الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَسَنَةِ (وَهُوَ عَلَامَةُ كَمَالِ الْإِيمَانِ) لِمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» أَيْ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ إذْ أَصْلُ الْإِيمَانِ حَاصِلٌ بِتَصْدِيقِهِ صلى الله عليه وسلم.
(وَ) يَنْبَغِي أَيْ يُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ (أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ) : أَيْ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ يُسَامِحَ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ بِشَتْمٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ.
(وَ) يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ (يَصِلَ مَنْ قَطَعَهُ) : أَيْ يَصِلَ مَوَدَّةَ مَنْ قَطَعَ مَوَدَّتَهُ عَنْهُ وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَصْرِهِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ.
(وَ) يُنْدَبُ لِلْعَبْدِ أَنْ (يُعْطِيَ مَنْ حَرَمَهُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي وَأُعْطِيَ مَنْ حَرَمَنِي وَأَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي» .
وَرُوِيَ: «يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الَّذِينَ كَانَتْ أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ؟ فَلَا يَقُومُ إلَّا مَنْ عَفَا» وَرُوِيَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إنْفَاذِهِ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا» وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ.
(وَ) يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ (أَنْ يُكْرِمَ جَارَهُ) : اعْلَمْ أَنَّ الْجَارَ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا،
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَعْض الْمَنْدُوبَات الشَّرْعِيَّة]
قَوْلُهُ: [أَنْ يَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَهُ] إلَخْ: قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] وَقَالَ أَيْضًا: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [الشورى: 43] .
قَوْلُهُ: [أَمَرَنِي رَبِّي] إلَخْ: أَيْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: 134] الْآيَةَ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ إلَّا لِدَلِيلٍ وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَعْرِضُ الْوُجُوبُ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ] : أَيْ الَّتِي هِيَ الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَهُ وَوَصْلُ مَنْ قَطَعَهُ وَإِعْطَاءُ مَنْ حَرَمَهُ.
قَوْلُهُ: [إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا] : أَيْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ.
وَالْكَرَامَةُ تَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ أَوْ مَنْدُوبًا كَكَفِّ الْأَذَى وَدَفْعِ ضَرَرٍ لِقَادِرٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ وَالْإِهْدَاءِ لَهُ.
(وَ) أَنْ يُكْرِمَ (ضَيْفَهُ) مِنْ مَالَ إلَيْك نَازِلًا بِك وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَسَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَلَهُ الْإِكْرَامُ بِكِفَايَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ فَرْشٍ وَمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ وَتَجْهِيزِ مَاءٍ لِيَغْتَسِلَ بِهِ حِينَ نُزُولِهِ وَجُلُوسِ رَبِّ الدَّارِ دُونَ مَكَانِ الضَّيْفِ وَأَنْ يُلْقِمَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ مَعَ الضَّيْفِ فَلَقَمَهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ بِهِ عَمَلُ سَنَةٍ صِيَامُ نَهَارِهَا وَقِيَامُ لَيْلِهَا» .
(وَلْيُحْسِنْ) الْعَبْدُ وُجُوبًا (إلَى نَفْسِهِ بِمَا يَقِيهَا مُوبِقَاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا) : كَلَامٌ جَامِعٌ وَاضِحٌ، نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ؛ وَيَطْلُبُ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ (مُتَجَافِيًا) مُتَبَاعِدًا مُتَغَافِلًا (عَنْ عُيُوبِ غَيْرِهِ) : فَلَا يَظُنُّ بِغَيْرِهِ إلَّا خَيْرًا.
(نَاظِرًا لِعُيُوبِ نَفْسِهِ، مُحَاسِبًا لَهَا) لِلنَّفْسِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الذُّنُوبِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [كَكَفِّ الْأَذَى] إلَخْ: لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ.
قَوْلُهُ: [وَدَفْعِ ضَرَرٍ لِقَادِرٍ] : أَيْ بِالْيَدِ أَوْ اللِّسَانِ.
قَوْلُهُ: [وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ] : أَيْ الْبِشْرُ وَطَلَاقَةُ الْوَجْهِ.
قَوْلُهُ: [وَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا] إلَخْ: أَيْ لِكَوْنِهِ فِي تَرْكِ الْإِكْرَامِ مَفْسَدَةٌ أَوْ لِكَوْنِ الضَّيْفِ مُضْطَرًّا وَلَمْ يَجِدْ سِوَى مَنْ نَزَلَ بِهِ.
قَوْلُهُ: [إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ] : أَيْ فِي الْجَارِ.
قَوْلُهُ: [بِكِفَايَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ] : أَيْ عَلَى حَسْبِ طَاقَةِ الْمَنْزُولِ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: [وَأَنْ يُلْقِمَهُ بِيَدِهِ] : أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ نَفْسُ الضَّيْفِ تَأْنَفُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَلْيُحْسِنْ الْعَبْدُ وُجُوبًا إلَى نَفْسِهِ] : أَيْ؛ لِأَنَّ حَقَّ نَفْسِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى كُلِّ الْحُقُوقِ بَلْ سَائِرُ الْمَحَاسِنِ الْمَأْمُورِ بِهَا تَعُودُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ تَعَالَى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7] .
قَوْلُهُ: [نَاظِرًا لِعُيُوبِ نَفْسِهِ] : أَيْ فَفِي الْحَدِيثِ: «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا بَصَّرَهُ عُيُوبَهُ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
(رَاجِيًا) مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ (غُفْرَانَهَا) فَإِنَّهَا وَإِنْ عَظُمَتْ وَكَثُرَتْ فَعَفْوُ اللَّهِ أَعْظَمُ وَفِي الْحَدِيثِ: «أَذَنْبُك أَعْظَمُ أَمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ؟ فَقَالَ: ذَنْبِي، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَذَنْبُك أَعْظَمُ أَمْ عَفْوُ اللَّهِ؟ فَقَالَ عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم قُلْ: اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُك أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي وَرَحْمَتُك أَرْجَى لِي مِنْ عَمَلِي» . (خَائِفًا مِنْ سَطْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى) : فَإِنَّهُ وَإِنْ أَمْهَلَ الْمُذْنِبَ رُبَّمَا أَخَذَهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ.
نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ.
ــ
[حاشية الصاوي]
مَعِيبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ يَنْسَى عُيُوبَهُ
…
وَيَذْكُرُ عَيْبًا فِي أَخِيهِ قَدْ اخْتَفَى
فَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ
…
وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا بِهَا اكْتَفَى
قَوْلُهُ: [وَرَحْمَتُك أَرْجَى لِي مِنْ عَمَلِي] : هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْعَارِفِينَ: الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعَمَلِ نَقْصٌ فِي الْإِيمَانِ وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَالَ بَعْضُهُمْ:
ذُنُوبِي وَإِنْ فَكَّرْت فِيهَا كَثِيرَةٌ
…
وَرَحْمَةُ رَبِّي مِنْ ذُنُوبِي أَوْسَعُ
وَمَا طَمَعِي فِي صَالِحٍ قَدْ عَمِلْته
…
وَلَكِنَّنِي فِي رَحْمَةِ اللَّهِ أَطْمَعُ
قَوْلُهُ: [خَائِفًا مِنْ سَطْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى] : قَالَ تَعَالَى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] فَتَحَصَّلَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53] فَيَكُونُ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ مِنْهُ كَجَنَاحَيْ الطَّائِرِ لَكِنْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ يَغْلِبُ الْخَوْفُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ رضي الله عنه فِي الْخَرِيدَةِ:
وَغَلِّبْ الْخَوْفَ عَلَى الرَّجَاءِ
…
وَسِرْ لِمَوْلَاك بِلَا تَنَائِي