الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك لما كان من عامر بن الطفيل، وقتل أكثر من سبعين والقراء من المؤمنين خديعة وغدرا مما يدل على الاستهانة بالرسول وجيشه بعد غزوة أحد التى ادعى فيها بغير الحق هزيمة المؤمنين وإشاعة ذلك فى الصحراء ليستردوا هيبتهم، ويحرضوا العرب على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المؤمنين.
وكان لا بد للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم من أن يعلن قوة الإيمان، وأن يقتص من الذين قتلوا الأبرار الأتقياء من أصحابه غدرا وخيانة.
خرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في أربعمائة رجل كما ذكرنا، فوجد جمعا عظيما من غطفان، فلما تراءى الجمعان تهيب كل صاحبه، ويقول ابن إسحاق خاف الناس بعضهم بعضا، ولم يكن قتال، فلم ينل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم منهم، ولم يقتص لأولئك الأبرار الذين قتلوا خيانة وغدرا.
ولكنهم إذا كانوا لم يقتصوا منهم لكثافة عددهم وكانوا عددا كبيرا وبعد الشقة بين موضع القتال والمدينة، فإن النبى عليه الصلاة والسلام قد أرهبهم، واسترد ما كان للجيش الإسلامى من هيبة، وذهبت سورة ما أنشأته قريش لنفسها..
وفوق ذلك، ارتاد البلاد العربية، وتعرف مداخلها، ثم أشار لقريش إلى أنه يرصدهم كل مرصد، ويتتبع متاجرهم إن أراد، وما كان الدخول في معركة يشك في نتيجتها خيرا من أن يصل إلى الأمور من غير حرب، وأما القصاص لأولئك الأبرياء الذين ذهبوا في غدر دنيء، وخفر للعهد لا يرضى عنه عربي، ولا يقبله من له مروءة، فإن أمر ذلك إلى الله، والمستقبل القريب، وإن ربك لبالمرصاد، وما كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لينتقم إذا استجابوا لله وآمنوا بما أنزل على الرسول.
صلاة الخوف
451-
كانت الأهبة للحرب من جانبهم عنيفة شديدة، وإن كان الله تعالى قد ألقى في قلوبهم الرعب، وكان على المؤمنين أن يحذروهم، ولقد كان المشركون يتفاهمون فيما بينهم على أن ينقضوا على المسلمين إذا حان وقت صلاتهم، وهم يعلمون، وجرى على ألسنتهم أن الصلاة أحب إليهم من كل شيء، فكانوا يطمعون أن يصيبوا منهم غرة وقت صلاتهم، ولكن الله تعالى قد علم جنده الحذر، فقال عز من قائل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ (النساء- 71) .
ولذلك شرعت صلاة الخوف لمثل هذه الحال، ونزلت آية شرعيتها في هذه الغزوة، فقال تعالت كلماته: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً. وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ، فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ، وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ، وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا، فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ، وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ، فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ، وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً. فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً، وَعَلى جُنُوبِكُمْ، فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً. وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ، وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (النساء- 104) .
ويظهر أن الآيات الكريمات قد نزلت في وقت ذلك اللقاء بين المؤمنين والمشركين الذى كان فيه الحذر من الجانبين، وهذه الآيات تدل على أحكام شرعية.
أولها: قصر الصلاة الرباعية لأجل السفر أو الخوف ودل على ذلك قوله تعالى: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ.
وثانيها: أنها ثبتت صلاة الخوف بها، وظاهرها الذى تدل عليه أنه يصلى ركعتين، وليحرم الجميع بالصلاة معه، ولكن تجيء طائفة منهم النبى بأسلحتها، ولتصل معهم ركعة، والطائفة الآخرى تحرس المصلين مع تسلح المصلين أنفسهم، فإذا أتم الركعة مع هذه الطائفة، تأتى الطائفة الآخرى، مع أسلحتها، ولتأخذ حذرها، ويصلى صلى الله تعالى عليه وسلم الركعة الثانية مع الطائفة الآخري، ويسلم صلى الله تعالى عليه وسلم عند كمال صلاته.
ومن بعد ذلك تصلى كل طائفة الركعة الباقية لها مع بقاء الآخرى حارسة، فالطائفة التى ابتدأت الصلاة مع النبى تكون ركعتها لاحقة لأنها الثانية، والطائفة الآخرى التى جاءت الأولى تصلى مسبوقة، لأن مافاتها هو الركعة الأولى.
ونلاحظ في صلاة الخوف:
أولا- أنها ركعتان، وروى أنها كانت الأربع في حال الخوف من غير سفر، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكذلك كل إمام يقسم المسلمين فرقتين إحداهما تحرس، وقد أحرمت للصلاة، ويصلى بالآخرى- وإن ذلك يقتضى الحراسة الدائمة، مع عدم الانقطاع عن الصلاة.
وثانيا: أن الصلاة تكون بإمامة القائد، أو من يقوم مقامه ليكون الجمع بين الصلاة والإمامة أى تكون الصلاة جماعة.
وثالثا: أن ينتفع الجميع بفضل الجماعة فإن فضل الجماعة ينالها الملاحق، وهو الذى يقطع الصلاة بعد الدخول فيها، ثم يتمها، والمسبوق، وهو يتأخر دخوله فيها، ثم يعيد ما سبق به. وله فضل الجماعة.
وقد روى ابن هشام عدة روايات في صلاة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في الخوف وقد تعددت هذه الصلاة في مواطن كثيرة، ولبها واحد.
فقد روى عن جابر بن عبد الله قال: «صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم، وطائفة مقبلون على العدو، جاؤا فصلى بهم ركعتين أخريين» .
والآية تنطبق على هذه الرواية ولا تخرج عما قلنا، بيد أن الرواية تدل على أن النبى صلى بهم أربعا، وكل صلى ما فاته. وروى عن جابر أيضا قال: صلى بنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فركع بنا جميعا، ثم سجد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسجد معه الصف الأوّل فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم، ثم تأخر الصف الأوّل، وتقدم الصف الثانى حتى قاموا مقامهم، ثم ركع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بهم جميعا، ثم سجد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه، فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون بأنفسهم فركع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بهم جميعا، وسجد كل واحد منهم بأنفسهم سجدتين.
وإننا نرى في عبارة هذه الرواية اضطرابا، ولا نرى أن الآية تنطبق عليها، والأولى أحق بالأخذ، وعليها الفقهاء الأربعة.
وتدل الآيات السابقة على أن الصلاة لا تسقط في سفر أو حضر، ولا أمن ولا خوف.
وأنها في الخوف والسفر قد تقصر، أو تكون بالإيماء، ولكن لا تسقط، لأنها ذكر الله، ويجب أن يكون العبد قائما به في كل حال، ولو على الجنوب.
وإنه إذا كان الأمن والاطمئنان يجب أن تقام الصلاة كاملة مقومة على وجهها بركوعها وسجودها. والائتمام الكامل والجماعة الكاملة كما قال تعالى: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (النساء- 103) أى معينا في مواقيته، لا يجوز التخلف عنها في أى حال، ولا عذر في تركها، لأنها مخاطبة العبد لربه، وذلك هو الدين القيم.