الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكنه كان دائبا على إظهار مالا يخفيه، فقد وقف كذلك، والجيش الإسلامى قد عاد جريحا، ولم يكن مهزوما، وقد وقف كما كان يقف كل جمعة، فأدرك المؤمنون تهكمه، وأخذوه بثيابه، وقالوا: اجلس أى عدو الله والله لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت.
فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: «والله لكأنما قلت هجرا أن قمت أشدد أمره.. فوثب إليّ رجال يجبذوننى» .
قال له رجال من الأنصار: ارجع يستغفر لك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، قال: والله ما أبغى أن يستغفر لى، إنه يقول يريد الشماتة، وكما قال سبحانه وتعالى فيه وفي أصحابه، ومرضى القلوب:
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ. وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ.
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (محمد- 31) ..
أصابت المنافقين فرحة شديدة، قد بدت البغضاء من أفواههم، وكما قال سبحانه وتعالى:
إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها، وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً، إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (آل عمران- 120) .
هذا ما كان من أهل النفاق
اليهود:
436-
كانت فرحة اليهود شديدة، وأوجدت فيهم طمعا، إنهم موتورون من المسلمين بما كان لبنى قينقاع جزاء ما اقترفوا، وكانوا يتوقعون أن ينزل بهم ما نزل بهم، فلما كانت أحد طمعوا بدل أن يستمر خوفهم، وظنوها فرصة سنحت، وكانوا يتربصون بالمؤمنين الدوائر.
ولا شك أن فرحتهم كانت عظيمة، وخصوصا أنه كان منهم من قاتل مع المشركين، وهو أبو عمار الراهب، وحسب أن مجيئه يخذل أهل يثرب عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ولقد بدت البغضاء من أقوالهم، وأفعالهم، حتى ليهمون أن يقتلوا النبى صلى الله عليه وسلم غيلة بأن يرموا عليه صلى الله تعالى عليه وسلم حجرا من سطح بعض بيوتهم، ومعه أصحابه أبو بكر، وعمر، وعلى، رضى الله تعالى عنهم جميعا، ولكن الله تعالى نجاه منهم.
وقد كان المسلمون يظنون بهم الظنون لفرط ما كان من عداوتهم سرا وجهرا، وظاهرا وباطنا.
ويجب أن نقول هنا ما قاله الله سبحانه وتعالى فيهم لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (آل عمران: 113) .
وإن أولئك هم الذين أسلموا من اليهود عند حضور النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة المنورة كعبد الله بن سلام، وفريقه الذين آمنوا بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم فله جزاء- الحسنيان.
ومعهم عدد قليل أسلموا مخلصين في شدة أحد، ويذكر التاريخ منهم مخيرق، قال فيه ابن إسحاق: كان ممن قتل يوم أحد، مخيرق، وكان أحد بنى ثعلبة، فلما كان يوم أحد قال: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن قصد محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالى إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم يصنع به ما شاء، ثم غدا فقاتل مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى قتل، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
مخيرق خير يهود.
وقد روى السهيلى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جعل أموال مخيرق وكانت سبع حوائط، أى حدائق- أوقافا في المدينة المنورة.
ويظهر أنها كانت أوّل أوقاف سنها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهى حجة للذين أجازوا الأحباس ولم يمنعوها، فهى عمل نبوى ثابت إلى يوم القيامة.
ولقد دخل بعض أهل يثرب ممن لم يكونوا دخلوا في الإسلام حرب أحد، فأسلموا وقتها، ومن هؤلاء أصرم بن عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش.
أخذته الحمية عند ما جاءت قريش، ومعها الأحابيش وغيرهم يغيرون على المدينة المنورة في أحد، فخرج مع المحاربين وقد دخل الإيمان قلبه، وكان من قبل يأبى الإسلام على نفسه ويستنكره من قومه، فلما كان يوم أحد حمل سيفه، ودخل في عرض الناس، فقاتل، حتى أثبتته الجراح، وبينما رجال من بنى عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: إن هذا للأصيرم، وما جاء به ولقد تركناه وإنه لمنكر، فسألوه فقالوا ما جاء بك يا عمرو أحدب على قومك أم رغبة في الإسلام؟ فقال رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله وأسلمت، ثم أخذت سيفى، وغزوت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقاتلت حتى أصابنى ما أصابني، فلم يلبث أن مات.
وقد أسلم وهو داخل المعركة، وآمن بالله ورسوله، ولم يكن وقت بين إسلامه وتقدمه للصلاة ومقتله، وقد شهد له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالجنة.