الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَإِنْ تَعَدَّدَ مُبَاشِرٌ) عَادَ مَا دُونَ النَّفْسِ (بِلَا تَمَالُؤٍ) مِنْهُمْ (وَتَمَيَّزَتْ) الْجِرَاحَاتُ: أَيْ تَمَيَّزَ وَعُلِمَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (فَمِنْ كُلٍّ) يُقْتَصُّ (بِقَدْرِ مَا فَعَلَ) : فَإِنْ تَمَالَئُوا اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ الْجَمِيعِ، تَمَيَّزَتْ أَمْ لَا، قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ النَّفْسِ مِنْ أَنَّ الْجَمِيعَ عِنْدَ التَّمَالُؤِ يُقْتَلُونَ بِالْوَاحِدِ. وَأَمَّا إذَا لَمْ تَتَمَيَّزْ عِنْدَ التَّمَالُؤِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ دِيَةُ الْجَمِيعِ وَلَا قِصَاصَ؟ أَوْ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ الْجَمِيعِ؟ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً قَلَعَ أَحَدُهُمْ عَيْنَهُ وَقَطَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ وَالثَّالِثُ رِجْلَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ مَنْ الَّذِي فَقَأَ الْعَيْنَ وَمَنْ قَطَعَ الرِّجْلَ وَمَنْ قَطَعَ الْيَدَ - وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا تَمَالُؤَ بَيْنَهُمْ - اُقْتُصَّ مِنْ كُلٍّ بِفَقْءِ عَيْنِهِ وَقَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ إلَّا فِعْلٌ وَاحِدٌ
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ، وَمَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ بِقَوْلِهِ:(وَاقْتُصَّ مِنْ مُوضِحَةٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (وَهِيَ: مَا أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ) : أَيْ أَظْهَرَتْهُ (أَوْ) عَظْمَ (الْجَبْهَةِ) : مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ الرَّأْسِ (أَوْ) عَظْمَ (الْخَدَّيْنِ) فَمَا أَوْضَحَتْ عَظْمَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ - وَلَوْ بِالْوَجْهِ كَأَنْفٍ وَلَحْيٍ أَسْفَلَ - لَا يُسَمَّى مُوضِحَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ عَمْدِهِ. وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ مَا لَهُ بَالٌ وَاتِّسَاعٌ بَلْ (وَإِنْ) ضَاقَ (كَإِبْرَةٍ) :
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَمِنْ كُلٍّ يُقْتَصُّ بِقَدْرِ مَا فَعَلَ] : أَيْ بِالْمِسَاحَةِ وَلَا يُنْظَرُ لِتَفَاوُتِ الْعُضْوِ بِالرِّقَّةِ وَالْغِلَظِ.
قَوْلُهُ: [وَفِيهِ نَظَرٌ] : أَيْ فَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ. .
[الْقِصَاص فِيمَا دُونَ النَّفْسِ]
[الْقِصَاصُ فِي الْمُوضِحَة وَغَيْرهَا مِنْ الْجِرَاحَات]
قَوْلُهُ: [مَا بَيْنَ الْحَاجِبِينَ وَشَعْرِ الرَّأْسِ] : مُرَادُهُ مَا عَلَا عَلَى الْحَاجِبَيْنِ وَسَفَلَ عَنْ شَعْرِ الرَّأْسِ فَيَشْمَلُ الْجَبِينَيْنِ.
قَوْلُهُ: [لَا يُسَمَّى مُوضِحَةً عِنْدَ الْفُقَهَاءِ] إلَخْ: قَالَ الْبِسَاطِيُّ إنَّمَا يَظْهَرُ تَعْرِيفُ الْمُوضِحَةِ بِمَا ذُكِرَ بِاعْتِبَارِ الدِّيَةِ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْقِصَاصِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: [وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ] : أَيْ قِصَاصًا أَوْ دِيَةً.
قَوْلُهُ: [بَلْ وَإِنْ ضَاقَ] : أَيْ بَلْ يَثْبُتُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا كَإِبْرَةٍ إلَخْ.
أَيْ كَقَدْرِ مَغْرِزِهَا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ.
(وَ) يُقْتَصُّ (مِمَّا قَبْلَهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَظْهَرُ بِهِ الْعَظْمُ، وَهِيَ سِتَّةٌ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ:
(مِنْ دَامِيَةٍ) : وَهِيَ مَا أَضْعَفَتْ الْجِلْدَ حَتَّى رَشَحَ مِنْهُ دَمٌ بِلَا شَقٍّ لَهُ، (وَحَارِصَةٍ: مَا شَقَّتْ الْجِلْدَ) (وَسِمْحَاقٍ) : بِكَسْرِ السِّينِ: مَا (كَشَطَتْهُ) أَيْ الْجِلْدَ عَنْ اللَّحْمِ، وَ (بَاضِعَةٍ) : وَهِيَ مَا (شَقَّتْ اللَّحْمَ)، (وَمُتَلَاحِمَةٍ) وَهِيَ مَا (غَاصَتْ فِيهِ بِتَعَدُّدٍ) : أَيْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهُ وَلَمْ تَقْرَبْ لِلْعَظْمِ.
(وَمِلْطَأَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: وَهِيَ مَا (قَرُبَتْ لِلْعَظْمِ) وَلَمْ تَصِلْ لَهُ، وَإِلَّا فَمُوضِحَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَالسِّتَّةُ: ثَلَاثَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِلْدِ، وَثَلَاثَةٌ بِاللَّحْمِ.
(وَ) يُقْتَصُّ (مِنْ جِرَاحِ الْجَسَدِ) غَيْرِ الرَّأْسِ (وَإِنْ مُنَقِّلَةً) وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَيُقْتَصُّ مِمَّا قَبْلَهَا] : أَيْ مِنْ السَّابِقِ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ.
قَوْلُهُ: [وَحَارِصَةٍ] : بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَرَاءٍ فَصَادٍ مُهْمَلَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: [وَبَاضِعَةٍ] : بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ] : أَيْ بِأَنْ أَخَذَتْ فِيهِ يَمِينًا وَشِمَالًا.
قَوْلُهُ: [بِكَسْرِ الْمِيمِ] : أَيْ وَبِالْهَمْزِ.
قَوْلُهُ: [وَلَمْ تَصِلْ لَهُ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْمِلْطَأَةَ هِيَ الَّتِي أَزَالَتْ اللَّحْمَ وَقَرُبَتْ لِلْعَظْمِ وَلَمْ تَصِلْ إلَيْهِ بَلْ بَقِيَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ سَتْرٌ رَقِيقٌ، فَإِنْ زَالَ ذَلِكَ السِّتْرُ سُمِّيَتْ مُوضِحَةً.
قَوْلُهُ: [ثَلَاثَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجِلْدِ] : أَيْ وَهِيَ الدَّامِيَةُ وَالْحَارِصَةُ وَالسِّمْحَاقُ.
وَقَوْلُهُ: [وَثَلَاثَةٌ بِاللَّحْمِ] : أَيْ وَهِيَ الْبَاضِعَةُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ وَالْمِلْطَأَةُ.
قَوْلُهُ: [غَيْرِ الرَّأْسِ] : أَيْ وَالْجَبْهَةِ وَالْخَدَّيْنِ، وَأَمَّا الرَّأْسُ فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى سَبْعِ جِرَاحَاتٍ فِيهِ، وَسَيَأْتِي اثْنَتَانِ لَيْسَ فِيهِمَا إلَّا الدِّيَةُ وَهُمَا الْمُنَقِّلَةُ وَالْآمَّةُ.
قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: مَا يَنْقُلُ بِهَا فَرَاشَ الْعَظْمِ لِلدَّوَاءِ
وَتُعْتَبَرُ (بِالْمِسَاحَةِ) طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا، وَهَذَا:(إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ) : أَيْ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُ؛ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ جُرْحِ عُضْوٍ أَيْمَنَ فِي أَيْسَرَ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَا تُقْطَعُ سَبَّابَةٌ مَثَلًا بِإِبْهَامٍ، وَلَوْ كَانَ عُضْوُ الْجَانِي قَصِيرًا لَمْ يَكْمُلْ بَقِيَّةُ الْجُرْحِ مِنْ عُضْوِهِ الثَّانِي.
(وَ) اقْتَصَّ (مِنْ طَبِيبٍ) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا: مَنْ يُبَاشِرُ الْقِصَاصَ مِنْ الْجَانِي (زَادَ) ؛ عَلَى الْمِسَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ (عَمْدًا) فَيُقْتَصُّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا زَادَ فَلَوْ نَقَصَ وَلَوْ عَمْدًا فَلَا يُقْتَصُّ ثَانِيًا، فَإِنْ مَاتَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْقِصَاصِ فَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّبِيبِ إذَا لَمْ يَزِدْ عَمْدًا وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ.
(وَإِلَّا) يَتَّحِدَ الْمَحَلُّ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الطَّبِيبُ الزِّيَادَةَ بَلْ أَخْطَأَ (فَالْعَقْلُ) : عَلَى الْجَانِي؛ فَإِذَا قَطَعَ خِنْصَرًا وَلَا خِنْصَرَ لَهُ فَلَا قِصَاصَ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ وَتَعَيَّنَ الْعَقْلُ. فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَا لَهُ، وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَبَحَثَ بْن فِي تَسْمِيَتِهَا مُنَقِّلَةً بِقَوْلِهِ: صَوَابُهُ: وَإِنْ هَاشِمَةً، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُنَقِّلَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ - اُنْظُرْ الْمَوَّاقَ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [بِالْمِسَاحَةِ] : هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ] : أَيْ وَاعْتِبَارُ الْقِصَاصِ بِالْمِسَاحَةِ إنَّمَا يَكُونُ إنْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ.
قَوْلُهُ: [لَمْ يَكْمُلْ بَقِيَّةُ الْجُرْحِ] إلَخْ: أَيْ فَمَحَلُّ اعْتِبَارِ الْقِصَاصِ بِالْمِسَاحَةِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ إزَالَةُ عُضْوٍ وَإِلَّا فَيُقْطَعُ الْعُضْوُ الصَّغِيرُ بِالْكَبِيرِ وَعَكْسُهُ.
قَوْلُهُ: [الْمُرَادُ بِهِ هُنَا] : أَيْ وَأَمَّا الطَّبِيبُ بِمَعْنَى الْمُدَاوِي فَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا.
قَوْلُهُ: [فَلَوْ نَقَصَ وَلَوْ عَمْدًا] : أَيْ عَلَى الْمِسَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِأَنَّهُ قَدْ اجْتَهَدَ.
قَوْلُهُ: [فَلَا شَيْءَ عَلَى الطَّبِيبِ] : أَيْ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ عَلَيْهِ إنْ زَادَ الدِّيَةَ كَمَا يَأْتِي بَعْدُ.
قَوْلُهُ: [فَإِذَا قَطَعَ خِنْصَرًا] : مِثَالٌ لِمَا لَمْ يَتَّحِدْ فِيهِ الْمَحَلُّ.
قَوْلُهُ: [فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا] أَيْ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ عَمْدًا وَالْفَرْضُ عَدَمُ اتِّحَادِ الْمَحَلِّ فِي الْجَانِي أَوْ كَانَ مِنْ زِيَادَةِ الطَّبِيبِ.
وَقَوْلُهُ: [أَوْ دُونَ الثُّلُثِ] : أَيْ أَوْ كَانَ خَطَأً وَعَقْلُهُ دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ.
وَقَوْلُهُ: [فَفِي مَالِهِ] : أَيْ فَالْعَقْلُ فِي مَالِهِ.
وَشَبَّهَ فِي لُزُومِ الْعَقْلِ قَوْلَهُ: (كَعَيْنِ أَعْمَى) : أَيْ حَدَقَتِهِ جَنَى عَلَيْهَا ذُو سَالِمَةٍ بِأَنْ قَلَعَهَا؛ فَإِنَّ السَّالِمَةَ لَا تُؤْخَذُ بِهَا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ حُكُومَةٌ بِالِاجْتِهَادِ، وَفِي الْعَكْسِ الدِّيَةُ. (وَلِسَانِ أَبْكَمَ) : لَا يُقْطَعُ بِالنَّاطِقِ وَلَا عَكْسُهُ، وَفِي النَّاطِقِ الدِّيَةُ وَفِي الْأَبْكَمِ الْحُكُومَةُ.
(وَمَا بَعْدَ مُوضِحَةٍ) مِنْ الْجِرَاحِ: لَا قِصَاصَ فِيهِ وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعَقْلُ، وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ:
(مِنْ مُنَقِّلَةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ مُشَدَّدَةً؛ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ (وَهِيَ: مَا يُنْقَلُ بِهَا) : أَيْ فِيهَا (فَرَاشُ الْعَظْمِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا: أَيْ الْعَظْمُ الرَّقِيقُ الْكَائِنُ فَوْقَ الْعَظْمِ كَقِشْرِ الْبَصَلِ: أَيْ مَا يُزِيلُ مِنْهَا الطَّبِيبُ فَرَاشَ الْعَظْمِ (لِلدَّوَاءِ) : أَيْ لِأَجْلِهِ لِيَلْتَئِمَ الْجُرْحُ: أَيْ مَا شَأْنُهَا ذَلِكَ. وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا قِصَاصٌ لِشِدَّةِ خَطَرِهَا.
(وَآمَّةٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَمْدُودَةً: وَهِيَ مَا (أَفَضْت لِأُمِّ الدِّمَاغِ) وَأُمُّ الدِّمَاغِ: جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مَفْرُوشَةٌ عَلَيْهِ مَتَى انْكَشَفَتْ عَنْهُ مَاتَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَفِي الْعَكْسِ الدِّيَةُ] : أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي أَعْمَى وَفَقَأَ عَيْنَ الْبَصِيرِ.
قَوْلُهُ: [وَفِي النَّاطِقِ الدِّيَةُ] إلَخْ: أَيْ كَمَا قِيلَ فِي الْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ وَالْعَيْنِ الْبَصِيرَةِ.
قَوْلُهُ: [وَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْعَقْلُ] : أَيْ فَيَسْتَوِي عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ.
قَوْلُهُ: [وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ] : هَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ بَحْثَ (بْن) الْمُتَقَدِّمَ.
قَوْلُهُ: [أَيْ فِيهَا] جَعْلُ الْبَاءِ بِمَعْنَى فِي يُشْكِلُ عَلَيْهِ آخِرَ الْعِبَارَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الْبَاءَ بِمَعْنَى مِنْ.
قَوْلُهُ: [وَهِيَ مَا أَفَضْت لِأُمِّ الدِّمَاغِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ الْآمَّةَ هِيَ الْجُرْحُ الْوَاصِلَةُ لِأُمِّ الدِّمَاغِ وَلَمْ تَخْرِقْهَا، وَذَكَرَ خَلِيلٌ بَعْدَهَا الدَّامِغَةَ بِعَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ مَا خَرَقَتْ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ وَلَمْ تَنْكَشِفْ بَلْ نَحْوُ قَدْرِ مَغْرِزِ إبْرَةٍ فَعَلَى كَلَامِ خَلِيلٍ مَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْأَظْهَرُ أَنَّ الْآمَّةَ وَالدَّامِغَةَ مُتَرَادِفَانِ أَوْ كَالْمُتَرَادَفِينَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا مُصَنِّفُنَا وَجَعَلَ مَا بَعْدَ الْمُوضِحَةِ شَيْئَيْنِ.
قَوْلُهُ: [جَلْدَةٌ رَقِيقَةٌ] : مُحَصِّلُهُ أَنَّ الدِّمَاغَ اسْمٌ لِلْمُخِّ وَأُمُّهُ هِيَ الْجَلْدَةُ الرَّقِيقَةُ.
(وَلَا مِنْ لَطْمَةٍ) عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ اُسْتُفِيدَ مِمَّا قَبْلَهُ أَيْ فَلَا قِصَاصَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِنْ لَطْمَةٍ: أَيْ ضَرْبَةٍ عَلَى الْخَدِّ إذَا لَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ وَلَا عَقْلٍ فِيهَا كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ.
(وَ) لَا مِنْ (ضَرْبَةٍ) : بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ بِغَيْرِ وَجْهٍ؛ كَصَفْعٍ بِقَفَا (لَمْ تَجْرَحْ) : أَيْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهَا جُرْحٌ أَيْ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ كَاللَّطْمَةِ.
(وَ) لَا مِنْ إزَالَةِ (لَحْيَةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ.
(وَ) لَا مِنْ إزَالَةِ (شُفْرِ عَيْنٍ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ الْهُدْبُ.
(وَ) لَا مِنْ شَعْرِ (حَاجِبٍ) .
(وَعَمْدِهَا) : أَيْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ مِنْ اللَّطْمَةِ وَمَا بَعْدَهَا (كَالْخَطَأِ) فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ وَالْعَقْلِ.
(إلَّا فِي الْأَدَبِ) : فَيَجِبُ فِي عَمْدِهَا دُونَ خَطَئِهَا.
وَمَفْهُومُ " لَمْ تَجْرَحْ " أَنَّهَا إنْ نَشَأَ عَنَّا جُرْحٌ أَوْ ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ أَنَّ فِيهَا الْقِصَاصَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(بِخِلَافِ ضَرْبِهِ بِسَوْطٍ) فَفِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَلَا عَقْلَ فِيهَا] : أَيْ بَلْ فِيهَا الْأَدَبُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا.
قَوْلُهُ: [بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ] : الْبَاءُ دَاخِلَةٌ عَلَى الْآلَةِ.
وَقَوْلُهُ: [بِغَيْرِ وَجْهٍ] : الْبَاءُ بِمَعْنَى عَلَى.
قَوْلُهُ: [بِغَيْرِ وَجْهٍ] : إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ مَعَ اللَّطْمَةِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا مِنْ إزَالَةِ لِحْيَةٍ] : هِيَ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى اللَّحْيِ الْأَسْفَلِ.
قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ اللَّامِ] : لَعَلَّهُ بِكَسْرِهَا لِأَنَّهُ الْأَفْصَحُ فِيهَا قَالَ تَعَالَى: {لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} [طه: 94] .
قَوْلُهُ: [إلَّا فِي الْأَدَبِ] : أَيْ وَتَجِبُ الْحُكُومَةُ فِي اللِّحْيَةِ وَشَعْرِ الْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ إنْ لَمْ يَنْبُتْ كَمَا كَانَ أَوَّلًا.
قَوْلُهُ: [وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ جَرَحَهُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [فَفِي عَمْدِهَا الْقِصَاصُ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهُ جُرْحٌ وَلَا ذَهَابُ مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِالسَّوْطِ عَهْدٌ لِلْأَدَبِ وَالْحُدُودِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَتَالِفُ عَادَةً.
(وَلَا) قِصَاصَ (إنْ عَظُمَ الْخَطَرُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالطَّاءِ أَيْ الْخَوْفُ (فِي غَيْرِهَا) : أَيْ غَيْرِ الْجِرَاحِ الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ أَيْ جِرَاحِ الْجَسَدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ؛ (كَعَظْمِ الصَّدْرِ) : أَيْ كَسْرِهِ وَعَظْمِ الصُّلْبِ أَوْ الْعُنُقِ (وَرَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَفِيهَا الْعَقْلُ كَامِلًا بَعْدَ الْبُرْءِ وَمَفْهُومُ: " رَضِّ " أَنَّ فِي قَطْعِهِمَا أَوْ جُرْحِهِمَا الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَتَالِفِ.
(وَإِنْ جَرَحَهُ) جُرْحًا فِيهِ الْقِصَاصُ كَمُوضِحَةٍ (فَذَهَبَ) بِسَبَبِهِ (نَحْوُ بَصَرِهِ أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ اُقْتُصَّ مِنْهُ) : أَيْ يُفْعَلُ بِالْجَانِي بَعْدَ بُرْءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ] : أَيْ وَهِيَ الْمُنَقِّلَةُ وَالْآمَّةُ؛ فَالتَّقْيِيدُ بِعِظَمِ الْخَطَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِرَاحَاتِ الَّتِي فِي الْجَسَدِ غَيْرِ الْمُنَقِّلَةِ وَالْآمَّةِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِعِظَمِ الْخَطَرِ لِأَنَّ شَأْنَهُمَا عِظَمُ الْخَطَرِ، وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ أَيْ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَمَا قَبْلَهَا مِنْ كُلِّ مَا فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ فَالضَّمِيرُ فِي غَيْرِهَا عَائِدٌ عَلَى الْجِرَاحِ الَّتِي بَعْدَ الْمُوضِحَةِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ جِرَاحِ الْجَسَدِ] : تُفَسَّرُ لِلْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: [غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ] : قَيْدٌ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ.
قَوْلُهُ: [بَعْدَ الْبُرْءِ] : أَيْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِهِ، وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ الْأُنْثَيَيْنِ وَمَا قَبْلَهُمَا ذَهَبَتْ مِنْهُ الْمَنْفَعَةُ وَإِلَّا فَلَوْ بَرِئَ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْأَدَبُ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الْعَقْلُ دُونَ الْقِصَاصِ لِقَوْلِ مَالِكٍ: أَخَافُ أَنْ يُتْلَفَ الْجَانِي.
قَوْله: [أَيْ يَفْعَل بِالْجَانَّيْ] : وُجِدَ بِطُرَّتِهِ هَذَا أَوَّلُ مَا نَقَلَهُ الْفَقِيرُ مُصْطَفَى الْعُقْبَاوِيُّ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ شَرْحِهِ عَلَى الْأَصْلِ مَعَ تَجْرِيدٍ مِنْ مَجْمُوعٍ وَحَاشِيَةِ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ سَيِّدِي الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِيرِ، وَذَلِكَ بِإِذْنٍ مِنْ وَلِيِّ اللَّهِ تَعَالَى الشَّيْخِ صَالِحٍ السِّبَاعِيِّ يَقِظَةً وَمُؤَلِّفُهُ الْقُطْبُ شَيْخُنَا الدَّرْدِيرِ مَنَامًا قُلْت لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنْقُلُ كَلَامَك لِكَلَامِك؟ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: خَيْرًا، نَسْأَلُ اللَّهَ الْقَبُولَ وَالرِّضَا (اهـ) .
قَوْلُهُ: [بَعْدَ بُرْءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] : أَيْ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي لَمْ يُتَحَقَّقْ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا. وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [مِثْلُ مَا فَعَلَ] : أَيْ مِنْ الْجُرْحِ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَهَا.
(فَإِنْ حَصَلَ) لِلْجَانِي (مِثْلُهُ) : أَيْ مِثْلُ الذَّاهِبِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَوْ زَادَ) الذَّاهِبُ مِنْ الْجَانِي بِأَنْ ذَهَبَ شَيْءٌ آخَرُ مَعَ الذَّاهِبِ، بِأَنْ أَوْضَحَ فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَسَمْعُهُ، فَلَا كَلَامَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ يَسْتَحِقُّ.
(وَإِلَّا) يَحْصُلْ لِلْجَانِي مِثْلُ الذَّاهِبِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ - بِأَنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ أَوْ حَصَلَ غَيْرُهُ - (فَالْعَقْلُ) : لَازِمٌ لِلْجَانِي فِي مَالِهِ؛ أَيْ عَقْلُ مَا ذَهَبَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَعِبَارَتُهُ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْأَصْلِ.
(كَأَنْ ضَرَبَهُ) ضَرْبَةً لَا قِصَاصَ فِيهَا؛ كَلَطْمَةٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِقَضِيبٍ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ إنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْجُرُوحِ كَمَا فِي الْآيَةِ (فَذَهَبَ) بَصَرُهُ مَثَلًا؛ فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بَلْ عَلَيْهِ الْعَقْلُ.
(إلَّا أَنْ يُمْكِنَ الْإِذْهَابُ) مِنْ الْجَانِي بِفِعْلٍ فِيهِ يَذْهَبُ مِنْهُ مِثْلُ مَا أَذْهَبَ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ؛ كَحِيلَةٍ تُذْهِبُ بَصَرَهُ (بِلَا ضَرْبٍ) فَإِنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَيْ مِثْلُ الذَّاهِبِ] : الْأَوْلَى حَذْفُ مِثْلُ.
وَقَوْلُهُ: [مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ] صِفَةٌ لِلذَّاهِبِ الَّذِي هُوَ الْبَصَرُ أَوْ شَلَلُ الْيَدِ.
قَوْلُهُ: [وَسَمْعُهُ] : هَذَا هُوَ الَّذِي زَادَ.
قَوْلُهُ: [فَلَا كَلَامَ] : أَيْ لِذَلِكَ الْجَانِي الَّذِي اُقْتُصَّ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ ظَالِمٌ يَسْتَحِقُّ] : أَيْ يَسْتَحِقُّ الْقِصَاصَ بِالْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ بِهِ وَلِزِيَادَةِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: [فَالْعَقْلُ لَازِمٌ لِلْجَانِي فِي مَالِهِ] : أَيْ الْجَانِي وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْوَجْهُ مَعَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْجُرْحَ عَمْدٌ.
قَوْلُهُ: [الْأَصْلِ] : يَعْنِي بِهِ خَلِيلًا وَلَوْ جَرَى عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِهِ لَعَبَّرَ بِالشَّيْخِ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الضَّرْبَ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ] : أَيْ الضَّرْبَ بِغَيْرِ السَّوْطِ إنْ لَمْ يَنْشَأْ عَنْهُ جُرْحٌ لَا يُقْتَصُّ فِيهِ.
قَوْلُهُ: [كَمَا فِي الْآيَةِ] : أَيْ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] .
قَوْلُهُ: [بِفِعْلٍ فِيهِ] إلَخْ: الْأَوْضَحُ فِي الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِلَا ضَرْبٍ بَلْ بِحِيلَةٍ فَإِنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ وَيُحْذَفُ مَا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ.
(وَإِنْ قُطِعَ) بَعْدَ الْجِنَايَةِ (عُضْوُ قَاطِعٍ) لِعُضْوِ غَيْرِهِ عَمْدًا (بِسَمَاوِيٍّ) مُرْتَبِطٍ " بِقَطْعٍ " بِمَعْنَى سَقَطَ (أَوْ) قُطِعَ بِسَبَبِ (سَرِقَةٍ أَوْ) قُطِعَ (بِقِصَاصٍ لِغَيْرِهِ) : أَيْ لِغَيْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا (فَلَا شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) : لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَعَلَّقَ حَقُّهُ بِالْعُضْوِ الْمُمَاثِلِ وَقَدْ ذَهَبَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْقَاطِعُ بِخِلَافِ مَقْطُوعِ الْعُضْوِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ.
(وَيُؤْخَذُ) مِنْ الْجَانِي (عُضْوٌ قَوِيٌّ بِضَعِيفٍ) جَنَى عَلَيْهِ؛ فَإِذَا جَنَى صَاحِبُ عَيْنٍ سَلِيمَةٍ عَلَى عَيْنٍ ضَعِيفَةِ الْإِبْصَارِ خِلْقَةً أَوْ مَنْ كَبِرَ صَاحِبُهَا فَإِنَّ السَّلِيمَةَ تُؤْخَذُ بِالضَّعِيفَةِ مَا لَمْ يَكُنْ الضَّعْفُ جِدًّا، وَإِلَّا فَالدِّيَةُ.
(وَإِنْ فَقَأَ سَالِمٌ) : أَيْ سَالِمُ الْعَيْنَيْنِ (عَيْنَ أَعْوَرَ) فَيُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ فَقْءِ الْمُمَاثِلَةِ مِنْ الْجَانِي وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ مَالِ الْجَانِي - وَلَوْ كَانَ أَخْذُ دِيَةِ الْأَوَّلِ عَلَى الْأَصْوَبِ لِلسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ يُنْتَفَعُ بِالْوَاحِدَةِ انْتِفَاعُ الْعَيْنَيْنِ - كَمَا قَالَ.
(فَلَهُ) : أَيْ لِلْأَعْوَرِ، وَتَسْمِيَتُهُ أَعْوَرَ بِحَسَبِ مَا كَانَ وَإِلَّا فَوَقْتُ التَّخْيِيرِ هُوَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [مَا لَمْ يَكُنْ الضَّعْفُ جِدًّا] : اُنْظُرْ مَنْ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشُّرَّاحِ الَّتِي بِأَيْدِينَا أَنَّ السَّلِيمَةَ تُؤْخَذُ بِالضَّعِيفَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِهَذَا الْقَيْدِ وَتَرْكُ الشَّرْحِ تَتْمِيمُ الْمَسْأَلَةِ. وَحَاصِلُ فِقْهِهَا أَنَّ الْعَيْنَ السَّلِيمَةَ تُؤْخَذُ بِالضَّعِيفَةِ خِلْقَةً أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ لِجُدَرِيٍّ أَوْ لِرَمْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا كَطُرْفَةٍ، وَلَوْ أَخَذَ صَاحِبُهَا لَهَا عَقْلًا حَيْثُ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى تِلْكَ الضَّعِيفَةِ عَمْدًا كَمَا هُوَ الْمَوْضُوعُ، فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كَانَ ضَعْفُهَا خِلْقَةً أَوْ لِكِبَرٍ أَوْ لِجُدَرِيٍّ أَوْ لِكَرْمِيَّةٍ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ صَاحِبُهَا مِنْ أَخْذِ عَقْلِهَا مِنْ الرَّامِي الْأَوَّلِ فَالدِّيَةُ كَامِلَةٌ، وَأَمَّا إذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِ عَقْلِهَا مِنْهُ غَرِمَ الْجَانِي الْمُخْطِئُ لِرَبِّهَا بِحِسَابِ مَا بَقِيَ مِنْ نُورِهَا.
قَوْلُهُ: [وَبَيْنَ أَخْذِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ] : أَيْ وَهِيَ دِيَةُ عَيْنِ نَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ أَخَذَ دِيَةَ الْأُولَى عَلَى الْأَصْوَبِ] : أَيْ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَلِذَا قَالَ الْمِسْنَاوِيّ: الْفِقْهُ صَحِيحٌ لَكِنَّ تَخَيُّرَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ تَحَتُّمُ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُوجِبَ لِلتَّخْيِيرِ هُوَ عَدَمُ مُسَاوَاةِ عَيْنِ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ دِيَةَ عَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَلْفُ دِينَارٍ، بِخِلَافِ عَيْنِ الْجَانِي فَدِيَتُهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَوْ
أَعْمَى (الْقَوَدُ) : أَيْ الْقِصَاصُ (أَوْ أَخْذِ دِيَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ مَالِهِ) : لِأَنَّهُ عَمْدٌ.
(وَإِنْ فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ سَالِمٍ مُمَاثِلَتَهُ) أَيْ مُمَاثِلَةَ الْجَانِي السَّالِمَةِ (فَلَهُ) أَيْ لِسَالِمِ الْعَيْنَيْنِ عَلَيْهِ (الْقِصَاصُ) مِنْ الْأَعْوَرِ الْجَانِي بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ السَّالِمَةَ فَيُصَيِّرَهُ أَعْمَى (أَوْ) يَتْرُكَ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ مِنْ الْجَانِي (دِيَةَ مَا تَرَكَهُ) : وَهِيَ عَيْنُ الْجَانِي، وَدِيَتُهَا أَلْفُ دِينَارٍ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ.
(وَ) إنْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ مِنْ السَّالِمِ (غَيْرَهَا) : أَيْ غَيْرَ الْمُمَاثِلَةِ لِعَيْنِهِ، بِأَنْ فَقَأَ مِنْ السَّالِمِ مُمَاثِلَةَ الْعَوْرَاءِ (فَنِصْفُ دِيَةٍ فَقَطْ) تَلْزَمُ الْجَانِيَ (فِي مَالِهِ) وَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يُقْتَصَّ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ الْمُمَاثِلِ.
(وَإِنْ فَقَأَهُمَا) : أَيْ إنْ فَقَأَ الْأَعْوَرُ عَيْنَيْ السَّالِمِ عَمْدًا فِي مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ؛ وَسَوَاءٌ فَقَأَ الَّتِي لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا عَلَى الرَّاجِحِ (فَالْقَوَدُ) حَقُّ الْمَجْنِيِّ بِأَنْ يَفْقَأَ الْمُمَاثِلَةَ مِنْ الْجَانِي فَيُصَيِّرَهُ أَعْمَى لِبَقَاءِ سَالِمَتِهِ (وَنِصْفُ الدِّيَةِ) : يَأْخُذُهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجَانِي بَدَلَ مَا لَيْسَ لَهَا مُمَاثِلَةٌ. وَلَمْ يُخَيَّرْ سَالِمُ الْعَيْنَيْنِ فِي الْمُمَاثِلَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَهُ الْقِصَاصُ أَوْ أَخْذُ الدِّيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَخْذُ دِيَةٍ وَنِصْفٍ، وَهُوَ خِلَافُ مَا وَرَدَ عَنْ الشَّارِعِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[حاشية الصاوي]
أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِصَاصِ لَكَانَ أَخْذُ الْأَدْنَى فِي الْأَعْلَى وَهُوَ ظُلْمٌ لَهُ كَمَنْ كَفُّهُ مَقْطُوعَةٌ، وَقَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمِرْفَقِ (اهـ) وَهَذَا الْجَوَابُ يُقَوِّي إشْكَالَ التَّخْيِيرِ فِي صُورَةِ مَا إذَا فَقَأَ أَعْوَرُ مِنْ سَالِمٍ مُمَاثِلَتَهُ كَذَا فِي (بْن) وَالْجَوَابُ الْأَتَمُّ قَوْلُهُمْ لِلسُّنَّةِ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ عَمْدٌ] : عِلَّةٌ لِكَوْنِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ.
قَوْلُهُ: [عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ] : أَيْ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَفَاصِيلِ الدِّيَاتِ.
قَوْلُهُ: [وَسَوَاءٌ فَقَأَ] إلَخْ: أَيْ كَمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَشْهَبُ: إنْ بَدَأَ بِاَلَّتِي لَهُ مِثْلُهَا وَثَنَّى بِالْأُخْرَى فَالْقِصَاصُ وَأَلْفُ دِينَارٍ لِتَعْيِينِ الْقِصَاصِ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ عَيْنَ أَعْوَرَ فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ، وَإِنْ فَقَأَهُمَا مَعًا أَوْ بَدَأَ بِاَلَّتِي لَيْسَ لَهُ مِثْلُهَا فَالْقَوَدُ فِي الْمُمَاثِلَةِ وَنِصْفُ الدِّيَةِ فِي غَيْرِهَا.
قَوْلُهُ: [لِبَقَاءِ سَالِمَتِهِ] : الْأَوْضَحُ مُمَاثِلَتُهُ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَالْقَوَدُ.
قَوْلُهُ: [لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَخْذُ دِيَةٍ وَنِصْفٍ] : أَيْ حَيْثُ اخْتَارَ الدِّيَةَ فِي الْعَيْنَيْنِ.