الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ
فِي جُمَلٍ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى، وَخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ
(شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى
وَاجِبٌ شَرْعًا) .
(وَهُوَ) : أَيْ الشُّكْرُ فِي عُرْفِ الصُّوفِيَّةِ، وَقِيلَ عُرْفُ أَهْلِ الشَّرْعِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ وَاجِبٌ شَرْعًا فَيَشْهَدُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ عُرْفُ الشَّرْعِ:(صَرْفُ الْمُكَلَّفِ كُلَّ نِعْمَةٍ لِمَا خُلِقَتْ لَهُ) اللَّامُ فِي " لَهُ " لِلثَّمَرَةِ الْغَيْرِ الْبَاعِثَةِ
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي جُمَلٍ مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى وَخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ][شُكْرُ اللَّهِ تَعَالَى]
بَابٌ هَذَا الْبَابُ مِمَّا زَادَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى خَلِيلٍ سَلَكَ بِهِ مَسْلَكَ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ فِي الْمَذْهَبِ.
وَقَوْلُهُ: [مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى] : أَيْ مُتَفَرِّقَةٍ لَا تُضْبَطُ فِي بَابٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الْأَبْوَابِ مَعَ أَنَّهَا مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ.
قَوْلُهُ: [وَخَاتِمَةٍ حَسَنَةٍ] : أَيْ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى تَوْحِيدٍ وَتَصَوُّفٍ فَحَسُنَتْ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [وَاجِبٌ شَرْعًا] : أَيْ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي إيجَابٍ وَلَا غَيْرِهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
قَوْلُهُ: [وَقِيلَ عُرْفُ أَهْلِ الشَّرْعِ] : إنْ قُلْت الصُّوفِيَّةُ أَهْلُ شَرْعٍ وَزِيَادَةٍ، فَمَا مَعْنَى الْمُقَابَلَةِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ بَحْثُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الْبَاطِنِ وَحُسْنِ السَّرِيرَةِ وَخَلَاصِ النِّيَّةِ مِنْ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَأَعْمَالُهُ عِنْدَهُمْ كَالْهَبَاءِ لَا يُثْبِتُونَهَا، وَأَهْلُ الشَّرْعِ يُعَوِّلُونَ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُوَافِقَةِ لِلشَّرْعِ فَمَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ ظَاهِرًا أَنْكَرُوهُ وَمَا مَدَحَهُ مَدَحُوهُ وَيَكِلُونَ السَّرَائِرَ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: [لِلثَّمَرَةِ الْغَيْرِ الْبَاعِثَةِ] : أَيْ لِلْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ الْغَيْرِ الْحَامِلَةِ الْفَاعِلَ عَلَى فِعْلِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِظِلِّ الْأَشْجَارِ بَعْدَ تَمَامِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ لِلْغَارِسِ إلَّا الثَّمَرُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْمُسْتَحِيلُ عَلَى اللَّهِ الْغَرَضُ الْبَاعِثُ الَّذِي يَتَكَمَّلُ بِهِ وَإِلَّا فَأَفْعَالُهُ سبحانه وتعالى لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ سَبَقَ عِلْمُهُ بِهَا أَزَلًا لَكِنَّ تِلْكَ الْمَصَالِحَ
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلشُّكْرِ التَّامِّ، وَأَصْلُ الشُّكْرِ: صَرْفُ شَيْءٍ مَا. وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] مَعْنًى، وَقَدْ يُقَالُ الْمُبَالَغَةُ بِحَسْبِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مُتَعَذِّرٌ لَا قَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَتَعَذَّرُ إلَّا بِحَسْبِ عُقُولِ الْقَاصِرِينَ الْمُقَصِّرِينَ. ثُمَّ هَذَا شُكْرُ عَامَّةِ أَهْلِ اللَّهِ، وَيَقْرَبُ مِنْهُ قَوْلُ الْجُنَيْدِ لَمَّا سَأَلَهُ شَيْخُهُ السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ: يَا غُلَامُ مَا الشُّكْرُ؟ فَقَالَ: أَنْ لَا يُعْصَى اللَّهُ بِنِعَمِهِ. فَقَالَ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ حَظُّك مِنْ اللَّهِ لِسَانَك،، قَالَ الْجُنَيْدُ؛ فَلَا أَزَالُ أَبْكِي عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الْأَمِيرُ. (وَلَوْ) كَانَ مَا خُلِقْت لَهُ (مُبَاحًا ضَرُورِيًّا - كَالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ - فَلَيْسَ فَاعِلُ الْمُبَاحِ كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ)
لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيمَا خُلِقَ لَهُ (فَإِنْ نَوَى خَيْرًا) - كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ وَكَفِّ الشَّهْوَةِ عَمَّا لَا يُرْضِي اللَّهَ (فَطَاعَةٌ) : أَيْ فَصَارَ الْمُبَاحُ طَاعَةً يُثَابُ عَلَيْهِ (بِ) سَبَبِ (النِّيَّةِ) الْحَسَنَةِ.
(وَحَمْدُهُ تَعَالَى) فِي عُرْفِ النَّاسِ الْعَامِّ، إذْ بِتَعْرِيفِهِ الْآتِي لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّرْعِ
ــ
[حاشية الصاوي]
لِخَلْقِهِ لَا لَهُ.
قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] : أَيْ إلَّا لِيَئُولَ أَمْرُهُمْ لِعِبَادَتِي كَمَا سَبَقَتْ بِهِ حِكْمَتِي فَتَعُودُ مَصَالِحُ عِبَادَتِهِمْ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا تَعْرِيفٌ لِلشُّكْرِ التَّامِّ] : أَيْ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ صَرْفُ الْعَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ إلَى مَا خُلِقَ لِأَجْلِهِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ كَانَ مَا خُلِقَتْ لَهُ] : الْمُنَاسِبُ وَلَوْ كَانَ الصَّرْفُ فِيمَا خُلِقَتْ لَهُ.
قَوْلُهُ: [كَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ] إلَخْ: كُلٌّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّقْوَى عَلَى الطَّاعَةِ وَكَفِّ الشَّهْوَةِ يَصْلُحُ فِي الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ.
قَوْلُهُ: [أَيْ فَصَارَ الْمُبَاحُ طَاعَةً] : أَيْ وَهَذِهِ الْمَقَاصِدُ لَا تُفَارِقُ الْمَعْصُومِينَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ.
قَوْلُهُ: [لَيْسَ خَاصًّا بِالشَّرْعِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ الشَّرْعِيَّ هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ بِالْكَمَالَاتِ.
وَلَا بِالصُّوفِيَّةِ وَلَا بِأَهْلِ الْكَلَامِ وَإِنْ قِيلَ بِكُلٍّ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ: الْحَمْدُ الْمَطْلُوبُ الِابْتِدَاءُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ اللُّغَوِيُّ لِأَنَّ الْعُرْفَ أَمْرٌ طَارِئٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ وَعَظَّمَ عَدَدَ مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ - إذْ حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ الْعُرْفَ الْعَامَّ فَمِنْ أَيْنَ طُرُوُّهُ؟ نَعَمْ قَدْ وَرَدَ: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ» بِالرَّفْعِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اللِّسَانِيَّ مِنْ قَبِيلِ:
وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتُهُ بِالْوَارِدِ
قَالَهُ أُسْتَاذُنَا الْأَمِيرُ.
(فِعْلٌ) الْمُرَادُ الْفِعْلُ اللُّغَوِيُّ لِيَشْمَلَ مَا قَالَهُ مِنْ الِاعْتِقَادِ وَلَوْ عَلَى أَنَّهُ كَيْفٌ
ــ
[حاشية الصاوي]
وَقَوْلُهُ: [وَلَا بِالصُّوفِيَّةِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ عِنْدَهُمْ هُوَ شُهُودُ كَمَالَاتِ اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: [وَلَا بِأَهْلِ الْكَلَامِ] : أَيْ لِأَنَّ الْحَمْدَ عِنْدَهُمْ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ مُسْتَحِقٌّ لِلثَّنَاءِ.
قَوْلُهُ: [وَإِنْ قِيلَ بِكُلٍّ] : أَيْ قَوْلًا مَقْبُولًا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا لِلْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ الْعُرْفَ] إلَخْ: تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: [إذْ حَيْثُ كَانَ] إلَخْ: عِلَّةٌ لِمَحْذُوفٍ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ الشَّارِحِ تَقْدِيرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إذْ حَيْثُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [فَمِنْ أَيْنَ طُرُوُّهُ] : أَيْ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ قَرْنٍ.
قَوْلُهُ: [بِالرَّفْعِ] : أَيْ فَيُرَادُ بِهِ هَذَا اللَّفْظُ.
قَوْلُهُ: [فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ اللِّسَانِيَّ] : أَيْ وَهُوَ اللُّغَوِيُّ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلَى أَنَّهُ كَيْفٌ] : مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ هَذَا إذَا مَرَرْنَا عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ بَلْ وَلَوْ مَرَرْنَا عَلَى أَنَّهُ كَيْفٌ أَوْ انْفِعَالٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالِانْفِعَالِ وَالْكَيْفِ أَنَّ الْفِعْلَ الْإِيجَادُ، وَالِانْفِعَالَ التَّأَثُّرُ، وَالْكَيْفَ الْأَثَرُ النَّاشِئُ عَنْهُمَا، وَمَثَّلُوا الثَّلَاثَة بِوَضْعِ الْخَاتَمِ مُلَوَّثًا بِالْحِبْرِ فِي الْكَاغِدِ فَالْوَضْعُ فِعْلٌ، وَانْطِبَاعُ الْكَاغِدِ بِالْوَضْعِ انْفِعَالٌ، وَالْأَثَرُ الَّذِي يَظْهَرُ وَيُقْرَأُ كَيْفٌ فِعْلِيٌّ. كَلَامُ الشَّارِحِ يُقَالُ لِلْكُلِّ فِعْلٌ لُغَوِيٌّ.
أَوْ انْفِعَالٌ (يُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ الْمُنْعِمَ) عَلَى الْحَامِدِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ (اعْتِقَادًا أَوْ إقْرَارًا بِاللِّسَانِ أَوْ عَمَلًا بِالْجَوَارِحِ) .
(فَالْحَامِدُ أَعَمُّ) مِنْ الشَّاكِرِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيرِ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ فِيمَا حَقَّقَهُ عَلَى مُقَدِّمَةِ الْفَاضِلِ الصَّبَّانِ فَعَلَيْك بِهَا.
(فَأَهْلُ الشُّكْرِ صَفْوَةُ اللَّهِ تَعَالَى) اصْطَفَاهُمْ وَخَلَّصَهُمْ مِنْ كَدَرِ الْقَلْبِ وَيُقَالُ لَهُمْ: صُوفِيَّةٌ: مِنْ صَفَا يَصْفُو إذَا خَلَصَ، أَوْ مِنْ صُوفِيَ إذَا صَافَاهُ غَيْرُهُ، أَوْ نِسْبَةً لِلُبْسِ الصُّوفِ؛ لِأَنَّهُ شَأْنُهُمْ تَبَاعُدًا عَنْ التَّرَفُّهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُرْسِيُّ:
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [عَلَى الْمَشْهُورِ] : رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ النِّعْمَةِ الَّتِي وَقَعَ الْحَمْدُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَاصِلَةً لِخُصُوصِ، الْحَامِدِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى كَوْنِهِ مُنْبِئًا بِكَوْنِهِ مُنْعِمًا عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ، وَمُقَابِلُهُ يَخُصُّهَا بِالْحَامِدِ فَيَكُونُ عَلَى مُقَابِلِهِ مُرَادِفًا لِلشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ.
قَوْلُهُ: [اعْتِقَادًا] : أَعْرَبَهُ الشَّارِحُ خَبَرًا لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ.
قَوْلُهُ: [فَالْحَامِدُ] : أَيْ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ.
وَقَوْلُهُ: [أَعَمُّ مِنْ الشَّاكِرِ] : أَيْ بِالْمَعْنَى الِاصْطِلَاحِيِّ أَيْضًا. وَأَمَّا النِّسْبَةُ بَيْنَ الْحَمْدِ الِاصْطِلَاحِيِّ وَالشُّكْرِ اللُّغَوِيِّ فَإِمَّا التَّرَادُفُ أَوْ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ الْمُطْلَقُ.
قَوْلُهُ: [عَلَى مُقَدِّمَةِ الْفَاضِلِ الصَّبَّانِ] : أَيْ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ.
قَوْلُهُ: [صَفْوَةُ اللَّهِ] : هُوَ مَصْدَرٌ لِصَفَا فَهُوَ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي زَيْدٍ عَدْلٌ.
قَوْلُهُ: [مِنْ صَفَا يَصْفُو إذَا خَلَصَ] : وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ.
قَوْلُهُ: [أَوْ مِنْ صُوفِيَ إذَا صَافَاهُ غَيْرُهُ] : أَيْ وَقَدْ أَفَادَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ الْعَارِفِينَ بِقَوْلِهِ:
صَافَى فَصُوفِيَ لِهَذَا سُمِّيَ الصُّوفِيُّ
قَوْلُهُ: [تَبَاعُدًا عَنْ التَّرَفُّهِ] : عِلَّةٌ لِكَوْنِهِ شَأْنَهُمْ فَهُوَ عِلَّةُ لِلْعِلَّةِ.
قَوْلُهُ: [قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ] هَكَذَا كُنْيَتُهُ وَاسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْأَنْصَارِيُّ وَالْمُرْسِي نِسْبَةٌ لِمُرْسِيَةَ قَرْيَةٍ بِالْأَنْدَلُسِ وُلِدَ بِهَا وَتُوُفِّيَ بِثَغْرِ إسْكَنْدَرِيَّةَ عَامَ سِتِّمِائَةٍ وَسَبْعَةٍ وَثَمَانِينَ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الْقُطْبِ الْكَبِيرِ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاذِلِيِّ وَوَارِثُ حَالِهِ وَسَلَكَ
الصُّوفِيُّ مُرَكَّبٌ مِنْ حُرُوفٍ أَرْبَعَةٍ فَالصَّادُ صَبْرُهُ وَصِدْقُهُ وَصَفَاؤُهُ وَالْوَاوُ وَجْدُهُ وَوُدُّهُ وَوَفَاؤُهُ وَالْفَاءُ فَقْدُهُ وَفَقْرُهُ وَفَنَاؤُهُ وَالْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ إذَا تَكَمَّلَ نُسِبَ إلَى حَضْرَةِ مَوْلَاهُ، وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يَكُونُ الصُّوفِيُّ صُوفِيًّا حَتَّى لَا يَكْتُبَ عَلَيْهِ كَاتِبُ الشِّمَالِ شَيْئًا عِشْرِينَ سَنَةً أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْهُ ذَنْبٌ، بَلْ كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ: أَيْ أَنَّهُ لَا قَرَارَ لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ (مِنْ عِبَادِهِ وَهُمْ
ــ
[حاشية الصاوي]
بِصُحْبَتِهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ: التَّاجُ السَّكَنْدَرِيُّ، وَسَيِّدِي يَاقُوتُ الْعَرْشِيُّ، وَابْنُ النَّحَّاسِ النَّحْوِيُّ، وَالْبُوصَيْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
قَوْلُهُ: [فَالصَّادُ صَبْرُهُ] إلَخْ: هَذِهِ الْمَعَانِي إشَارِيَّةٌ وَالصَّبْرُ عِنْدَهُمْ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ رُؤْيَةِ الْغَيْرِ.
وَقَوْلُهُ: [وَصِدْقُهُ] : هُوَ التَّبَرِّي مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ.
وَقَوْلُهُ: [وَصَفَاؤُهُ] : أَيْ خُلُوصُ سَرِيرَتِهِ مِنْ الْكَدَرَاتِ الْبَشَرِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [وَجْدُهُ] : الْوَجْدُ هُوَ تَلَهُّبُ الْقَلْبِ لِلِقَاءِ الْمَحْبُوبِ.
قَوْلُهُ: [وَوُدُّهُ] : أَيْ وَهُوَ الْحُبُّ وَعَلَامَتُهُ بَذْلُ النَّفْسِ فِيمَا يُرْضِي مَحْبُوبَهُ وَكَثْرَةُ لَهَجِهِ بِذِكْرِهِ.
قَوْلُهُ: [وَوَفَاؤُهُ] : أَيْ بِالْعَهْدِ الْمَأْخُوذِ يَوْمَ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} [الأعراف: 172] بِقِيَامِهِ بِوَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [فَقْدُهُ] : الْفَقْدُ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْعَبْدِ عِنْدَ غَلَبَةِ التَّوْحِيدِ عَلَى قَلْبِهِ فَيَفْنَى عَنْ رُؤْيَةِ الْأَحْوَالِ.
وَقَوْلُهُ: [وَفَقْرُهُ] : أَيْ خُلُوُّ قَلْبِهِ مِنْ رُؤْيَةِ الْكَوْنَيْنِ وَهُوَ الْوَصْفُ الذَّاتِيُّ لِلْعَبْدِ.
وَقَوْلُهُ: [وَفَنَاؤُهُ] : وَهُوَ عَدَمُ شُعُورِهِ بِشَيْءٍ سِوَى مَوْلَاهُ، وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ فَنَاءٌ فِي شُهُودِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَرَى فِعْلًا إلَّا لِلَّهِ، وَفَنَاءٌ فِي شُهُودِ الصِّفَاتِ فَلَا يَرَى إلَّا صِفَاتِ اللَّهِ، وَفَنَاءٌ فِي شُهُودِ الذَّاتِ فَلَا يَرَى إلَّا ذَاتَ اللَّهِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَلِكِبَارِ الْأَوْلِيَاءِ.
قَوْلُهُ: [قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِمْهَالِ] : أَيْ وَهِيَ سِتُّ سَاعَاتٍ يَقُولُ فِيهَا كَاتِبُ الْيَمِينِ لِكَاتِبِ الشِّمَالِ أَمْهِلْهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ.
قَوْلُهُ: [مِنْ عِبَادِهِ] : مُتَعَلِّقٌ بِصَفْوَةٍ أَيْ اصْطَفَاهُمْ وَخَلَّصَهُمْ اللَّهُ دُونَ سَائِرِ