِمَّا تَعَلَّقَ بِهَا) مِنْ الطَّعَامِ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ النِّعْمَةِ وَهَضْمُ النَّفْسِ ثُمَّ بَعْدَ لَعْقِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الطَّعَامِ دَسَمٌ فَلَا يُطَالَبُ بِغَسْلِهَا بَلْ يَمْسَحُهَا بَعْضَهَا بِبَعْضٍ أَوْ فِي مِنْدِيلٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَمْرٌ فَيُنْدَبُ غَسْلُهَا كَمَا قَالَ (غَسْلُهَا بِكَأُشْنَانٍ) لِأَنَّ بَقَاءَ الْغَمْرِ يُورِثُ الْجُنُونَ أَوْ الْبَرَصَ أَوْ أَذِيَّةَ الْهَوَامِّ لَهُ وَسَيُذْكَرُ مَا يُكْرَهُ غَسْلُ الْيَدِ بِهِ وَأَمَّا غَسْلُهُمَا قَبْلَ الطَّعَامِ لَهُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا الْكَرَاهَةُ قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْغَسْلُ قَبْلَ الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ» أَيْ لَيْسَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ وَمَذْهَبُهُ تَقْدِيمُ الْعَمَلِ عَلَى الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِعِلْمِهِمْ بِحَالِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا خَالَفُوا الْحَدِيثَ إلَّا لِكَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ خِلَافَهُ وَقَدْ غَسَلَ إمَامُنَا مَالِكٌ رضي الله عنه وَعَنَا بِهِ قَبْلَ الطَّعَامِ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْيَدِ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ يُقَدِّمُ رَبُّ الطَّعَامِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْأَكْلِ فَيُقَدِّمُ الضَّيْفَ، كَمَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ مَعَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ حِينَ نَزَلَ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَيْ فِي أَثْنَائِهِ وَابْتِدَائِهِ] : أَيْ إنْ قَصَدَ التَّسَنُّنَ.
قَوْلُهُ: [اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم] : أَيْ قَوْلًا وَفِعْلًا فَفِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامَهُ فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» ، زَادَ التِّرْمِذِيُّ:«فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَرَكَةَ فِي أَوَّلِ طَعَامِهِ أَوْ آخِرِهِ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «أَنَّ مَنْ لَعِقَ الْأَصَابِعَ مِنْ الطَّعَامِ وَشَرِبَ غُسَالَتَهَا عُوفِيَ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ هُوَ وَوَلَدُهُ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «مَنْ الْتَقَطَ فُتَاتًا مِنْ الْأَرْضِ وَأَكَلَهَا كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً» وَوَرَدَ: «إنَّهُ مَهْرُ الْحَوَرِ الْعِينِ وَأَنَّ مَنْ دَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَزَلْ فِي سَعَةٍ» .
قَوْلُهُ: [فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْيَدِ شَيْءٌ] : مِثْلُهُ مَا إذَا كَانَتْ نُفُوسُ الْحَاضِرِينَ تَأْنَفُ مِنْ تَرْكِ الْغَسْلِ، أَوْ يَكُونُ مَنْ فِي الْمَجْلِسِ يَدُهُ تَحْتَاجُ لِلْغَسْلِ وَيَقْتَدِي بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً عِنْدَنَا فَهُوَ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ.
قَوْلُهُ: [حِينَ نَزَلَ عِنْدَهُ بِالْمَدِينَةِ] : أَيْ كَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ضَيْفًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ.
(وَ) يُنْدَبُ (تَخْلِيلُ مَا بِالْأَسْنَانِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهَا) مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «نَقُّوا أَفْوَاهَكُمْ بِالْخِلَالِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الْمَلَائِكَةِ وَلَيْسَ أَضَرُّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ» . وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ بَلْعُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ إلَّا لِخَلْطِهِ بِدَمٍ فَلَيْسَ مُجَرَّدُ التَّغَيُّرِ يُصَيِّرُهُ نَجِسًا خِلَافًا لِمَا قِيلَ.
(وَ) يُنْدَبُ (تَنْظِيفُ الْفَمِ) بِالْمَضْمَضَةِ وَالسِّوَاكِ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ.
(وَ) يُطْلَبُ (تَخْفِيفُ الْمَعِدَةِ) بِتَقْلِيلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [خِلَافًا لِمَا قِيلَ] : أَيْ فَإِنَّهُ قَوْلٌ حَكَاهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ بِقَوْلِهِ وَتَغَيَّرَ عَنْ حَالَةِ الطَّعَامِ لَا يَجُوزُ بَلْعُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي نَجَاسَتِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ: نَجَاسَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ تَغَيُّرِهِ بَلْ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ مُخَالَطَتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ دَمِ اللِّثَاتِ.
قَوْلُهُ: [وَيُنْدَبُ تَنْظِيفُ الْفَمِ] إلَخْ: ظَاهِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الطَّعَامِ دَسَمٌ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ «لَيْسَ أَضَرُّ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ بَقَايَا مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ» وَقَوْلُهُ وَيُطْلَبُ تَخْفِيفُ الْمَعِدَةِ إلَخْ قَالَ فِي الرِّسَالَةُ: وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ أَنْ تَجْعَلَ بَطْنَك ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ، قَالَ شَارِحُهَا لِاعْتِدَالِ الْجَسَدِ وَخِفَّتِهِ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الشِّبَعِ ثِقَلُ الْبَدَنِ وَهُوَ يُورِثُ الْكَسَلَ عَنْ الْعِبَادَةِ، وَلِأَنَّهُ إذَا أَكْثَرَ مِنْ الْأَكْلِ لَمَا بَقِيَ لِلنَّفَسِ مَوْضِعٌ إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُضَرُّ بِهِ وَلَمَا وَرَدَ:«الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ أَيْ: وَأَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ» وَالْحِمْيَةُ خُلُوُّ الْبَطْنِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالْبَرَدَةُ إدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ.
قَالَ سَهْلٌ التُّسْتَرِيُّ: الْخَسِيرُ كُلُّهُ فِي خِصَالٍ أَرْبَعٍ بِهَا صَارَتْ الْأَبْدَالُ أَبْدَالًا: إخْمَاصُ الْبُطُونِ، وَالْعُزْلَةُ عَنْ الْخَلْقِ، وَالصَّمْتُ، وَسَهَرُ اللَّيْلِ. وَقَالَ الْعَارِفُونَ أَيْضًا: الشِّبَعُ مِنْ الْحَلَالِ يُقْسِي الْقَلْبَ وَيُقِلُّ الْحِفْظَ وَيُفْسِدُ الْعَقْلَ
عَلَى قَدْرٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ وَلَا كَسَلٌ عَنْ عِبَادَةٍ، فَقَدْ يَكُونُ الشِّبَعُ سَبَبًا فِي عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ فَيَجِبُ، وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرْكُ وَاجِبٍ فَيَحْرُمُ، أَوْ تَرْكُ مُسْتَحَبٍّ فَيُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَيُبَاحُ. (وَ) يُنْدَبُ لَك (الْأَكْلُ مِمَّا يَلِيك) إنْ أَكَلْت مَعَ غَيْرِك مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ إذْ لَا يُطْلَبُ بِالْأَدَبِ مَعَهُمْ وَهُمْ يُطْلَبُونَ. وَقَدْ «أَمَرَ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَكَلَ مَعَهُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ: كُلْ مِمَّا يَلِيك» فَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ لِلشَّرَهِ. «وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِعِكْرَاشٍ رضي الله عنه حِينَ أَكَلَ مَعَهُ ثَرِيدًا: كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ. ثُمَّ أُتِيَ صلى الله عليه وسلم بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» .
فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَإِلَّا فِي نَحْوِ فَاكِهَةٍ) : أَيْ مِمَّا هُوَ أَنْوَاعٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَنَحْوِهَا كَالْأَطْعِمَةِ الْمُخْتَلِفَةِ. (وَ) يُنْدَبُ (أَنْ لَا يَأْخُذَ لُقْمَةً إلَّا بَعْدَ بَلْعِ مَا فِي فِيهِ) فَأَخْذُهَا قَبْلَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ يُنْسَبُ لِلشَّرَهِ. (وَ) يُنْدَبُ أَنْ يَأْخُذَهَا (بِمَا عَدَا الْخِنْصَرِ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلْخِنْصَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْأَكْلُ بِالْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «الْأَكْلُ بِأُصْبُعٍ أَكْلُ الشَّيْطَانِ وَبِأُصْبُعَيْنِ أَكْلُ الْجَبَابِرَةِ وَبِالثَّلَاثِ أَكْلُ الْأَنْبِيَاءِ» فَلَا يَزِيدُ إنْ لَمْ يَحْتَجْ لِغَيْرِهَا. وَقَدْ أَكَلَ صلى الله عليه وسلم بِالثَّلَاثَةِ وَبِالْأَرْبَعَةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَيُكْثِرُ الشَّهَوَاتِ وَيُقَوِّي جُنُودَ الشَّيْطَانِ وَيُفْسِدُ الْجَسَدَ فَمَا بَالُك بِالْحَرَامِ.
قَوْلُهُ: [عَلَى قَدْرٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ] : أَيْ لِأَنَّ الْمَخْمَصَةَ قَدْ تَكُونُ شَرًّا مِنْ الشِّبَعِ قَالَ صَاحِبُ الْبُرْدَةِ:
وَاخْشَ الدَّسَائِسَ مِنْ جُوعٍ وَمِنْ شِبَعٍ
…
فَرُبَّ مَخْمَصَةٍ شَرٌّ مِنْ التَّخَمِ
قَوْلُهُ: [مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ وَرَقِيقٍ] : أَيْ وَالْجَمِيعُ لَك.
وَبِالْخَمْسَةِ عَلَى حَسْبِ الطَّعَامِ. (وَ) يُنْدَبُ (نِيَّةٌ) بِالْأَكْلِ (حَسَنَةٌ) لِحُسْنِ مُتَعَلِّقِهَا: (كَإِقَامَةِ الْبِنْيَةِ) وَالتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ وَشُكْرِ الْمُنْعِمِ. (وَ) يُنْدَبُ (تَنْعِيمُ الْمَضْغِ) : أَيْ الْمَمْضُوغُ أَوْ يُرَادُ بِتَنْعِيمِهِ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ حَتَّى يَصِيرَ الْمَمْضُوغُ نَاعِمًا يُلْتَذُّ بِهِ وَيَسْهُلُ بَلْعُهُ وَيَخِفُّ عَلَى الْمَعِدَةِ. (وَ) يُنْدَبُ (مَصُّهُ الْمَاءَ) وَسَيُذْكَرُ مُحْتَرَزُهُ وَهُوَ أَنَّ الْعَبَّ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمُصَّ مَصًّا وَلَا يَعُبُّ عَبًّا، فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنْ الْعَبِّ» وَالْكُبَادُ بِوَزْنِ غُرَابٍ: وَجَعُ الْكَبِدِ. وَمِثْلُ الْمَاءِ كُلُّ مَائِعٍ كَلَبَنٍ (وَ) يُنْدَبُ (إبَانَةُ) : إبْعَادِ (الْقَدَحِ) حِينَ التَّنَفُّسِ حَالَةَ الشُّرْبِ (ثُمَّ عَوْدِهِ) : أَيْ الْقَدَحُ لِفِيهِ (مُسَمِّيًا) عِنْدَ وَضْعِهِ عَلَى فِيهِ (حَامِدًا) عِنْدَ إبَانَتِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ (ثَلَاثًا) : وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الشُّرْبُ فِي مَرَّةٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ خِلَافُ الْأُولَى أَوْ مَكْرُوهٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «إذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَفَّسْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» بِالْهَمْزَةِ فِيهِمَا وَأَخْطَأَ مَنْ قَرَأَهُمَا بِالْأَلِفِ. (وَ) يُنْدَبُ (مُنَاوَلَةٌ مِنْ عَلَى الْيَمِينِ) وَإِنْ تَعَدَّدَ (إنْ كَانَ) عَلَى يَمِينِهِ أَحَدٌ قَبْلَ مُنَاوَلَةِ مَنْ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا، «فَقَدْ نَاوَلَ صلى الله عليه وسلم الْأَعْرَابِيَّ الَّذِي كَانَ عَلَى يَمِينِهِ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي كَانَ جَالِسًا عَلَى يَسَارِهِ» . وَلَيْسَ لِمَنْ عَلَى الْيَمِينِ أَنْ يُؤْثِرَ غَيْرَهُ بَلْ إنْ لَمْ يَشْرَبْ سَقَطَ حَقُّهُ فَإِنْ كَانُوا جَالِسَيْنِ أَمَامَ الشَّارِبِ فَيَبْدَأُ بِأَكَابِرِهِمْ. (وَكُرِهَ عَبُّهُ) : يُقَالُ عَبَّ الْحَمَامُ الْمَاءَ شَرِبَ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَقَدْ نَاوَلَ صلى الله عليه وسلم الْأَعْرَابِيَّ] إلَخْ: أَيْ وَوَرَدَ أَيْضًا: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ لَا وَاَللَّهِ
(وَ) يُكْرَهُ (النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إهَانَةِ الطَّعَامِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الرِّيقِ وَعَلَيْهِ يُكْرَهُ وَلَوْ أَكَلَ وَحْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِهِ أَوْ فِي الْإِنَاءِ وَخَصَّهُ بَعْضٌ بِالثَّانِي.
وَقِيلَ: الْعِلَّةُ أَذِيَّةُ الْآكِلِ مَعَهُ وَعَلَيْهِ فَلَا يُكْرَهُ لِمَنْ كَانَ وَحْدَهُ. (وَالشَّرَابِ) : لِمَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِيهِمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (كَالْكِتَابِ) يُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهِ لِشَرَفِهِ كَانَ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ قُرْآنًا وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يُتَرِّبُ الْكِتَابَ. وَلَكِنْ اعْتَرَضَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى ابْنِ أَبِي زَيْدٍ: بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُفِيدُ النَّهْيَ عَنْ النَّفْخِ فِي الْكِتَابِ (اهـ) وَلَكِنْ قَدْ يُقَالُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ مُطَّلِعٌ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. (وَ) يُكْرَهُ (التَّنَفُّسُ فِي الْإِنَاءِ) : حَالَ الشُّرْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُنْدَبُ التَّنَفُّسُ خَارِجَ الْإِنَاءِ وَرُبَّمَا كَانَ نَفَسُهُ كَرِيهًا فَيُغَيِّرُ الْإِنَاءَ حَتَّى يَصِيرَ ذَا رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ يَعْرِفُهَا حَتَّى النِّسَاءُ وَيَتَكَلَّمُونَ بِقُبْحٍ فِي الشَّارِبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. (وَ) يُكْرَهُ (التَّنَاوُلُ) لِلْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ (بِ) الْيَدِ (الْيُسْرَى) حَيْثُ أَمْكَنَ بِالْيُمْنَى. (وَ) يُكْرَهُ (الِاتِّكَاءُ) حَالَ الْأَكْلِ عَلَى جَنْبِهِ (وَالِافْتِرَاشُ) التَّرَبُّعُ بَلْ
ــ
[حاشية الصاوي]
يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْك أَحَدًا قَالَ فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَدِهِ» يَعْنِي أَعْطَاهُ.
قَوْلُهُ: [وَخَصَّهُ بَعْضٌ بِالثَّانِي] : أَيْ الطَّعَامَ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ.
قَوْلُهُ: [يُتَرِّبُ الْكِتَابَ] : أَيْ وَقَدْ شَاعَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ: مَا خَابَ كِتَابٌ تُرِّبَ.
قَوْلُهُ: [وَمَنْ حَفِظَ] إلَخْ: مَنْ اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْتَدَأٌ وَحَفِظَ صِلَتُهُ وَحُجَّةٌ خَبَرُهُ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفِ صِفَةٍ لِحُجَّةٍ.
قَوْلُهُ: [بِقُبْحٍ فِي الشَّارِبِ] : أَيْ فَمُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّ فَمَه أَبْخَرُ.
قَوْلُهُ: [وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ] إلَخْ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَأْكُلُ وَهُوَ وَاضِعٌ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَقَالَ إنِّي لَا أَبْتَغِيهِ وَأَكْرَهُهُ وَمَا سَمِعْت فِيهِ شَيْئًا، وَالسُّنَّةُ الْأَكْلُ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ عَلَى هَيْئَةِ مُطْمَئِنٍّ عَلَيْهَا وَلَا يَأْكُلُ مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ وَلَا مُتَّكِئًا عَلَى ظَهْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ التَّوَاضُعِ وَوَقْتُ الْأَكْلِ وَقْتُ تَوَاضُعٍ
الْمَطْلُوبُ جُلُوسٌ كَجُلُوسِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِيمَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى أَوْ مَعَ الْيُسْرَى أَوْ يَجْلِسَ كَالصَّلَاةِ وَجَثَا صلى الله عليه وسلم مَرَّةً عَلَى رُكْبَتَيْهِ حِينَ أُهْدِيَتْ لَهُ شَاةٌ فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كَرِيمًا وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا عَنِيدًا» وَقَالَ: «إنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ» لِأَنَّ السِّيَادَةَ وَالْعَظَمَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى.
(وَ) يُكْرَهُ الْأَكْلُ (مِنْ رَأْسِ الثَّرِيدِ) لِأَنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ عَلَى وَسَطِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ» وَهَذِهِ تَشْمَلُ غَيْرَ الثَّرِيدِ، وَالثَّرِيدُ: مَا يُفَتُّ مِنْ الْخُبْزِ ثُمَّ يُبَلُّ بِالْمَرَقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمٌ، وَلَا يَنْبَغِي قَسْمُ الرَّغِيفِ بِالْخَنْجَرِ بَلْ بِالْيَدِ وَلَا يُقْسَمُ مِنْ وَسَطِهِ بَلْ مِنْ حَوَاشِيهِ وَالسُّنَّةُ فِي اللَّحْمِ أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ وَأَنْ يُنْهَشَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ» وَقَالَ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَشُكْرٍ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [أَنْ يُقِيمَ رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى] إلَخْ: أَشَارَ الشَّارِحُ لِثَلَاثِ هَيْئَاتٍ لِجُلُوسِ الْآكِلِ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَحْمٌ] : أَيْ زَائِدٌ فَوْقَ الْمَرَقِ وَإِلَّا فَالْمَرَقُ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَاءِ الَّذِي طُبِخَ فِيهِ اللَّحْمُ كَمَا أَنَّ الثَّرِيدَ اسْمٌ لِلْمَفْتُوتِ فِيهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ
…
فَذَا وَأَمَانَةُ اللَّهِ الثَّرِيدُ
وَيُقَاسُ عَلَيْهِ فِي الْآدَابِ كُلُّ فَتٍّ فِي طَعَامٍ لِأَنَّهُ يُسَمَّى ثَرِيدًا عُرْفًا وَإِنْ كَانَ لَا يُسَمَّى ثَرِيدًا شَرْعًا.
قَوْلُهُ: [أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَ الطَّعَامِ] : أَيْ وَحِينَئِذٍ فَمَا شَاعَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ابْدَءُوا بِسَيِّدِ الطَّعَامِ فَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ مَالِكٌ.
قَوْلُهُ: [خَيْرُ إدَامِكُمْ اللَّحْمُ] : لَيْسَ فِيهِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى النَّهْشِ
- صلى الله عليه وسلم: «سَيِّدُ إدَامِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» .
(وَ) يُكْرَهُ (غَسْلُ الْيَدِ بِالطَّعَامِ) : كَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ، وَكَذَا مَسْحُ الْيَدِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَمْسَحُونَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الطَّعَامِ فِي أَقْدَامِهِمْ وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْيَدِ وَيَشْمَلُ الطَّعَامُ دَقِيقَ التُّرْمُسِ وَالْحُلْبَةِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّدَلُّكِ بِهِ فِي الْحَمَّامِ، وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَ بِطَعَامٍ قَبْلَ أَنْ يَحْلُوَ بِالْمَاءِ (كَالنُّخَالَةِ) : أَيْ نُخَالَةُ الْقَمْحِ لِمَا فِيهَا مِنْ الطَّعَامِ بِخِلَافِ نُخَالَةِ الشَّعِيرِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْغَسْلِ بِهَا وَمَثَّلَ بِالنُّخَالَةِ؛ لِأَنَّهَا يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَلَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَ) يُكْرَهُ (الْقِرَانُ فِي كَتَمْرٍ) : أَيْ أَخْذُ اثْنَيْنِ فِي مَرَّةٍ وَلَوْ كَانَ مِلْكَهُ حَيْثُ أَكَلَ مَعَ غَيْرِهِ لِئَلَّا يُنْسَبَ لِلشَّرَهِ، فَإِنْ كَانَ الْغَيْرُ شَرِيكًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَحْرُمُ لِلِاسْتِبْدَادِ بِزَائِدٍ إنْ اسْتَوَوْا فِي الشَّرِكَةِ أَمَّا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ عِيَالِهِ فَلَا يُكْرَهُ. (وَالشَّرَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) مَكْرُوهٌ (وَقَدْ يَحْرُمُ) كَمَا قُلْنَا فِي الشَّرِكَةِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَدْنِ الْعَظْمَ مِنْ فِيك فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ» .
قَوْلُهُ: [وَهِيَ أَدْنَى مِنْ الْيَدِ] : أَيْ فَإِنْ كَانَتْ الْكَرَاهَةُ مِنْ أَجْلِ التَّهَاوُنِ فَفِي الْمَسْحِ بِالرِّجْلِ أَعْظَمُ تَهَاوُنًا وَحِينَئِذٍ فَلَا كَرَاهَةَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الصَّحَابَةِ حُجَّةٌ.
قَوْلُهُ: [قَبْلَ أَنْ يَحْلُوَ بِالْمَاءِ] : عَائِدٌ عَلَى دَقِيقِ التُّرْمُسِ وَالْحُلْبَةِ.
قَوْلُهُ: [فَيَحْرُمُ لِلِاسْتِبْدَادِ بِزَائِدٍ] : قَالَ النَّفْرَاوِيُّ اُخْتُلِفَ هَلْ النَّهْيُ لِلْأَدَبِ أَوْ لِئَلَّا يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ نَهْيَ كَرَاهَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ لِلْحُرْمَةِ. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: مَسْأَلَةُ هَلْ الطَّعَامُ الْمُقَدَّمُ لِلضُّيُوفِ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ التَّقْدِيمِ أَوْ لَا يَمْلِكُونَهُ إلَّا بِالْأَكْلِ؟ وَعَلَى كُلٍّ لَا يَجُوزُ لِلْوَاحِدِ مِنْ الضُّيُوفِ أَنْ يُعْطِيَ أَحَدًا مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ بَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ بِنَاءً عَلَى مِلْكِهِمْ لَهُ بِالتَّقْدِيمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْعِبْرَةُ بِإِذْنِ بَعْضِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي الْعِبْرَةُ بِإِذْنِ صَاحِبِ الطَّعَامِ.