الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صوم رمضان
373-
هذا ما يتعلق بالقبلة، أما فريضة صوم رمضان، فقد روى ابن جرير أن ذلك كان في شعبان كما كان فيه تحويل القبلة إلى الكعبة الشريفة، فهو شهر مبارك.
وقد روى أن فريضة الصوم أخذت ثلاثة أدوار:
الدور الأوّل:
كانت عند ما قدم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة المنورة، فقد وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم عنه، فقالوا: هذا يوم نجى الله سبحانه وتعالى فيه موسى، فقال عليه الصلاة والسلام: نحن أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر الناس بصيامه. هذا هو الدور الأوّل، وقد يفهم منه أن ذلك كان باجتهاد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ونحن لا بد أن نقدر مع ذلك وحى الله سبحانه وتعالى، وإلا ما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ليأمر الناس بعبادة إن لم يكن قد نزل وحى الله سبحانه وتعالى بذلك.
الدور الثانى:
عند ما نزل قول الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة- 183، 184) .
وقد قال ابن كثير في هذا الدور أنه كان المؤمن بخيار بين أن يصوم، وبين أن يفطر، وهذا نص قوله في هذا الدور، فكان من شاء صام، ومن شاء أطعم مسكينا، فأجزأ عنه. وفي ذلك نظر سنبديه، إن شاء الله تعالى بعد ذكر
الدور الثالث
.
الدور الثالث:
هو فريضة الصيام في شهر رمضان، فقد قال الله سبحانه وتعالى: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ، وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ، فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (البقرة- 185) .
ويذكر ابن كثير في هذا الدور حالين:
إحداهما: أنهم كانوا يأكلون ويشربون حتى يناموا، فإذا ناموا امتنعوا.
والحال الثانية: وهى الأخيرة أن الله سبحانه وتعالى أباح لهم الرفث إلى نسائهم وأن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وقد بين الله سبحانه وتعالى هذه الحال الأخيرة بقوله سبحانه وتعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ، وَعَفا عَنْكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ، وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ، تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها، كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (البقرة- 187) .
ولنا أن ننظر في كلام الحافظ ابن كثير من نواح عدة:
الأولى: أنه ذكر أنه عند فريضة الصوم كان المؤمن مخيرا بين أن يصوم، وأن يفطر، ويقدم فدية طعام مسكين، ولعله فهم هذا من قول الله سبحانه وتعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ ونحن نرى متبعين للسلف أو على الأقل لبعضهم أنه لم يكن تخيير بين الصوم والإفطار- أولا، لأن ذلك ينافى الفريضة، وقد ثبتت الفريضة مؤكدة في قول الله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ (البقرة: 183، 184) . فقد تأكدت الفريضة بالتعبير عنها «بكتب» وبيان أن فريضة الصيام شريعة أزلية، دائمة كتبت على المؤمنين، كما كتبت على غيرهم، ثم أفاد كلام الله سبحانه وتعالى أنها ذريعة إلى تقوى الله، وتقوى الله مطلوبة في كل الأحوال.
الثانية: أن الله سبحانه وتعالى فرض على المترخص بالسفر أو المريض أن يصوم في أيام أخر، فدل على أن الأيام محدودة معلوم وقتها، وعلى أنها لا تفوت وتترك إذا كانت أعذار، بل يجب أن تقضي، ولو كان ثمة تخيير لذكر التخيير هنا وما وجب القضاء في أيام أخر، ويكون ذلك للمسافر أو المريض المقيم.
والثالثة: أن آية كتب عليكم الصيام، فى سياقها شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة: 185) فلا يعقل أن تكون آيتان في نص واحد، إحداهما ناسخة والآخرى منسوخة، بل المعنى المتسق هو أن يكون قول الله سبحانه وتعالى شهر رمضان بيانا للأيام المعدودة.
والرابعة: أن قول الله سبحانه وتعالى: «يطيقونه» ، معناها الذين يبلغون أقصى الطاقة في الصوم، ولا قبل لهم بالإعادة من بعد، فإن عليهم الفدية، وقد روى أن هذا النص ينطبق على الشيخ والشيخة