الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ شَرَعَ فِي
بَيَانِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْإِجَارَةِ مِنْ فَسْخٍ
وَعَدَمِهِ فَقَالَ: (وَفُسِخَتْ) الْإِجَارَةُ (بِتَعَذُّرِ مَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ) الْمَنْفَعَةُ: كَدَارٍ وَحَانُوتٍ وَحَمَّامٍ وَسَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا - وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ حَالَ الْعَقْدِ - وَدَابَّةٌ عُيِّنَتْ. وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ مِنْ التَّلَفِ؛ فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانِيتِ قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَأْتِي. وَإِذَا فُسِخَتْ رَجَعَ لِلْمُحَاسَبَةِ بِاعْتِبَارِ مَا حَصَلَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ وَمَا لَمْ يَحْصُلْ
ــ
[حاشية الصاوي]
الْمَوْتِ إلَّا بِلَطْخٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ كَانُوا يُصَدَّقُونَ فِي التَّلَفِ أَوْ الضَّيَاعِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَالرَّاعِي مَعَ كَوْنِ الْجَمِيعِ أُمَنَاءَ تَعَذُّرُ الْإِشْهَادِ مِنْ الرَّاعِي غَالِبًا. بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْهَادِ غَالِبًا وَأَحْرَى مِنْ هَؤُلَاءِ فِي الضَّمَانِ مَنْ مَرَّ عَلَى دَابَّةِ شَخْصٍ فَذَكَّاهَا وَادَّعَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ خَوْفَ مَوْتِهَا أَوْ سَلَخَ دَابَّةَ غَيْرِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ وَجَدَهَا مَيِّتَةً فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ لَطْخٍ.
[بَيَانِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْإِجَارَةِ مِنْ فَسْخٍ]
قَوْلُهُ: [وَفُسِخَتْ الْإِجَارَةُ] إلَخْ: أَشَارَ بِهَذَا إلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ كُلَّ عَيْنٍ يَسْتَوْفِي مِنْهَا الْمَنْفَعَةَ فَبِهَلَاكِهَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ كَمَوْتِ الدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، وَكَانْهِدَامِ الدَّارِ، وَكُلُّ عَيْنٍ يَسْتَوْفِي بِهَا الْمَنْفَعَةَ فَبِهَلَاكِهَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَوْتِ الشَّخْصِ، الْمُسْتَأْجِرِ لِلْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ، وَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: صَبِيَّانِ وَفَرَسَانِ صَبِيَّا التَّعْلِيمِ وَالرَّضَاعَةِ، وَفَرَسَا النُّزُوِّ وَالرِّيَاضَةِ فَحَيْثُ مَاتَ صَبِيُّ التَّعْلِيمِ أَوْ الرَّضَاعَةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَرَجَعَا لِلْمُحَاسَبَةِ، وَكَذَلِكَ فَرَسُ النُّزُوِّ إذَا اُسْتُؤْجِرَ الْفَحْلُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَّاتٍ فَحَمَلَتْ مِنْ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ التَّمَامِ انْفَسَخَتْ وَرَجَعَا لِلْمُحَاسَبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِفَرَسٍ يُرَوِّضُهَا وَيُعَلِّمُهَا كَيْفِيَّةَ الْجَرْيِ فَمَاتَتْ فَتَنْفَسِخُ وَيَرْجِعَانِ لِلْمُحَاسَبَةِ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ حَالَ الْعَقْدِ] : أَيْ فَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمُعَيَّنَةِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الدَّابَّةِ، وَأَمَّا الدَّارُ وَالْحَانُوتُ وَالْحَمَّامُ وَالسَّفِينَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِدَابَّةٍ فَلَا يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ فِيهِ ابْتِدَاءً، بَلْ مَتَى تَعَذَّرَ شَيْءٌ مِمَّا يُسْتَوْفَى مِنْهُ انْفَسَخَتْ قَالُوا لِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُعَيَّنٍ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَظْهَرُ فِي السَّفِينَةِ بَلْ هِيَ بِالدَّابَّةِ أَشْبَهُ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي تَسْوِيَتَهَا بِالْعَقَارَاتِ.
قَوْلُهُ: [أَعَمُّ مِنْ التَّلَفِ] : أَيْ الَّذِي عَبَّرَ بِهِ خَلِيلٌ.
قَوْلُهُ: [رَجَعَ لِلْمُحَاسَبَةِ] إلَخْ: أَيْ فَمَا حَصَلَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ بِحِسَابِهِ
وَبِاعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ طُولًا وَقِصَرًا وَسُهُولَةً وَصُعُوبَةً.
(لَا) تَنْفَسِخُ بِتَعَذُّرِ مَا يُسْتَوْفَى (بِهِ) : كَالسَّاكِنِ وَالرَّاكِبِ وَمَا حُمِلَ. وَظَاهِرُهُ تَعَذَّرَ بِسَمَاوِيٍّ؛ كَمَوْتٍ لِرَاكِبٍ أَوْ سَاكِنٍ أَوْ بِغَيْرِهِ بِتَفْرِيطٍ مِنْ الْحَامِلِ؛ بِأَنْ فَرَّطَ فَتَلِفَ مَا حَمَلَهُ مِنْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ أَمْ لَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ. وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ قِيلَ لِلسَّاكِنِ وَالرَّاكِبِ وَرَبِّ الْأَحْمَالِ أَوْ لِوَارِثِهِ: عَلَيْك جَمِيعُ الْأُجْرَةِ وَائْتِ بِمِثْلِ الْأَوَّلِ لِتَمَامِ الْمَسَافَةِ أَوْ الْمُدَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ. وَاَلَّذِي لَهُ فِي الْبَيَانِ: أَنَّ الْمَشْهُورَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ؛ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّلَفِ بِسَمَاوِيٍّ فَلَا تُنْقَضُ الْإِجَارَةُ، وَيَأْتِيه الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ الْكِرَاءِ، وَبَيْنَ تَلَفِهِ مِنْ جِهَةِ الْحَامِلِ فَتُنْتَقَضُ وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَارَ. وَظَاهِرُهُ فَرَّطَ أَمْ لَا، فَانْظُرْهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ، فَلَوْ مَشَى عَلَيْهِ لَقَالَ: لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِسَمَاوِيٍّ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَمَا لَمْ يَحْصُلْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: [وَبِاعْتِبَارِ الْمَسَافَةِ] : خَاصٌّ بِتَعَذُّرِ السَّفِينَةِ وَالدَّابَّةِ الْمُعَيَّنَةِ، أَيْ فَيَرْجِعَانِ فِيهِمَا إلَى الْمُحَاسَبَةِ أَيْضًا وَيَنْظُرَانِ لِقِيمَةِ الْمَسَافَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ صُعُوبَةً وَسُهُولَةً إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَمَا حُمِلَ] : أَيْ الْمَحْمُولُ غَيْرُ الرَّاكِبِ.
قَوْلُهُ: [وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إنْ فَرَّطَ ضَمِنَ] : أَيْ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
قَوْلُهُ: [أَوْ لِوَارِثِهِ] : أَيْ إذَا مَاتَ الرَّاكِبُ أَوْ رَبُّ الْأَحْمَالِ.
قَوْلُهُ: [فَانْظُرْهُ] : قَالَ (بْن) نَقْلًا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إنَّ فِي هَلَاكِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُنْتَقَضُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ الْمَوَّازِ. وَالثَّانِي تُنْتَقَضُ بِتَلَفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ. وَرِوَايَتُهُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ لَهُ مِنْ كِرَائِهِ بِقَدْرِ مَا سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ؛ وَالثَّالِثُ الْفَرْقُ بَيْنَ تَلَفِهِ مِنْ قِبَلِ الْحَامِلِ فَتُنْتَقَضُ وَلَهُ مِنْ الْكِرَاءِ بِقَدْرِ مَا سَارَ وَبَيْنَ تَلَفِهِ بِسَمَاوِيٍّ فَلَا تُنْتَقَضُ وَيَأْتِيه الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ. وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ تَلَفُهُ مِنْ قِبَلِ الْحَامِلِ انْفَسَخَتْ وَلَا كِرَاءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ السَّمَاءِ أَتَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْكِرَاءُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ مَالِكٍ (اهـ) .
وَبَالَغَ عَلَى قَوْلِهِ: " وَفُسِخَتْ " إلَخْ بِقَوْلِهِ:
(وَلَوْ) كَانَ التَّعَذُّرُ (بِغَصْبٍ) لِمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ - دَارًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا - (أَوْ غَصْبِ مَنْفَعَةٍ) لِمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَغْصِبْ الذَّاتَ إذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ (أَوْ أَمْرٍ ظَالِمٍ) لَا تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ (بِإِغْلَاقِ الْحَوَانِيتِ) الْمُكْتَرَاةِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مُسْتَأْجِرُهَا مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَيَلْزَمُ الظَّالِمَ أُجْرَتُهَا لِرَبِّهَا إذَا قَصَدَ غَصْبَ الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ.
(أَوْ حَمْلِ ظِئْرٍ) : أَيْ مُرْضَعٍ، لِتَعَذُّرِ الرَّضَاعِ عَادَةً إذَا حَصَلَ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ الرَّضِيعَ.
(أَوْ) حُدُوثِ (مَرَضٍ) لَهَا (لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ) فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهُمْ الْفَسْخَ، لَا الْفَسْخَ بِالْفِعْلِ، فَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَقٌّ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى الْإِجَارَةِ.
(وَمَرَضِ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ) لَا قُدْرَةَ لَهُمَا عَلَى فِعْلِ مَا اُسْتُؤْجِرَا عَلَيْهِ (أَوْ هَرَبِهِ) : أَيْ الْعَبْدِ (لِكَالْعَدُوِّ) مِنْ كُلِّ مَكَان بَعُدَ وَتَعَذَّرَ رُجُوعُهُ مِنْهُ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ) الْعَبْدُ مِنْ هَرَبِهِ (أَوْ يَصِحَّ) مِنْ مَرَضِهِ (فِي الْمُدَّةِ) : أَيْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ (قَبْلَ الْفَسْخِ) : أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاسَخَا، فَيَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الْعَمَلِ وَلَا تَنْفَسِخُ. وَقَوْلُهُ:" أَوْ يَصِحَّ " يَرْجِعُ لِلظِّئْرِ أَوْ الدَّابَّةِ إذَا مَرِضَا. وَإِذَا رَجَعَ أَوْ صَحَّ مَنْ ذُكِرَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَلَزِمَهُمْ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُ الظَّالِمَ أُجْرَتُهَا] إلَخْ: أَيْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغَصْبِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ فَسْخِ الْإِجَارَةِ بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ إذَا شَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ وَإِنْ شَاءَ بَقِيَ عَلَى إجَارَتِهِ فَإِنْ فَسَخَهَا كَانَ لِمَالِكِ الذَّاتِ الْمَغْصُوبَةِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ أَبْقَاهَا مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ صَارَ ذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ الْغَاصِبُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِكِ فَتَكُونُ الْأُجْرَةُ لَهُ فَمَعْنَى الْفَسْخِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِالْفِعْلِ وَسَيَأْتِي مَا يُفِيدُهُ الشَّارِحُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ حَمْلِ ظِئْرٍ] : أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ قَبْلَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَظَهَرَ بَعْدَهُ أَوْ طَرَأَ بَعْدَ الْعَقْدِ كَمَا قَالَ ابْنُ نَاجِي.
قَوْلُهُ: [لَا تَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى رَضَاعٍ] إلَخْ: مَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ قَدَرَتْ مَعَهُ عَلَى الرَّضَاعِ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا أَنْ يَضْرِبَهُ فَفِي الْمَفْهُومِ تَفْصِيلٌ كَمَا قَالَ (عب) .
قَوْلُهُ: [فَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ] : الْمُنَاسِبُ فَالْفَسْخُ.
قَوْلُهُ: [قَبْلَ الْفَسْخِ] : أَيْ بِالْفِعْلِ.
بَقِيَّةُ الْعَمَلِ سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يُقَابِلُ أَيَّامَ الْهَرَبِ أَوْ الْمَرَضِ.
وَقَوْلُهُ: " قَبْلَ الْفَسْخِ " مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْفَسْخُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ الصِّحَّةِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذِكْرِ عَمَلٍ فِيمَا بَقِيَ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَجَازَ أَنْ يَرْجِعَ الِاسْتِثْنَاءُ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ كَأَنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ يَرْجِعَ الشَّيْءُ الْمُسْتَأْجَرِ عَنْ حَالَتِهِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى حَالَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ الْمَانِعِ فَلَا تَنْفَسِخُ إذَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا قَبْلَ ذَلِكَ تَفَاسُخٌ، لِأَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَخُيِّرَ) الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ (إنْ تَبَيَّنَ) لَهُ (أَنَّهُ) : أَيْ الْأَجِيرُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (سَارِقٌ) : أَيْ شَأْنُهُ السَّرِقَةُ، لِأَنَّهَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ فِي الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ.
(أَوْ رَشَدَ) فِعْلٌ مَاضٍ مَعْطُوفٌ عَلَى " تَبَيَّنَ " وَ (صَغِيرٌ) : فَاعِلُهُ، وَيَلْزَمُ مِنْ الرُّشْدِ الْبُلُوغُ: أَيْ وَخُيِّرَ إنْ رَشَدَ صَغِيرٌ (عَقَدَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سِلْعَةِ وَلِيِّهِ) : مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ أَوْ مُقَدَّمٍ لَهُ، أَيْ: أَجَّرَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ ثُمَّ بَلَغَ رَشِيدًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِبْقَاءِ لِتَمَامِ الْمُدَّةِ وَالْفَسْخِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [سَقَطَ مِنْ الْأُجْرَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ مَا يُقَابِلُ أَيَّامَ الْهَرَبِ] : جَوَابُ إذَا أَيْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى قَضَاءِ مُدَّةِ الْهَرَبِ أَوْ الْمَرَضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَيَدْفَعُ الْأَجْرَ بِتَمَامِهِ إنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ نَقَدَ الْأُجْرَةَ حِينَ الْعَقْدِ، لِمَا فِيهِ مِنْ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ لَمْ يَنْقُدْهَا فَيَجُوزُ الِاتِّفَاقُ عَلَى ذَلِكَ لِانْتِفَاءِ عِلَّة الْفَسْخِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: [عَنْ حَالَتِهِ] : أَيْ الَّتِي يَتَعَذَّرُ مَعَهَا الِاسْتِيفَاءُ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ مِنْ غَصْبٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّهَا عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ] : هَذَا حَيْثُ كَانَ اسْتِئْجَارُهُ لِخِدْمَةٍ فِي دَارِهِ أَوْ حَانُوتِهِ مَثَلًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ فِيهِ مِنْهُ، وَأَمَّا لَوْ آجَرَهُ دَارًا لِيَسْكُنَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَبَيُّنِ سَرِقَتِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَفُّظِ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: [مَعْطُوفٌ عَلَى تَبَيَّنَ] : أَيْ فَهُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ خُيِّرَ.
قَوْلُهُ: [وَيَلْزَمُ مِنْ الرُّشْدِ الْبُلُوغُ] : أَيْ لِأَنَّ الرُّشْدَ أَخَصُّ فَكُلُّ رَشِيدٍ بَالِغٌ وَلَا عَكْسَ.
قَوْلُهُ: [أَيْ أَجَّرَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ] : أَيْ كَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِدْمَةٍ مَثَلًا ثَلَاثَ سِنِينَ فَبَلَغَ رَشِيدًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَهُ الْخِيَارُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ فَإِنْ بَلَغَ سَفِيهًا فَلَا خِيَارَ لَهُ.
(إلَّا لِظَنِّ عَدَمِ بُلُوغِهِ) قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَبَلَغَ (وَ) قَدْ (بَقِيَ الْيَسِيرُ) مِنْهَا - (كَالشَّهْرِ - فَيَلْزَمُ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ) بَقَاءُ الْمُدَّةِ بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، فَالْخِيَارُ فِيمَا إذَا ظَنَّ وَلِيُّهُ بُلُوغَهُ فِيهَا أَوْ لَا ظَنَّ عِنْدَهُ مُطْلَقًا أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ، وَبَقِيَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ الْكَثِيرُ، قَالَ فِيهَا: وَمَنْ آجَرَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ ثَلَاثَ سِنِينَ فَاحْتَلَمَ بَعْدَ سَنَةٍ وَلَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَاقِي الْمُدَّةِ، إلَّا أَنْ يَبْقَى كَالشَّهْرِ وَيَسِيرِ الْأَيَّامِ (انْتَهَى) . وَشَبَّهَ فِي اللُّزُومِ قَوْلَهُ:
(كَالْعَقْدِ) : أَيْ عَقْدِ وَلِيِّ الصَّغِيرِ (عَلَى سِلَعِهِ) : أَيْ الصَّغِيرِ - كَدَابَّتِهِ وَدَارِهِ وَغَيْرِهِمَا - فَيَلْزَمُ فِيمَا إذَا ظَنَّ عَدَمَ بُلُوغِهِ مُطْلَقًا (وَلَوْ بَقِيَ) مِنْ الْمُدَّةِ (سِنِينَ) بَعْدَ رُشْدِهِ (عَلَى الْأَرْجَحِ) . وَمُقَابِلُهُ قَوْلُ أَشْهَبَ: أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى سِلَعِهِ كَالْعَقْدِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا ظَنَّ الْوَلِيُّ عَدَمَ بُلُوغِهِ وَبَقِيَ كَالشَّهْرِ.
وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الصَّغِيرَ إذَا عَقَدَ وَلِيُّهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سِلَعِهِ فَبَلَغَ رَشِيدًا فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا ظَنَّ الْوَلِيُّ بُلُوغَهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ مُطْلَقًا، بَقِيَ الْقَلِيلُ أَوْ الْكَثِيرُ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ بُلُوغِهِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ فَبَلَغَ رَشِيدًا لَزِمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ بَقِيَ الْيَسِيرُ دُونَ الْكَثِيرِ وَلَزِمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى سِلَعِهِ الْكَثِيرُ وَالْيَسِيرُ وَقَدْ تَقَدَّمَ.
(كَسِلَعِ السَّفِيهِ مُطْلَقًا) : أَيْ كَعَقْدِ وَلِيِّ سَفِيهٍ عَلَى سِلَعِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ لَهُ إذَا
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بِهَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ] : أَيْ اللَّذَيْنِ هُمَا ظَنُّ عَدَمِ الْبُلُوغِ وَبَقَاءُ الْيَسِيرِ.
قَوْلُهُ: [مُطْلَقًا] : أَيْ بَقِيَ الْكَثِيرُ أَوْ الْقَلِيلُ كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى سِلَعِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ لَهُمَا هَذِهِ ثَمَانُ صُوَرٍ، وَقَوْلُهُ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ وَبَقِيَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهِ الْكَثِيرُ صُورَةٌ تَاسِعَةٌ وَمَفْهُومُهَا لَوْ بَقِيَ الْيَسِيرُ لَا خِيَارَ لَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى سِلَعِهِ وَظَنَّ عَدَمَهُ لَا خِيَارَ لَهُ بَقِيَ الْكَثِيرُ أَوْ الْقَلِيلُ فَجُمْلَةُ الصُّوَرِ اثْنَتَا عَشْرَةَ الْخِيَارُ فِي تِسْعٍ وَاللُّزُومُ فِي ثَلَاثٍ أَفَادَهَا الشَّارِحُ وَالْمُصَنِّفُ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ سِنِينَ] : مُقْتَضَاهُ رَفَعَ سِنِينَ بِالْوَاوِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ بَقِيَ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَشَى عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يُعْرِبُهَا إعْرَابَ حِينَ.
قَوْلُهُ: [وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ] إلَخْ: هَذَا الْحَاصِلُ مُوَضَّحٌ لِلِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ صُورَةً الَّتِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا.