الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ: فَأَحْكَامُهُمْ لَا تَنْفُذُ بِالضَّرُورَةِ - عَلَى أَنَّ قَاضِيَ الْقَاهِرَةِ فِي الْغَالِبِ لَا يَسْمَعُ دَعْوَى وَلَا يَعْرِفُ حَقِيقَتَهَا، وَإِنَّمَا يَضْبِطُ الشَّاهِدُ مِنْ شُهُودِ الْمَحْكَمَةِ الْقَضِيَّةَ وَيَكْتُبُهَا، ثُمَّ يَمْضِي بِهَا إلَى الْقَاضِي فَيَكْتُبُ اسْمَهُ وَيَضَعُ خَتْمَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ. .
(وَحَرُمَ) عَلَى الْقَاضِي أَوْ غَيْرِهِ مِنْ خَلِيفَةٍ أَوْ عَامِلِهِ (أَخْذُ مَالٍ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ بِخِلَافِ أَخْذِ مَالٍ مِنْ وَقْفٍ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يَحْرُمُ. .
(وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (قَبُولُ هَدِيَّةٍ) : مِنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُهَادِيهِ قَبْلَ تَوْلِيَتِهِ الْقَضَاءَ لِقَرَابَةٍ أَوْ صُحْبَةٍ أَوْ صِلَةٍ. .
(وَنُدِبَ غَنِيٌّ وَرِعٌ) : أَيْ كَوْنُهُ غَنِيًّا، لَا فَقِيرًا وَرِعًا، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ التَّنَزُّهِ عَنْ الطَّمَعِ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ. (نَزِهٌ) : أَيْ كَثِيرُ النَّزَاهَةِ وَالْبُعْدِ عَنْ شَوَائِبِ الطَّمَعِ وَمَا لَا يَلِيقُ مِنْ سَفَاسِفِ الْأُمُورِ بِأَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمُرُوءَةِ. (حَلِيمٌ) : لِأَنَّ الْحِلْمَ مَظِنَّةُ الْخَيْرِ وَالْكَمَالِ، وَسُوءَ الْخُلُقِ مَظِنَّةُ الشَّرِّ وَالظُّلْمِ وَأَذِيَّةِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [فَأَحْكَامُهُمْ لَا تَنْفُذُ بِالضَّرُورَةِ] : أَيْ وَإِنَّمَا سُكُوتُ الْمُفْتِينَ عَنْهَا لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: هَذَا الزَّمَانُ زَمَانُ السُّكُوتِ وَلُزُومِ الْبُيُوتِ وَالرِّضَا بِأَدْنَى الْقُوتِ وَمِنْ يَقُولُ الْحَقَّ فِيهِ يَمُوتُ.
قَوْلُهُ: [عَلَى أَنَّ قَاضِيَ الْقَاهِرَةِ] إلَخْ: اسْتِدْرَاكٌ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ رِشْوَةً لِخُلُوِّ الْحُكْمِ عَنْ جَمِيعِ الشُّرُوطِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ. .
قَوْلُهُ: [فَلَا يَحْرُمُ] : أَيْ بَلْ يُنْدَبُ إذَا كَانَ فِي ضِيقِ عَيْشٍ وَأَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ ذَلِكَ. .
[الْهَدِيَّة لِلْقَاضِي]
قَوْلُهُ: [وَحَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُ هَدِيَّةٍ] : مِثْلُهُ كُلُّ صَاحِبِ جَاهٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْقَرْضِ.
قَوْلُهُ: [وَرِعٌ] : هُوَ مَنْ يَتْرُكُ الشُّبُهَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ، وَأَمَّا الْأَوْرَعُ فَهُوَ مَنْ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَوْفَ الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ كَثِيرُ النَّزَاهَةِ] : أَشَارَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ نَزِهٌ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ.
(نَسِيبٌ) : أَيْ مَعْرُوفُ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ مَجْهُولَهُ لَا يُهَابُ وَيَتَسَارَعُ النَّاسُ فِي الطَّعْنِ فِيهِ. (بِلَا دَيْنٍ) عَلَيْهِ (وَ) بِلَا (حَدٍّ) : لِأَنَّ الْمَدِينَ مُنْحَطُّ الرُّتْبَةِ عِنْدَ النَّاسِ، وَأَحَطُّ مِنْهُ الْمَحْدُودُ فِي زِنًا أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. (وَ) بِلَا (زَائِدٍ فِي الدَّهَاءِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ: هُوَ جُودَةُ الذِّهْنِ، فَجُودَتُهُ هِيَ الْمَطْلُوبَةُ لِأَنَّ الْفَطَانَةَ شَرْطُ صِحَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَزِيَادَتُهَا رُبَّمَا أَدَّتْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْفِرَاسَةِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَرْكِ الْقَوَانِينِ الشَّرْعِيَّةِ. (وَ) نُدِبَ (مَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ) لَهُ بِلَا رُكُوبٍ مَعَهُ إذْ لَا خَيْرَ فِي كَثْرَةِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَلِلْحُمَيْدِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئًا
…
سِوَى الْهَذَيَانِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَيْ مَعْرُوفُ النَّسَبِ] : أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرَشِيًّا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مِنْ الصِّفَاتِ الْمُسْتَحْسَنَةِ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ لَيْسَ بِابْنِ لِعَانٍ (اهـ) . وَلِذَلِكَ جَوَّزَ سَحْنُونَ تَوْلِيَةَ وَلَدِ الزِّنَا، وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ فِي الزِّنَا لِعَدَمِ شَهَادَتِهِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: [بِلَا دَيْنٍ] : لَا يُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُهُ غَنِيٌّ، لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ.
قَوْلُهُ: [وَبِلَا حَدٍّ] : عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ تَوْلِيَةَ الْمَحْدُودِ جَائِزَةٌ وَأَنَّ حُكْمَهُ نَافِذٌ وَظَاهِرُهُ قَضَى فِيمَا حُدَّ فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا لِسَحْنُونٍ. بِخِلَافِ الشَّاهِدِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا حُدَّ فِيهِ وَلَوْ تَابَ وَتُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ إذَا تَابَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاضِي وَالشَّاهِدِ اسْتِنَادُ الْقَاضِي لِبَيِّنَةٍ فَبَعُدَتْ التُّهْمَةُ فِيهِ دُونَ الشَّاهِدِ.
قَوْلُهُ: [بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ] : وَهَمْزَتُهُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ الْيَاءِ لَا عَنْ الْوَاوِ.
قَوْلُهُ: [رُبَّمَا أَدَّتْهُ] إلَخْ: أَيْ فَلِذَلِكَ كُرِهَتْ زِيَادَتُهَا فِيهِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَمِيرِ فَزِيَادَتُهَا فِيهِ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا لِوُسْعِ عَمَلِهِ.
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ مَنْعُ الرَّاكِبِينَ مَعَهُ] : إلَخْ: أَيْ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَمْنَعَ الرِّكَابَ مَعَهُ وَالْمُصَاحِبِينَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَإِنْ كَانَ شَأْنُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
قَوْلُهُ: [وَلِلْحُمَيْدِيِّ رحمه الله] إلَخْ: هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ بَحْرِ الْوَافِرِ وَأَجْزَاؤُهُ مَفَاعَلَتُنْ مُفَاعَلَتُنْ فَعُولُنْ.
قَوْلُهُ: [الْهَذَيَانِ] : هُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ الَّذِي لَا يَعُودُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْهُ خَيْرٌ
فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَاءِ النَّاسِ إلَّا
…
لِأَخْذِ الْعِلْمِ أَوْ إصْلَاحِ حَالِ
إلَّا الْأَعْوَانَ مِنْ خَادِمٍ وَكَاتِبٍ وَشُهُودٍ وَرَسُولٍ وَسَجَّانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. (وَ) نُدِبَ (تَخْفِيفُ الْأَعْوَانِ) وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ. (وَ) نُدِبَ (اتِّخَاذُ مَنْ يُخْبِرُهُ) مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالصَّلَاحِ (بِمَا يُقَالُ فِيهِ) مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، لِيَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى مَا يُقَالُ فِيهِ مِنْ خَيْرٍ وَيَتَبَاعَدَ عَمَّا يُقَالُ فِيهِ مِنْ شَرٍّ إنْ وَقَعَ، أَوْ يُبَيِّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ أَوْ يُبَيِّنَ الْوَجْهَ، فَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِفِعْلِ شَيْءٍ. وَهُوَ فِي الْوَاقِعِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِضَرُورَةٍ اقْتَضَتْهُ (أَوْ) بِمَا يُقَالُ (فِي شُهُودِهِ) مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لِيُبْقِيَ عِنْدَهُ أُولِي الْخَيْرِ وَيَعْزِلَ الْأَشْرَارَ. (وَ) نُدِبَ (تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ) : أَيْ عَلَى الْقَاضِي (بِمَجْلِسِهِ) لِلْحُكْمِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ: حُكْمُك بَاطِلٌ، أَوْ: أَنْتَ تَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَوْ: تَأْخُذُ الرِّشْوَةَ، أَوْ لَوْ كَانَ فِي جَاهٍ أَوْ أَعْطَيْتُك مَالًا لَحَكَمْت لِي، أَوْ لَقَبِلْت شَهَادَتِي، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(إلَّا فِي نَحْوِ) قَوْلِهِ لَهُ: (اتَّقِ اللَّهَ)، أَوْ: خَفْ اللَّهَ، أَوْ: اُذْكُرْ وُقُوفَك بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ، فَلَا يُؤَدِّبُهُ، بَلْ يَرْفُقُ بِهِ، وَيَقُولُ لَهُ: رَزَقَنَا اللَّهُ تَقْوَاهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
دُنْيَوِيٌّ وَلَا أُخْرَوِيٌّ.
قَوْلُهُ: [وَنَحْوِ ذَلِكَ] : أَيْ كَالتُّرْجُمَانِ.
وَقَوْلُهُ: [إنْ وَقَعَ] : مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ يُبَيِّنَ] : مَعْطُوفٌ عَلَى يَتَبَاعَدَ.
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ تَأْدِيبُ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ] : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ نَدْبِ تَأْدِيبِ مَنْ أَسَاءَ عَلَيْهِ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وُجُوبُ التَّأْدِيبِ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَسَاءَ عَلَى الْقَاضِي، وَأَمَّا إذَا أَسَاءَ عَلَى غَيْرِهِ كَشَاهِدٍ أَوْ خَصْمٍ فَالْأَدَبُ وَاجِبٌ قَطْعًا كَمَا فِي (بْن) .
قَوْلُهُ: [بَلْ يَرْفُقُ بِهِ] : أَيْ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي وَعِيدِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة: 206] الْآيَةُ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ إذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ مَرَّغَ خَدَّيْهِ عَلَى التُّرَابِ
وَمِنْ الْإِرْفَاقِ أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَنْتَ قَدْ لَزِمَك الْإِقْرَارُ بِالْحَقِّ بِقَوْلِك: قَدْ وَفَّيْتُهُ، أَوْ أَرْسَلَ لِي رَسُولًا أَوْ كِتَابًا يَدْفَعُهُ لِفُلَانٍ، أَوْ بِقَوْلِك: إنْ شَهِدَ عَلَى فُلَانٍ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْك فَلَا يُقْبَلُ مِنْك تَجْرِيحُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ: بِنُكُولِك عَنْ الْيَمِينِ، أَوْ: بِرَدِّك الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَتَحْلِيفِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُنَا: " بِمَجْلِسِهِ " احْتِرَازًا عَمَّا إذَا أَسَاءَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا يُؤَدِّبُهُ، بَلْ يَرْفَعُهُ لِغَيْرِهِ إنْ شَاءَ وَالْعَفْوُ أَوْلَى. (وَ) نُدِبَ لِلْقَاضِي (إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِظُهُورِ الصَّوَابِ (أَوْ مُشَاوَرَتِهِمْ) لِذَلِكَ. وَهَذَا فِي مُشْكِلَاتِ الْمَسَائِلِ. وَأَمَّا الضَّرُورِيَّاتُ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا لِذَلِكَ.
(وَلَهُ) : أَيْ لِلْقَاضِي إذَا وُلِّيَ عَلَى الْقَضَاءِ بِبِلَادٍ (أَنْ يَسْتَخْلِفَ إنْ اتَّسَعَ عَمَلُهُ) : لَا إنْ لَمْ يَتَّسِعْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ اسْتِخْلَافٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ إلَّا أَنْ يُنْفِذَهُ هُوَ (بِجِهَةٍ) : أَيْ فِي جِهَةٍ (بَعُدَتْ) عَنْهُ بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ يَشُقُّ حُضُورُ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ مِنْهُ إلَى مَحَلِّ الْقَضَاءِ، لَا إنْ قَرُبَتْ فَلَا يَجُوزُ. (مَنْ) مَفْعُولُ يَسْتَخْلِفَ أَيْ يَسْتَخْلِفَ رَجُلًا عَدْلًا (عَلِمَ مَا اُسْتُخْلِفَ فِيهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. فَإِذَا وَلَّاهُ عَلَى الْأَنْكِحَةِ فَقَطْ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَسَائِلِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَنْ يَقُولَ لَهُ] : أَيْ يَقُولَ الْقَاضِي لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ أَرْسَلَ لِي رَسُولًا] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَدْ وَفَّيْتُهُ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ الْقَوْلُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ بِقَوْلِك إنْ شَهِدَ] إلَخْ: مَعْطُوفٌ عَلَى بِقَوْلِك الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: [وَالْعَفْوُ أَوْلَى] : قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] .
قَوْلُهُ: [وَنُدِبَ لِلْقَاضِي إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ] : أَيْ فَإِنْ أَحْضَرَهُمْ أَوْ شَاوَرَهُمْ وَوَافَقُوهُ عَلَى مَا يُرِيدُ الْحُكْمَ بِهِ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَإِنْ خَالَفُوهُ وَأَظْهَرُوا لَهُ فَسَادَ مَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِهِ وَافَقَهُمْ، وَنُدِبَ إحْضَارُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُشَاوِرَةُ فِي الْمُشْكِلَاتِ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الظَّاهِرُ لَهُ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ غَيْرَ الظَّاهِرِ لَهُمْ، فَإِذَا أَحْضَرَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَا ظَهَرَ لَهُمْ وَيَرْجِعَ عَنْ اجْتِهَادِهِ كَمَا كَانَ يَقَعُ لِكِبَارِ الصَّحَابَةِ. .
قَوْلُهُ: [بِأَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ] : أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا. وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَالْمَوَارِيثِ وَجَبَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَخْلِفَ جَاهِلًا بِمَا وُلِّيَ فِيهِ (أَوْ أَذِنَ لَهُ) فِي الِاسْتِخْلَافِ، بِأَنْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِيهِ فَلَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَلَوْ لَمْ يَتَّسِعْ عَمَلُهُ أَوْ فِي جِهَةٍ قَرُبَتْ.
(وَ) إذَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ وَاسْتَخْلَفَ (لَا يَنْعَزِلُ) الْخَلِيفَةُ (بِمَوْتِهِ) : أَيْ بِمَوْتِ مَنْ اسْتَخْلَفَهُ، وَكَذَا إنْ جَرَى الْعُرْفُ بِالِاسْتِخْلَافِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوْ جَرَيَانَ الْعُرْفِ بِهِ كَأَنَّهُ تَوْلِيَةٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الْمُسْتَخْلِفِ لَهُ. وَأَمَّا إنْ اسْتَخْلَفَ لِاتِّسَاعِ عَمَلِهِ بِجِهَةٍ بَعُدَتْ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ:" وَانْعَزَلَ بِمَوْتِهِ "، لِأَنَّ كَلَامَهُ رحمه الله فِي ذَلِكَ فَلَا اعْتِرَاض عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ. (وَلَا) يَنْعَزِلُ (غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ خَلِيفَةِ الْقَاضِي الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ مِنْ قَاضٍ وَوَالٍ وَعَامِلٍ (بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ) مِنْ الْأُمَرَاءِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي وَلَّاهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْخَلِيفَةَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا اسْتَخْلَفَ قَاضِيًا أَوْ غَيْرَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ الْمُوَلَّى بِمَوْتِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ] : مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ اتَّسَعَ. وَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الصُّوَرَ اثْنَتَا عَشْرَةَ صُورَةً لِأَنَّ السُّلْطَانَ إمَّا أَنْ يَنُصَّ لِلْقَاضِي عَلَى الِاسْتِخْلَافِ أَوْ عَلَى عَدَمِهِ أَوْ يَسْكُتَ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ لِعُذْرٍ أَوْ لِرَاحَةِ نَفْسِهِ، وَفِي كُلٍّ إمَّا أَنْ يَسْتَخْلِفَ فِي جِهَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ، فَإِنْ نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافٍ جَازَ مُطْلَقًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، وَإِنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِهِ مُنِعَ مُطْلَقًا، وَإِنْ سَكَتَ فَإِنْ كَانَ الْعُرْفُ الِاسْتِخْلَافَ فَكَالنَّصِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ الْعُرْفُ عَدَمَهُ فَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ قَرِيبَةً فَالْمَنْعُ إنْ كَانَ الِاسْتِخْلَافُ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَقَوْلَانِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِهَةُ بَعِيدَةً فَالْجَوَازُ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي اسْتِخْلَافِ كَوْنِ الْمُسْتَخْلِفِ بِالْكَسْرِ وَقْتَ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَمِثْلُ الِاسْتِخْلَافِ الْعَزْلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْزِلَ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ. بِخِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ.
قَوْلُهُ: [لَا يَنْعَزِلُ الْخَلِيفَةُ بِمَوْتِهِ] : مِثْلُهُ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَاضِي لِلنَّظَرِ فِي أَيْتَامٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي قَدَّمَهُ وَلَا يَعْزِلُهُ.
قَوْلُهُ: [فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّ اسْتِخْلَافَهُ بِسَبَبِ اتِّسَاعِ
مَنْ وَلَّاهُ، إلَّا خَلِيفَةَ الْقَاضِي إذَا وَلَّاهُ الْقَاضِي بِجِهَةٍ بَعُدَتْ لِاتِّسَاعِ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي وَلَّاهُ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْهُ. وَأَمَّا إذَا عَزَلَهُ مَنْ وَلَّاهُ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ قَطْعًا، إلَّا الْخَلِيفَةَ؛ فَلَا يُعْزَلُ إنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ إذَا وُلِّيَ مُسْتَجْمِعًا لِشُرُوطِهَا. .
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ) : أَيْ الْقَاضِي إذَا شَهِدَ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ (أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا) وَسَوَاءٌ شَهِدَ بِذَلِكَ قَبْلَ عَزْلِهِ أَوْ بَعْدَهُ، لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَأَمَّا الْإِخْبَارُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ قَبْلَ الْعَزْلِ لَا بَعْدُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ إخْبَارَهُ بِذَلِكَ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
الْعَمَلِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا عُرْفٍ جَارٍ بِالْإِذْنِ وَإِلَّا فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: [إلَّا خَلِيفَةَ الْقَاضِي] : أَيْ وَالْمَوْضُوعُ أَنَّهُ وَلَّاهُ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْإِمَامِ، وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ نَفْسِ الْخَلِيفَةِ. بِخِلَافِ نَائِبِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ نَائِبٌ عَنْ نَفْسِ الْقَاضِي، فَلِذَا انْعَزَلَ بِمَوْتِهِ وَبَحَثَ (بْن) فِي هَذَا الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ: إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْ الْخَلِيفَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيفَةِ عَزْلُهُ، كَيْفَ. وَأَصْلُ الْقَضَاءِ لِلْخُلَفَاءِ، وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْخَلِيفَةِ، فَلِمَ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ فِي نَائِبِ الْقَاضِي. فَإِنْ قُلْت: إنَّ ذَلِكَ لِلتَّخْفِيفِ عَنْ الْقَاضِي. قُلْت: السُّلْطَانُ أَيْضًا إنَّمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْضِيَ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ عَنْ نَفْسِهِ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [فَتَأَمَّلْهُ] : أَمْرٌ بِالتَّأَمُّلِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ الْمُتَقَدِّمِ.
قَوْلُهُ: [إلَّا الْخَلِيفَةَ] : أَيْ السُّلْطَانَ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يُعْزَلُ إنْ أُزِيلَ وَصْفُهُ] : أَيْ ارْتِكَابًا لِأَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَمَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكْفُرْ وَإِلَّا وَجَبَ عَزْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ. .
قَوْلُهُ: [وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ] : إلَخْ: صُورَتُهَا أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ فِي قَضِيَّةٍ وَمَضَى زَمَنُهَا ثُمَّ تَنَازَعَ الْخَصْمَانِ وَأَنْكَرَ أَحَدُهُمَا الْحُكْمَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى حُكْمِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لِمَنْ ادَّعَى الْحُكْمَ، وَيَقُومُ مَقَامَ شَهَادَةِ الْعَدْلَيْنِ وُجُودُ الْقَضِيَّةِ فِي السِّجِلِّ الْكَائِنِ بِيَدِ الْعُدُولِ، وَلِذَلِكَ جُعِلَتْ سِجِلَّاتُ الْقَضَاءِ لِرَفْعِ النِّزَاعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.
قَوْلُهُ: [أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا] : أَيْ وَأَوْلَى فِي عَدَمِ الْقَبُولِ مَا إذَا قَالَ بَعْدَ عَزْلِهِ: شَهِدَ عِنْدِي شَاهِدَانِ بِكَذَا. وَقَدْ كُنْت قَبِلْت شَهَادَتَهُمَا غَيْرَ أَنِّي لَمْ يَصْدُرْ مِنِّي حُكْمٌ.
قَوْلُهُ: [إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهَادَةِ] : أَيْ بِأَنْ تَقَدَّمَ الْإِخْبَارَ دَعْوَى مِنْ الْأَخْصَامِ.