الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى الْقَوْلِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَغَيْرَهَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ. وَكَذَا قَوْلُهُ: (أَوْ) كَانَ (أَصَمَّ فِي الْفِعْلِ) : كَالضَّرْبِ وَالْأَكْلِ وَالْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَاحْتُرِزَ بِذَلِكَ عَنْ الْمَسْمُوعَاتِ لَا عَنْ الْمَشْمُومَاتِ وَالْمَلْمُوسَاتِ وَالْمَطْعُومَاتِ فَإِنَّهَا اتِّفَاقٌ. وَأَمَّا الْأَعْمَى الْأَصَمِّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ وَلَا مُعَامَلَتُهُ كَالْمَجْنُونِ، وَإِنَّمَا يُوَلَّى عَلَيْهِمَا مِنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُمَا بِالْمَصْلَحَةِ.
(وَشَرْطُهُ) : أَيْ الْعَدْلِ؛ أَيْ شَرْطُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ (أَنْ يَكُونَ فَطِنًا) لَا مُغَفَّلًا (جَازِمًا) فِي شَهَادَتِهِ (بِمَا أَدَّى) لَا شَاكًّا أَوْ ظَانًّا (غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِيهَا) : أَيْ فِي شَهَادَتِهِ (بِوَجْهٍ) مِنْ الْوُجُوهِ الْآتِيَةِ؛ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ: (فَلَا شَهَادَةَ) تُقْبَلُ (لِمُغَفَّلٍ) تَلْتَبِسُ عَلَيْهِ الْأُمُورُ الْعَادِيَّةُ (إلَّا فِيمَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
شَهَادَتُهُ عَلَى الْفِعْلِ إنْ عَلِمَهُ قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بِحَبْسٍ كَمَا فِي الزِّنَا وَاقْتَصَرَ عَلَى هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ.
قَوْلُهُ: [وَغَيْرُهَا] : الْمُنَاسِبُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الْقَوْلِ أَيْ مَحَلِّ الْخِلَافِ بَيْنَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ الْأَقْوَالُ، وَأَمَّا الْمَلْمُوسَاتُ وَالْمَطْعُومَاتُ وَالْمَشْمُومَاتُ فَهِيَ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ بَيْنَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي الْقَبُولِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ كَانَ أَصَمَّ فِي الْفِعْلِ] : أَيْ وَهُوَ بَصِيرٌ لِأَنَّ الْأَصَمَّ الْبَصِيرَ يَضْبِطُ الْأَفْعَالَ بِبَصَرِهِ دُونَ الْأَقْوَالِ لِتَوَقُّفِ ضَبْطِهَا عَلَى السَّمْعِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الْأَقْوَالِ مَا لَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا قَبْلَ الصَّمَمِ وَإِلَّا جَازَتْ، قَالَ ابْنُ شَعْبَانَ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخْرَسِ وَيُؤَدِّيهَا بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ.
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهَا اتِّفَاقٌ] : أَيْ بَيْنَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَبْلُ.
قَوْلُهُ: [وَإِنَّمَا يُوَلِّي عَلَيْهِمَا] : هَكَذَا بِالتَّثْنِيَةِ فِي نُسْخَةِ الْمُؤَلَّفِ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْأَعْمَى الْأَصَمِّ وَالْمَجْنُونِ، وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرَهُمَا أَوْ يُفْرِدَ الضَّمِيرَ فِي عَلَيْهِ وَيَكُونَ عَائِدًا عَلَى الْأَعْمَى الْأَصَمِّ فَقَطْ، وَالْمَجْنُونُ تَقَدَّمَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ قَالَ (بْن) : قَالَ (عب) فِي الْأَعْمَى الْأَصَمِّ: لَا يَتَزَوَّجُ إلَخْ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَا يَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَيَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ بِالْأَصْلَحِ لَهُ، كَمَا يُقِيمُ الْحَاكِمُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ مَنْ يَنْظُرُ لَهُمَا انْتَهَى. وَقَدْ أَفَادَ هَذَا شَارِحُنَا بِالتَّشْبِيهِ. .
[شَرْطُ قَبُولِ شَهَادَة الْعَدْلِ]
قَوْلُهُ: [لِمُغَفَّلٍ] : هُوَ مَنْ لَا يَسْتَعْمِلُ الْقُوَّةَ الْمُنَبِّهَةَ مَعَ وُجُودِهَا فِيهِ، وَأَمَّا الْبَلِيدُ فَهُوَ خَالٍ مِنْهَا بِالْمَرَّةِ فَمُرَادُهُ بِالْمُغَفَّلِ مَا يَشْمَلُهُ بِالْأَوْلَى.
لَا يَلْبِسُ)
بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَمَاضِيهِ بِفَتْحِهَا: أَيْ يَخْتَلِطُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] . وَأَمَّا لَبِسَ الثَّوْبَ فَبِالْعَكْسِ. إلَّا فِي الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي لَا لَبْسَ فِيهَا، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. (وَلَا) شَهَادَةَ (لَمُتَأَكِّدِ الْقُرْبِ) لِاتِّهَامِهِ بِجَرِّ النَّفْعِ لِقَرِيبِهِ (كَوَالِدٍ) لِوَلَدِهِ (وَإِنْ عَلَا) :(كَالْجَدِّ وَأَبِيهِ وَوَلَدٍ) لِوَالِدِهِ (وَإِنْ سَفَلَ) كَابْنِ الِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ (وَزَوْجِهِمَا) : أَيْ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ، فَلَا يَشْهَدُ الْوَالِدُ لَزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَلَا لِزَوْجِ بِنْتِهِ، وَلَا الْوَلَدُ لَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَزَوْجِ أُمِّهِ؛ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْهَدَ لِزَوْجَتِهِ. (بِخِلَافِ) شَهَادَةِ (أَخٍ) لِأَخِيهِ (أَوْ مَوْلًى) لِعَتِيقِهِ (وَ) صَدِيقٍ (مُلَاطِفٍ) فَتَجُوزُ (إنْ بَرَزَ) الشَّاهِدُ مِنْهُمْ فِي الْعَدَالَةِ، بِأَنْ فَاقَ أَقْرَانَهُ فِيهَا وَاشْتُهِرَ بِهَا. (وَلَمْ يَكُنْ) الشَّاهِدُ (فِي عِيَالِهِ) : أَيْ عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ بَرَزَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَمَاضِيهِ بِفَتْحِهَا] : أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ.
قَوْلُهُ: [فَبِالْعَكْسِ] : أَيْ فَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَتَعِبَ.
قَوْلُهُ: [أَيْ إلَّا فِي الْأُمُورِ الْوَاضِحَةِ] : هَذَا إيضَاحٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ إلَّا فِيمَا لَا يَلْبِسُ.
قَوْلُهُ: [وَصَدِيقٍ مُلَاطِفٍ] : قَالَ (ح) : الْمُلَاطِفُ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الَّذِي يُلَاطِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَمَعْنَى اللُّطْفِ الْإِحْسَانِ وَالْبِرِّ وَالتَّكَرُّمَةِ قَالَ فِي التَّنْبِيهَاتِ وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ: الْمُلَاطِفُ هُوَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ:
إنَّ أَخَاكَ الْحَقَّ مَنْ كَانَ مَعَك
…
وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعكَ
وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَكَ
…
شَتَّتْ فِيك نَفْسَهُ لِيَجْمَعكَ
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَعِيدٌ قَلَّ أَنْ يُوجَدَ أَحَدٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُهُ بِمَا فِي التَّنَبُّهَاتِ انْتَهَى (بْن) .
قَوْلُهُ: [إنْ بَرَزَ] : فِي (بْن) الصَّوَابُ إنْ بَرَّزَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ فِعْلٌ لَازِمٌ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ وَاسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهُ مُبَرِّزٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ظَاهِرُ الْعَدَالَةِ، وَفِي الْقَامُوسِ بَرُزَ كَكَرُمَ، وَبَرَّزَ تَبْرِيزًا: فَاقَ أَصْحَابَهُ فَضْلًا وَشُجَاعَةً، وَبَرَّزَ الْفَرَسُ عَلَى الْخَيْلِ سَبَقَهَا انْتَهَى. فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ مُشَدَّدًا وَمُخَفَّفًا عَلَى وَزْنِ فَعُلَ الْمَضْمُومِ الْعَيْنِ وَلَيْسَتْ هُنَاكَ لُغَةٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ مَعَ التَّخْفِيفِ.
قَوْلُهُ: [وَلَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ فِي عِيَالِهِ] : بَقِيَ شَرْطٌ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِغَيْرِ
(كَأَجِيرٍ) فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ إنْ بَرَزَ وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ. (وَشَرِيكٍ) تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لِشَرِيكِهِ (فِي غَيْرِهَا) : أَيْ فِي غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ إنْ بَرَزَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ، لَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَوْ بَرَزَ. وَقَيَّدَهَا الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَظَاهِرُهُ أَنَّ شَرِكَةَ الْعِنَانِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ فَلِذَا أَطْلَقْنَا. (وَزَائِدٍ) فِي شَهَادَتِهِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ بِأَنْ شَهِدَ أَوَّلًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ: بَلْ هُوَ أَحَدَ عَشَرَ فَتُقْبَلُ إنْ بَرَزَ (وَمُنْقِصٍ) عَنْهَا بَعْدَ أَنْ أَدَّاهَا فَتَقْبَلُ إنْ بَرَزَ. وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ ابْتِدَاءً بِأَزْيَدَ مِمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي أَوْ بِأَنْقَصَ فَتُقْبَلُ مُطْلَقًا وَلَوْ لَمْ يَبْرُزْ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لَا يُقْضَى لَهُ بِالزَّائِدِ لِعَدَمِ ادِّعَائِهِ لَهُ. (وَذَاكِرٍ) لِمَا شَهِدَ بِهِ (بَعْدَ شَكٍّ) بِأَنْ قَالَ أَوَّلًا: لَا أَدْرِي أَوْ لَا عِلْمَ عِنْدِي، ثُمَّ قَالَ: تَذَكَّرْت، فَتُقْبَلُ إنْ بَرَزَ (أَوْ) تَذَكَّرَ بَعْدَ (نِسْيَانٍ) فَتُقْبَلُ إنْ بَرَزَ. وَأَمَّا الزَّائِدُ أَوْ الْمُنْقِصُ الْمُتَقَدِّمُ فَجَزَمَ بِمَا شَهِدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَزَادَ أَوْ نَقَصَ (وَبِخِلَافِهِمَا) : أَيْ الشَّهَادَةِ مِنْ وَلَدٍ (لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ) عَلَى الْآخَرِ فَتَقْبَلُ. (أَوْ) مِنْ وَالِدٍ لِأَحَدِ (وَلَدَيْهِ) عَلَى الْآخَرِ فَتُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ (إنْ لَمْ يَظْهَرْ
ــ
[حاشية الصاوي]
جَرْحِ عَمْدٍ فِيهِ قِصَاصٌ وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّ الْحَمِيَّةَ تَأْخُذُ فِي الْقِصَاصِ وَإِنَّمَا يَشْهَدُ فِي الْأَمْوَالِ أَوْ فِي الْجِرَاحِ الَّتِي فِيهَا مَالٌ كَمَا فِي الْخَرَشِيِّ
قَوْلُهُ: [وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا] : إلَخْ: مُرَادُهُ بِهِ الْأُجْهُورِيُّ وَرَدَّهُ (بْن) تَبَعًا لَرُبَّمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ: مَرْدُودَةٌ مُطْلَقًا مُبَرِّزًا أَوْ غَيْرَ مُبَرِّزٍ فِي شَهَادَةِ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا فِيهِ الشَّرِكَةُ كَانَ مُعَيَّنًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّهَا تَجُرُّ نَفْعًا لِنَفْسِهِ. وَمَقْبُولَةٌ بِشَرْطِ التَّبْرِيزِ اتِّفَاقًا وَهِيَ شَهَادَةُ شَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الشَّرِكَةُ، وَمَقْبُولَةٌ مُطْلَقًا مُبَرِّزًا أَوْ غَيْرَ مُبَرِّزٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي شَهَادَةِ شَرِيكِ غَيْرِ الْمُفَاوَضَةِ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ الشَّرِكَةُ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لَا يَقْضِي لَهُ بِالزَّائِدِ] : أَيْ وَكَذَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَنْقَصَ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي فَلَا يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِالزَّائِدِ إلَّا بِشُهُودٍ أُخَرَ غَيْرِ هَذَا.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الزَّائِدُ] : جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ وَارِدٍ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: [فَتُقْبَلُ] : أَيْ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّبْرِيزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
مِيلٌ) مِنْ الْوَلَدِ أَوْ الْوَالِدِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ، فَإِنْ ظَهَرَ مِيلٌ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ (وَلَا) شَهَادَةَ (لِعَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ فِي) أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ) مُتَعَلِّقٌ بِعَدُوٍّ أَيْ عَدَاوَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ، احْتِرَازًا مِنْ الْأُخْرَوِيَّةِ؛ كَشَهَادَةِ مُسْلِمٍ عَلَى كَافِرٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ فَتَجُوزُ. (أَوْ) شَهَادَةَ عَدُوٍّ لِرَجُلٍ (عَلَى ابْنِهِ) : أَيْ ابْنِ الْعَدُوِّ فَلَا تُقْبَلُ.
(وَلَا) شَهَادَةَ لِشَاهِدٍ (إنْ حَرَصَ بِشَهَادَتِهِ) : أَيْ إنْ كَانَ فِيهَا حِرْصٌ (عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ) : يَعْنِي إنْ اُتُّهِمَ عَلَى الْحِرْصِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِ عِنْدَ إزَالَةِ نَقْصٍ (فِيمَا رُدَّ فِيهِ) أَوَّلًا، بِأَنْ أَدَّى سَابِقًا شَهَادَةً فَرُدَّتْ (لِفِسْقٍ، أَوْ صِبًا، أَوْ رِقٍّ) فَلَمَّا زَالَ الْمَانِعُ - بِأَنْ تَابَ الْفَاسِقُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ عَتَقَ الرَّقِيقُ - أَدَّاهَا، فَلَا تُقْبَلُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى الْحِرْصِ عَلَى قَبُولِهَا عِنْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، لِأَنَّ الطَّبْعَ قَدْ جُبِلَ عَلَى دَفْعِ الْمَعَرَّةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِالرَّدِّ أَوَّلًا. وَلِذَا لَوْ لَمْ يُحْكَمْ بِرَدِّهَا حَتَّى زَالَ الْمَانِعُ فَأَدَّاهَا، قُبِلَتْ لِعَدَمِ الْحِرْصِ، وَكَذَا إنْ رُدَّتْ لِمَانِعٍ فَأَدَّى عِنْدَ زَوَالِهِ شَهَادَةً بِحَقٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ. (أَوْ) حَرَصَ (عَلَى التَّأَسِّي) : أَيْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي الْمَعَرَّةِ الْقَائِمَةِ بِهِ لِيُهَوِّنَّ عَلَيْهِ مُصِيبَتَهَا؛ لِأَنَّ الْمُصِيبَةَ إذَا عَمَّتْ هَانَتْ، وَإِذَا خَصَّتْ هَالَتْ: (كَشَهَادَةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَإِنْ ظَهَرَ مِيلٌ] إلَخْ: أَيْ كَشَهَادَةِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الْبَارِّ عَلَى الْعَاقِّ أَوْ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ أَوْ السَّفِيهِ عَلَى الرَّشِيدِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ بِطَلَاقِ أُمِّهِ إنْ كَانَتْ مُنْكِرَةً لِلطَّلَاقِ. وَاخْتُلِفَ إنْ كَانَتْ هِيَ الْقَائِمَةُ بِذَلِكَ فَمَنَعَهَا أَشْهَبُ وَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِنْ شَهِدَ بِطَلَاقِ أَبِيهِ لِغَيْرِ أُمِّهِ لَمْ تَجُزْ إنْ كَانَتْ أُمُّهُ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ أَوْ مُطَلَّقَةً وَيَرْجُو رُجُوعَهَا لِأَبِيهِ، وَلَوْ شَهِدَ لِأَبِيهِ عَلَى جَدِّهِ أَوْ لِوَلَدِهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ تَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَبِالْعَكْسِ جَازَ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا ذَكَرَهُ مُحَشِّي الْأَصْلِ نَقْلًا عَنْ الْأُجْهُورِيِّ.
قَوْلُهُ: [لِعَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ] : أَيْ وَلَوْ كَانَ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ.
قَوْلُهُ: [إذَا عَمَّتْ هَانَتْ] : إنَّمَا هَانَتْ بِالْعُمُومِ لِذِكْرِ مُصِيبَةِ غَيْرِهِ فَيَتَسَلَّى عَنْ مُصِيبَتِهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا خَصَّتْ فَلَمْ يَجِدْ مُصِيبَةً غَيْرَهَا نَظِيرَتَهَا لِغَيْرِهِ يَتَسَلَّى بِهَا فَتَعْظُمُ عَلَيْهِ مُصِيبَتُهُ.
وَلَدِ الزِّنَا فِيهِ) : أَيْ فِي الزِّنَا أَوْ شَهَادَةِ (مَنْ حُدَّ) لِسُكْرٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ زِنًا (فِيمَا) : أَيْ فِي مِثْلِ مَا (حُدَّ فِيهِ) بِخُصُوصِهِ، فَلَا تُقْبَلُ لِلتَّأَسِّي. وَمِثْلُ الْحَدِّ: التَّعْزِيرُ، فَلَا يَشْهَدُ فِي مِثْلِ مَا عُزِّرَ فِيهِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَتَصِحُّ. (أَوْ حَرَصَ عَلَى الْقَبُولِ؛ كَأَنْ شَهِدَ وَحَلَفَ) عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ أَوْ عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْذَرَ الْعَوَامُّ فِي ذَلِكَ. (أَوْ) حَرَصَ (عَلَى الْأَدَاءِ: كَأَنْ رَفَعَ) شَهَادَتَهُ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الطَّلَبِ (فِي مَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ) وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ كَالدِّينِ وَالْقِصَاصِ. (أَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ) : وَهُوَ مَا لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ إسْقَاطُهُ (فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ)
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [مَنْ حُدَّ] : أَيْ بِالْفِعْلِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا عُفِيَ عَنْهُ وَشَهِدَ فِي مِثْلِهِ إنْ كَانَ قَذْفًا فَيُقْبَلُ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، لَا إنْ كَانَ قَتْلًا فَلَا يَشْهَدُ فِي مِثْلِهِ كَمَا فِي الْوَاضِحَةِ عَنْ الْأَخَوَيْنِ، وَانْظُرْ لَوْ جَلَدَ الْبِكْرَ فِي الزِّنَا هَلْ لَهُ الشَّهَادَةُ بِاللِّوَاطِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْحَدِّ أَوْ لَا نَظَرًا لِدُخُولِهِ فِي الزِّنَا؟ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [كَأَنْ شَهِدَ وَحَلَفَ] : قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَهَادَتِهِ إذَا أَدَّاهَا وَذَلِكَ قَادِحٌ فِيهَا لِأَنَّ الْيَمِينَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى نُفُوذِهَا (اهـ) . تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ لِلْقَاضِي تَحْلِيفُ الشَّاهِدِ وَلَوْ بِالطَّلَاقِ إنْ اتَّهَمَهُ، أَيْ لِقَاعِدَةِ: تَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقْضِيَةٌ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْفُجُورِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتَحْسَنَهُ مَالِكٌ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ مُرَاعَاةُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَذَا أَفَادَهُ فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ] : أَيْ وَسَلَّمَهُ لَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ.
قَوْلُهُ: [كَأَنْ رَفَعَ شَهَادَتَهُ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ الطَّلَبِ] إلَخْ: حَاصِلُهُ أَنَّ رَفْعَ الشَّاهِدِ لِلْحَاكِمِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ لَا يَجُوزُ وَمُبْطِلٌ لِشَهَادَتِهِ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وُجُوبًا عَيْنِيًّا إنْ تَوَقَّفَ الْحَقُّ عَلَى شَهَادَتِهِ وَكِفَائِيًّا إنْ لَمْ يَتَوَقَّفْ.
قَوْلُهُ: [وَهُوَ مَا لَهُ إسْقَاطُهُ] : أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِمَحْضِ حَقِّ الْآدَمِيِّ مَا لَا حَقَّ فِيهِ لِلَّهِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إذْ مَا مِنْ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ إلَّا وَلِلَّهِ فِيهِ حَقٌّ.
بِالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ (بِالْإِمْكَانِ) : أَيْ بِقَدْرِهِ، وَذَلِكَ (إنْ اُسْتُدِيمَ التَّحْرِيمُ) عِنْدَ عَدَمِ الرَّفْعِ:(كَعِتْقٍ) لِرَقِيقٍ مَعَ كَوْنِ السَّيِّدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ مِنْ اسْتِخْدَامٍ، وَبَيْعٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَطَلَاقٍ) لَزَوْجَةٍ مَعَ كَوْنِ الْمُطَلِّقِ لَمْ يُنْكَفَّ عَنْهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ. (وَوَقْفٍ) عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ - وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا أَوْ مَدْرَسَةً وَوَاضِعُ الْيَدِ عَلَيْهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ لِرَدِّهِ إلَى أَصْلِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [بِالْإِمْكَانِ] : أَيْ فَإِنْ أَخَّرَ الرَّفْعَ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يُمْكِنُ فِيهِ الرَّفْعُ كَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ وَبِهَذَا الْقِسْمُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ انْدَفَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَعْرَضِ الذَّمِّ: «ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «تُبَادِرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ» وَبَيْنَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى الثَّانِي (اهـ بْن) .
قَوْلُهُ: [إنْ اُسْتُدِيمَ التَّحْرِيمُ] : الْكَلَامُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إنْ اُسْتُدِيمَ ارْتِكَابُ التَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَكُلُّ مُحَرَّمٍ مُسْتَدَامُ التَّحْرِيمِ.
قَوْلُهُ: [وَوَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ] إلَخْ: حَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَقْفَ إمَّا عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي كُلٍّ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِ إمَّا الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ،
(وَرَضَاعٍ) : بَيْنَ زَوْجَيْنِ. (وَإِلَّا) يَسْتَدِمْ التَّحْرِيمُ (خُيِّرَ) فِي الرَّفْعِ وَعَدَمِهِ: (كَالزِّنَا) وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ السِّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُجَاهِرِ بِالْفِسْقِ وَإِلَّا فَالرَّفْعُ أَوْلَى. (بِخِلَافِ حِرْصٍ عَلَى تَحَمُّلٍ) لِشَهَادَةٍ، فَلَا يَقْدَحُ:(كَالْمُخْتَفِي) عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِيَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهِ إنْ أَقَرَّ - وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ الْمُقِرُّ مَخْدُوعًا
ــ
[حاشية الصاوي]
فَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ غَيْرَ الْوَاقِفِ وَجَبَ عَلَى الشُّهُودِ الْمُبَادَرَةُ بِالرَّفْعِ لِلْقَاضِي، وَإِنْ كَانَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ هُوَ الْوَاقِفُ فَلَا يَرْفَعُونَ إذْ لَا ثَمَرَةَ فِي رَفْعِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَوْزِهِ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَلَا يَرْفَعُونَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ إلَّا إذَا طُلِبُوا لِلشَّهَادَةِ كَانَ الْوَاضِعُ يَدَهُ عَلَيْهِ الْوَاقِفَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ لِلشَّارِحِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَوَاضِعُ الْيَدِ الْمُتَصَرِّفُ غَيْرَ الْوَاقِفِ.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا يَسْتَدِمْ التَّحْرِيمُ] : أَيْ بِأَنْ كَانَ التَّحْرِيمُ يَنْقَضِي بِالْفَرَاغِ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ.
قَوْلُهُ: [كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ] : أَيْ فَحَقُّ اللَّهِ فِيهِمَا النَّهْيُ عَنْهُمَا، فَإِذَا زَنَى الشَّخْصُ أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ حَصَلَ التَّحْرِيمُ وَانْقَضَى بِالْفَرَاغِ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ السِّتْرِ الْمَطْلُوبِ] : أَيْ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لَا عَلَى جِهَةِ الْوُجُوبِ وَإِلَّا كَانَ التَّرْكُ وَاجِبًا وَهَذَا قَوْلٌ لِبَعْضِهِمْ، وَفِي الْمَوَّاقِ أَنَّ سَتْرَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا.
قَوْلُهُ: [وَإِلَّا فَالرَّفْعُ أَوْلَى] : أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يَرْتَدِعَ عَنْ فِسْقِهِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ السِّتْرَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ حِرْصٍ عَلَى تَحَمُّلٍ] : مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا إنْ حَرَصَ عَلَى إزَالَةِ نَقْصٍ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [كَالْمُخْتَفِي] : أَيْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ: اشْهَدْ عَلَيَّ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ كَلَامَهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ.
قَوْلُهُ: [مَخْدُوعًا] : أَيْ مَغْرُورًا بِشَيْءٍ فِي نَظِيرِ الْإِقْرَارِ، وَقَوْلُهُ، أَوْ خَائِفًا أَيْ كَإِقْرَارِ مَنْ فِي السِّجْنِ الْخَائِفِ مِنْ الْعَذَابِ وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمَخْدُوعُ وَالْخَائِفُ
أَوْ خَائِفًا - وَإِلَّا فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ.
(وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَتْ) الشَّهَادَةُ (كَبَدْوِيٍّ) يَشْهَدُ فِي الْحَضَرِ (لِحَضَرِيٍّ) عَلَى حَضَرِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ حُضُورُ الْبَدْوِيِّ فِيهِ دُونَ الْحَضَرِيِّ، فَلَا تُقْبَلُ (بِخِلَافِ إنْ سَمِعَهُ) يُقِرُّ بِشَيْءٍ لِحَضَرِيٍّ، أَوْ رَآهُ يَفْعَلُ بِحَضَرِيٍّ شَيْئًا مِنْ غَصْبٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ أَوْ رَآهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ بِهِ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. كَمَا يَجُوزُ فِيمَا يَقَعُ بِالْبَادِيَةِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى حَضَرِيٍّ وَبَدْوِيٍّ. وَأَمَّا شَهَادَةُ حَضَرِيٍّ عَلَى بَدْوِيٍّ فَفِيهَا خِلَافٌ، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَدَارُ الْمَنْعِ عَلَى الِاسْتِبْعَادِ عَادَةً.
ــ
[حاشية الصاوي]
لَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ فَهَذَا التَّقْيِيدُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ. .
قَوْلُهُ: [وَلَا إنْ اُسْتُبْعِدَتْ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا إنْ حَرَصَ، وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْعَدِّ وَالنِّسْبَةِ نَحْوُ اسْتَحْسَنْت كَذَا أَيْ عَدَدْتُهُ حَسَنًا، وَنَسَبْتُهُ لِلْحُسْنِ. وَفَاعِلُ اسْتَبْعَدَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى تَحَمَّلَهَا.
قَوْلُهُ: [كَبَدْوِيٍّ يَشْهَدُ فِي الْحَضَرِ] إلَخْ: إنَّمَا مُنِعَتْ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا يَشْهَدُ بَدْوِيٌّ عَلَى حَضَرِيٍّ» وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى: " عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ " فَجُعِلَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى مَا فِيهِ اسْتِبْعَادٌ بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَالْمَعْنَى كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ إذَا طُلِبَ مِنْ الْبَدْوِيِّ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فِي الْحَضَرِ لِحَضَرِيٍّ بِدَيْنٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُقْصَدُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَكَالْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ فَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ إذَا أَدَّاهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ تَرْكَ إشْهَادِ الْحَضَرِيِّ وَطَلَبَ الْبَدْوِيِّ لِتَحَمُّلِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ فِيهِ رِيبَةٌ فَلِلْخَصْمِ التَّجْرِيحُ فِيهِمْ حِينَئِذٍ.
قَوْلُهُ: [فَمَدَارُ الْمَنْعِ عَلَى الِاسْتِبْعَادِ] : أَيْ فَمَتَى حَصَلَ الِاسْتِبْعَادُ مَنَعَ وَلَوْ مِنْ قَرَوِيٍّ لِقَرَوِيٍّ.