الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا
وَالْهِبَةُ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمَنْدُوبَةِ كَالصَّدَقَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَحَبَّةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ، وَهَذَا إنْ صَحَّ الْقَصْدُ. (الْهِبَةُ) : بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ: وَهُوَ فِعْلُ الْعَبْدِ (تَمْلِيكُ مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ) مِنْ
ــ
[حاشية الصاوي]
[بَابٌ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَأَحْكَامِهَا]
[أَرْكَانَ الْهِبَة]
بَابٌ:
الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَقْفِ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الْمَعْرُوفُ وَالْخَيْرُ وَنَفْيُ الْعِوَضِيَّةِ، وَأَمَّا هِبَةُ الثَّوَابِ فَكَالْبَيْعِ وَلِذَا ذَكَرَهَا آخَرَ الْبَابِ كَالتَّبَعِ، وَهَبَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرٌ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ وَهَبْت لَهُ وَهْبًا بِإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا وَهِبَةً. وَالِاسْمُ الْمَوْهِبُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَالْمَوْهِبَةُ وَالِاتِّهَابُ قَبُولُ الْهِبَةِ، وَالِاسْتِيهَابُ سُؤَالُ الْهِبَةِ وَتَوَاهَبَ الْقَوْمُ إذَا وَهَبَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَوَهَبْته كَذَا لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْكَثِيرُ تَعْدِيَتُهُ بِاللَّامِ وَرَجُلٌ وَهَّابٌ وَوَهَّابَةٌ، أَيْ كَثِيرُ الْهِبَةِ لِأَمْوَالِهِ.
قَوْلُهُ: [الْمَنْدُوبَةِ] إلَخْ: أَيْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ، وَحَكَى ابْنُ رَاشِدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ. قَالَ (بْن) وَقَدْ قِيلَ لَا ثَوَابَ فِيهَا وَمِنْ لَازِمِ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُهْدِيَ إذَا قَصَدَ الرِّيَاءَ وَالْمَدْحَ فَلَا ثَوَابَ لَهُ، وَإِنْ قَصَدَ التَّوَدُّدَ لِلْمُعْطِي غَافِلًا عَنْ حَدِيثِ:«تَهَادَوْا تَحَابُّوا» . فَكَذَلِكَ وَإِنْ اسْتَحْضَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُثَابُ قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ (اهـ) وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَهَذَا إنْ صَحَّ الْقَصْدُ لِأَنَّ مَعْنَى صِحَّةِ الْقَصْدِ مُطَابَقَتُهُ لِلْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ.
قَوْلُهُ: [بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ] : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ " تَمْلِيكُ " إذْ هُوَ فِعْلٌ وَهُوَ صِفَةُ الْمُمَلِّكِ الَّذِي هُوَ الْوَاهِبُ لِيَحْتَرِزَ بِذَلِكَ مِنْ الْهِبَةِ بِمَعْنَى الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، إذْ لَا يَصِحُّ الْإِخْبَارُ عَنْهُ بِتَمْلِيكٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُرَادَ هُنَا الْمَعْنَى الِاسْمِيِّ، وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ فِي الْخَبَرِ فَيُقَالُ الْهِبَةُ ذَاتُ تَمْلِيكٍ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَارْتَفَعَ ارْتِفَاعَهُ.
قَوْلُهُ: [مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ] : أَيْ مَنْ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالذَّاتِ الْمَوْهُوبَةِ فِي غَيْرِ هِبَةٍ،
إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ (ذَاتًا) خَرَجَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ كَالْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ وَالْوَقْفِ وَالْعُمْرَى وَإِخْدَامِ الرَّقِيقِ (تُنْقَلُ شَرْعًا) خَرَجَ بِهِ مَا لَا يَقْبَلُهُ شَرْعًا كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ (بِلَا عِوَضٍ) خَرَجَ بِهِ الْبَيْعُ وَمِنْهُ هِبَةُ الثَّوَابِ (لِأَهْلٍ) : أَيْ مُسْتَحِقٍّ، خَرَجَ الْحَرْبِيُّ وَنَحْوُ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِذِمِّيٍّ (بِصِيغَةٍ) صَرِيحَةٍ (أَوْ مَا يَدُلُّ) عَلَى التَّمْلِيكِ، وَإِنْ مُعَاطَاةً، إنْ كَانَ لِذَاتِ الْمُعْطِي فَقَطْ. (وَ) التَّمْلِيكُ، (لِثَوَابِ الْآخِرَةِ) وَلَوْ مَعَ قَصْدِ الْمُعْطِي أَيْضًا (صَدَقَةً) ؛ فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيرًا قَبْلَ قَوْلِهِ:" وَلِثَوَابِ الْآخِرَةِ " دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَنْ لَهُ التَّبَرُّعُ " الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالرَّقِيقُ، وَالسَّفِيهُ وَمَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ، وَالسَّكْرَانُ، وَكَذَا الْمَرِيضُ، وَالزَّوْجَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِمَا. إلَّا أَنَّ هِبَتَهُمَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَحِيحَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْوَارِثِ وَالزَّوْجِ، فَكَذَا مَنْ أَحَاطَ الدِّينُ بِمَالِهِ، فَإِنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ - بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ فَبَاطِلَةٌ - كَالْمُرْتَدِّ.
ــ
[حاشية الصاوي]
وَإِنَّمَا قَدَّرْنَا ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَ شَرْطُ الشَّيْءِ فِي نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ مِمَّنْ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْهِبَةِ وَقْفًا أَوْ صَدَقَةً أَيْ أَنَّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَهَبَ تِلْكَ الذَّاتَ وَمَنْ لَا فَلَا.
قَوْلُهُ: [كَالْإِجَارَةِ] إلَخْ: أَيْ وَكَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْوَكَالَةِ. فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ تَمْلِيكُ ذَاتٍ.
قَوْلُهُ: [كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ] : أَيْ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ ذَاتِهِمَا لِلْغَيْرِ.
قَوْلُهُ: [خَرَجَ الْحَرْبِيُّ] : أَيْ فَلَا تَصِحُّ لَهُ الْهِبَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا دَامَ حَرْبِيًّا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَفْعُهُ وَلَا التَّوَدُّدُ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: [لِذِمِّيٍّ] : قَيْدٌ فِي الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَأَمَّا هِبَةُ غَيْرِ الْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِذِمِّيٍّ فَجَائِزَةٌ. وَالْمُرَادُ بِالذِّمِّيِّ مَا عَدَا الْحَرْبِيَّ.
قَوْلُهُ: [بِصِيغَةٍ] إلَخْ: مُتَعَلِّقٌ بِتَمْلِيكِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ تَمْلِيكٌ مُصَاحِبٌ لِصِيغَةٍ.
قَوْلُهُ: [فَعُلِمَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيرًا] : أَيْ وَهُوَ قَوْلُهُ إنْ كَانَ لِذَاتِ الْمُعْطَى، فَقَطْ.
قَوْلُهُ: [دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ] : أَيْ لِأَنَّ الْعَاطِفَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَيْءٍ يُعْطَفُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلَامِ صَرِيحًا.
قَوْلُهُ: [بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ] إلَخْ: إنَّمَا كَانَتْ بَاطِلَةً فِي الْمَجْنُونِ وَالسَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الشَّأْنَ فِي فِعْلِهِمْ عَدَمُ الْمَصْلَحَةِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ وَالزَّوْجَةِ وَالْغَرِيمِ،